الباحث القرآني
(p-٦٧٧)بِسْمِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ القارِعَةِ
وهِيَ مَكِّيَّةٌ بِلا خِلافٍ.
قوله عزّ وجلّ:
﴿القارِعَةُ﴾ ﴿ما القارِعَةُ﴾ ﴿وَما أدْراكَ ما القارِعَةُ﴾ ﴿يَوْمَ يَكُونُ الناسُ كالفَراشِ المَبْثُوثِ﴾ ﴿وَتَكُونُ الجِبالُ كالعِهْنِ المَنفُوشِ﴾ ﴿فَأمّا مَن ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾ ﴿فَهُوَ في عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ ﴿وَأمّا مَن خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾ ﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾ ﴿وَما أدْراكَ ما هِيَهْ﴾ ﴿نارٌ حامِيَةٌ﴾
قَرَأ: "القارِعَةُ، ما القارِعَةُ" بِالنَصْبِ عِيسى، قالَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ: القارِعَةُ: القِيامَةُ نَفْسُها؛ لِأنَّها تَقْرَعُ القُلُوبَ بِهَوْلِها، وقالَ قَوْمٌ مِنَ المُتَأوِّلِينَ: القارِعَةُ: صَيْحَةُ النَفْخَةِ في الصُورِ؛ لِأنَّها تَقْرَعُ الأسْماعَ، وفي ضِمْنِ ذَلِكَ القُلُوبِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أدْراكَ﴾ تَعْظِيمٌ لِأمْرِها، وقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلَهُ.
و"يَوْمَ" ظَرْفٌ، والعامِلُ فِيهِ "القارِعَةُ". وأمالَ أبُو عَمْرٍو "القارِعَةَ"، و"الفَرّاشُ" طَيْرٌ دَقِيقٌ يَتَساقَطُ في النارِ ويَقْصِدُها ولا يَزالُ يَتَقَحَّمُ عَلى المِصْباحِ ونَحْوِهِ حَتّى يَحْتَرِقَ، ومِنهُ قَوْلُ النَبِيِّ ﷺ: « "وَأنا آخِذٌ بِحُجُزِكم عَنِ النارِ وأنْتُمْ تَقْتَحِمُونَ فِيها تَقاحُمَ الفَراشِ والجَنادِبِ"،» وقالَ الفَرّاءُ: الفِراشُ في الآيَةِ غَوْغاءُ الجَرادِ، وهو صَغِيرُهُ الَّذِي يَنْتَشِرُ (p-٦٧٨)فِي الأرْضِ والهَواءِ، و"المَبْثُوثِ" هُنا مَعْناهُ: المُتَفَرِّقُ جَمْعُهُ وجُمْلَتُهُ مَوْجُودَةٌ مُتَّصِلَةٌ، وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: الناسُ أوَّلُ قِيامِهِمْ مِنَ القُبُورِ كالفَراشِ المَبْثُوثِ؛ لِأنَّهم يَجِيئُونَ ويَذْهَبُونَ عَلى غَيْرِ نِظامٍ، ثُمَّ يَدْعُوهُمُ الداعِي فَيَتَوَجَّهُونَ إلى ناحِيَةِ المَحْشَرِ، فَهم حِينَئِذٍ كالجَرادِ المُنْتَشِرِ؛ لِأنَّ الجَرادَ إنَّما تُوَجِّهُهُ أبَدًا إلى ناحِيَةٍ مَقْصُودَةٍ.
واخْتَلَفَ اللُغَوِيُّونَ فِي: "العِهْنِ"، فَقِيلَ: هو الصُوفُ عامًّا، وقِيلَ: هو الصُوفُ الأحْمَرُ، وقِيلَ: هو الصُوفُ المُلَوَّنُ ألْوانًا، واحْتَجَّ هَؤُلاءِ بِقَوْلِ زُهَيْرٍ:
؎ كَأنَّ فُتاتَ العِهْنِ في كُلِّ مَنزِلٍ نَزَلْنَ بِهِ حَبُّ الفَنا لَمْ يُحَطَّمِ
والفَنا: عِنَبُ الثَعْلَبِ، وحَبُّهُ قَبْلَ التَحَطُّمِ مِنهُ الأخْضَرُ والأحْمَرُ والأصْفَرُ، وكَذَلِكَ الجِبالُ جُدَدٌ بِيضٍ وحُمْرٌ وصُفْرٌ وسُودٌ، فَجاءَ التَشْبِيهُ مُلائِمًا، وكَوْنُ الجِبالِ كالعِهْنِ إنَّما هو قَبْلَ وقْتِ التَفْتِيتِ قَبْلَ النَسْفِ ومَصِيرُها هُنا، وهي دَرَجاتٌ. و"النَفْشُ": خَلْخَلَةُ الأجْزاءِ وتَفْرِيقُها عن تَراصِّها، وفي قِراءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وابْنِ جُبَيْرٍ: "كالصُوفِ المَنفُوشِ".
و"المَوازِينُ" هي الَّتِي في القِيامَةِ، قالَ جُمْهُورُ العُلَماءِ والفُقَهاءِ والمُحَدِّثِينَ: مِيزانُ القِيامَةِ بِعَمُودٍ وكِفَّتَيْنِ لِيُبَيِّنَ اللهُ تَعالى أمْرَ العِبادِ بِما عَهِدُوهُ وتَيَقَّنُوهُ، وقالَ مُجاهِدٌ: لَيْسَ ثَمَّ مِيزانٌ، إنَّما هو العَدْلُ مَثَلٌ ذَكَرَهُ بِالمِيزانِ؛ إذْ هو أعْدَلُ ما يَدْرِي الناسُ، وجُمِعَتِ المُوازِينُ لِلْإنْسانِ لَمّا كانَتْ لَهُ مَوْزُوناتٌ كَثِيرَةٌ مُتَغايِرَةٌ، وثِقَلُ هَذا المِيزانِ هو بِالإيمانِ والأعْمالِ، وخِفَّتُهُ بِعَدَمِها وقِلَّتِها، ولَنْ يَخِفَّ خِفَّةً مُوبِقَةً مِيزانُ مُؤْمِنٍ.
و"عِيشَةٍ راضِيَةٍ" مَعْناهُ: ذاتُ رِضًى، عَلى النَسَبِ، هَذا قَوْلُ الخَلِيلِ وسِيبَوَيْهِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾، قالَ كَثِيرٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ: المُرادُ بِالأُمِّ نَفْسُ الهاوِيَةِ، وهي دَرْكُ مَن أدْراكَ النارَ، وهَذا كَما يُقالُ لِلْأرْضِ: "أُمُّ الناسِ" لِأنَّها تُؤْوِيهِمْ، وكَما (p-٦٧٩)قالَ عُتْبَةُ بْنُ أبِي سُفْيانَ في الحَرْبِ: "فَنَحْنُ بَنُوها وهي أُمُّنا" فَجَعَلَ اللهُ تَعالى الهاوِيَةَ أُمُّ الكافِرِ لَمّا كانَتْ مَأْواهُ، وقالَ آخَرُونَ: هو تَفاؤُلٌ بِشَرٍّ فِيهِ تَجَوُّزٌ، كَما قالُوا: "أُمُّهُ ثاكِلٌ" و"هَوى نَجْمُهُ"، وقالَ أبُو صالِحٍ وغَيْرُهُ: المُرادُ أُمُّ رَأْسِهِ لِأنَّهم يَهْوُونَ عَلى رُؤُوسِهِمْ. وقَرَأ طَلْحَةُ: "فَأُمُّهُ" بِكَسْرِ الهَمْزَةِ وضَمِّ المِيمِ مُشَدَّدَةً.
ثُمَّ قَرَّرَ تَعالى نَبِيَّهُ ﷺ عَلى دِرايَةِ أمْرِها وتَعْظِيمِهِ، ثُمَّ أخْبَرَهُ أنَّها نارٌ حامِيَةٌ، وقَرَأ: "ما هِيَ" بِطَرْحِ الهاءِ في الوَصْلِ ابْنُ إسْحاقَ والأعْمَشُ، ورَوى المُبَرِّدُ «أنَّ النَبِيَّ ﷺ قالَ لِرَجُلٍ: "لا أُمَّ لَكَ"، فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، تَدْعُونِي إلى الهُدى وتَقُولُ: لا أُمَّ لَكَ؟ فَقالَ: إنَّما أُرِيدُ لا نارَ لَكَ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ﴾.»
كَمُلَ تَفْسِيرُ [القارِعَةِ] والحَمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ
{"ayahs_start":1,"ayahs":["ٱلۡقَارِعَةُ","مَا ٱلۡقَارِعَةُ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡقَارِعَةُ","یَوۡمَ یَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ","وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ","فَأَمَّا مَن ثَقُلَتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ","فَهُوَ فِی عِیشَةࣲ رَّاضِیَةࣲ","وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَ ٰزِینُهُۥ","فَأُمُّهُۥ هَاوِیَةࣱ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا هِیَهۡ","نَارٌ حَامِیَةُۢ"],"ayah":"وَتَكُونُ ٱلۡجِبَالُ كَٱلۡعِهۡنِ ٱلۡمَنفُوشِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق