الباحث القرآني

ثم قال تعالى ﴿إنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى وإنَّ لَنا لَلآخِرَةَ والأُولى﴾ قيل معناه إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال قال قتادة على الله البيان بيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته اختاره أبو إسحاق وهو قول مقاتل وجماعة وهذا المعنى حق ولكن مراد الآية شيء آخر وقيل المعنى إن علينا للهدى والإضلال قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء يريد أرشد أوليائي إلى العمل بطاعتي وأحول بين أعدائي وبين أن يعملوا بطاعتي قال الفراء فترك ذكر الإضلال كما قال ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الحَر﴾ أي والبرد وهذا أضعف من القول الأول، وإن كان معناه صحيحًا فليس هو معنى الآية وقيل المعنى من سلك الهدى فعلى الله سبيله كقوله ﴿وَعَلى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ وهذا قول مجاهد وهو أصح الأقوال في الآية قال الواحدي علينا للهدى أي إن الهدى يوصل صاحبه إلى الله وإلى ثوابه وجنته وهذا المعنى في القرآن في ثلاث مواضع هاهنا وفي النحل في قوله ﴿وَعَلى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ وفي الحجر في قوله ﴿هَذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ وهو معنى شريف جليل يدل على أن سالك طريق الهدى يوصله طريقه إلى الله ولا بد والهدى هو الصراط المستقيم فمن سلكه أوصله إلى الله فذكر الطريق والغاية فالطريق الهدى والغاية الوصول إلى الله فهذه أشرف الوسائل وغايتها أعلى الغايات ولما كان مطلوب السالك إلى الله تحصيل مصالح دنياه وآخرته لم يتم له هذا المطلوب إلا بتوحيد طلبه والمطلوب منه فأعلمه سبحانه أن سواه لا يملك من الدنيا والآخرة شيئًا وأن الدنيا والآخرة جميعًا له وحده فإذا تيقن العبد ذلك اجتمع طلبه ومطلوبه على من يملك الدنيا والآخرة وحده فتضمنت الآيتان أربعة أمور هي المطالب العالية ذكر أعلى الغايات وهو الوصول إلى الله سبحانه وأقرب الطرق والوسائل إليه وهي طريقة الهدى وتوحيد الطريق فلا يعدل عنها إلى غيرها وتوحيد المطلوب وهو الحق فلا يعدل عنه إلى غيره فاقتبس هذه الأمور من مشكاة هذه الكلمات فإن هذه غاية العلم والفهم وبالله التوفيق والهدى التام يتضمن توحيد المطلوب وتوحيد الطلب وتوحيد الطريق الموصلة والانقطاع وتخلف الوصول يقع من الشركة في هذه الأمور أو في بعضها فالشركة في المطلوب تنافي التوحيد والإخلاص والشركة في الطلب تنافي الصدق والعزيمة والشركة في الطريق تنافي اتباع الأمر فالأول يوقع في الشرك والرياء والثاني يوقع في المعصية والبطالة والثالث يوقع في البدعة ومفارقة السنة فتأمله. فتوحيد المطلوب يعصم من الشرك وتوحيد الطلب يعصم من المعصية وتوحيد الطريق يعصم من البدعة والشيطان إنما ينصب فخه بهذه الطرق الثلاثة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب