الباحث القرآني

لَمْ يُمْدَحُوا عَلى نَفْسِ الحَزَنِ، وإنَّما مُدِحُوا عَلى ما دَلَّ عَلَيْهِ الحَزَنُ مِن قُوَّةِ إيمانِهِمْ، حَيْثُ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِعَجْزِهِمْ عَنِ النَّفَقَةِ، فَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالمُنافِقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَحْزَنُوا عَلى تَخَلُّفِهِمْ، بَلْ غَبَطُوا نُفُوسَهم بِهِ. (فائدة بديعة) لا يجوز إضمار حرف العطف خلافا للفارسي ومن تبعه لأن الحروف أدلة على معان في نفس المتكلم فلو أضمرت لاحتاج المخاطب إلى وحي يسفر له عما في نفس مكلمه وحكم حروف العطف في هذا حكم حروف النفي والتوكيد والترجي والتمني وغيرها اللهم إلا أن حروف الاستفهام قد يسوغ إضمارها في بعض المواطن لأن للمستفهم هيئة تخالف هيئة المخبر وهذا على قلته. فإن قيل: فكيف تصنعون بقول الشاعر: ؎كيف أصبحت كيف أمسيت مما ∗∗∗ يثبت الود في فؤاد الكريم أليس على إضمار حرف العطف وأصله كيف أصبحت وكيف أمسيت قيل ليس كذلك وليس حرف العطف مرادا هنا ألبتة ولو كان مرادا لانتقض الغرض الذي أراده الشاعر لأنه لم يرد انحصار الود في هاتين الكلمتين من غير مواظبة عليهما بل أراد أن تكرار هاتين الكلمتين دائما يثبت المودة ولولا حذف الواو لانحصر إثبات الود في هاتين الكلمتين من غير مواظبة ولا استمرار عليها ولم يرد الشاعر ذلك وإنما أراد أن يجعل أول الكلام ترجمة على سائر الباب يريد الاستمرار على هذا الكلام والمواظبة عليه كما تقول قرأت ألفا باء جمعت هذه الحروف ترجمة لسائر الباب وعنوانا للغرض المقصود ولو قلت قرأت ألفا وباء لأشعرت بانقضاء المقروء حيث عطفت الباء على الألف دون ما بعدها فكان مفهوم الخطاب أنك لم تقرأ غير هذين الحرفين وأحسن من هذا أن يقال دخول الواو هنا يفسد المعنى لأن المراد أن هذا اللفظ وحده يثبت الود وهذا وحده يثبته بحسب اللقاء فأيهما وجد مقتضيه وواظب عليه أثبت الود ولو أدخل الواو لكان لا يثبت الود إلا باللفظين معا ونظير هذا أن تقول أطعم فلانا شيئا فيقول ما أطعمه فيقول أطعمه تمرا أقطا زبيبا لحما لم ترد جمع ذلك بل أردت أطعمه واحدا من هذه أيهما تيسر ومنه الحديث الصحيح المرفوع "تصدق رجل من ديناره من درهمه من صاع بره " رواه مسلم والنسائي وأحمد ومنه قول عمر: "صلى رجل في إزاء ورداء في سراويل ورداء في تبان" ورداء الحديث يتعين ترك العطف في هذا كله لا المراد الجمع. فإن قيل: فما تقولون في قولهم اضرب زيدا عمرا خالدا أليس على حذف الواو قيل ليس كذلك إذ لو كان على تقدير الواو لاختص الأمر بالمذكورين ولم يعدهم إلى سواهم وإنما المراد الإشارة بهم إلى غيرهم ومنه قولهم بوبت الكتاب بابا بابا وقسمت المال درهما درهما وليس على إضمار حرف العطف ولو كان كذلك لانحصر الأمر في درهمين وبابين. وأما ما احتجوا به من قوله تعالى: ﴿وَلا عَلى الَّذِينَ إذا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهم قُلْتَ لا أجِدُ ما أحْمِلُكم عَلَيْهِ﴾ والذي دعاهم إلى ذلك أن جواب إذا هو قوله تعالى: ﴿تَوَلَّوْا وأعْيُنُهم تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾ ولم يكن عندك ما تحملهم عليه تولوا يبكون فيكون الواو في قلت مقدرة لأنها معطوفة على فعل الشرط وهو أتوك هذا تقرير احتجاجهم ولا حجة فيه لأنه جواب إذا في قوله قلت لا أجد والمعنى إذا أتوك لتحملهم لم يكن عندك ما تحملهم عليه فعبر عن هذا بقوله قلت لا أجد ما أحملكم عليه لنكتة بديعة وهي الإشارة إلى تصديقهم له وأنهم اكتفوا من علمهم بعدم الإمكان بمجرد إخباره لهم بقوله: ﴿لا أجِدُ ما أحْمِلُكم عَلَيْهِ﴾ بخلاف ما لو قيل لم يجدوا عندك ما تحملهم عليه فإنه يكون تبيين حزنهم خارجا عن إخباره وكذلك لو قيل لم تجد ما تحملهم عليه لم يؤد هذا المعنى فتأمله فإنه بديع. فإن قيل فبأي شيء يرتبط قوله ﴿تولوا وأعينهم تفيض﴾ وهذا عطف على ما قبله فإنه ليس بمستأنف؟ فالجواب أن ترك العطف هنا من بديع الكلام لشدة ارتباطه بما قبله ووقوعه منه موقع التفسير حتى كأنه هو.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب