الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ الناسَ أُمَّةً واحِدَةً ولا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ ﴿إلا مَن رَحِمَ رَبُّكَ ولِذَلِكَ خَلَقَهم وتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبُّكَ لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مَن الجِنَّةِ والناسِ أجْمَعِينَ﴾
المَعْنى: لَجَعَلَهم أُمَّةً واحِدَةً مُؤْمِنَةً -قالَهُ قَتادَةُ - حَتّى لا يَقَعَ مِنهم كُفْرٌ ولا تَنْزِلَ بِهِمْ مُثْلَةٌ، ولَكِنَّهُ عَزَّ وجَلَّ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ، فَهم لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ في الأدْيانِ والآراءِ والمِلَلِ. هَذا تَأْوِيلُ الجُمْهُورِ. قالَ الحَسَنُ، وعَطاءُ، ومُجاهِدٌ، وغَيْرُهُمُ: المَرْحُومُونَ المُسْتَثْنَوْنَ هُمُ المُؤْمِنُونَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ اخْتِلافٌ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ في السَعادَةِ والشَقاوَةِ، وهَذا قَرِيبُ المَعْنى مِنَ الأوَّلِ إذْ هي ثَمَرَةُ الأدْيانِ والِاخْتِلافِ فِيها، ويَكُونُ الِاخْتِلافُ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- يَدْخُلُ فِيهِ المُؤْمِنُونَ إذْ هم مُخالِفُونَ لِلْكَفَرَةِ، وقالَ الحَسَنُ أيْضًا: لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ في الغِنى والفَقْرِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذا قَوْلٌ بَعِيدٌ مَعْناهُ مِن مَعْنى الآيَةِ.
(p-٣٤)ثُمَّ اسْتَثْنى اللهُ تَعالى مِنَ الضَمِيرِ في "يَزالُونَ" مَن رَحِمَهُ مِنَ الناسِ بِأنْ هُداهُ إلى الإيمانِ ووَفَّقَهُ لَهُ.
وقَوْلُهُ: ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ اخْتَلَفَ فِيهِ المُتَأوِّلُونَ -فَقالَتْ فِرْقَةٌ: ولِشُهُودِ اليَوْمِ المَشْهُودِ- المُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ- خَلَقَهُمْ، وقالَتْ فِرْقَةٌ: "ذَلِكَ" إشارَةٌ إلى قَوْلِهِ قَبْلُ: ﴿فَمِنهم شَقِيٌّ وسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٥] أيْ: لِهَذا خَلَقَهم.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وهَذانَ المَعْنَيانِ وإنْ صَحّا فَهَذا العَوْدُ المُتَباعِدُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، ورَوى أشْهَبُ عن مالِكٍ أنَّهُ قالَ: "ذَلِكَ" إشارَةٌ إلى أنْ يَكُونَ فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وفَرِيقٌ في السَعِيرِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَجاءَتِ الإشارَةُ بِـ "ذَلِكَ" إلى الأمْرَيْنِ مَعًا: الِاخْتِلافُ والرَحْمَةُ، وقَدْ قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ واخْتارَهُ الطَبَرِيُّ، ويَجِيءُ عَلَيْهِ الضَمِيرُ في "خَلَقَهُمْ" لِلصِّنْفَيْنِ، وقالَ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ: "ذَلِكَ" عائِدٌ عَلى الرَحْمَةِ الَّتِي تَضَمَّنَها قَوْلُهُ: ﴿إلا مَن رَحِمَ﴾، أيْ: ولِلرَّحْمَةِ خَلَقَ المَرْحُومِينَ، قالَ الحَسَنُ: "ذَلِكَ" إشارَةٌ إلى الِاخْتِلافِ الَّذِي في قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ويُعْتَرَضُ هَذا بِأنْ يُقالَ: كَيْفَ خَلَقَهم لِلِاخْتِلافِ؟ وهَلْ مَعْنى الِاخْتِلافِ هو المَقْصُودُ بِخَلْقِهِمْ؟ فالوَجْهُ في الِانْفِصالِ أنْ نَقُولَ: إنَّ قاعِدَةَ الشَرْعِ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ خَلَقَ خَلْقًا لِلسَّعادَةِ وخَلْقًا لِلشَّقاوَةِ، ثُمَّ يَسَّرَ كُلًّا لِما خُلِقَ لَهُ، وهَذا نَصٌّ في الحَدِيثِ الصَحِيحِ، وجَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ الِاخْتِلافَ في الدِينِ عَلى الحَقِّ هو أمارَةَ الشَقاوَةِ، وبِهِ (p-٣٥)تَعَلُّقُ العِقابِ، فَيَصِحُّ أنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ هُنا: "وَلِلِاخْتِلافِ خَلَقَهُمْ" أيْ: لِثَمَرَةِ الِاخْتِلافِ وما يَكُونُ عنهُ مِنَ الشَقاوَةِ.
ويَصِحُّ أنْ يَجْعَلَ اللامَ في قَوْلِهِ: "وَلِذَلِكَ" لامَ الصَيْرُورَةِ، أيْ: وخَلَقَهم لِيَصِيرَ أمْرُهم إلى ذَلِكَ، وإنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِمُ الِاخْتِلافَ. ومَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وَما خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] أيْ: لِآمُرَهم بِالعِبادَةِ، وأُوجِبَها عَلَيْهِمْ، فَعَبَّرَ عن ذَلِكَ بِثَمَرَةِ الأمْرِ ومُقْتَضاهُ.
وقَوْلُهُ: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ أيْ نَفَذَ قَضاؤُهُ وحَقَّ أمْرُهُ، واللامُ في "لَأمْلَأنَّ" لامُ قَسَمٍ، إذِ "الكَلِمَةُ" تَتَضَمَّنُ القَسَمَ، و الجِنُّ: جَمْعٌ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ، وهو مِن أجَنَّ إذا سَتَرَ، و الهاءُ في "الجِنَّةِ" لِلْمُبالَغَةِ، وإنْ كانَ الجِنُّ يَقَعُ عَلى الواحِدِ فالجِنَّةُ جَمْعُهُ.
{"ayahs_start":118,"ayahs":["وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۖ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ","إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَ ٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِینَ"],"ayah":"وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةࣰ وَ ٰحِدَةࣰۖ وَلَا یَزَالُونَ مُخۡتَلِفِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق