الباحث القرآني

ولما أقام سبحانه الدليل وأنار السبيل وأوضح الحجة وبين المحجة أنذر عباده عذابه الذي أعده لمن كذب خبره وتولى عن طاعته وجعل هذا الصنف من الناس هم أشقاهم كما جعل أسعدهم أهل التقوى والإحسان والإخلاص فهذا الصنف هو الذي يجنب عذابه كما قال ﴿وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى﴾ فهذا المتقي المحسن لا يفعل ذلك إلا ابتغاء وجه ربه فهو مخلص في تقواه وإحسانه وفي الآية الإرشاد إلى أن صاحب التقوى لا ينبغي له أن يتحمل من الخلق ونعمهم وإن حمل منهم شيئًا بادر إلى جزائهم عليه لئلا يتبقى لأحد من الخلق عليه نعمة تجزى فيكون بعد ذلك عمله كله لله وحده ليس للمخلوق جزاء على نعمته ونبه بقوله ﴿تجزى﴾ على أن نعمة الإسلام التي لرسول الله على هذا الأتقى لا تجزى فإن كل ذي نعمة يمكن جزاء نعمته إلا نعمة الإسلام فإنها لا يمكن المنعم بها عليه أن يجزى بها وهذا يدل على أن الصديق رضي الله عنه أول وأولى من ذكر في هذه الآية وأنه أحق الأمة بها فإن عليًا رضي الله عنه تربى في بيت النبي ﷺ فلرسول الله عنده نعمة غير نعمة الإسلام يمكن أن تجزى. ونبه سبحانه بقوله ﴿إلاّ ابْتِغاءَ وجْهِ رَبِّهِ الأعْلى﴾ على أن من ليس لمخلوق عليه نعمة تجزى لا يفعل ما يفعله إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى بخلاف من تطور نعم المخلوقين ومننهم فإنه مضطر إلى أن يفعل لأجلهم ويترك لأجلهم ولهذا كان من كمال الإخلاص أن لا يجعل العبد عليه منة لأحد من الناس لتكون معاملته كلها لله ابتغاء وجهه وطلب مرضاته فكما أن هذه الغاية أعلى الغايات وهذا المطلوب أشرف المطالب فهذا الطريق أقصد الطرق إليه وأقربها وأقومها. وبالله التوفيق. * (فائدة) قال ابن القيم - بعد كلام -: وَكاغْتِرارِ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى في النّارِ: ﴿لا يَصْلاها إلّا الأشْقى - الَّذِي كَذَّبَ وتَوَلّى﴾ [الليل: ١٥-١٦]، وقَوْلِهِ: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤]. وَلَمْ يَدْرِ هَذا المُغْتَرُّ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿فَأنْذَرْتُكم نارًا تَلَظّى﴾ هي نارٌ مَخْصُوصَةٌ مِن جُمْلَةِ دَرَكاتِ جَهَنَّمَ، ولَوْ كانَتْ جَمِيعَ جَهَنَّمَ فَهو سُبْحانَهُ لَمْ يَقُلْ لا يَدْخُلُها بَلْ قالَ ﴿لا يَصْلاها إلّا الأشْقى﴾ ولا يَلْزَمُ مِن عَدَمِ صَلْيِها، عَدَمُ دُخُولِها، فَإنَّ الصَّلْيَ أخَصُّ مِنَ الدُّخُولِ، ونَفْيُ الأخَصِّ لا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الأعَمِّ. ثُمَّ هَذا المُغْتَرُّ لَوْ تَأمَّلَ الآيَةَ الَّتِي بَعْدَها؛ لَعَلِمَ أنَّهُ غَيْرُ داخِلٍ فِيها، فَلا يَكُونُ مَضْمُونًا لَهُ أنْ يُجَنَّبَها. * (لطيفة) قَولُهُ تَعالى: ﴿وَما لِأحَدٍ عِنْدَهُ مِن نِعْمَةٍ تُجْزى إلّا ابْتِغاءَ وجْهِ رَبِّهِ الأعْلى﴾ جَعَلَ غايَةَ أعْمالِ الأبْرارِ والمُقَرَّبِينَ والمُحِبِّينَ: إرادَةَ وجْهِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب