الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ﴾ ﴿فَلَمّا جاءَ السَحَرَةُ قالَ لَهم مُوسى ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ﴾ ﴿فَلَمّا ألْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِحْرُ إنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ المُفْسِدِينَ﴾ ﴿وَيُحِقُّ اللهُ الحَقَّ بِكَلِماتِهِ ولَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ﴾ يُخْبِرُ أنَّ فِرْعَوْنَ قالَ لِخَدَمَتِهِ ومُتَصَرِّفِيهِ: ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ، هَذِهِ قِراءَةُ جُمْهُورِ الناسِ، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، ويَحْيى بْنُ وثّابٍ، وعِيسى: "بِكُلِّ سَحّارٍ" عَلى المُبالَغَةِ، قالَ أبُو حاتِمٍ: لَسْنا نَقْرَأُ "سَحّارٍ" إلّا في سُورَةِ الشُعَراءِ، فَرُوِيَ أنَّهم أتَوْهُ بِسَحَرَةِ الفَرَما وغَيْرِها مِن بِلادِ مِصْرَ حَسَبَما قَدْ ذُكِرَ قَبْلُ في غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ، فَلَمّا ورَدَ السَحَرَةُ بِاسْتِعْدادِهِمْ لِلْمُعارَضَةِ خَيَّرُوا مُوسى كَما ذُكِرَ في غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ، فَقالَ لَهم عن أمْرِ اللهِ: ﴿ألْقُوا ما أنْتُمْ مُلْقُونَ﴾. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا ألْقَوْا﴾ الآيَةُ، المَعْنى: فَلَمّا ألْقَوْا حِبالَهم وعِصِيَّهم وخَيَّلُوا بِها وظَنُّوا أنَّهم قَدْ ظَهَرُوا قالَ لَهم مُوسى هَذِهِ المَقالَةَ، وقَرَأ السَبْعَةُ سِوى أبِي عَمْرٍو. ﴿بِهِ السِحْرُ﴾ وهي قِراءَةُ جُمْهُورِ الناسِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، ومُجاهِدٌ، وأصْحابُهُ، وابْنُ القَعْقاعِ: "بِهِ آلسِّحْرُ" بِألِفِ الِاسْتِفْهامِ مَمْدُودَةً قَبْلَ "السِحْرُ". فَأمّا مَن قَرَأ "السِحْرُ" بِغَيْرِ ألِفِ اسْتِفْهامٍ قَبْلَهُ فَـ "ما" في مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلى الِابْتِداءِ، وهي بِمَعْنى الَّذِي وصِلَتُها قَوْلُهُ: ﴿جِئْتُمْ بِهِ﴾، والعائِدُ الضَمِيرُ في "بِهِ"، وخَبَرُها "السِحْرُ"، ويُؤَيِّدُ هَذِهِ القِراءَةَ والتَأْوِيلَ أنَّ في مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "ما جِئْتُمْ بِهِ سِحْرٌ"، وكَذَلِكَ قَرَأها الأعْمَشُ، وهي قِراءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: "ما أتَيْتُمْ بِهِ سِحْرٌ" والتَعْرِيفُ هُنا في "السِحْرِ" أرْتَبُ لِأنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ مُنَكَّرًا في قَوْلِهِمْ: "إنَّ هَذا لَسِحْرٌ" فَجاءَ هُنا بِلامِ العَهْدِ، كَما يُقالُ في أوَّلِ الرِسالَةِ: "سَلامٌ عَلَيْكَ"، وفي آخِرِها: "والسَلامُ عَلَيْكَ"، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ (p-٥١٢)"ما" اسْتِفْهامًا في مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِداءِ، و"جِئْتُمْ بِهِ" الخَبَرُ، و"السِحْرُ" خَبَرُ ابْتِداءٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: "هُوَ السِحْرُ إنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ"، ووَجْهُ اسْتِفْهامِهِ هَذا هو التَقْرِيرُ والتَوْبِيخُ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ "ما" في مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلى مَعْنى: "أيَّ شَيْءٍ جِئْتُمْ بِهِ"، و"السِحْرُ" مَرْفُوعٌ عَلى خَبَرِ الِابْتِداءِ، وتَقْدِيرُ الكَلامِ: "أيُّ شَيْءٍ جِئْتُمْ بِهِ هو السِحْرُ إنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ". وأمّا مَن قَرَأ بِألِفِ الِاسْتِفْهامِ والمَدِّ قَبْلَ "السِحْرُ" فَـ"ما" اسْتِفْهامٌ رُفِعَ بِالِابْتِداءِ، و"جِئْتُمْ بِهِ" الخَبَرُ، وهَذا عَلى جِهَةِ التَقْرِيرِ، وقَوْلُهُ: "السِحْرُ" اسْتِفْهامٌ أيْضًا كَذَلِكَ، وهو بَدَلٌ مِنَ الِاسْتِفْهامِ الأوَّلِ، ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ "ما" في مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمُضْمَرِ تَفْسِيرُهُ في قَوْلِهِ: ﴿جِئْتُمْ بِهِ﴾، وتَقْدِيرُهُ: "أيُّ شَيْءٍ جِئْتُمْ بِهِ السِحْرُ"، وقَوْلُهُ: ﴿إنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ﴾ إيجابٌ عن عِدَةٍ مِنَ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيُحِقُّ اللهُ الحَقَّ﴾ الآيَةُ، يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن إخْبارِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وكَوْنُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِن كَلامِ مُوسى عَلَيْهِ السَلامُ أقْرَبُ، وهو الَّذِي ذَكَرَ الطَبَرِيُّ، وأمّا قَوْلُهُ: ﴿بِكَلِماتِهِ﴾ فَمَعْناهُ: بِكَلِماتِهِ السابِقَةِ الأزَلِيَّةِ في الوَعْدِ بِذَلِكَ، قالَ ابْنُ سَلامٍ: ﴿بِكَلِماتِهِ﴾ بِقَوْلِهِ: ﴿لا تَخَفْ﴾ [طه: ٦٨]، ومَعْنى: ﴿وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ﴾: وإنْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ. والمُجْرِمُ: المُجْتَرِمُ الراكِبُ لِلْخَطَرِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب