الباحث القرآني

(p-٧١٤)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ تَفْسِيرُ سُورَةِ الفَلَقِ هَذِهِ السُورَةُ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: هي مَدَنِيَّةٌ، وقالَ قَتادَةُ: هي مَكِّيَّةٌ. قوله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ أعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ﴾ ﴿مِن شَرِّ ما خَلَقَ﴾ ﴿وَمِن شَرِّ غاسِقٍ إذا وقَبَ﴾ ﴿وَمِن شَرِّ النَفّاثاتِ في العُقَدِ﴾ ﴿وَمِن شَرِّ حاسِدٍ إذا حَسَدَ﴾ الخِطابُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، والمُرادُ هو وآحادُ أُمَّتِهِ. وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ وابْنُ جُبَيْرٍ، والحَسَنُ، والقُرْطُبِيُّ، وقَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ: "الفَلَقِ": الصُبْحُ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ "فالِقُ الإصْباحِ"﴾ [الأنعام: ٩٦] وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ أيْضًا وجَماعَةٌ مِنَ الصَحابَةِ والتابِعِينَ: الفَلَقِ: جُبٌّ في جَهَنَّمَ، ورَواهُ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَبِيِّ ﷺ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿مِن شَرِّ ما خَلَقَ﴾ يَعُمُّ كُلَّ مَوْجُودٍ لَهُ شَرٌّ. وقَرَأ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وبَعْضُ المُعْتَزِلَةِ القائِلِينَ بِأنَّ اللهَ تَعالى لَمْ يَخْلُقِ الشَرَّ: "مِن شَرٍّ" بِالتَنْوِينِ "ما خَلَقَ" عَلى النَفْيِ، وهَذِهِ قِراءَةٌ مَرْدُودَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلى مَذْهَبٍ باطِلٍ، فاللهُ تَعالى خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ. واخْتَلَفَ الناسُ في "الغاسِقِ إذا وقَبَ"، فَقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، ومُجاهِدٌ والحَسَنُ: الغاسِقُ: اللَيْلُ، ووَقَبَ: أظْلَمُ ودَخَلَ عَلى الناسِ، وقالَ الشاعِرُ: ؎ إنَّ هَذا اللَيْلَ قَدْ غَسَقا وشَكَوْتُ الهَمَّ والأرَقا (p-٧١٥)وَقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: "غاسِقٌ": النَهارُ "إذا وقَبَ" أيْ دَخَلَ في اللَيْلِ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ عَنِ العَرَبِ: الغاسِقُ سُقُوطُ الثُرَيّا، وكانَتِ الأسْقامُ والطاعُونُ تُهَيَّجُ عِنْدَهُ، وقالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: « "النَجْمُ هو الغاسِقُ"» فَيُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ الثُرَيّا، «وَقالَ عَلَيْهِ السَلامُ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنها -وَقَدْ نَظَرَ إلى القَمَرِ-: "تَعَوَّذِي بِاللهِ مِن شَرِّ غاسِقٍ إذا وقَبَ، فَهَذا هُوَ"،» وقالَ القَتَبِيُّ وغَيْرُهُ: هو البَدْرُ إذا دَخَلَ في ساهُورِهِ فَخُسِفَ، قالَ الزُهْرِيُّ: الغاسِقُ إذا وقَبَ: الشَمْسُ إذا غَرَبَتْ، و"وَقَبَ" في كَلامِ العَرَبِ: دَخَلَ"......". و( النَفّاثات في العَقْد ): السَواحِرُ، ويُقالُ: إنَّ الإشارَوَ أوَّلًا إلى بَناتِ لَبِيدِ بْنِ الأعْصَمِ اليَهُودِيِّ كُنْ ساحِراتٍ، وهُنَّ اللَواتِي سَحَرْنَ النَبِيَّ ﷺ، وعَقَدَ لَهُ إحْدى عَشْرَةَ عُقْدَةً، فَأنْزَلَ اللهُ تَعالى إحْدى عَشْرَةَ آيَةً بِعَدَدِ العُقَدِ هى المُعَوِّذَتانِ، فَشَفى النَبِيُّ ﷺ، و" النَفْثُ": شِبْهُ النَفْخِ دُونَ تُفْلِ رِيقٍ، وهَذا النَفْثُ هو عَلى تَعَقُّدٍ في خُيُوطٍ ونَحْوِها عَلى اسْمِ المَسْحُورِ فَيُؤْذى بِذَلِكَ، وهَذا الشَأْنُ في زَمانِنا مَوْجُودٌ شائِعٌ في صَحْراء المَغْرِبِ، وحَدَّثَنِي ثِقَةٌ أنَّهُ رَأى عِنْدَ بَعْضِهِمْ خَيْطًا أحْمَرَ قَدْ عُقِدَتْ فِيهِ عُقَدٌ عَلى فُصْلانٍ، فَمَنَعَتْ بِذَلِكَ رَضاعَ أُمَّهاتِها، فَكانَ إذا حَلَّ عُقْدَةً جَرى ذَلِكَ الفَصِيلُ إلى (p-٧١٦)أُمِّهِ في الحِينِ فَرَضَعَ، أعاذَنا اللهُ تَعالى مِن شَرِّ السَحَرَةِ بِقُدْرَتِهِ. وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ القاسِمِ، والحَسَنُ، وابْنُ عُمَرَ: "النافِثاتُ". وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمِن شَرِّ حاسِدٍ إذا حَسَدَ﴾، قالَ قَتادَةُ: مِن شَرِّ عَيْنِهِ ونَفْسِهِ، يُرِيدُ السَعْيَ الخَبِيثَ والإذايَةَ كَيْفَ قَدَّرَ؛ لِأنَّهُ عَدُوٌّ مُجِدٌّ مُمْتَحِنٌ، وقالَ الشاعِرُ: ؎ كُلُّ العَداوَةِ قَدْ تُرْجى إماتَتُها ∗∗∗ إلّا عَداوَةُ مَن عاداكَ مِن حَسَدٍ وعَيْنُ الحاسِدِ في الغالِبِ لاقِفَةٌ، نَعُوذُ بِاللهِ عَزَّ وجَلَّ مِن شَرِّها، قالَ الشاعِرُ: ؎ وإذا أرادَ اللهُ نَشْرَ فَضِيلَةٍ.. ∗∗∗ طُوِيَتْ أتاحَ لَها لِسانُ حَسُودِ والحَسَدُ في الِاثْنَتَيْنِ اللَتَيْنِ قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: حَسَدٌ مُسْتَحْسَنٌ غَيْرُ ضارٍّ، وإنَّما هو باعِثٌ عَلى خَيْرٍ. وهَذِهِ السُورَةُ خَمْسُ آياتٍ، فَقالَ بَعْضُ الحُذّاقِ هي مُرادُ الناسِ بِقَوْلِهِمْ لِلْحاسِدِ إذا نَظَرَ إلَيْهِمْ: الخَمْسُ عَلى عَيْنَيْكَ وقَدْ غَلِطَتِ العامَّةُ في هَذا فَيُشِيرُونَ بِالأصابِعِ لِكَوْنِها خَمْسَةً. وأمالَ أبُو عَمْرٍو "حاسِدٍ"، والباقُونَ بِفَتْحِ الحاءِ، وقالَ الحَسَنُ بْنُ الفَضْلِ: ذَكَرَ اللهُ تَعالى الشُرُورَ في هَذِهِ السُورَةِ ثُمَّ خَتَمَها بِالحَسَدِ لِيُظْهِر أنَّهُ أخَسُّ طَبْعٍ. كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ [الفَلْقِ] والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب