الباحث القرآني
ثم لما كان الناس في إجابة هذه الدعوة فريقين منهم من أجاب ومنهم من أبى ذكر حال الفريقين فذكر حال الأكثرين وهم المردودون إلى أسفل سافلين، والصحيح أنه النار قاله مجاهد والحسن وأبو العالية
قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه هي النار بعضها أسفل من بعض
وقالت طائفة منهم قتادة وعكرمة وعطاء والكلبي وإبراهيم أنه أرذل العمر
وهو مروى عن ابن عباس
والصواب القول الأول لوجوه:
أحدها أن أرذل العمر لا يسمى أسفل سافلين لا في لغة ولا عرف وإنما أسفل سافلين هو سجين الذي هو مكان الفجار كما أن عليين مكان الأبرار
الثاني أن المردودين إلى أسفل العمر بالنسبة إلى نوع الإنسان قليل جدًا فأكثرهم يموت ولا يرد إلى أرذل العمر
الثالث أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستوون هم وغيرهم في رد من طال عمره منهم إلى أرذل العمر فليس ذلك مختصًا بالكفار حتى يستثنى منهم المؤمنين.
الرابع أن الله سبحانه لما أراد ذلك لم يخصه بالكفار بل جعله لجنس بني آدم فقال ﴿ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا﴾
فجعلهم قسمين:
قسمًا متوفى قبل الكبر، وقسمًا مردودًا إلى أرذل العمر، ولم يسمه أسفل سافلين.
الخامس أنه لا تحسن المقابلة بين أرذل العمر وبين جزاء المؤمنين وهو سبحانه قابل بين جزاء هؤلاء، وجزاء أهل الإيمان فجعل جزاء الكفار أسفل سافلين وجزاء المؤمنين أجرًا غير ممنون.
السادس أن قول من فسره بأرذل العمر يستلزم خلو الآية عن جزاء الكفار وعاقبة أمرهم، ويستلزم تفسيرها بأمر محسوس فيكون قد ترك الإخبار عن المقصود الأهم وأخبر عن أمر يعرف بالحس والمشاهدة، وفي ذلك هضم لمعنى الآية وتقصير بها عن المعنى اللائق بها.
السابع أنه سبحانه ذكر حال الإنسان في مبدأه ومعاده، فمبدؤه خلقه في أحسن تقويم، ومعاده رده إلى أسفل سافلين أو إلى أجر غير ممنون.
وهذا موافق لطريقة القرآن وعادته في ذكر مبدأ العبد ومعاده، فما لأرذل العمر.
وهذا المعنى المطلوب المقصود إثباته والاستدلال عليه.
الثامن أن أرباب القول الأول مضطرون إلى مخالفة الحس وإخراج الكلام عن ظاهره والتكلف البعيد له فإنهم إن قالوا إن الذي يرد إلى أرذل العمر هم الكفار دون المؤمنين كابروا الحس.
وإن قالوا إن من النوعين من يرد إلى أرذل العمر احتاجوا إلى التكلف لصحة الاستثناء فمنهم من قدر ذلك بأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا تبطل أعمالهم إذا ردوا إلى أرذل العمر بل تجري عليهم أعمالهم التي كانوا يعملونها في الصحة فهذا وإن كان حقًا فإن الاستثناء إنما وقع من الرد لا من الأجر والعمل ولما علم أرباب هذا القول ما فيه من التكلف خص بعضهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات بقراءة القرآن خاصة فقالوا من قرأ القرآن لا يرد إلى أرذل العمر.
وهذا ضعيف من وجهين:
أحدهما أن الاستثناء عام في المؤمنين قارئهم وأميهم، وأنه لا دليل على ما ادعوه.
وهذا لا يعلم بالحس ولا خبر يجب التسليم له يقتضيه. والله أعلم.
التاسع أنه سبحانه ذكر نعمته على الإنسان بخلقه في أحسن تقويم وهذه النعمة توجب عليه أن يشكرها بالإيمان وعبادته وحده لا شريك له فينقله حينئذ من هذه الدار إلى أعلى عليين فإذا لم يؤمن به وأشرك به وعصى رسله نقله منها إلى أسفل سافلين وبدله بعد هذه الصورة التي هي في أحسن تقويم صورة من أقبح الصور في أسفل سافلين فتلك نعمته عليه وهذا عدله فيه وعقوبته على كفران نعمته العاشر أن نظير هذه الآية قوله تعالى ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذابٍ ألِيمٍ إلا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾
فالعذاب الأليم هو أسفل سافلين والمستثنون هنا هم المستثنون هناك والأجر غير الممنون هناك هو المذكور هنا والله أعلم.
وقوله (غير ممنون) أي غير مقطوع ولا منقوص ولا مكدر عليهم وهذا هو الصواب وقالت طائفة غير ممنون به عليهم بل هو جزاء أعمالهم ويذكر هذا عن عكرمة ومقاتل وهو قول كثير من القدرية قال هؤلاء إن المنة تكدر النعمة فتمام النعمة أن يكون غير ممنون بها على المنعم عليه وهذا القول خطأ قطعًا أتى أربابه من تشبيه نعمة الله على عبده بإنعام المخلوق على المخلوق وهذا من أبطل الباطل فإن المنة التي تكدر النعمة هي منه المخلوق على المخلوق وأما منه الخالق على المخلوق فبها تمام النعمة ولذتها وطيبها فإنها منة حقيقة قال تعالى ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكم أنْ هَداكم لِلْإيمانِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾
وقال تعالى ﴿وَلَقَدْ مَنَنّا عَلى مُوسى وهارُونَ ونَجَّيْناهُما وقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ﴾
فتكون منة عليهما بنعمة الدنيا دون نعمة الآخرة
وقال لموسى ﴿وَلَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى﴾
وقال أهل الجنة ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا ووَقانا عَذابَ السَّمُومِ﴾
وقال تعالى ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ﴾ الآية.
وقال ﴿وَنُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا في الأرْضِ﴾ الآية.
وفي الصحيح أن النبي قال للأنصار
"ألم اجدكم ضلالًا فهداكم الله بي ألم أجدكم عالة فأغناكم الله بي فجعلوا يقولون له الله ورسوله أمن"
فهذا جواب العارفين بالله ورسوله وهل المنة كل المنة إلا لله المان بفضله الذي جميع الخلق في منته وإنما قبحت منه المخلوق لأنها منة بما ليس منه وهي منة يتأذى بها الممنون عليه وأما منة المنان بفضله التي ما طاب العيش إلا بمنته وكل نعمة منه في الدنيا والآخرة فهي منة يمن بها على من أنعم عليه فتلك لا يجوز نفيها وكيف يجوز أن يقال إنه لا منة لله على الذين آمنوا وعملوا الصالحات في دخول الجنة وهل هذا إلا من أبطل الباطل
فإن قيل هذا القدر لا يخفى على من قال هذا القول من العلماء وليس مرادهم ما ذكر وإنما مرادهم أنه لا يمن عليهم به وإن كانت لله فيه المنة عليهم فإنه لا يمن عليهم به بل يقال هذا جزاء أعمالكم التي عملتموها في الدنيا وهذا أجركم فأنتم تستوفون أجور أعمالكم لا نمن عليكم بما أعطيناكم قيل وهذا أيضًا هو الباطل بعينه فإن ذلك الأجر ليست الأعمال ثمنا له ولا معاوضة عنه وقد قال أعلم الخلق بالله
"لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل"
(صحيح)
فأخبر أن دخول الجنة برحمة الله وفضله وذلك محض منته عليه وعلى سائر عباده وكما أنه سبحانه المان بإرسال رسله وبالتوفيق لطاعته وبالإعانة عليها فهو المان بإعطاء الجزاء وذلك كله محض منته وفضله وجوده لا حق لأحد عليه بحيث إذا وفاه إياه لم يكن له عليه منة فإن كان في الدنيا باطل فهذا ليس منه في شيء
فإن قيل كيف تقولون هذا وقد أخبر رسوله عنه بأن حق العباد عليه إذا وحدوه أن لا يعذبهم، وقد أخبر عن نفسه أن حقًا عليه
نصر المؤمنين؟
قيل لعمر الله هذا من أعظم منته على عباده أن جعل على نفسه حقا بحكم وعده لصادق أن يثيبهم ولا يعذبهم إذا عبدوه ووحدوه فهذا من تمام منته فإنه لو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولكن منته اقتضت أن أحق على نفسه ثواب عابديه وإجابة سائليه:
؎ما للعباد عليه حق واجب ∗∗∗ كلا ولا سعى لديه ضائع
؎إن عذبوا فبعد له أو نعموا ∗∗∗ فبفضله فهو الكريم الواسع
{"ayahs_start":5,"ayahs":["ثُمَّ رَدَدۡنَـٰهُ أَسۡفَلَ سَـٰفِلِینَ","إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَیۡرُ مَمۡنُونࣲ"],"ayah":"إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمۡ أَجۡرٌ غَیۡرُ مَمۡنُونࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق