الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكم في البَرِّ والبَحْرِ حَتّى إذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وجاءَهُمُ المَوْجُ مِن كُلِّ مَكانٍ وظَنُّوا أنَّهم أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِينَ لَئِنْ أنْجَيْتَنا مِن هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِن الشاكِرِينَ﴾
هَذِهِ الآيَةُ تَتَضَمَّنُ تَعْدِيدَ النِعْمَةِ فِيما هي الحالُ بِسَبِيلِهِ مِن رُكُوبِ البَحْرِ. ورُكُوبُهُ وقْتَ حُسْنِ الظَنِّ بِهِ لِلْجِهادِ والحَجِّ مُتَّفَقٌ عَلى جَوازِهِ، وكَذَلِكَ لِضَرُورَةِ المَعاشِ بِالصَيْدِ فِيهِ أو لِتَصَرُّفِ التَجْرِ، وأمّا رُكُوبُهُ لِطَلَبِ الغِنى والِاسْتِكْثارِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ الأكْثَرِ، وغايَةٌ مُبِيحِهِ أنْ يَقُولَ: وتَرْكُهُ أحْسَنُ، وأمّا رُكُوبُهُ في ارْتِجاجِهِ فَمَكْرُوهٌ مَمْنُوعٌ، وفي الحَدِيثِ: « "مَن رَكِبَ البَحْرَ في ارْتِجاجِهِ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنهُ الذِمَّةُ"».
(p-٤٦٦)وَقالَ النَبِيُّ ﷺ: "البَحْرُ لا أرْكَبُهُ أبَدًا".
وقَرَأ جُمْهُورُ القُرّاءِ مِنَ السَبْعَةِ وغَيْرِهِمْ: "يُسَيِّرُكُمْ"، قالَ أبُو عَلِيٍّ: وهو تَضْعِيفُ مُبالَغَةٍ لا تَضْعِيفُ تَعْدِيَةٍ، لِأنَّ العَرَبَ تَقُولُ: سِرْتُ الرَجُلَ وسَيَّرْتُهُ، ومِنهُ قَوْلُ الهُذَلِيِّ:
؎ فَلا تَجْزَعن مِن سِيرَةٍ أنْتَ سِرْتَها ∗∗∗ فَأوَّلُ راضٍ سُنَّةً مِن يَسِيرُها
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وعَلى هَذا البَيْتِ اعْتِراضٌ حَتّى لا يَكُونَ شاهِدًا في هَذا، وهو أنْ يُجْعَلَ الضَمِيرُ كالظَرْفِ، كَما تَقُولُ: "سِرْتُ الطَرِيقَ"، وهَذِهِ قِراءَةُ الجُمْهُورِ مِن "سَيَرَ"، وكَذَلِكَ هي في مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وفي مُصْحَفِ أبِي شَيْخٍ، وقالَ عَوْفُ بْنُ أبِي جَمِيلَةَ: (p-٤٦٧)قَدْ كانَ يَقْرَأُ: "يَنْشُرُكُمْ" فَغَيَّرَها الحَجّاجُ بْنُ يُوسُفَ: "يُسَيِّرُكُمْ"، قالَ سُفْيانُ بْنُ أبِي الزَعَلِ: كانُوا يَقْرَؤُونَ: "يَنْشُرُكُمْ" فَنَظَرُوا في مُصْحَفِ ابْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللهُ عنهُ فَوَجَدُوها "يُسَيِّرُكُمْ"، فَأوَّلُ مَن كَتَبَها كَذَلِكَ الحَجّاجُ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ في بَعْضِ طُرُقِهِ: "يُسِيرُكُمْ" مِن أسارَ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وحْدَهُ مِنَ السَبْعَةِ: "يَنْشُرُكُمْ" بِفَتْحِ الياءِ وضَمِّ الشِينِ، مِنَ النَشْرِ والبَثِّ، وهي قِراءَةُ زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ، والحَسْنِ، وأبِي العالِيَةِ، وأبِي جَعْفَرٍ، وعَبْدِ اللهِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ الفَصِيحِ، وأبِي عَبْدِ الرَحْمَنِ، وشَيْبَةَ، ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أنَّهُ قَرَأ: "يُنْشِرُكُمْ" بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الشِينِ وقالَ هي قِراءَةُ عَبْدِ اللهِ، قالَ أبُو حاتِمٍ: أظُنُّهُ غَلِطَ.
و" الفُلْكُ": جَمْعُ فُلْكٍ، ولَيْسَ بِاسْمٍ واحِدٍ لِلْجَمِيعِ والفَرْدِ، ولَكِنَّهُ فُعْلٌ جُمِعَ عَلى فُعْلٍ، ومِمّا يَدُلُّ عَلى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: "فُلْكانِ" في التَثْنِيَةِ، وقِراءَةُ أبِي الدَرْداءِ وأُمِّ الدَرْداءِ: "فِي الفُلْكِيِّ" عَلى وزْنِ فُعْلِيٍّ بِياءِ نَسَبٍ، لِقَوْلِهِمْ: أشْقَرِيٌّ ودَوّارِيٌّ في دَوْرِ الدَهْرِ، وكَقَوْلِ الصَلَتانِ:
؎ أنا الصَلَتانِي....... ∗∗∗ ∗∗∗.......................
(p-٤٦٨)وَقَوْلُهُ: "وَجَرَيْنَ" عَلامَةُ قَلِيلِ العَدَدِ، وقَوْلُهُ: "بِهِمْ" خُرُوجٌ مِنَ الحُضُورِ إلى الغَيْبَةِ، وحَسُنَ ذَلِكَ لِأنَّ قَوْلَهُمْ: ﴿كُنْتُمْ في الفُلْكِ﴾ هو بِالمَعْنى المَعْقُولِ، حَتّى إذا حَصَلَ بَعْضُكم في السُفُنِ، والرِيحُ إذا أُفْرِدَتْ فَعُرْفُها أنْ تُسْتَعْمَلَ في العَذابِ والمَكْرُوهِ، لَكِنَّها لا يَحْسُنُ في البَحْرِ أنْ تَكُونَ إلّا واحِدَةً لا نَشْرًا، فَقُيِّدَتِ المُفْرَدَةُ بِالطَيِّبِ فَخَرَجَتْ عن ذَلِكَ العُرْفِ وبَرَعَ المَعْنى، وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ: "جاءَتْهم رِيحٌ عاصِفٌ"، والعاصِفُ: الشَدِيدَةُ مِنَ الرِيحِ، يُقالُ: عَصَفَتِ الرِيحُ، وقَوْلُهُ::وَظَنُّوا: عَلى بابِهِ في الظَنِّ، لَكِنَّهُ ظَنٌّ غالِبٌ مُفْزَعٌ بِحَسَبِ أنَّهُ في مَحْذُورٍ، وقَوْلُهُ: ﴿دَعَوُا اللهَ﴾ أيْ: نَسُوا الأصْنامَ والشُرَكاءَ وجَرَّدُوا الدُعاءَ لِلَّهِ، وذَكَرَ الطَبَرِيُّ في ذَلِكَ عن بَعْضِ العُلَماءِ حِكايَةَ قَوْلِ العَجَمِ: "هَيّا شَراهِيا" ومَعْناهُ: يا حَيُّ يا قَيُّومُ، قالَ الطَبَرِيُّ: جَوابُ قَوْلِهِ: ﴿حَتّى إذا كُنْتُمْ في الفُلْكِ وجَرَيْنَ﴾: ﴿جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ﴾، وجَوابٌ قَوْلُهُ: ﴿وَظَنُّوا أنَّهم أُحِيطَ بِهِمْ﴾: ﴿دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ﴾.
{"ayah":"هُوَ ٱلَّذِی یُسَیِّرُكُمۡ فِی ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۖ حَتَّىٰۤ إِذَا كُنتُمۡ فِی ٱلۡفُلۡكِ وَجَرَیۡنَ بِهِم بِرِیحࣲ طَیِّبَةࣲ وَفَرِحُوا۟ بِهَا جَاۤءَتۡهَا رِیحٌ عَاصِفࣱ وَجَاۤءَهُمُ ٱلۡمَوۡجُ مِن كُلِّ مَكَانࣲ وَظَنُّوۤا۟ أَنَّهُمۡ أُحِیطَ بِهِمۡ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخۡلِصِینَ لَهُ ٱلدِّینَ لَىِٕنۡ أَنجَیۡتَنَا مِنۡ هَـٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق