الباحث القرآني

فأمر بقتال عدوهم، وأعلمهم أن فيه ست فوائد. فالغيظ يؤلم القلب، ودواؤه في شفاء غيظه، فإن شفاه بحق اشتفى، وإن شفاه بظلم وباطل زاده مرضا من حيث ظن أنه يشفيه، وهو كمن شفى مرض العشق بالفجور بالمعشوق، فإن ذلك يزيد مرضه، ويوجب له أمراضا أُخر أصعب من مرض العشق كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وكذلك الغم والهم والحزن أمراض للقلب، وشفاؤها بأضدادها: من الفرح والسرور، فإن كان ذلك بحق اشتفى القلب وصح وبرئ من مرضه، وإن كان بباطل توارى ذلك واستتر، ولم يزل، وأعقب أمراضا هي أصعب وأخطر. وكذلك الجهل مرض يؤلم القلب. فمن الناس من يداويه بعلوم لا تنفع، ويعتقد أنه قد صح من مرضه بتلك العلوم، وهي في الحقيقة إنما تزيده مرضا إلى مرضه، لكن اشتغال القلب بها عن إدراك الألم الكامن فيه، بسبب جهله بالعلوم النافعة، التي هي شرط في صحته وبرئه، وقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الذين أفتوا بالجهل، فهلك المستفتِي بفتواهم "قتلوه، قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال" فجعل الجهل مرضا وشفاءه سؤال أهل العلم. وكذلك الشاك في الشيء المرتاب فيه، يتألم قلبه حتى يحصل له العلم واليقين، ولما كان ذلك يوجب له حرارة قيل لمن حصل له اليقين: ثلج صدره، وحصل له برد اليقين، وهو كذلك يضيق بالجهل والضلال عن طريق رشده، وينشرح بالهدى والعلم، قال الله تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللهُ أنْ يَهديَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ ومَن يُرِدْ أنْ يضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كأنماَ يَصَّعَّدُ فِى السَّماءِ﴾ [الأنعام: ١٢٥]. والمقصود: أن من أمراض القلوب ما يزول بالأدوية الطبيعية. ومنها ما لا يزول إلا بالأدوية الشرعية الإيمانية، والقلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن. * (فائدة) وَأمّا تَأْثِيرُ الجِهادِ في دَفْعِ الهَمِّ والغَمِّ فَأمْرٌ مَعْلُومٌ بِالوِجْدانِ، فَإنَّ النَّفْسَ مَتى تَرَكَتْ صائِلَ الباطِلِ وصَوْلَتَهُ واسْتِيلاءَهُ اشْتَدَّ هَمُّها، وغَمُّها، وكَرْبُها، وخَوْفُها، فَإذا جاهَدَتْهُ لِلَّهِ أبْدَلَ اللَّهُ ذَلِكَ الهَمَّ والحُزْنَ فَرَحًا ونَشاطًا وقُوَّةً كَما قالَ تَعالى: ﴿قاتِلُوهم يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكم ويُخْزِهِمْ ويَنْصُرْكم عَلَيْهِمْ ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ - ويُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ فَلا شَيْءَ أذْهَبُ لِجَوى القَلْبِ وغَمِّهِ وهَمِّهِ وحُزْنِهِ مِنَ الجِهادِ واللَّهُ المُسْتَعانُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب