الباحث القرآني
"الحَمْدُ" مَعْناهُ: الثَناءُ الكامِلُ، والألِفُ واللامُ فِيهِ لِاسْتِغْراقِ الجِنْسِ مِنَ المَحامِدِ، وهو أعَمُّ مِنَ الشُكْرِ، لِأنَّ الشُكْرَ إنَّما يَكُونُ عَلى فِعْلٍ جَمِيلٍ يُسْدى إلى الشاكِرِ، وشُكْرُهُ حَمْدٌ ما، والحَمْدُ المُجَرَّدُ هو ثَناءٌ بِصِفاتِ المَحْمُودِ مِن غَيْرِ أنْ يُسْدِيَ شَيْئًا، فالحامِدُ مِنَ الناسِ قِسْمانِ: الشاكِرُ والمُثْنِي بِالصِفاتِ، وذَهَبَ الطَبَرَيُّ إلى أنَّ الشُكْرَ والحَمْدَ بِمَعْنًى واحِدٍ، وذَلِكَ غَيْرُ مُرْضِيٍّ. وحُكِيَ عن بَعْضِ الناسِ أنَّهُ قالَ: الشُكْرُ ثَناءٌ عَلى اللهِ بِأفْضالِهِ وإنْعامِهِ، والحَمْدُ ثَناءٌ بِأوصافِهِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ: وهَذا أصَحُّ مَعْنًى مِن أنَّهُما بِمَعْنًى واحِدٍ، واسْتَدَلَّ الطَبَرَيُّ عَلى أنَّهُما بِمَعْنًى بِصِحَّةِ قَوْلِكَ: الحَمْدُ لِلَّهِ شُكْرًا، وهو في الحَقِيقَةِ دَلِيلٌ عَلى (p-٧٢)خِلافِ ما ذَهَبَ إلَيْهِ، لِأنَّ قَوْلَكَ: شُكْرًا؛ إنَّما خَصَّصَتْ بِهِ الحَمْدُ أنَّهُ عَلى نِعْمَةٍ مِنَ النِعَمِ.
وأجْمَعَ السَبْعَةُ، وجُمْهُورُ الناسِ عَلى رَفْعِ الدالِّ مِنَ "الحَمْدِ لِلَّهِ"، ورُوِيَ عن سُفْيانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، ورُؤْبَةَ بْنُ العَجّاجِ: "الحَمْدَ لِلَّهِ" بِفَتْحِ الدالِ، وهَذا عَلى إضْمارِ فِعْلٍ، ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ بْنِ أبِي الحَسَنِ، وزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ "الحَمْدِ لِلَّهِ" بِكَسْرِ الدالِ عَلى إتْباعِ الأوَّلِ الثانِي، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ أبِي عَبْلَةَ "الحَمْدُ لِلَّهِ" بِضَمِّ الدالِ واللامِ عَلى إتْباعِ الثانِي والأوَّلِ. قالَ الطَبَرِيُّ: "الحَمْدُ لِلَّهِ" ثَناءٌ أثْنى بِهِ عَلى نَفْسِهِ، وفي ضِمْنِهِ أمَرَ عِبادَهُ أنْ يُثْنُوا بِهِ عَلَيْهِ، فَكَأنَّهُ قالَ: قُولُوا الحَمْدُ لِلَّهِ، وعَلى هَذا يَجِيءُ قُولُوا إيّاكَ. قالَ: وهَذا مِن حَذْفِ العَرَبِ ما يَدُلُّ ظاهِرُ الكَلامِ عَلَيْهِ، كَما قالَ الشاعِرُ:
؎ وأعْلَمُ أنَّنِي سَأكُونُ رَمْسًا إذا سارَ النَواعِجُ لا يَسِيرُ ∗∗∗ فَقالَ السائِلُونَ: لِمَن حَفَرْتُمْ؟ ∗∗∗ فَقالَ المُخْبِرُونَ لَهُمْ: وزِيرُ
المَعْنى: "المَحْفُورُ لَهُ وزِيرُ"، فَحَذَفَ لِدَلالَةِ ظاهِرِ الكَلامِ عَلَيْهِ، وهَذا كَثِيرٌ.
وقَرَأتْ طائِفَةٌ "رَبَّ" بِالنَصْبِ، فَقالَ بَعْضُهُمْ: هو نَصْبٌ عَلى المَدْحِ، وقالَ بَعْضُهُمْ: هو عَلى النِداءِ، وعَلَيْهِ يَجِيءُ إيّاكَ.
و"الرَبُّ" في اللُغَةِ المَعْبُودُ، والسَيِّدُ المالِكُ، والقائِمُ بِالأُمُورِ، المُصْلِحُ لِما يَفْسُدُ مِنها، والمَلِكُ، تَأْتِي اللَفْظَةُ لِهَذِهِ المَعانِي.
فَمِمّا جاءَ بِمَعْنى "المَعْبُودِ" قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ أرَبٌّ يَبُولُ الثَعْلَبانُ بِرَأْسِهِ ∗∗∗ لَقَدْ هانَ مَن بالَتْ عَلَيْهِ الثَعالِبُ
(p-٧٣)وَمِمّا جاءَ بِمَعْنى "السَيِّدِ المالِكِ" قَوْلُهُمْ: رَبُّ العَبِيدِ والمَمالِيكِ.
ومِمّا جاءَ بِمَعْنى "القائِمِ بِالأُمُورِ الرَئِيسُ فِيها" قَوْلُ لَبِيدٍ:
؎ وأهْلَكْنَ يَوْمًا رَبَّ كِنْدَةَ وابْنَهُ ∗∗∗ ورَبَّ مَعَدٍّ بَيْنَ خِبْتٍ وعَرْعَرِ
ومِمّا جاءَ بِمَعْنى "المَلِكِ" قَوْلُ النابِغَةِ:
؎ تَخِبُّ إلى النُعْمانِ حَتّى تَنالَهُ ∗∗∗ فِدًى لَكَ مِن رَبٍّ طَرِيفِي وتالِدِي
ومِن مَعْنى "الإصْلاحِ" قَوْلُهُمْ: أدِيمٌ مَرْبُوبٌ. أيْ: مُصْلِحٌ: قالَ الشاعِرُ:
؎ كانُوا كَسالِئَةٍ حَمْقاءَ إذْ حُقِنَتْ ∗∗∗ سَلاءَها في أدِيمٍ غَيْرِ مَرْبُوبٍ
ومِن مَعْنى "المَلِكِ" قَوْلِ صَفْوانَ بْنِ أُمِّيَّةَ لِأخِيهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ: " لِأنْ يُرَبِّنِي رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ خَيْرٌ مِن أنْ يُرَبِّنِي رَجُلٌ مِن هَوازِنَ، ومِنهُ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ في شَأْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُبَيْرِ، وعَبْدِ المَلِكِ بْنِ مَرْوانَ: وإنْ كانَ لا بُدَّ، لِأنْ يُرَبِّنِي رَجُلٌ مِن بَنِي عَمِّي أحَبُّ (p-٧٤)إلَيَّ مِن أنْ يُرَبِّنِي غَيْرُهم. ذَكَرَهُ البُخارِيُّ في تَفْسِيرِ سُورَةِ بَراءَةَ. ومِن ذَلِكَ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ وكُنْتُ امْرَءًا أفْضَتْ إلَيْكَ رِبابَتِي ∗∗∗ وقَبْلَكِ رَبَّتْنِي فَضِعْتُ رُبُوبُ
وهَذِهِ الِاسْتِعْمالاتُ قَدْ تَتَداخَلُ، فالرَبُّ عَلى الإطْلاقِ الَّذِي هو رَبُّ الأرْبابِ عَلى كُلِّ جِهَةٍ هو اللهُ تَعالى.
و"العالَمِينَ" جَمْعُ عالَمٍ، وهو كُلُّ مَوْجُودٍ سِوى اللهِ تَعالى، يُقالُ لِجُمْلَتِهِ: عالَمٌ، ولِأجْزائِهِ مِنَ الإنْسِ والجِنِّ وغَيْرِ ذَلِكَ: عالَمٌ، وبِحَسَبِ ذَلِكَ يُجْمَعُ عَلى العالَمِينَ، ومِن حَيْثُ عالَمُ الزَمانِ مُتَبَدِّلٌ في زَمانٍ آخَرَ حَسُنَ جَمْعُها. ولَفْظَةُ "العالَمِ" جَمْعٌ لا واحِدَ لَهُ مِن لَفْظِهِ، وهو مَأْخُوذٌ مِنَ العِلْمِ والعَلامَةِ لِأنَّهُ يَدُلُّ عَلى مُوجِدِهِ. كَذا قالَ الزُجاجَ.
{"ayah":"ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق