الباحث القرآني
(p-١٣)قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ ﴿إلى فِرْعَوْنَ ومَلَئِهِ فاتَّبَعُوا أمْرَ فِرْعَوْنَ وما أمْرَ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ فَأورَدَهُمُ النارَ وبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ﴾ ﴿وَأُتْبِعُوا في هَذِهِ لَعْنَةً ويَوْمَ القِيامَةِ بِئْسَ الرِفْدُ المَرْفُودُ﴾ ﴿ذَلِكَ مِن أنْباءِ القُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنها قائِمٌ وحَصِيدٌ﴾
الآياتُ: العَلاماتُ، و السُلْطانُ: البُرْهانُ والبَيانُ في الحُجَّةِ، قِيلَ: هو مُشْتَقٌّ مِنَ السَلِيطِ الَّذِي يُسْتَضاءُ بِهِ، وقِيلَ: مِن أنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلى كُلِّ مُناوٍ ومُخاصِمٍ، والمَلَأُ: الجَمْعُ مِنَ الرِجالِ، والمَعْنى: أرْسَلْناهُ إلَيْهِمْ لِيُؤْمِنُوا بِاللهِ تَعالى فَصَدَّهم فِرْعَوْنُ فاتَّبَعُوا أمْرَهُ ولَمْ يُؤْمِنُوا وكَفَرُوا. ثُمَّ أخْبَرَ تَبارَكَ وتَعالى عن أمْرِ فِرْعَوْنَ أنَّهُ لَيْسَ بِرَشِيدٍ، أيْ: لَيْسَ بِمُصِيبٍ في مَذْهَبِهِ ولا مُفارِقٍ لِلسَّفاهَةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ﴾ الآيَةَ. أخْبَرَ اللهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ عن فِرْعَوْنَ أنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ مَعَ قَوْمِهِ المُغْرَقِينَ مَعَهُ وهو يَقْدُمُهم إلى النارِ، وأُوقِعَ الفِعْلُ الماضِيَ في "فَأورَدَهُمُ" مَوْقِعَ المُسْتَقْبَلِ لِوُضُوحِ الأمْرِ وارْتِفاعِ الإشْكالِ عنهُ، ووَجْهُ الفَصاحَةِ مِنَ العَرَبِ في أنَّها تَضَعُ أحْيانًا الماضِيَ مَوْضِعَ المُسْتَقْبَلِ أنَّ الماضِيَ أدَلُّ عَلى وُقُوعِ الفِعْلِ وحُصُولِهِ. و "الوُرُودُ" في هَذِهِ الآيَةِ هو وُرُودُ الدُخُولِ، ولَيْسَ بِوُرُودِ الإشْرافِ عَلى الشَيْءِ والإشْفاءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَمّا ورَدَ ماءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٢٣] وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "فِي القُرْآنِ أرْبَعَةٌ: ﴿وَإنْ مِنكم إلا وارِدُها﴾ [مريم: ٧١]، وقَوْلُهُ: ﴿وَنَسُوقُ المُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] وهَذِهِ في مَرْيَمَ، وفي الأنْبِياءِ: ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أنْتُمْ لَها وارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]. قالَ: وهي كُلُّها وُرْدُ دُخُولٍ، ثُمَّ يُنْجِي اللهُ (p-١٤)الَّذِينَ اتَّقَوْا. و"المَوْرُودُ" صِفَةٌ لِمَكانِ "الوِرْدِ" عَلى أنَّ التَقْدِيرَ: وبِئْسَ مَكانُ الوِرْدِ المَوْرُودِ. وقِيلَ: "المَوْرُودُ" ابْتِداءٌ والخَبَرُ مُقَدَّمٌ. والمَعْنى: المَوْرُودُ بِئْسَ الوِرْدُ.
وقَوْلُهُ: ﴿فِي هَذِهِ﴾ يُرِيدُ دارَ الدُنْيا، و "اللَعْنَةُ": إبْعادُهم بِالغَرَقِ والِاسْتِئْصالِ وقَبِيحِ الذَكْرِ غابِرَ الدَهْرِ، وقَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَ القِيامَةِ﴾ أيْ: يُلْعَنُونَ أيْضًا بِدُخُولِهِمْ في جَهَنَّمَ، قالَ مُجاهِدٌ: "فَلَهم لَعْنَتانِ، وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّ التَقْسِيمَ هو أنَّ لَهم في الدُنْيا لَعْنَةً، ويَوْمَ القِيامَةِ بِئْسَ ما يَرْفِدُونَ بِهِ، فَهي لَعْنَةٌ واحِدَةٌ أوَّلًا، وقُبْحُ إرْفادٍ آخِرًا". وقَوْلُهُ: ﴿بِئْسَ الرِفْدُ المَرْفُودُ﴾ أيْ: بِئْسَ العَطاءُ المُعْطى لَهُمْ، والرِفْدُ في كَلامِ العَرَبِ: العَطِيَّةُ، وسُمِّي العَذابُ هُنا رِفْدًا لِأنَّ هَذا هو الَّذِي حَلَّ مَحَلَّ الرِفْدِ، وهَذا كَما تَقُولُ: يا فُلانُ لَمْ يَكُنْ خَيْرُكَ إلّا أنْ تَضْرِبَنِي، أيْ: لَمْ يَكُنِ الَّذِي حَلَّ مَحَلَّ الخَيْرِ مِنكَ. والإرْفادُ: المَعُونَةُ، ومِنهُ رِفادَةُ قُرَيْشٍ، مَعُونَتُهم لِفُقَراءِ الحَجِّ بِالطَعامِ الَّذِي كانُوا يُطْعِمُونَهُ في المَوْسِمِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ مِن أنْباءِ القُرى﴾ الآيَةَ. "ذَلِكَ" إشارَةٌ إلى ما تَقَدَّمَ مِن ذِكْرِ العُقُوباتِ النازِلَةِ بِالأُمَمِ المَذْكُورَةِ، و الأنْباءُ: الأخْبارُ، و ﴿القُرى﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ بِها القُرى الَّتِي ذُكِرَتْ في الآياتِ المُتَقَدِّمَةِ خاصَّةً، ويُحْتَمَلُ أنْ يُرِيدَ القُرى عامَّةً، أيْ: هَذِهِ الأنْباءُ المَقْصُوصَةُ عَلَيْكَ هي عَوائِدُ المُدُنِ إذا كَفَرَتْ، فَيَدْخُلُ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- فِيها المُدُنُ المُعاصِرَةُ، ويَجِيءُ قَوْلُهُ: ﴿مِنها قائِمٌ وحَصِيدٌ﴾ مِنها عامِرٌ ودائِرٌ، وهَذا (p-١٥)قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ، وعَلى التَأْوِيلِ الأوَّلِ -فِي أنَّها تِلْكَ القُرى المَخْصُوصَةُ- يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿قائِمٌ وحَصِيدٌ﴾ بِمَعْنى: قائِمُ الجُدْرانِ ومُتَهَدِّمٌ لا أثَرَ لَهُ، وهَذا قَوْلُ قَتادَةَ وابْنِ جُرَيْجٍ، والآيَةُ بِجُمْلَتِها مُتَضَمِّنَةٌ التَخْوِيفَ وضَرْبَ المَثَلِ لِلْحاضِرِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ وغَيْرِهِمْ.
{"ayahs_start":96,"ayahs":["وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَا وَسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینٍ","إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِی۟هِۦ فَٱتَّبَعُوۤا۟ أَمۡرَ فِرۡعَوۡنَۖ وَمَاۤ أَمۡرُ فِرۡعَوۡنَ بِرَشِیدࣲ","یَقۡدُمُ قَوۡمَهُۥ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ فَأَوۡرَدَهُمُ ٱلنَّارَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡوِرۡدُ ٱلۡمَوۡرُودُ","وَأُتۡبِعُوا۟ فِی هَـٰذِهِۦ لَعۡنَةࣰ وَیَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ بِئۡسَ ٱلرِّفۡدُ ٱلۡمَرۡفُودُ","ذَ ٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَاۤءِ ٱلۡقُرَىٰ نَقُصُّهُۥ عَلَیۡكَۖ مِنۡهَا قَاۤىِٕمࣱ وَحَصِیدࣱ"],"ayah":"وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَا وَسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق