الباحث القرآني

ثم قال ﴿ذو العرش﴾ فأضاف العرش إلى نفسه كما تضاف إليه الأشياء العظيمة الشريفة وهذا يدل على عظمة العرش وقربه منه سبحانه واختصاصه به بل يدل على غاية القرب والاختصاص كما يضيف إلى نفسه بذو صفاته القائمة به كقوله ذو القوة ذو الجلال والإكرام ويقال ذو العزة وذو الملك وذو الرحمة ونظائر ذلك فلو كان حظ العرش منه حظ الأرض السابعة لكان لا فرق أن يقال ذو العرش وذو الأرض ثم وصف نفسه بالمجيد وهو المتضمن لكثرة صفات كماله وسعتها وعدم إحصاء الخلق لها وسعة أفعاله وكثرة خيره ودوامه وأما من ليس له صفات كمال ولا أفعال حميدة فليس له من المجد شيء والمخلوق إنما يصير مجيدًا بأوصافه وأفعاله فكيف يكون الرب تبارك وتعالى مجيدًا وهو معطل عن الأوصاف والأفعال تعالى الله عما يقول المعطلون علوًا كبيرًا بل هو المجيد الفعال لما يريد والمجد في لغة العرب كثرة أوصاف الكمال وكثرة أفعال الخير وأحسن ما قرن اسم المجيد إلى الحميد كما قالت الملائكة لبيت الخليل عليه السلام ﴿رَحْمَتُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ عَلَيْكم أهْلَ البَيْتِ إنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ﴾ وكما شرع لنا في آخر الصلاة أن نثني على الرب تعالى بأنه حميد مجيد وشرع في آخر الركعة عند الاعتدال أن نقول ربنا ولك الحمد أهل الثناء والمجد فالحمد والمجد على الاطلاق لله الحميد المجيد فالحميد الحبيب المستحق لجميع صفات الكمال والمجيد العظيم الواسع القادر الغني ذو الجلال والإكرام ومن قرأ المجيد بالكسر فهو صفة لعرشه سبحانه وإذا كان عرشه مجيدًا فهو سبحانه أحق بالمجد وقد استشكل هذه القراءة بعض الناس وقال لم يسمع في صفات الخلق مجيد ثم خرجها على أحد الوجهين إما على الجوار وإما أن يكون صفة لربك وهذا من قلة بضاعة هذا القائل فإن الله سبحانه وصف عرشه بالكرم وهو نظير المجد ووصفه بالعظمة فوصفه سبحانه بالمجد مطابق لوصفه بالعظمة والكرم بل هو أحق المخلوقات أن يوصف بذلك لسعته وحسنه وبهاء منظره فإنه أوسع كل شيء في المخلوقات وأجمله وأجمعه لصفات الحسن وبهاء المنظر وعلو القدر والرتبة والذات ولا يقدر قدر عظمته وحسنه وبهاء منظره إلا الله ومجده مستفاد من مجد خالقه ومبدعه والسماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي الذي بين يديه كحلقة ملقاة في أرض فلاة والكرسي فيه كتلك الحلقة في الفلاة قال ابن عباس السماوات السبع في العرش كسبعة دراهم جعلن في ترس فكيف لا يكون مجيدًا وهذا شأنه فهو عظيم كريم مجيد وأما تكلف هذا المتكلف جره إلى الجوار أو أنه صفة لربك فتكلف شديد وخروج عن المألوف في اللغة من غير حاجة إلى ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب