الباحث القرآني

* (فصل) اعلم أن الذنب بمنزلة المرض، والتوبة بمنزلة العافية، والعبد إذا مرض ثم عوفى وتكاملت عافيته رجعت صحته إلى ما كانت، بل ربما رجعت أقوى وأكمل مما كانت عليه، لأنه ربما كان معه في حال العافية آلام وأسقام كامنة، فإذا اعتل ظهرت تلك الأسقام ثم زالت بالعافية جملة فتعود قوته خيرًا مما كانت وأكمل. وفي مثل هذا قال الشاعر: ؎لعل عتبك محمود عواقبه ∗∗∗ وربما صحت الأجسام بالعلل وهذا الوجه هو أحد ما احتج به من قال: إنه يعود خيرًا بالتوبة مما كان قبل التوبة. واحتجوا لقولهم أيضًا بأن التوبة تثمر للعبد محبة من الله خاصة لا تحصل بدون التوبة، بل التوبة شرط في حصولها، وإن حصل له محبة أُخرى بغيرها من الطاعات فالمحبة الحاصلة له بالتوبة لا تنال بغيرها، فإن الله يحب التوابين، ومن محبته لهم فرحه بتوبة أحدهم أعظم فرح وأكمله. فإذا أثمرت له التوبة هذه المحبة ورجع بها إلى طاعاته التي كان عليها أولًا انضم أثرها إلى أثر تلك الطاعات فقوى الأثران فحصل له المزيد من القرب والوسيلة وهذا بخلاف ما يظنه من نقصت معرفته بربه من أنه سبحانه إذا غفر لعبده ذنبه فإنه لا يعود الود الذي كان له منه قبل الجناية. واحتجوا في ذلك بأثر إسرائيلي مكذوب أن الله قال لداود عليه السلام: يا داود، أما الذنب فقد غفرناه، وأما الود فلا يعود. وهذا كذب قطعًا، فإن الود يعود بعد التوبة النصوح أعظم مما كان، فإنه سبحانه يحب التوابين، ولو لم يعد الود لما حصلت له محبته، وأيضًا فإنه يفرح بتوبة التائب، ومحال أن يفرح بها أعظم فرح وأكمله وهو لا يحبه. وتأمل سر اقتران هذين الاسمين في قوله تعالى: ﴿إنَّهُ هو يُبْدِيءُ ويُعِيدُ وهو الغَفُورُ الودُود﴾ [البروج: ١٣-١٤] تجد فيه من الرد والإنكار على من قال: لا يعود الود والمحبة منه لعبده أبدًا، ما هو من كنوز القرآن ولطائف فهمه، وفي ذلك ما يهيج القلب السليم ويأْخذ بمجامعه ويجعله عاكفًا على ربه - الذي لا إله إلا هو ولا رب له سواه - عكوف المحب الصادق على محبوبه الذي لا غنى له عنه، ولا بد له منه ولا تندفع ضرورته بغيره أبدًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب