الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن في الأرْضِ كُلُّهم جَمِيعًا أفَأنْتَ تُكْرِهُ الناسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَما كانَ لِنَفْسٍ أنْ تُؤْمِنَ إلا بِإذْنِ اللهِ ويَجْعَلُ الرِجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾ ﴿قُلِ انْظُرُوا ماذا في السَماواتِ والأرْضِ وما تُغْنِي الآياتُ والنُذُرُ عن قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ﴾
المَعْنى: إنَّ هَذا الَّذِي تَقَدَّمَ إنَّما كانَ جَمِيعُهُ بِقَضاءِ اللهِ عَلَيْهِمْ ومَشِيئَتِهِ فِيهِمْ، ولَوْ شاءَ اللهُ لَكانَ الجَمِيعُ مُؤْمِنًا، فَلا تَأْسَفْ أنْتَ يا مُحَمَّدُ عَلى كُفْرِ مَن لَمْ يُؤْمِن بِكَ، وادْعُ ولا عَلَيْكَ، فالأمْرُ مَحْتُومٌ، أفَتُرِيدُ أنْتَ أنْ تُكْرِهُ الناسَ بِإدْخالِ الإيمانِ في قُلُوبِهِمْ وتَضْطَرُّهم إلى ذَلِكَ واللهُ عَزَّ وجَلَّ قَدْ شاءَ غَيْرَهُ؟
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَهَذا التَأْوِيلُ الآيَةُ عَلَيْهِ مُحْكَمَةٌ، أيِ:ادْعُ وقاتِلْ مَن خالَفَكَ، وإيمانُ مَن آمَنَ مَصْرُوفٌ إلى المَشِيئَةِ.
(p-٥٣١)وَقالَتْ فِرْقَةٌ: المَعْنى: أفَأنْتَ تُكْرِهُ الناسَ بِالقِتالِ حَتّى يَدْخُلُوا في الإيمانِ؟ وزَعَمَتْ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ في صَدْرِ الإسْلامِ وأنَّها مَنسُوخَةٌ بِآيَةِ السَيْفِ، والآيَةُ -عَلى كِلا التَأْوِيلَيْنِ- رادَّةٌ عَلى المُعْتَزِلَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلُّهم جَمِيعًا﴾ تَأْكِيدٌ وهو مِن فَصِيحِ الكَلامِ، و"جَمِيعًا" حالٌ مُؤَكِّدَةٌ، ونَحْوُهُ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿لا تَتَّخِذُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ [النحل: ٥١].
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما كانَ لِنَفْسٍ أنْ تُؤْمِنَ إلا بِإذْنِ اللهِ﴾ الآيَةُ، رَدٌّ إلى اللهِ تَعالى، وأنَّ الحَوْلَ والقُوَّةَ في إيمانِ مَن يُؤْمِنُ لِلَّهِ، وكَوْنُ الرِجْسِ عَلى الكُفّارِ. وقَرَأ عاصِمٌ في رِوايَةِ أبِي بَكْرٍ: "وَنَجْعَلُ الرِجْسَ" بِنُونِ العَظَمَةِ، وقَرَأ الباقُونَ، وحَفْصٌ عن عاصِمٍ: "وَيَجْعَلُ" بِالياءِ، وقَرَأ الأعْمَشُ: "وَيَجْعَلُ اللهُ الرِجْسَ"، والرِجْسُ يَكُونُ بِمَعْنى العَذابِ كالرِجْزِ، ويَكُونُ في مَعْنى القَذَرِ والنَجاسَةِ كالرِكْسِ، ذَكَرَهُ أبُو عَلِيٍّ هَنا وغَيْرُهُ، وهو في هَذِهِ الآيَةِ بِمَعْنى العَذابِ، و﴿لا يَعْقِلُونَ﴾ يُرِيدُ: آياتِ اللهِ وحُجَجَ الشَرْعِ. ومَعْنى الإذْنِ في هَذِهِ الآيَةِ: الإرادَةُ والتَقْدِيرُ لِذَلِكَ، فَهو العِلْمُ والتَمْكِينُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلِ انْظُرُوا ماذا في السَماواتِ والأرْضِ﴾ هَذِهِ الآيَةُ أمْرٌ لِلْكُفّارِ بِالِاعْتِبارِ والنَظَرِ في المَصْنُوعاتِ الدالَّةِ عَلى الصانِعِ وغَيْرِ ذَلِكَ مِن آياتِ السَماواتِ وأفْلاكِها وكَواكِبِها وسَحابِها ونَحْوِ ذَلِكَ، والأرْضِ ونَباتِها ومَعادِنِها وغَيْرِ ذَلِكَ، المَعْنى: انْظُرُوا في ذَلِكَ بِالواجِبِ فَهو يُنَبِّهُكم إلى المَعْرِفَةِ بِاللهِ والإيمانِ بِوَحْدانِيَّتِهِ، وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ والعامَّةُ بِالبَصْرَةِ: "قُلِ انْظُرُوا" بِكَسْرِ اللامِ، وقَرَأ نافِعٌ وأهْلُ المَدِينَةِ: "قُلُ انْظُرُوا" بِضَمِّ اللامِ، ثُمَّ أعْلَمَ في آخِرِ الآيَةِ أنَّ النَظَرَ في الآياتِ والسَماعَ مِنَ "النُذُرِ" وهُمُ الأنْبِياءُ لا يُغْنِي إلّا بِمَشِيئَةِ اللهِ، وأنَّ ذَلِكَ غَيْرُ نافِعٍ لِقَوْمٍ قَدْ قَضى اللهُ أنَّهم لا يُؤْمِنُونَ، وهَذا عَلى أنْ تَكُونَ "ما" نافِيَةً، ويَجُوزُ أنْ تُعَدَّ اسْتِفْهامًا عَلى جِهَةِ التَقْرِيرِ الَّذِي في ضِمْنِهِ نَفْيُ وُقُوعِ الغِناءِ، وفي الآيَةِ -عَلى هَذا- تَوْبِيخٌ لِحاضِرِي رَسُولِ اللهِ ﷺ مِنَ المُشْرِكِينَ، وقَوْلُهُ: ﴿الآياتُ والنُذُرُ﴾ حَصْرُ طَرِيقَيِ تَعْرِيفِ اللهِ تَعالى عِبادَهُ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ "وَما" في قَوْلِهِ: ﴿وَما تُغْنِي﴾ مَفْعُولَةً بِقَوْلِهِ: ﴿انْظُرُوا﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ: ﴿ماذا﴾، أيْ: تَأمَّلُوا قَدْرَ غِناءِ الآياتِ والنُذُرِ عَنِ الكُفّارِ إذا قَبِلُوا ذَلِكَ كَفِعْلِ قَوْمِ يُونُسَ عَلَيْهِ السَلامُ فَإنَّهُ يَرْفَعُ العَذابَ في الدُنْيا والآخِرَةِ، ويُنْجِي مِن (p-٥٣٢)الهَلَكاتِ، فالآيَةُ -عَلى هَذا- تَحْرِيضٌ عَلى الإيمانِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وتَجَوُّزُ اللَفْظِ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- إنَّما هو في قَوْلِهِ: ( لا يُؤْمِنُونَ ).
{"ayahs_start":99,"ayahs":["وَلَوۡ شَاۤءَ رَبُّكَ لَـَٔامَنَ مَن فِی ٱلۡأَرۡضِ كُلُّهُمۡ جَمِیعًاۚ أَفَأَنتَ تُكۡرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ یَكُونُوا۟ مُؤۡمِنِینَ","وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَیَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ لَا یَعۡقِلُونَ","قُلِ ٱنظُرُوا۟ مَاذَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِی ٱلۡـَٔایَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تُؤۡمِنَ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَیَجۡعَلُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ لَا یَعۡقِلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق