الباحث القرآني

* (فصل) ثمَّ تَأمل حِكْمَة الله عز وجل في عزة هذَيْن النَّقْدَيْنِ الذَّهَب والفِضَّة، وقصور خيرة العالم عَمّا حاولوا من صنعتهما، والتشبه بِخلق الله إياهما مَعَ شدَّة حرصهم وبلوغ أقصى جهدهمْ واجتهادهم في ذَلِك فَلم يظفروا بسوى الصَّنْعَة ولَو مكنوا أن يصنعوا مثل ما خلق الله من ذَلِك لفسد أمر العالم واستفاض الذَّهَب والفِضَّة في النّاس حَتّى صار كالسعف والفخار، وكانَت تتعطل المصلحَة الَّتِي وضعا لأجلها وكانَت كثرتهما جدا سَبَب تعطل الِانْتِفاع بهما فإنه لا يبْقى لَهما قيمَة ويبْطل كَونهما قيمًا لنفائس الأموال والمعاملات وأرزاق المُقاتلَة، ولم يتسخر بعض النّاس لبَعض إذْ يصير الكل أرباب ذهب وفِضة فَلَو أغنى خلقه كلهم لأفقرهم كلهم فَمن يرضى لنَفسِهِ بامتهانها في الصَّنائِع الَّتِي لا قوام للْعالم إلا بها. فسبحان من جعل عزتهما سَبَب نظام العالم ولم يجعلهما في العِزَّة كالكبريت الأحمر الَّذِي لا يُوصل إليه فتفوت المصلحَة بِالكُلِّيَّةِ بل وضعهما وأنبتهما في العالم بِقدر اقتضه حكمته ورَحمته ومصالح عباده. وقرأت بِخَط الفاضِل جِبْرِيل بن روح الأنباري قالَ أخبرني بعض من تداول المَعادِن أنهم أوغلوا في طلبَها إلى بعض نواحي الجَبَل فانْتَهوا إلى مَوضِع وإذا فِيهِ أمثال الجبال من الفضة، ومن دون ذَلِك واد يجري متصلبا بِماء غزير لا يدْرك ولا حِيلَة في عبوره فانصرفوا إلى حَيْثُ يعْملُونَ ما يعبرون بِهِ فَلَمّا هيئوه وعادوا راموا طَرِيق النَّهر فَما وقفُوا لَهُ على أثر ولا عرفُوا إلى أيْنَ يتوجهون فإنصرفوا آيسين، وهَذا أحد ما يدل على بطلان صناعَة الكيمياء وأنها عند التَّحْقِيق زغل وصبغة لا غير. وَقد ذكرنا بُطْلانها وبينا فَسادها من أربعين وجها في رِسالَة مُفْردَة. والمَقْصُود أن حِكْمَة الله تَعالى اقْتَضَت عزة هذَيْن الجوهرين، وقلتهما بِالنِّسْبَةِ إلى الحَدِيد والنحاس والرصاص لصلاح أمر النّاس، واعْتبر ذَلِك بِأنَّهُ إذا ظهر الشَّيْء الظريف المستحسن مِمّا يحدثه النّاس من الأمتعة كانَ نفيسا عَزِيزًا ما دامَ فِيهِ قلَّة وهو مَرْغُوب فِيهِ، فَإذا فشى وكثر في أيدي النّاس وقدر عَلَيْهِ الخاص والعام سقط عِنْدهم، وقلت رغباتهم فِيهِ. وَمن هَذا قَول القائِل: "نفاسه الشَّيْء من عزته" وَلِهَذا كانَ أزهد النّاس في العالم أهله وجيرانه وأرغبهم فِيهِ البعداء عَنهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب