الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَماواتِ والأرْضَ في سِتَّةِ أيّامٍ وكانَ عَرْشُهُ عَلى الماءِ لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحْسَنُ عَمَلا ولَئِنْ قُلْتَ إنَّكم مَبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ المَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ ﴿وَلَئِنْ أخَّرْنا عنهُمُ العَذابَ إلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ ألا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عنهُمُ وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾
قالَ أكْثَرُ أهْلِ التَفْسِيرِ: الأيّامُ هي مِن أيّامِ الدُنْيا، وقالَتْ فِرْقَةٌ: هي مِن أيّامِ الآخِرَةِ، يَوْمٌ مِن ألْفِ سَنَةٍ. قالَهُ كَعْبُ الأحْبارِ، والأوَّلُ أرْجَحُ. وأجْزَأ ذِكْرُ "السَماواتِ" عن كُلِّ ما فِيها، إذْ كَلُّ ذَلِكَ خُلِقَ في السِتَّةِ الأيّامِ.
واخْتَلَفَتِ الأحادِيثُ في يَوْمِ بِدايَةِ الخَلْقِ -فَرَوى أبُو هُرَيْرَةَ - فِيما أسْنَدَ الطَبَرِيُّ «أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ أخَذَ بِيَدِهِ وقالَ: "خَلَقَ اللهُ التُرْبَةَ يَوْمَ السَبْتِ، والجِبالَ يَوْمَ الأحَدِ، والشَجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ والمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُلاثاءِ، والنُورَ يَوْمَ الأرْبِعاءِ، وبَثَّ الدَوابَّ يَوْمَ الخَمِيسِ، وخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ العَصْرِ مِن يَوْمِ الجُمْعَةِ"،» ونَحْوُ هَذا مِن أنَّ البَداءَةَ يَوْمُ السَبْتِ في كِتابِ مُسْلِمٍ، وفي الدَلائِلِ لِثابِتٍ: "وَكانَ خَلْقُ آدَمَ في يَوْمِ الجُمْعَةِ، لا يُعْتَدُّ بِهِ إذْ هو بَشَرٌ كَسائِرِ بَنِيهِ، ولَوِ اعْتَدَّ بِهِ لَكانَتِ الأيّامُ سَبْعَةً خِلافَ ما في كِتابِ اللهِ". ورُوِيَ (p-٥٤٥)عن كَعْبِ الأحْبارِ أنَّهُ قالَ: "بَدَأ اللهُ خَلْقَ السَماواتِ والأرْضَ يَوْمَ الأحَدِ، وفَرَغَ يَوْمَ الجُمْعَةِ، وخَلَقَ آدَمَ في آخِرِ ساعَةٍ مِنهُ". ونَحْوُ هَذا في جُلِّ الدَواوِينِ أنَّ البَدْأةَ يَوْمَ الأحَدِ، وقالَ قَوْمٌ: خَلَقَ اللهُ تَعالى هَذِهِ المَخْلُوقاتِ في سِتَّةِ أيّامٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلى خَلْقِها في لَحْظَةٍ. نَهْجًا إلى طَرِيقِ التُؤَدَةِ والمُهْلَةِ في الأعْمالِ لِيُحْكِمَ البَشَرُ أعْمالَهم. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أنَّهُ قالَ: "كانَ العَرْشُ عَلى الماءِ، وكانَ الماءُ عَلى الرِيحِ".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِـ ( خَلَقَ )، والمَعْنى أنَّ خَلْقَهُ إيّاها كانَ لِهَذا، وقالَ بَعْضُ الناسِ: هو مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: أعْلَمَ بِذَلِكَ لِيَبْلُوَكُمْ، ومَقْصِدُ هَذا القائِلِ أنَّ هَذِهِ المَخْلُوقاتِ لَمْ تَكُنْ لِسَبَبِ البَشَرِ.
وقَرَأ عِيسى الثَقَفِيُّ: "وَلَئِنْ قُلْتُ" بِضَمِّ التاءِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "قُلْتَ" بِفَتْحِ التاءِ.
ومَعْنى الآيَةِ: إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ هَذِهِ صِفاتُهُ، وهَؤُلاءِ بِكُفْرِهِمْ في حَيِّزٍ إنْ قُلْتَ لَهُمْ: "إنَّهم مَبْعُوثُونَ" كَذَّبُوا وقالُوا: "هَذا سِحْرٌ". أيْ: فَهَذا تَناقُضٌ مِنكُمْ، إذْ كُلُّ مَفْطُورٍ يُقِرُّ بِأنَّ اللهَ خالِقُ السَماواتِ والأرْضِ، فَهم مِن جُمْلَةِ المُقِرِّينَ بِهَذا، ومَعَ ذَلِكَ يُنْكِرُونَ ما هو أيْسَرُ مِنهُ بِكَثِيرٍ، وهو البَعْثُ مِنَ القُبُورِ، إذِ البَداءَةُ أعْسَرُ مِنَ الإعادَةِ، وإذْ خَلْقُ السَماواتِ والأرْضِ أكْبَرُ مِن خَلْقِ الناسِ.
واللامُ في "لَئِنْ" مُؤْذِنَةٌ بِأنَّ اللامَ في "لَيَقُولَنَّ" لامُ قَسَمٍ لا جَوابُ شَرْطٍ.
وقَرَأ الأعْرَجُ، والحَسَنُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، وفِرْقَةٌ مِنَ السَبْعَةِ: "سِحْرٌ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "ساحِرٌ" وقَدْ تَقَدَّمَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَئِنْ أخَّرْنا عنهُمُ العَذابَ﴾ الآيَةُ. المَعْنى: ولَئِنْ تَأخَّرَ العَذابُ الَّذِي (p-٥٤٦)تُوُعُّدْتُمْ بِهِ عَنِ اللهِ قالُوا: ما هَذا الحابِسُ لِهَذا العَذابِ؟ عَلى جِهَةِ التَكْذِيبِ. و"الأُمَّةُ" في هَذِهِ الآيَةِ: المُدَّةُ، كَما قالَ: ﴿وادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: ٤٥]. قالَ الطَبَرِيُّ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ المُدَّةُ لِأنَّها تَمْضِي فِيها أُمَّةٌ مِنَ الناسِ وتَحْدُثُ فِيها أُخْرى، فَهي -عَلى هَذا- المُدَّةُ الطَوِيلَةُ. ثُمَّ اسْتَفْتَحَ بِالإخْبارِ عن أنَّ العَذابَ يَوْمَ يَأْتِي لا يَرُدُّهُ شَيْءٌ ولا يَصْرِفُهُ، و"حاقَ" مَعْناهُ: حَلَّ وأحاطَ، وهي مُسْتَعْمَلَةٌ في المَكْرُوهِ، و"يَوْمَ" مُنْتَصِبٌ بِقَوْلِهِ: "مَصْرُوفًا".
{"ayahs_start":7,"ayahs":["وَهُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَاۤءِ لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۗ وَلَىِٕن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَیَقُولَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ","وَلَىِٕنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابَ إِلَىٰۤ أُمَّةࣲ مَّعۡدُودَةࣲ لَّیَقُولُنَّ مَا یَحۡبِسُهُۥۤۗ أَلَا یَوۡمَ یَأۡتِیهِمۡ لَیۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا۟ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ"],"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ فِی سِتَّةِ أَیَّامࣲ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى ٱلۡمَاۤءِ لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۗ وَلَىِٕن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡمَوۡتِ لَیَقُولَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق