الباحث القرآني

قوله عزّ وجلّ: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهم جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أشْرَكُوا مَكانَكم أنْتُمْ وشُرَكاؤُكم فَزَيَّلْنا بَيْنَهم وقالَ شُرَكاؤُهم ما كُنْتُمْ إيّانا تَعْبُدُونَ﴾ ﴿فَكَفى بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنَنا وبَيْنَكم إنْ كُنّا عن عِبادَتِكم لَغافِلِينَ﴾ ﴿هُنالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ ما أسْلَفَتْ ورُدُّوا إلى اللهِ مَوْلاهُمُ الحَقِّ وضَلَّ عنهم ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ قَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، والحَسَنُ، وشَيْبَةُ، وغَيْرُهُمْ: "نَحْشُرُهُمْ" بِالنُونِ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "يَحْشُرُهُمْ" بِالياءِ، والضَمِيرُ في "نَحْشُرُهُمْ" عائِدٌ (p-٤٧٦)عَلى جَمِيعِ الناسِ مُحْسِنِينَ ومُسِيئِينَ، و"مَكانَكُمْ" نَصْبٌ عَلى تَقْدِيرِ: لازِمُوا مَكانَكُمْ، وذَلِكَ مُقْتَرِنٌ بِحالِ شِدَّةٍ وخِزْيٍ، و"مَكانَكُمْ" في هَذا المَوْضِعِ مِن أسْماءِ الأفْعالِ إذْ مَعْناهُ: قِفُوا واسْكُنُوا، وهَذا خَبَرٌ مِنَ اللهِ تَعالى عن حالَةٍ تَكُونُ لِعَبَدَةِ الأوثانِ يَوْمَ القِيامَةِ، يُؤْمَرُونَ بِالإقامَةِ في مَوْقِفِ الخِزْيِ مَعَ أصْنامِهِمْ، ثُمَّ يُنْطِقُ اللهُ الأصْنامَ بِالتَبَرِّي مِنهم. وقَوْلُهُ: "وَشُرَكاؤُكُمْ" أيِ:الَّذِينَ تَزْعُمُونَ أنْتُمْ أنَّهم شُرَكاءُ لِلَّهِ، فَأضافَهم إلَيْهِمْ لِأنَّ كَوْنَهم شُرَكاءَ إنَّما هو بِزَعْمِ هَؤُلاءِ، وقَوْلُهُ: ﴿فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ﴾ مَعْناهُ: فَرَّقْنا في الحُجَّةِ والمَذْهَبِ وهو مَن زِلْتُ الشَيْءَ عَنِ الشَيْءِ أُزِيلُهُ، وهو تَضْعِيفُ مُبالَغَةٍ لا تَعْدِيَةٍ، وكَوْنُ مَصْدَرِ زَيَّلَ تَزْيِيلًا، يَدُلُّ عَلى أنَّ زَيَّلَ إنَّما هو فَعَّلَ لا فَيْعَلَ، لِأنَّ مَصْدَرَهُ كانَ يَجِيءُ عَلى فَيْعَلَةٍ، وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: "فَزايَلْنا"، ورُوِيَ عَنِ النَبِيِّ ﷺ «أنَّ الكَفّارَ إذا رَأوُا العَذابَ وتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسْبابُ قِيلَ لَهُمُ:اتَّبَعُوا ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ، فَيَقُولُونَ: كُنّا نَعْبُدُ هَؤُلاءِ، فَتَقُولُ الأصْنامُ: واللهِ ما كُنّا نَسْمَعُ ولا نَعْقِلُ، وما كُنْتُمْ إيّانا تَعْبُدُونَ، فَيَقُولُونَ: واللهِ لَإيّاكم كُنّا نَعْبُدُ، فَتَقُولُ الآلِهَةُ: ﴿فَكَفى بِاللهِ شَهِيدًا﴾». قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وظاهِرُ هَذِهِ الآيَةِ أنَّ مُحاوَرَتَهم إنَّما هي مَعَ الأصْنامِ دُونَ المَلائِكَةِ وعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ بِدَلِيلِ القَوْلِ لَهُمْ: ﴿مَكانَكم أنْتُمْ وشُرَكاؤُكُمْ﴾، ودُونَ فِرْعَوْنَ ومَن عُبِدَ مِنَ الجِنِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: ﴿إنْ كُنّا عن عِبادَتِكم لَغافِلِينَ﴾، وهَؤُلاءِ لَمْ يَغْفُلُوا قَطُّ عن عِبادَةِ مَن عَبَدَهُمْ، و"أنْتُمْ" رَفْعٌ بِالِابْتِداءِ، والخَبَرُ: مُوَبَّخُونَ أو مُهانُونَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ "أنْتُمْ" تَأْكِيدًا لِلضَّمِيرِ الَّذِي في الفِعْلِ المُقَدَّرِ الَّذِي هو "قِفُوا" أو نَحْوُهُ. (p-٤٧٧)وَ"شَهِيدًا" نَصْبٌ عَلى التَمْيِيزِ، وقِيلَ: عَلى الحالِ، و"إنْ" هَذِهِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ هي مُخَفَّفَةٌ مُوجَبَةٌ حَرْفُ ابْتِداءٍ، ولَزِمَتْها اللامُ فَرْقًا بَيْنَها وبَيْنَ"إنِ" النافِيَةِ، وقالَ الفَرّاءُ: "إنْ" بِمَعْنى "ما"، واللامُ بِمَعْنى "إلّا"، و"هُنالِكَ" نَصْبٌ عَلى الظَرْفِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ: "تَبْلُو" بِالباءِ بِواحِدَةٍ بِمَعْنى: تَخْتَبِرُ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "تَتْلُو" بِالتاءِ بِنُقْطَتَيْنِ مِن فَوْقٍ بِمَعْنى: تَتْبَعُ، أيْ: تَطْلُبُ وتَتْبَعُ ما أسْلَفَتْ مِن أعْمالِها، ويَصِحُّ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى: تَقْرَأُ كُتُبَها الَّتِي تُرْفَعُ إلَيْها، وقَرَأ يَحْيى بْنُ وثّابٍ: "وَرِدُّوا" بِكَسْرِ الراءِ، وقَرَأ الجُمْهُورُ: "وَرُدُّوا إلى اللهِ"، أيْ: رُدُّوا إلى عِقابِ مالِكِهِمْ وشَدِيدِ بَأْسِهِ، فَهو مَوْلاهم في المُلْكِ والإحاطَةِ لا في الرَحْمَةِ والنَصْرِ ونَحْوِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب