الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَقالَ المَلِكُ إنِّي أرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعَ عِجافٌ وسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابِساتٍ يا أيُّها المَلأُ أفْتُونِي في رُؤْيايَ إنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تَعْبُرُونَ﴾ ﴿قالُوا أضْغاثُ أحْلامٍ وما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلامِ بِعالِمِينَ﴾ ﴿وَقالَ الَّذِي نَجا مِنهُما وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أنا أُنَبِّئُكم بِتَأْوِيلِهِ فَأرْسِلُونِ﴾
المَعْنى: وقالَ المَلِكُ الأعْظَمُ: ﴿إنِّي أرى﴾ يُرِيدُ: في مَنامِهِ، وقَدْ جاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنِّي أرى في المَنامِ أنِّي أذْبَحُكَ﴾ [الصافات: ١٠٢]، وحُكِيَتْ حالٌ ماضِيَةٌ بِـ "أرى" وهو مُسْتَقْبِلٌ مِن حَيْثُ يَسْتَقْبِلُ النَظَرَ في الرُؤْيا.
﴿سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ﴾، يُرْوى أنَّهُ قالَ: رَأيْتُها خارِجَةً مَن نَهْرٍ، وخَرَجَتْ وراءَها سَبْعٌ عِجافٌ، فَرَأيْتُها أكَلَتْ تِلْكَ السِمانَ حَتّى حَصَلَتْ في بُطُونِها، ورَأى السَنابِلَ أيْضًا كَما ذَكَرَ، والعِجافُ: الَّتِي بَلَغَتْ غايَةَ الهُزالِ، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
(p-٩٤)...................
؎ ورِجالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجافُ
ثُمَّ قالَ لِجَماعَتِهِ وحاضِرِيهِ: ﴿يا أيُّها المَلأُ أفْتُونِي﴾. قَرَأتْ فِرْقَةٌ بِتَحْقِيقِ الهَمْزَتَيْنِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ بِأنْ لَفَظَتْ بِألِفِ "أفْتُونِي" واوًا. وقَوْلُهُ: ﴿لِلرُّؤْيا﴾ دَخَلَتِ اللامُ لِمَعْنى التَأْكِيدِ والرَبْطِ، وذَلِكَ أنَّ المَفْعُولَ إذا تَقَدَّمَ حَسُنَ في بَعْضِ الأفْعالِ أنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ لامُ الجَرِّ، وإذا تَأخَّرَ لَمْ يَحْتَجِ الفِعْلُ إلى ذَلِكَ، و(عِبارَةُ الرُؤْيا): مَأْخُوذَةٌ مِن: عَبَرَ النَهْرَ، وهو تَجاوُزُهُ مِن شَطٍّ إلى شَطٍّ، فَكَأنَّ عابِرَ الرُؤْيا يَنْتَهِي إلى آخِرِ تَأْوِيلِها.
وقَوْلُهُ: ﴿قالُوا أضْغاثُ أحْلامٍ﴾ الآيَةُ. الضِغْثُ -فِي كَلامِ العَرَبِ - أقَلُّ مِنَ الحُزْمَةِ وأكْثَرُ مِنَ القَبْضَةِ مِنَ النَباتِ والعُشْبِ ونَحْوِهِ، ورُبَّما كانَ ذَلِكَ مِن جِنْسٍ واحِدٍ، ورُبَّما كانَ مِن أخْلاطِ النَباتِ، فَمِن ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا﴾ [ص: ٤٤]، ورُوِيَ أنَّهُ أخَذَ (عِثْكالًا) مِنَ النَخْلِ، ورُوِيَ أنَّ النَبِيَّ ﷺ فَعَلَ نَحْوَ هَذا في حَدٍّ أقامَهُ عَلى رَجُلِ زَمِنٍ، ومِن ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مُقْبِلٍ:
؎ خَوْدٌ كَأنَّ فِراشَها وُضِعَتْ بِهِ ∗∗∗ ∗∗∗ أضْغاثُ رَيْحانٍ غَداةَ شَمالٍ
(p-٩٥)وَمِنَ الأخْلاطِ قَوْلُ العَرَبِ في أمْثالِها: (ضِغْثٌ عَلى إبّالَةٍ)، فَيُشَبِّهُ اخْتِلاطَ الأحْلامِ بِاخْتِلاطِ الجُمْلَةِ مِنَ النَباتِ، والمَعْنى: أنَّ هَذا الَّذِي رَأيْتَ، أيُّها المَلِكُ، اخْتِلاطٌ مِنَ الأحْلامِ بِسَبَبِ النَوْمِ، ولَسْنا مِن أهْلِ العِلْمِ بِذَلِكَ، أيْ: بِما هو مُخْتَلِطٌ ورَدِيءٌ، فَإنَّما نَفَوْا عن أنْفُسِهِمْ عَبْرَ الأحْلامِ لا عَبْرَ الرُؤْيا عَلى الإطْلاقِ، وقَدْ قالَ النَبِيُّ ﷺ: « "الرُؤْيا مِنَ اللهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَيْطانِ".»«وَقالَ لِلَّذِي كانَ يَرى رَأْسَهُ يُقْطَعُ ثُمَّ يَرُدُّهُ فَيَرْجِعُ: "إذا لَعِبَ الشَيْطانُ بِأحَدِكم في النَوْمِ فَلا يُحَدِّثُ بِذَلِكَ".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فالأحْلامُ وحَدَثانِ النَفْسِ مُلْغاةٌ، الرُؤْيا هي الَّتِي تُعَبَّرُ ويُلْتَمَسُ عِلْمُها. والباءُ في قَوْلِهِ: "بِعالِمِينَ" لِلتَّأْكِيدِ، وفي قَوْلِهِ: "بِتَأْوِيلِ" لِلتَّعْدِيَةِ، وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: "بِعالِمِينَ".
و(الأحْلامِ): جَمْعُ حُلْمٍ، يُقالُ: حَلَمَ الرَجُلُ -بِفَتْحِ اللامِ- يَحْلُمُ إذا خُيِّلَ إلَيْهِ في مَنامِهِ، والأحْلامُ مِمّا أثْبَتَتْهُ الشَرِيعَةُ، وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: « "الرُؤْيا مِنَ اللهِ، وهي المُبَشِّرَةُ، والحُلْمُ المُحْزِنُ مِنَ الشَيْطانِ، فَإذا رَأى أحَدُكم ما يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَلى يَسارِهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ، ولِيَقُلْ: أعُوذُ بِاللهِ مِن شَرِّ ما رَأيْتُ، فَإنَّها لا تَضُرُّهُ".» وما كانَ عن حَدِيثِ النَفْسِ في اليَقَظَةِ فَإنَّهُ لا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ.
ولَمّا سَمِعَ الساقِي الَّذِي نَجا هَذِهِ المَقالَةَ مِنَ المَلِكِ ومُراجِعَةِ أصْحابِهِ تَذَكَّرَ يُوسُفَ (p-٩٦)وَعِلْمَهُ بِتَأْوِيلِ الأحْلامِ والرُؤى، فَقالَ مَقالَتَهُ في هَذِهِ الآيَةِ.
و”ادَّكَرَ" أصْلُهُ: اذْتَكَرَ، افْتَعَلَ مِنَ الذِكْرِ، قُلِبَتُ التاءُ دالًا وأُدْغِمَ الأوَّلُ في الثانِي، ثُمَّ بُدِّلَتْ دالًا غَيْرَ مَنقُوطَةٍ لِقُوَّةِ الدالِّ وجَلَدِها، وبَعْضُ العَرَبِ يَقُولُ: "اذَّكَّرَ"، وقُرِئَ: "فَهَلْ مِن مُذَّكِرٍ" بِالنُقَطِ، و"مِن مُدَّكِرٍ" عَلى اللُغَتَيْنِ، وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "بَعْدَ أُمَّةٍ" وهي المُدَّةُ مِنَ الدَهْرِ، وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ وجَماعَةٌ: "بَعْدَ أمَةٍ" وهو النِسْيانُ، وقَرَأ مُجاهِدٌ، وشُبَيْلُ بْنُ عَزْرَةَ: "بَعْدَ أمْهٍ" بِسُكُونِ المِيمِ، وهو مَصْدَرٌ مِن "أمِهَ" إذا نَسِيَ، وقَرَأ الأشْهَبُ العَقِيلِيُّ: "بَعْدَ إمَّةٍ" بِكَسْرِ الهَمْزَةِ، والإمَّةُ: النِعْمَةُ، والمَعْنى: بَعْدَ نِعْمَةٍ أنْعَمَها اللهُ عَلى يُوسُفَ في تَقْرِيبِ إطْلاقِهِ وعِزَّتِهِ. وبِقَوْلِهِ: "وادَّكَرَ" يُقَوِّي قَوْلَ مَن يَقُولُ: إنَّ الضَمِيرَ في "فَأنْساهُ" عائِدٌ عَلى الساقِي، والأمْرُ مُحْتَمَلٌ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ: "أنا أُنَبِّئُكُمْ"، وقَرَأ الحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ: "أنا آتِيكُمْ"، وكَذَلِكَ في مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وقَوْلُهُ: ﴿فَأرْسِلُونِ﴾ اسْتِئْذانٌ في المُضِيِّ، فَقِيلَ: كانَ السِجْنُ في غَيْرِ مَدِينَةِ المَلِكِ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما، وقِيلَ: كانَ فِيها.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويَرْسُمُ الناسُ اليَوْمَ سِجْنَ يُوسُفَ في مَوْضِعٍ عَلى النِيلِ بَيْنَهُ وبَيْنَ الفُسْطاطِ ثَمانِيَةُ أمْيالٍ.
{"ayahs_start":43,"ayahs":["وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّیۤ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَ ٰتࣲ سِمَانࣲ یَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافࣱ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَـٰتٍ خُضۡرࣲ وَأُخَرَ یَابِسَـٰتࣲۖ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِی فِی رُءۡیَـٰیَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡیَا تَعۡبُرُونَ","قَالُوۤا۟ أَضۡغَـٰثُ أَحۡلَـٰمࣲۖ وَمَا نَحۡنُ بِتَأۡوِیلِ ٱلۡأَحۡلَـٰمِ بِعَـٰلِمِینَ","وَقَالَ ٱلَّذِی نَجَا مِنۡهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعۡدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأۡوِیلِهِۦ فَأَرۡسِلُونِ"],"ayah":"وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّیۤ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَ ٰتࣲ سِمَانࣲ یَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافࣱ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَـٰتٍ خُضۡرࣲ وَأُخَرَ یَابِسَـٰتࣲۖ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِی فِی رُءۡیَـٰیَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡیَا تَعۡبُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق