الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿إنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ الناسَ شَيْئًا ولَكِنَّ الناسَ أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم كَأنْ لَمْ يَلْبَثُوا إلا ساعَةً مِنَ النَهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهم قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وما كانُوا مُهْتَدِينَ﴾ ﴿وَإمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهم أو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإلَيْنا مَرْجِعُهم ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ﴾
قَرَأتْ فِرْقَةٌ: "وَلَكِنِ الناسُ" بِتَخْفِيفِ "لَكِنْ" ورَفْعِ "الناسُ"، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ "وَلَكِنَّ" بِالتَشْدِيدِ ونَصْبِ "الناسَ"، وظُلْمُ الناسِ لِأنْفُسِهِمْ إنَّما هو بِالتَكَسُّبِ مِنهُمُ الَّذِي يُقارِنُ اخْتِراعَ اللهِ تَعالى لِأفْعالِهِمْ، وعُرْفُ "لَكِنَّ" إذا كانَ قَبْلَها واوٌ أنْ تُثَقَّلَ، وإذا عَرِيَتْ مِنَ الواوِ أنْ تُخَفِّفَ، وقَدْ يَنْخَرِمُ هَذا، وقالَ الكُوفِيُّونَ: قَدْ تَدْخُلُ اللامُ في خَبَرِ "لَكِنَّ" المُشَدِّدَةِ عَلى حَدِّ دُخُولِها في "إنَّ"، ومَنَعَ ذَلِكَ البَصْرِيُّونَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ الآيَةُ، وعِيدٌ بِالحَشْرِ وخِزْيِهِمْ فِيهِ وتَعاوُنِهِمْ في التَلاوُمِ (p-٤٨٧)بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، و"يَوْمَ" ظَرْفٌ، ونَصْبُهُ يَصِحُّ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: واذْكُرْ يَوْمَ، ويَصِحُّ أنْ يَنْتَصِبَ بِالفِعْلِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ قَوْلُهُ: ﴿كَأنْ لَمْ يَلْبَثُوا إلا ساعَةً مِنَ النَهارِ﴾، ويَصِحُّ نُصْبُهُ بِـ "يَتَعارَفُونَ"، والكافُ مِن قَوْلِهِ: "كَأنْ" يَصِحُّ أنْ تَكُونَ في مَعْنى الصِفَةِ لِلْيَوْمِ، ويَصِحُّ أنْ تَكُونَ في مَوْضِعِ نَعْتٍ لِلْمَصْدَرِ كَأنَّهُ قالَ: ويَوْمَ نَحْشُرُهم حَشْرًا كَأنْ لَمْ يَلْبَثُوا، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿كَأنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَمِيرِ في "يَحْشُرُهُمْ". وخُصِّصَ النَهارُ بِالذِكْرِ لِأنَّ ساعاتِهِ وقِسْمَتَهُ مَعْرُوفَةٌ بَيِّنَةٌ لِلْجَمِيعِ، فَكَأنَّ هَؤُلاءِ مُتَحَقِّقُونَ قِلَّةَ ما لَبِثُوا، إذْ كَلُّ أمَدٍ طَوِيلٍ إذا انْقَضى فَهو واليَسِيرُ سَواءٌ. وأمّا قَوْلُهُ: "يَتَعارَفُونَ" فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُعادَلَةً لِقَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ كَأنَّهُ أخْبَرَ أنَّهم يَوْمَ الحَشْرِ يَتَعارَفُونَ، وهَذا التَعارُفُ عَلى جِهَةِ التَلاوُمِ والخِزْيِ مِن بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الضَمِيرِ في "نَحْشُرُهُمْ" ويَكُونُ مَعْنى التَعارُفِ كالَّذِي قَبْلَهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الضَمِيرِ في "يَلْبَثُوا" ويَكُونُ التَعارُفُ في الدُنْيا، ويَجِيءُ مَعْنى الآيَةِ: ويَوْمَ نَحْشُرُهم لِلْقِيامَةِ فَتَنْقَطِعُ المَعْرِفَةُ بَيْنَهم والأسْبابُ، ويَصِيرُ تَعارُفُهم في الدُنْيا كَساعَةٍ مِنَ النَهارِ لا قَدَرَ لَها، وبِنَحْوِ هَذا المَعْنى فَسَّرَ الطَبَرِيُّ، وقَرَأ السَبْعَةُ وجُمْهُورُ الناسِ: "نَحْشُرُهُمْ" بِالنُونِ، وقَرَأ الأعْمَشُ فِيما رُوِيَ عنهُ: "يَحْشُرُهُمْ" بِالياءِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ﴾ إلى آخِرِها. حُكْمٌ عَلى المُكَذِّبِينَ بِالخَسارَةِ، وفي اللَفْظِ إغْلاظٌ عَلى المَحْشُورِينَ مِن إظْهارٍ لِما هم عَلَيْهِ مِنَ الغَرَرِ مَعَ اللهِ تَعالى، وهَذا عَلى أنَّ الكَلامَ إخْبارٌ مِنَ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى، وقِيلَ: إنَّهُ مِن كَلامِ المَحْشُورِينَ عَلى جِهَةِ التَوْبِيخِ لِأنْفُسِهِمْ. (p-٤٨٨)وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَإمّا نُرِيَنَّكَ﴾ الآيَةُ، "وَإمّا" شَرْطٌ، وجَوابُهُ "فَإلَيْنا"، والرُؤْيَةُ في قَوْلِهِ: "نُرِيَنَّكَ" رُؤْيَةُ بَصَرٌ، وقَدْ عُدِّيَ الفِعْلُ بِالهَمْزَةِ فَلِذَلِكَ تَعَدّى إلى مَفْعُولَيْنِ: أحَدُهُما "الكافُ"، والآخَرُ "بَعْضَ"، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿بَعْضَ الَّذِي﴾ إلى عُقُوبَةِ اللهِ لَهم نَحْوُ بَدْرٍ وغَيْرِها، ومَعْنى هَذِهِ الآيَةِ الوَعِيدُ بِالرُجُوعِ إلى اللهِ تَعالى، أيْ: إنْ أرَيْناكَ عُقُوبَتَهم أو لَمْ نُرِكْها فَهم عَلى كُلِّ حالٍ راجِعُونَ إلَيْنا إلى الحِسابِ والعَذابِ، ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ فاللهُ شَهِيدٌ مِن أوَّلِ تَكْلِيفِهِمْ عَلى جَمِيعِ أعْمالِهِمْ، فَـ "ثُمَّ" هاهُنا لِتَرْتِيبِ الإخْبارِ لا لِتَرْتِيبِ القَصَصِ في أنْفُسِها، و"إمّا" هي "إنْ" زِيدَتْ عَلَيْها "ما"، ولِأجْلِها جازَ دُخُولُ النُونِ الثَقِيلَةِ، ولَوْ كانَتْ "إنْ" وحْدَها لَمْ يَجُزْ.
{"ayahs_start":44,"ayahs":["إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَظۡلِمُ ٱلنَّاسَ شَیۡـࣰٔا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمۡ یَظۡلِمُونَ","وَیَوۡمَ یَحۡشُرُهُمۡ كَأَن لَّمۡ یَلۡبَثُوۤا۟ إِلَّا سَاعَةࣰ مِّنَ ٱلنَّهَارِ یَتَعَارَفُونَ بَیۡنَهُمۡۚ قَدۡ خَسِرَ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِلِقَاۤءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُوا۟ مُهۡتَدِینَ","وَإِمَّا نُرِیَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِی نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّیَنَّكَ فَإِلَیۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِیدٌ عَلَىٰ مَا یَفۡعَلُونَ"],"ayah":"وَإِمَّا نُرِیَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِی نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّیَنَّكَ فَإِلَیۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِیدٌ عَلَىٰ مَا یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق