الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ وعَلَّمْتَنِي مِنَ تَأْوِيلِ الأحادِيثِ فاطِرَ السَماواتِ والأرْضِ أنْتَ ولِيِّي في الدُنْيا والآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وألْحِقْنِي بِالصالِحِينَ﴾ ﴿ذَلِكَ مِن أنْباءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إلَيْكَ وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ أجْمَعُوا أمْرَهم وهم يَمْكُرُونَ﴾
قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ: "آتَيْتَنِ" و"عَلَّمْتَنِ" بِحَذْفِ الياءِ عَلى التَخْفِيفِ، وقَرَأ ابْنُ ذَرٍّ وحْدَهُ: "رَبِّ آتَيْتَنِي" بِغَيْرِ "قَدْ.
وذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ أنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَلامُ لَمّا عَدَّدَ في هَذِهِ الآيَةِ نِعَمَ اللهِ عِنْدَهُ تَشَوَّقَ إلى لِقاءِ رَبِّهِ ولِقاءِ الجِلَّةِ مِن صالِحِي سَلَفِهِ وغَيْرِهِمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ، ورَأى أنَّ الدُنْيا كُلَّها (p-١٥٦)قَلِيلَةٌ، فَتَمَنّى المَوْتَ في قَوْلِهِ: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وألْحِقْنِي بِالصالِحِينَ﴾. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: "لَمْ يَتَمَنَّ المَوْتَ نَبِيٌّ غَيْرُ يُوسُفَ "، وذَكَرَ المَهْدَوِيُّ تَأْوِيلًا آخَرَ -وَهُوَ الأقْوى عِنْدِي-: إنَّهُ لَيْسَ في الآيَةِ تَمَنِّي مَوْتٍ، وإنَّما عَدَّدَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَلامُ نِعَمَ اللهِ عِنْدَهُ، ثُمَّ دَعا أنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ النِعَمَ في باقِي عُمْرِهِ، أيْ: تَوَفَّنِي -إذا حانَ أجْلِي- عَلى الإسْلامِ، واجْعَلْ لَحاقِي بِالصالِحِينَ، وإنَّما تَمَنّى المُوافاةَ عَلى الإسْلامِ لا المَوْتَ. ووَرَدَ عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ...» الحَدِيثَ بِكَمالِهِ"، ورَوِيَ عنهُ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ أنَّهُ قالَ في بَعْضِ دُعائِهِ: « "وَإذا أرَدْتَ في الناسِ فِتْنَةً فاقْبِضْنِي إلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ"،» ورُوِيَ عن عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ أنَّهُ قالَ: "اللهُمَّ قَدْ رَقَّ عَظْمِي، واسْتَشْرَتْ رَغْبَتِي، فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مُقَصِّرٍ ولا عاجِزٍ".
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَيُشْبِهُ أنَّ قَوْلَ النَبِيِّ ﷺ: « "لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ"» إنَّما يُرِيدُ ضَرَرَ الدُنْيا كالفَقْرِ والمَرَضِ ونَحْوِ ذَلِكَ، ويَبْقى تَمَنِّي المَوْتِ مَخافَةَ فَسادِ الدِينِ مُباحًا، ويَدُلُّكَ عَلى هَذا قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: « "يَأْتِي عَلى الناسِ زَمانٌ يَمُرُّ فِيهِ الرَجُلُ بِقَبْرِ الرَجُلِ فَيَقُولُ: يا لَيْتَنِي مَكانَهُ، (p-١٥٧)لَيْسَ بِهِ الدِينُ ولَكِنْ ما يَرى مِنَ البَلاءِ والفِتَنِ"،» فَقَوْلُهُ: « "لَيْسَ بِهِ الدِينُ"» يَقْتَضِي إباحَةَ ذَلِكَ إنْ لَوْ كانَ عَنِ الدِينِ، وإنَّما ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حالَةَ الناسِ كَيْفَ تَكُونُ.
وقَوْلُهُ: ﴿آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ﴾، قِيلَ: "مِنَ" لِلتَّبْعِيضِ، وقِيلَ: لِبَيانِ الجِنْسِ، وكَذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿مِن تَأْوِيلِ الأحادِيثِ﴾، والمُرادُ بِقَوْلِهِ: "الأحادِيثِ": الأحْلامُ، وقِيلَ: قَصَصُ الأنْبِياءِ والأُمَمِ.
وقَوْلُهُ: "فاطِرَ" مُنادى، وقَوْلُهُ: ﴿أنْتَ ولِيِّي﴾ أيِ القائِمُ بِأمْرِي، الكَفِيلُ بِنُصْرَتِي ورَحْمَتِي.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكَ مِن أنْباءِ الغَيْبِ﴾ الآيَةَ. "ذَلِكَ" إشارَةٌ إلى ما تَقَدَّمَ مِن قِصَّةِ يُوسُفَ، وهَذِهِ الآيَةُ تَعْرِيضٌ لِقُرَيْشٍ، وتَنْبِيهٌ عَلى آيَةِ صِدْقِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وفي ضِمْنِ ذَلِكَ الطَعْنُ عَلى مُكَذِّبِيهِ. والضَمِيرُ في "لَدَيْهِمْ" عائِدٌ إلى إخْوَةِ يُوسُفَ، وكَذَلِكَ الضَمائِرُ إلى آخَرِ الآيَةِ. و"أجْمَعُوا" مَعْناهُ: عَزَمُوا وجَزَمُوا، و"الأمْرُ" هُنا هو إلْقاءُ يُوسُفَ في الجُبِّ، و "المَكْرُ" هو أنْ تُدَبِّرَ عَلى الإنْسانِ تَدْبِيرًا يَضُرُّهُ ويُؤْذِيهِ، والخَدِيعَةَ هي أنْ تَفْعَلَ بِإنْسانٍ وتَقُولَ لَهُ ما يُوجِبُ أنْ يَفْعَلَ هو فِعْلًا فِيهِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ. وحَكى الطَبَرِيُّ عن أبِي عِمْرانَ الجَوْنَيِّ أنَّهُ قالَ: "واللهِ ما قَصَّ اللهُ نَبَأهم لِيُعَيِّرَهم بِذَلِكَ، إنَّهم لَأنْبِياءُ مِن أهْلِ الجَنَّةِ، ولَكِنْ قَصَّ اللهُ عَلَيْنا نَبَأهم لِئَلّا يَقْنُطَ عَبِيدُهُ".
{"ayahs_start":101,"ayahs":["۞ رَبِّ قَدۡ ءَاتَیۡتَنِی مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِی مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِیِّۦ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ تَوَفَّنِی مُسۡلِمࣰا وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ","ذَ ٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوۤا۟ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ یَمۡكُرُونَ"],"ayah":"ذَ ٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡغَیۡبِ نُوحِیهِ إِلَیۡكَۖ وَمَا كُنتَ لَدَیۡهِمۡ إِذۡ أَجۡمَعُوۤا۟ أَمۡرَهُمۡ وَهُمۡ یَمۡكُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق