الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿فَلَمّا جاءَ أمْرُنا نَجَّيْنا صالِحًا والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا ومِن خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إنَّ رَبَّكَ هو القَوِيُّ العَزِيزُ﴾ ﴿وَأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَيْحَةُ فَأصْبَحُوا في دِيارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ ﴿كَأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها ألا إنَّ ثَمُودا كَفَرُوا رَبَّهم ألا بُعْدًا لِثَمُودَ﴾
الأمْرُ جائِزٌ أنْ يُرادَ بِهِ المَصْدَرُ مِن أمَرَ، وجائِزٌ أنْ يُرادَ بِهِ: واحِدُ الأُمُورِ. وقَوْلُهُ: ﴿بِرَحْمَةٍ مِنّا﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَقْصِدَ أنَّ التَنْجِيَةَ إنَّما كانَتْ بِمُجَرَّدِ الرَحْمَةِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ وصْفَ حالٍ فَقَطْ: أخْبَرَ أنَّهُ رَحِمَهم في حالِ التَنْجِيَةِ. وقَوْلُهُ: "مِنّا" الظاهِرُ أنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِرَحْمَةٍ ويُحْتَمَلُ أنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ: "نَجَّيْنا".
وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَمِن خِزْيٍ يَوْمَئِذٍ" بِتَنْوِينِ "خِزْيٍ" وفَتْحِ المِيمِ مِن "يَوْمَئِذٍ"، وذَلِكَ يَجُوزُ فِيهِ أنْ تَكُونَ فَتْحَةُ المِيمِ إعْرابًا، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بُنِيَ الظَرْفُ لَمّا أُضِيفَ إلى غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ، فَأنْتَ مُخَيَّرٌ في الوَجْهَيْنِ، والرِوايَتانِ في قَوْلِ الشاعِرِ:
؎ عَلى حِينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ عَلى الصِبا ∗∗∗ وقُلْتُ ألَمّا أصْحُ والشَيْبُ وازِعُ
وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ: "وَمِن خِزْيٍ يَوْمِئِذٍ" بِإضافَةِ "خِزْيٍ" وكَسْرِ المِيمِ مِن "يَوْمِئِذٍ"، وهَذا تَوَسُّعٌ في إضافَةِ المُصْدَرِ إلى الظَرْفِ كَما قالَ: "مَكْرُ اللَيْلِ والنَهارِ"، ونَحْوُ هَذا، وقِياسُ هَذِهِ القِراءَةِ أنْ يُقالَ "سِيرَ عَلَيْهِ يَوْمُئِذٍ" (p-٦٠٤)بِرَفْعِ المِيمِ، وهَذِهِ قِراءَتُهم في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مِن عَذابِ يَوْمِئِذٍ﴾ [المعارج: ١١]، و﴿مِن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ﴾ [النمل: ٨٩]، وقَرَأ عاصِمٌ، وحَمْزَةُ كَذَلِكَ إلّا في قَوْلِهِ: "مِن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ" فَإنَّهُما نَوَّنا العَيْنَ وفَتَحا المِيمَ واخْتُلِفَتْ عن نافِعٍ في كَسْرِ المِيمِ وفَتْحِها، وهو يُضِيفُ في الوَجْهَيْنِ، وقَرَأ الكِسائِيُّ: "مِن خِزْيِ يَوْمَئِذٍ" بِتُرْكِ التَنْوِينِ وفَتْحِ المِيمِ مِن يَوْمَئِذٍ وهَذا جَمْعٌ بَيْنَ الإضافَةِ وبِناءِ الظَرْفِ. وقَرَأ: "وَمِن فَزَعٍ"كَعاصِمٍ وحَمْزَةَ، وأمّا "إذْ" فَكانَ حَقُّها: "إذْ" ساكِنَةً إلّا أنَّها مِن حَقِّها أنْ تَلِيَها الجُمَلُ فَلَمّا حُذِفَتْ لَها هاهُنا الجُمْلَةُ عُوِّضَتْ بِالتَنْوِينِ، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: "يَوْمِئِذٍ" إلى يَوْمِ التَعْذِيبِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَيْحَةُ﴾ الآيَةُ، رُوِيَ «أنَّ صالِحًا عَلَيْهِ السَلامُ قالَ لَهم حِينَ رَغا الفَصِيلُ: سَتَصْفَرُّ وُجُوهُكم في اليَوْمِ الأوَّلِ وتَحْمَرُّ في الثانِي وتَسْوَدُّ في الثالِثِ، فَلَمّا كانَ كَذَلِكَ تَكَفَّنُوا في الأنْطاعِ واسْتَعَدُّوا لِلْهَلاكِ وأخَذَتْهم صَيْحَةٌ فِيها مِن كُلِّ صَوْتٍ مَهُولٍ، صَدَعَتْ قُلُوبَهم وأصابَتْ كُلَّ مَن كانَ مِنهم في شَرْقِ الأرْضِ وغَرْبِها، إلّا رَجُلًا كانَ في الحَرَمِ فَمَنَعَهُ الحَرَمُ مِن ذَلِكَ ثُمَّ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ،» فَفي مُصَنَّفِ أبِي داوُدَ: «قِيلَ: يا رَسُولَ اللهِ مَن ذَلِكَ الرَجُلُ؟ قالُوا أبُو رُغالٍ.»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وفِي هَذا نَظَرٌ، وخِلافُهُ في السِيَرِ. وذَكَّرَ الفِعْلَ المُسْنَدَ إلى الصَيْحَةِ إذْ هي بِمَعْنى (p-٦٠٥)الصِياحِ، وتَأْنِيثُها غَيْرُ حَقِيقِيٍّ. وقِيلَ: جازَ ذَلِكَ وهي مُؤَنَّثَةٌ لَمّا فَصَلَ بَيْنَ الفِعْلِ وبَيْنَها. كَما قالُوا: "حَضَرَ القاضِيَ اليَوْمَ امْرَأةٌ"، والأوَّلُ أصْوَبُ، و"الصَيْحَةُ" إنَّما تَجِيءُ مُسْتَعْمَلَةً في ذِكْرِ العَذابِ لِأنَّها فَعْلَةٌ تَدُلُّ عَلى مَرَّةٍ واحِدَةٍ شاذَّةٍ، والصِياحُ يَدُلُّ عَلى مَصْدَرٍ مُتَطاوِلٍ، وشَذَّ في كَلامِهِمْ قَوْلُهُمْ: "لَقِيتُهُ لِقاءَةً واحِدَةً"، والقِياسُ لَقْيَةٌ.
و"جاثِمِينَ" أيْ: بارِكِينَ قَدْ صَعِقَ بِهِمْ، وهو تَشْبِيهٌ بِجُثُومِ الطَيْرِ، وبِذَلِكَ يُشْبِهُ جُثُومَ الأثافِيِّ وجُثُومَ الرَمادِ.
و"يَغْنَوْا": مُضارِعٌ مَن غَنِيَ في المَكانِ إذا أقامَ فِيهِ في خَفْضِ عَيْشٍ وهي المَغانِي: وقَرَأ حَمْزَةُ وحْدَهُ: "ألا إنَّ ثَمُودَ" وكَذَلِكَ في "الفُرْقانِ والعنكَبُوتِ والنَجْمِ"، وصَرَفَها الكِسائِيُّ كُلَّها. وقَوْلُهُ: "ألا بُعْدًا لِثَمُودَ"، واخْتُلِفَ عن عاصِمٍ، فَرَوى عنهُ حَفْصٌ تَرْكَ الإجْراءِ كَحَمْزَةَ، ورَوى عنهُ أبُو بَكْرٍ إجْراءَ الأرْبَعَةِ وتَرْكَهُ في قَوْلِهِ: "ألا بُعْدًا لِثَمُودَ"، وقَرَأ الباقُونَ: "ألا إنَّ ثَمُودًا" فَصُرِفَتْ، "ألا بُعْدًا لِثَمُودَ" غَيْرَ مَصْرُوفٍ، والقِراءَتانِ فَصِيحَتانِ، وكَذَلِكَ صَرَفُوا في "الفُرْقانِ والعنكَبُوتِ والنَجْمِ".
{"ayahs_start":66,"ayahs":["فَلَمَّا جَاۤءَ أَمۡرُنَا نَجَّیۡنَا صَـٰلِحࣰا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةࣲ مِّنَّا وَمِنۡ خِزۡیِ یَوۡمِىِٕذٍۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلۡقَوِیُّ ٱلۡعَزِیزُ","وَأَخَذَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ ٱلصَّیۡحَةُ فَأَصۡبَحُوا۟ فِی دِیَـٰرِهِمۡ جَـٰثِمِینَ","كَأَن لَّمۡ یَغۡنَوۡا۟ فِیهَاۤۗ أَلَاۤ إِنَّ ثَمُودَا۟ كَفَرُوا۟ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدࣰا لِّثَمُودَ"],"ayah":"وَأَخَذَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ ٱلصَّیۡحَةُ فَأَصۡبَحُوا۟ فِی دِیَـٰرِهِمۡ جَـٰثِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق