الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلا أقُولُ لَكم عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ ولا أعْلَمُ الغَيْبَ ولا أقُولُ إنِّي مَلَكٌ ولا أقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أعْيُنُكم لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهِ خَيْرًا اللهِ أعْلَمُ بِما في أنْفُسِهِمْ إنِّي إذًا لَمِنَ الظالِمِينَ﴾ ﴿قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصادِقِينَ﴾
قَوْلُهُ: ﴿وَلا أقُولُ﴾ عَطْفٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿لا أسْألُكم عَلَيْهِ مالا﴾ [هود: ٢٩]، ومَعْنى هَذِهِ الآيَةِ: أنِّي لا أُمَوِّهُ عَلَيْكم ولا أتَعاطى غَيْرَ ما أهَّلَنِي اللهُ لَهُ، فَلَسْتُ أقُولُ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ، يُرِيدُ القُدْرَةَ الَّتِي يُوجَدُ بِها الشَيْءُ بَعْدَ حالِ عَدَمِهِ، وقَدْ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ مِنَ المَوْجُوداتِ كالرِياحِ والماءِ، ونَحْوُهُ كَثِيرٌ بِإبْداعِ اللهِ تَعالى لَهُ، فَإنَّ سُمِّي ذَلِكَ- عَلى جِهَةِ التَجَوُّزِ- مُخْتَزَنًا فَيُشْبِهُ. ألا تَرى المَرْوِيَّ في في أمْرِ رِيحِ عادٍ أنَّهُ فَتَحَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِيحِ قَدْرَ حَلْقَةِ الخاتَمِ، ولَوْ كانَ عَلى قَدْرِ مِنخَرِ الثَوْرِ لِأهْلَكَ الأرْضَ. ورُوِيَ أنَّ الرِيحَ عَتَتْ عَلى المَلائِكَةِ المُوَكَّلِينَ بِتَقْدِيرِها فَلِذَلِكَ وصَفَها اللهُ تَعالى بِالعُتُوِّ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما وغَيْرُهُ: عَتَتْ عَلى الخَزّانِ. فَهَذا ونَحْوُهُ يَقْتَضِي أنَّ ثَمَّ خَزائِنَ. ثُمَّ قالَ: ﴿وَلا أعْلَمُ الغَيْبَ﴾، ثُمَّ انْحَطَّ عَلى هاتَيْنِ فَقالَ: ﴿وَلا أقُولُ إنِّي مَلَكٌ﴾، ظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ فَضْلُ المَلَكِ عَلى البَشَرِ وعَلى النَبِيِّ ﷺ وهي مَسْألَةُ اخْتِلافٍ. وظَواهِرُ القُرْآنِ عَلى ما قُلْناهُ. وإنْ أخَذْنا قَوْلَهُ: ﴿وَلا أقُولُ إنِّي مَلَكٌ﴾ عَلى حَدِّ أنْ لَوْ قالَ: "وَلا أقُولُ إنِّي كَوْكَبٌ أو نَحْوُهُ" زالَتْ طَرِيقَةُ التَفْضِيلِ، ولَكِنَّ الظاهِرَ هو ما ذَكَرْنا.
و"تَزْدَرِي" أصْلُهُ: تَزْتَرِي "تَفْتَعِلُ" مَن زَرى يَزْرِي ومَعْنى "تَزْدَرِي": تَحْتَقِرُ. و"الخَيْرُ" هُنا يَظْهَرُ فِيهِ أنَّهُ خَيْرُ الآخِرَةِ، اللهُمَّ إلّا أنْ يَكُونَ ازْدِراؤُهم مِن جِهَةِ (p-٥٦٧)الفَقْرِ، فَيَكُونُ الخَيْرُ المالَ وقَدْ قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: حَيْثُما ذَكَرَ اللهُ الخَيْرَ في القُرْآنِ فَهو المالُ. وفي هَذا الكَلامِ تَحامُلٌ، والَّذِي يُشْبِهُ أنْ يُقالَ: إنَّهُ حَيْثُما ذُكِرَ الخَيْرُ فَإنَّ المالَ يَدْخُلُ فِيهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿اللهُ أعْلَمُ بِما في أنْفُسِهِمْ﴾ تَسْلِيمٌ لِلَّهِ تَعالى، أيْ: لَسْتُ أحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ مِن هَذا وإنَّما يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ويَخْرُجُ حُكْمُهُ إلى حَيِّزِ الوُجُودِ اللهُ تَعالى الَّذِي يَعْلَمُ ما في نُفُوسِهِمْ ويُجازِيهِمْ بِذَلِكَ، وقالَ بَعْضُ المُتَأوِّلِينَ: هي رَدٌّ عَلى قَوْلِهِمُ:اتَّبَعَكَ أراذِلُنا عَلى ما يَظْهَرُ مِنهم.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
حَسَبَما تَقَدَّمَ في بَعْضِ تَأْوِيلاتِ تِلْكَ الآيَةِ آنِفًا، فالمَعْنى لَسْتُ أنا أحْكُمُ عَلَيْهِمْ بِألّا يَكُونَ لَهم خَيْرٌ بِظَنِّكم بِهِمْ أنَّ بَواطِنَهم لَيْسَتْ كَظَواهِرِهِمْ، اللهُ عَزَّ وجَلَّ أعْلَمُ بِما في نُفُوسِهِمْ، ثُمَّ قالَ: "إنِّي إذًا" لَوْ فَعَلْتُ ذَلِكَ "لَمِنَ الظالِمِينَ" الَّذِينَ يَضَعُونَ الشَيْءَ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا﴾ الآيَةُ مَعْناهُ: قَدْ طالَ مِنكَ هَذا الجِدالُ، وهو المُراجَعَةُ في الحُجَّةِ والمُخاصَمَةُ والمُقابَلَةُ بِالأقْوالِ حَتّى تَقَعَ الغَلَبَةُ، وهو مَأْخُوذٌ مِنَ الجَدْلِ وهو شِدَّةُ الفَتْلِ ومِنهُ: حَبْلٌ مَجْدُولٌ، أيْ مُمَرٍّ، ومِنهُ قِيلَ: لِلصَّقْرِ أجْدَلُ لِشِدَّةِ بِنْيَتِهِ وفَتْلِ أعْضائِهِ و"الجِدالُ" فِعالٌ، مَصْدَرُ فاعَلَ، وهو يَقَعُ مِنِ اثْنَيْنِ، ومَصْدَرُ فاعَلَ يَجِيءُ عَلى فِعالٍ وفَيْعالٍ ومُفاعَلَةٍ، فَتُرِكَتِ الياءُ مِن فَيْعالٍ ورُفِضَتْ. ومِنَ الجِدالِ ما هو مَحْمُودٌ، وذَلِكَ إذا كانَ مَعَ كافِرٍ حَرْبِيٍّ في مَنَعَتِهِ ويُطْمَعُ بِالجِدالِ أنْ يَهْتَدِيَ، ومِن ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةُ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥] إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأمْثِلَةِ. ومِنَ الجِدالِ ما هو مَكْرُوهٌ، وهو ما يَقَعُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ في بَعْضٍ في طَلَبِ عِلَلِ الشَرائِعِ وتَصَوُّرِ ما يُخْبِرُ الشَرْعُ بِهِ مِن قُدْرَةِ اللهِ، وقَدْ نَهى النَبِيُّ ﷺ عن ذَلِكَ، وكَرِهَهُ العُلَماءُ، واللهُ المُسْتَعانُ.
وقَرَأ ابْنُ عَبّاسٍ: "قَدْ جادَلْتَنا فَأكْثَرْتَ جَدَلَنا" بِغَيْرِ ألِفٍ، وبِفَتْحِ الجِيمِ، ذَكَرَهُ أبُو حاتِمٍ.
والمُرادُ بِقَوْلِهِمْ: ﴿فَأْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ العَذابَ والهَلاكَ، والمَفْعُولُ الثانِي لِـ "تَعِدُنا" مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ: بِما تَعِدُناهُ. ولَمّا كانَ الكَلامُ يَقْتَضِي العَذابَ جازَ أنْ يُسْتَعْمَلَ فِيهِ الوَعْدُ. (p-٥٦٨)
{"ayahs_start":31,"ayahs":["وَلَاۤ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِی خَزَاۤىِٕنُ ٱللَّهِ وَلَاۤ أَعۡلَمُ ٱلۡغَیۡبَ وَلَاۤ أَقُولُ إِنِّی مَلَكࣱ وَلَاۤ أَقُولُ لِلَّذِینَ تَزۡدَرِیۤ أَعۡیُنُكُمۡ لَن یُؤۡتِیَهُمُ ٱللَّهُ خَیۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِیۤ أَنفُسِهِمۡ إِنِّیۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ","قَالُوا۟ یَـٰنُوحُ قَدۡ جَـٰدَلۡتَنَا فَأَكۡثَرۡتَ جِدَ ٰلَنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَاۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ"],"ayah":"وَلَاۤ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِی خَزَاۤىِٕنُ ٱللَّهِ وَلَاۤ أَعۡلَمُ ٱلۡغَیۡبَ وَلَاۤ أَقُولُ إِنِّی مَلَكࣱ وَلَاۤ أَقُولُ لِلَّذِینَ تَزۡدَرِیۤ أَعۡیُنُكُمۡ لَن یُؤۡتِیَهُمُ ٱللَّهُ خَیۡرًاۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِیۤ أَنفُسِهِمۡ إِنِّیۤ إِذࣰا لَّمِنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق