الباحث القرآني

(p-٧٠١)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ تَفْسِيرُ سُورَةِ الكافِرُونَ وهِيَ مَكِّيَّةٌ إجْماعًا. قوله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ﴾ ﴿لا أعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ﴾ ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾ ﴿وَلا أنا عابِدٌ ما عَبَدْتُمْ﴾ ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾ ﴿لَكم دِينُكم ولِيَ دِينِ﴾ قَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وابْنُ مَسْعُودٍ: "قُلْ لِلَّذِينِ كَفَرُوا". ورُوِيَ في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ السُورَةِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وغَيْرِهِ أنَّ جَماعَةً مِن عُتاةِ قُرَيْشٍ ورِجالاتِها قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: دَعْ ما أنْتَ فِيهِ ونَحْنُ نُمَوِّلُكَ ونُزَوِّجُكَ مَن شِئْتَ مِن كَرائِمِنا، ونُمَلِّكُكَ عَلَيْنا، وإنْ لَمْ تَفْعَلْ هَذا فَلْتَعْبُدْ آلِهَتَنا ولَنَعْبُدْ إلَهَكَ حَتّى نَشْتَرِكَ، فَحَيْثُ كانَ الخَيْرُ نِلْناهُ جَمِيعًا، هَذا مَعْنى قَوْلِهِمْ ولَفْظِهِمْ، لَكِنْ لِلرُّواةِ زِيادَةٌ ونَقْصٌ. ورُوِيَ أنَّ هَذِهِ الجَماعَةَ المَذْكُورَةَ هُمُ: الوَلِيدُ بْنُ المُغِيرَةَ، والعاصِي بْنُ وائِلٍ، والأُسُودُ بْنُ المُطَّلِبِ وأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، وأُبِيُّ بْنُ خَلَفٍ وأبُو جَهْلٍ، وابْنا الحَجّاجِ ونُظَراؤُهم مِمَّنْ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ، ولِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَعَهم في هَذِهِ المَعانِي مَقاماتٌ نَزَلَتِ السُورَةُ في إحْداها بِسَبَبِ قَوْلِهِمْ: هَلُمَّ نَشْتَرِكُ في عِبادَةِ إلَهِكَ وآلِهَتِنا، ورُوِيَ أنَّهم قالُوا: اعْبُدْ إلَهَنا عامًا ونَعْبُدُ إلَهَكَ عامًا، فَأخْبَرَهم عن أمْرِهِ عَزَّ وجَلَّ أنْ لا يَعْبُدُ ما يَعْبُدُونَ، وأنَّهم غَيْرُ عابِدِينَ ما يَعْبُدُ، فَلَمّا كانَ قَوْلُهُ: "لا أعْبُدُ" مُحْتَمَلًا أنْ يُرادَ بِهِ "الآنَ" ويَبْقى المُسْتَأْنِفُ مُنْتَظِرًا ما يَكُونُ فِيهِ مِن عِبادَتِهِ جاءَ البَيانُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلا أنا عابِدٌ ما عَبَدْتُمْ﴾ أيٍ أبَدًا وما حَيِيتُ، ثُمَّ جاءَ قَوْلُهُ: ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾ حَتْمًا عَلَيْهِمْ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ بِهِ أبَدًا كالَّذِي كَشَفَ الغَيْبَ، فَهَذا كَما قِيلَ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَلامُ: ﴿أنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إلا (p-٧٠٢)مِن قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦]، أما إنَّ هَذا في مَعْنَيَيْنِ، وقَوْمُ نُوحٍ عَمُّوا بِذَلِكَ، فَهَذا، مَعْنى التَرْدِيدِ الَّذِي في السُورَةِ وهو بارِعُ الفَصاحَةِ ولَيْسَ بِتَكْرارٍ فَقَطْ، بَلْ فِيهِ ما ذَكَرْتُهُ مَعَ التَأْكِيدِ والإبْلاغِ، وزادَ الأمْرَ بَيانًا وتَبَرِّيًا مِنهم بِقَوْلِهِ: ﴿لَكم دِينُكم ولِيَ دِينِ﴾ وفي هَذا المَعْنى الَّذِي عَرَضَتْ قُرَيْشٌ نَزَلَ أيْضًا: ﴿قُلْ أفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أعْبُدُ أيُّها الجاهِلُونَ﴾ [الزمر: ٦٤]. وقَرَأ أبُو عُمَرَ: "وَلِيَ دِينِ" ساكِنَةَ الياءِ مِن "لِي" ونَصَبَها الباقُونَ بِخِلافٍ، عن كُلِّ واحِدٍ مِنهُمْ، والقِراءَتانِ حَسَنَتانِ، وأمالَ قَوْمٌ "عابِدٌ" و"عابِدُونَ" وفَتَحَها قَوْمٌ، وهُما حَسَنَتانِ أيْضًا، ولَمْ يَخْتَلِفِ السَبْعَةُ في حَذْفِ الياءِ مِن "دِينِ"، وأثْبَتَها سَلّامٌ، ويَعْقُوبُ في الوَصْلِ والوَقْفِ، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: في هَذِهِ الألْفاظِ مُهادَنَةُ ما، وهي مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ القِتالِ. كَمُلَ تَفْسِيرُ سُورَةِ [الكافِرُونَ] والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب