الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَلَمّا جاءَ أمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِن سِجِّيلٍ مَنضُودٍ﴾ ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وما هي مِنَ الظالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾
رُوِيَ أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَلامُ أدْخَلَ جَناحَهُ تَحْتَ مَدائِنِ قَوْمِ لُوطٍ واقْتَلَعَها ورَفَعَها حَتّى سَمِعَ أهْلُ السَماءِ الدُنْيا صُراخَ الدِيَكَةِ ونُباحَ الكِلابِ، ثُمَّ أرْسَلَها مَعْكُوسَةً، وأتْبَعَهُمُ الحِجارَةَ مِنَ السَماءِ، ورُوِيَ أنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَلامُ أخَذَهم بِخَوافِي جَناحِهِ: ويُرْوى أنَّ مَدِينَةً مِنها نُجِّيَتْ كانَتْ مُخْتَصَّةً بَلُّوطٍ عَلَيْهِ السَلامُ يُقالُ لَها: زَغْرُ.
وأمْرُنا في هَذِهِ الآيَةِ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مِن أمَرَ ويَكُونُ في الكَلامِ حَذْفُ مُضافٍ تَقْدِيرُهُ: مُقْتَضى أمْرِنا، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ واحِدَ الأُمُورِ، والضَمِيرُ في قَوْلِهِ: عالِيَها سافِلَها لِلْمُدُنِ، وأُجْرِيَ أمْطَرْنا عَلَيْها كَذَلِكَ، والمُرادُ عَلى أهْلِها، ورُوِيَ أنَّها الحِجارَةُ اسْتَوْفَتْ مِنهم مَن كانُوا خارِجَ مُدُنِهِمْ حَتّى قَتَلَتْهم أجْمَعِينَ. ورُوِيَ أنَّهُ كانَ مِنهم في الحَرَمِ رَجُلٌ فَبَقِيَ حَجَرُهُ مُعَلَّقًا في الهَواءِ حَتّى خَرَجَ مِنَ الحَرَمِ فَقَتَلَهُ الحَجَرُ، و"أمْطَرَ" أبَدًا إنَّما يُسْتَعْمَلُ في المَكْرُوهِ، ومَطَرَ يُسْتَعْمَلُ في المَحْبُوبِ، هَذا قَوْلُ أبِي عُبَيْدَةَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ولَيْسَ كَذَلِكَ وقَوْلُهُ تَعالى: هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا يَرُدُّ هَذا القَوْلَ لِأنَّهم إنَّما ظَنُّوهُ مُعْتادَ الرَحْمَةِ، وقَوْلُهُ: مِن سِجِّيلٍ اخْتُلِفَ فِيهِ: فَقالَ ابْنُ زَيْدٍ: سِجِّيلٌ: اسْمُ السَماءِ الدُنْيا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا ضَعِيفٌ، ويَرُدُّهُ وصْفُهُ بِـ مَنضُودٍ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: هو مَأْخُوذٌ مَن لَفْظِ السِجِلِّ، أيْ هي مِن أمْرٍ كُتِبَ عَلَيْهِمْ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا بَعِيدٌ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هو مَأْخُوذٌ مِنَ السَجْلِ إذا أُرْسِلَ الشَيْءُ كَما يُرْسَلُ السَجْلُ وكَما تَقُولُ: قالَها مُسْجَلَةً.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا ضَعِيفٌ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: مِن سِجِّيلٍ مَعْناهُ: مِن جَهَنَّمَ لِأنَّهُ يُقالُ:
سِجِّيلٌ وسِجِّينٌ حُفِظَ فِيها بَدَلَ النُونِ لامٌ، كَما قالُوا: أُصَيْلالٌ وأُصَيْلانٌ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: سِجِّيلٌ مَعْناهُ:
شَدِيدٌ وأنْشَدَ الطَبَرِيُّ في ذَلِكَ:
؎ ضَرْبًا تَواصى بِهِ الأبْطالُ سِجِّيلا
والبَيْتُ في قَصِيدَةٍ نُونِيَّةِ: سِجِّينًا، وقالَتْ فِرْقَةٌ: سِجِّيلٌ لَفْظَةٌ أصْلُها غَيْرُ عُرِّبَتْ أصْلُها "سَنْجٌ وجِلٌ. وقِيلَ: غَيْرُ هَذا في أصْلِ اللَفْظَةِ. ومَعْنى هَذا اللَفْظِ ماءٌ وطِينٌ. هَذا قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما ومُجاهِدٍ وابْنِ جُبَيْرٍ وعِكْرِمَةَ والسُدِّيِّ وغَيْرِهِمْ، وذَهَبَتْ هَذِهِ الفِرْقَةُ إلى أنَّ الحِجارَةَ الَّتِي رُمُوا بِها كانَتْ كالآجُرِّ المَطْبُوخِ كانَتْ مِن طِينٍ قَدْ تَحَجَّرَ- نَصَّ عَلَيْهِ الحَسَنُ-.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا قَوْلٌ يُشْبِهُ. وهو الصَوابُ الَّذِي عَلَيْهِ الجُمْهُوُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْنى سِجِّيلٍ حَجَرٌ مَخْلُوطٌ بِطِينٍ أيْ حَجَرٌ وطِينٌ. قالالقاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويُمْكِنُ أنْ يُرَدَّ هَذا إلى الَّذِي قَبْلَهُ، لِأنَّ الآجُرَّ وما جَرى مَجْراهُ يُمْكِنُ أنْ يُقالَ فِيهِ حَجَرٌ وطِينٌ لِأنَّهُ قَدْ أخَذَ مِن كُلِّ واحِدٍ مِنهُما بِحَظِّهِ. هي طِينٌ مِن حَيْثُ هو أصْلُها. وحَجَرٌ مِن حَيْثُ صُلِبَتْ.
ومَنضُودٌ مَعْناهُ: بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ. أيْ تَتابَعَ وهي صِفَةٌ لِ سِجِّيلٍ وقالَ الرَبِيعُ بْنُ أنَسٍ:
"نَضْدُهُ": أنَّهُ في السَماءِ مَنضُودٌ مُعَدٌّ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ.
ومُسَوَّمَةً مَعْناهُ: مُعَلَّمَةٌ بِعَلامَةٍ، فَقالَ عِكْرِمَةُ وقَتادَةُ: إنَّهُ كانَ فِيها بَياضٌ وحُمْرَةٌ: ويُحْكى أنَّهُ كانَ في كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ صاحِبِهِ، وهَذِهِ اللَفْظَةُ هي مِن سَوَّمَ إذا أعْلَمَ، ومِنهُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ يَوْمَ بَدْرٍ: « "سَوِّمُوا فَقَدْ سَوَّمَتِ المَلائِكَةُ"». ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مُسَوَّمَةٌ هاهُنا بِمَعْنى: مُرْسَلَةٍ، وسَوْمُها مِنَ الهُبُوطِ.
وقَوْلُهُ: وما هي إشارَةٌ إلى الحِجارَةِ. والظالِمِينَ قِيلَ: يَعْنِي قُرَيْشًا. وقِيلَ: يُرِيدُ عُمُومَ كُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِالظُلْمِ، وهَذا هو الأصَحُّ لِأنَّهُ رُوِيَ عَنِ النَبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: « "سَيَكُونُ في أُمَّتِي خَسْفٌ ومَسْخٌ وقَذْفٌ بِالحِجارَةِ"»، وقَدْ ورَدَ أيْضًا حَدِيثٌ: « "إنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ بِمَنجاةٍ مِن ذَلِكَ"». وقِيلَ: يَعْنِي بِـ هِيَ: المُدُنُ، ويَكُونُ المَعْنى: الإعْلامُ بِأنَّ هَذِهِ البِلادَ قَرِيبَةٌ مِن مَكَّةَ - والأوَّلُ أبْيَنُ- ورُوِيَ أنَّ هَذِهِ البِلادَ كانَتْ بَيْنَ المَدِينَةِ والشامِ، وحَكى الطَبَرِيُّ في تَسْمِيَةِ هَذِهِ المُدُنِ: صَيْعَةَ، وصَعَدَةَ وعَمَزَةَ، ودُوما وسَدُومَ وهي القَرْيَةُ العُظْمى.
{"ayahs_start":82,"ayahs":["فَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَـٰلِیَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَیۡهَا حِجَارَةࣰ مِّن سِجِّیلࣲ مَّنضُودࣲ","مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِیَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ بِبَعِیدࣲ"],"ayah":"مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِیَ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ بِبَعِیدࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق