الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿قالَ يا قَوْمِ أرَأيْتُمْ إنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي وآتانِي رَحْمَةً مِن عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكم أنُلْزِمُكُمُوها وأنْتُمْ لَها كارِهُونَ﴾ ﴿وَيا قَوْمِ لا أسْألُكم عَلَيْهِ مالا إنْ أجْرِيَ إلا عَلى اللهِ وما أنا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إنَّهم مُلاقُو رَبِّهِمْ ولَكِنِّي أراكم قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ ﴿وَيا قَوْمِ مَن يَنْصُرُنِي مَن اللهِ إنْ طَرَدْتُهم أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾
هَذِهِ الآيَةُ كَأنَّهُ قالَ: أرَأيْتُمْ إنْ هَدانِي اللهُ وأضَلَّكم أأُجْبِرُكم عَلى الهُدى وأنْتُمْ كارِهُونَ لَهُ مُعْرِضُونَ عنهُ، واسْتِفْهامُهُ في هَذِهِ الآيَةِ أوَّلًا وثانِيًا عَلى جِهَةِ التَقْرِيرِ. وعِبارَةُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَلامُ كانَتْ بِلُغَتِهِ دالَّةً عَلى المَعْنى القائِمِ بِنَفْسِهِ، وهَذا هو المَفْهُومُ مِن هَذِهِ العِبارَةِ العَرَبِيَّةِ، فَبِهَذا اسْتَقامَ أنْ يُقالَ كَذا وكَذا، إذِ القَوْلُ ما أفادَ المَعْنى القائِمَ بِنَفْسِهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿عَلى بَيِّنَةٍ﴾ أيْ: عَلى أمْرٍ بَيِّنٍ جَلِيٍّ، والهاءُ في "بَيِّنَةٍ" لِلْمُبالَغَةِ كَعَلّامَةٍ ونَسّابَةٍ، و"إيتاؤُهُ الرَحْمَةَ" هو هِدايَتُهُ لِلْبَيِّنَةِ، والمُشارُ إلَيْهِ بِهَذا كُلِّهِ النُبُوةُ والشَرْعُ، وقَوْلُهُ: ﴿مِن عِنْدِهِ﴾ تَأْكِيدٌ، كَما قالَ: ﴿يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨]، وفائِدَتُهُ رَفْعُ الِاشْتِراكِ ولَوْ بِالِاسْتِعارَةِ.
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ: "فَعُمِّيَتْ" ولِذَلِكَ وجْهانِ مِنَ المَعْنى:
أحَدُهُما: خَفِيَتْ، ولِذَلِكَ يُقالُ لِلسَّحابِ: العَماءُ لِأنَّهُ يُخْفِي ما فِيهِ، كَما يُقالُ لَهُ: الغَمامُ لِأنَّهُ يَغُمُّهُ، ومِنهُ قَوْلُهُ ﷺ: « "كانَ اللهُ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَ الأشْياءَ في عَماءٍ"». والمَعْنى الثانِي: أنْ تَكُونَ (p-٥٦٥)الإرادَةُ: "فَعَمِيتُمْ أنْتُمْ عنها"، لِكَنَّهُ قُلِبَ، كَما تَقُولُ العَرَبُ: "أدْخَلْتُ القَلَنْسُوَةَ في رَأْسِي"، ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ تَرى الثَوْرَ فِيها يُدْخِلُ الظِلَّ رَأْسَهُ ∗∗∗ وسائِرُهُ بادٍ إلى الشَمْسِ أجْمَعُ
قالَ أبُو عَلِيٍّ: وهَذا مِمّا يُقْلَبُ إذْ لَيْسَ فِيهِ إشْكالٌ وفي القُرْآنِ: ﴿فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ [إبراهيم: ٤٧].
وقَرَأ حَفْصٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ: "فَعُمِّيَتْ" بِضَمِّ العَيْنِ وشَدِّ المِيمِ عَلى بِناءِ الفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ وهَذا إنَّما يَكُونُ مِنَ الإخْفاءِ ويُحْتَمَلُ القَلْبُ المَذْكُورُ. وقَرَأ الأعْمَشُ وغَيْرُهُ "فَعَمّاها عَلَيْهِمْ". قالَ أبُو حاتِمٍ: رَوى الأعْمَشُ عَنِ ابْنِ وثّابٍ "وَعَمِيَتْ" بِالواوِ خَفِيفَةً.
وقَوْلُهُ: ﴿أنُلْزِمُكُمُوها﴾ يُرِيدُ إلْزامَ جَبْرٍ كالقِتالِ ونَحْوِهِ، وأمّا إلْزامُ الإيجابِ فَهو حاصِلٌ، وقالَ النَحّاسُ: مَعْناهُ: أنُوجِبُها عَلَيْكُمْ، وقَوْلُهُ: في ذَلِكَ خَطَأٌ. وفي قِراءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "أنُلْزِمُكُمُوها مِن شَطْرِ أنْفُسِنا"، ومَعْناهُ مِن تِلْقاءِ أنْفُسِنا. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما أنَّهُ قَرَأ ذَلِكَ "مِن شَطْرِ قُلُوبِنا".
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيا قَوْمِ لا أسْألُكم عَلَيْهِ مالا﴾ الآيَةُ الضَمِيرُ في "عَلَيْهِ" عائِدٌ عَلى التَبْلِيغِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وَما أنا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يَقْتَضِي أنَّهم طَلَبُوا مِنهُ طَرْدَ الضُعَفاءِ الَّذِينَ بادَرُوا إلى الإيمانِ بِهِ نَظِيرَ ما اقْتَرَحَتْ قُرَيْشٌ عَلى رَسُولِ اللهِ ﷺ بِطَرْدِ أتْباعِهِ بِمَكَّةَ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا مِن قُرَيْشٍ.
وقَوْلُهُ: ﴿إنَّهم مُلاقُو رَبِّهِمْ﴾ نْبِيهٌ عَلى العَوْدَةِ إلى اللهِ ولِقاءِ جَزائِهِ المَعْنى" فَيُوَصِّلُهم إلى حَقِّهِمْ عِنْدِي إنْ ظَلَمْتُهم بِالطَرْدِ. ثُمَّ وصَفَهم بِالجَهْلِ في مِثْلِ هَذا الِاقْتِراحِ ونَحْوِهِ.
(p-٥٦٦)وَقَوْلُهُ: ﴿وَيا قَوْمِ مَن يَنْصُرُنِي مَن اللهِ﴾ الآيَةُ هو اسْتِفْهامٌ بِمَعْنى تَقْرِيرٍ وتَوْقِيفٍ، أيْ لا ناصِرَ يَدْفَعُ عَنِّي عِقابَ اللهِ إنْ ظَلَمْتُهم بِالطَرْدِ عَنِ الخَيْرِ الَّذِي قَبِلُوهُ، ثُمَّ وقَّفَهم بِقَوْلِهِ: ﴿أفَلا تَذَكَّرُونَ﴾، وعَرَضَ عَلَيْهِمُ النَظَرَ المُؤَدِّيَ إلى صِحَّةِ هَذا الِاحْتِجاجِ.
{"ayahs_start":28,"ayahs":["قَالَ یَـٰقَوۡمِ أَرَءَیۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَیِّنَةࣲ مِّن رَّبِّی وَءَاتَىٰنِی رَحۡمَةࣰ مِّنۡ عِندِهِۦ فَعُمِّیَتۡ عَلَیۡكُمۡ أَنُلۡزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمۡ لَهَا كَـٰرِهُونَ","وَیَـٰقَوۡمِ لَاۤ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَیۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِیَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَاۤ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ۚ إِنَّهُم مُّلَـٰقُوا۟ رَبِّهِمۡ وَلَـٰكِنِّیۤ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمࣰا تَجۡهَلُونَ","وَیَـٰقَوۡمِ مَن یَنصُرُنِی مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمۡۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"],"ayah":"وَیَـٰقَوۡمِ مَن یَنصُرُنِی مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمۡۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق