الباحث القرآني

أي حالا بعد حال. فأول أطباقه: كونه نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم جنينا، ثم مولودا، ثم رضيعا، ثم فطيما، ثم صحيحا أو مريضا، غنيا أو فقيرا، معافى أو مبتلى - إلى جميع أحوال الإنسان المختلفة عليه إلى أن يموت، ثم يبعث، ثم يوقف بين يدي الله، ثم يصير إلى الجنة أو النار. فالمعنى: لتركبن حالا بعد حال، ومنزلا بعد منزل، وأمرا بعد أمر. قال سعيد بن جبير وابن زيد: لتكونن في الآخرة بعد الأولى، ولتصيرنّ أغنياء بعد الفقر، وفقراء بعد الغنى. وقال عطاء: شدة بعد شدة. والطبق والطبقة: الحال. ولهذا يقال: كان فلان على طبقات شتّى. قال عمرو بن العاص: «لقد كنت على طبقات ثلاث» أي أحوال. قال ابن الأعرابي: الطبق الحال على اختلافها. * وقال في (التبيان) وقوله ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ﴾ الظاهر أنه جواب القسم ويجوز أن يكون من القسم المحذوف جوابه ولتركبن وما بعده مستأنف وقرئ ولتركبن بضم الباء للجمع وبفتحها فمن فتحها فالخطاب عنده للإنسان أي لتركبن أيها الإنسان وقيل هو النبي خاصة وقيل ليست التاء للخطاب ولكنها للغيبة أي لتركبن السماء طبقًا عن طبق ومن ضمها فالخطاب للجماعة ليس إلا فمن جعل الكناية للسماء قال المعنى لتركبن السماء حالًا بعد حال من حالاتها التي وصفها الله تعالى من الانشقاق والانفطار والطي وكونها كالمهل مرة وكالدهان مرة ومورانها وتفتحها وغير ذلك من حالاتها وهذا قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ودل على السماء ذكر الشفق والقمر وعلى هذا فيكون قسمًا على المعاد وتغيير العالم ومن قال الخطاب للنبي فله ثلاث معان لتركبن سماء بعد سماء حتى تنتهي إلى حيث يصعدك الله هذا قول ابن عباس في رواية مجاهد وقول مسروق والشعبي قالوا والسماء طبق. ولهذا يقال للسماوات السبع الطباق. والمعنى الثاني لتصعدن درجة بعد درجة ومنزلة بعد منزلة ورتبة بعد رتبة حتى تنتهي إلى محل القرب والزلفى من الله والمعنى. الثالث لتركبن حالًا بعد حال من الأحوال المختلفة التي نقل الله فيها رسوله من الهجرة والجهاد ونصره على عدوه وإدالة العدو عليه تارة وغناه وفقره وغير ذلك من حالاته التي تنقل فيها إلى أن بلغ ما بلغه إياه. ومن قال الخطاب للإنسان أو لجملة الناس فالمعنى واحد وهو تنقل الإنسان حالا بعد حال من حين كونه نطفة إلى مستقره من الجنة أو النار فكم بين هذين من الأطباق والأحوال للإنسان. وأقوال المفسرين كلها تدور على هذا. قال ابن عباس رضي الله عنهما لتصيرن الأمور حالًا بعد حال وقيل لتركبن أيها الإنسان حالًا بعد حال من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى كونه حيًا إلى خروجه إلى هذه الدار ثم ركوبه طبق التمييز بين ما ينفعه ويضره ثم ركوبه بعد ذلك طبقًا آخر وهو طبق البلوغ ثم ركوبه طبق الأشد ثم طبق الشيخوخة ثم طبق الهرم ثم ركوبه طبق ما بعد الموت في البرزخ وركوبه في أثناء هذه الأحوال أطباقًا عديدة لا يزال ينتقل فيها حالًا بعد حال إلى دار القرار فذلك آخر أطباقه التي يعلمها العباد ثم يفعل الله سبحانه بعد ذلك ما يشاء واختار أبو عبيدة قراءة الضم وقال المعنى بالناس أشبه منه بالنبي فإنه ذكر قبل الآية من يؤتى كتابه بيمينه ومن يؤتى كتابه بشماله ثم ذكر بعدها قوله ﴿فَما لَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ فذكر كونهم طبقًا بعد طبق قال الواحدي وهذا قول أكثر المفسرين قالوا لتركبن حالًا بعد حال ومنزلًا بعد منزل وأمرًا بعد أمر قال سعيد بن جبير وابن زيد لتكونن في الآخرة بعد الأولى ولتصيرن أغنياء بعد الفقر وفقراء بعد الغنى وقال عطاء شدة بعد شدة وقال أبو عبيدة لتركبن سنة من كان قبلكم في التكذيب والاختلاف على الرسل. وأنت إذا تأملت هذا المقسم به والمقسم عليه وجدته من أعظم الآيات الدالة على الربوبية وتغيير الله سبحانه للعالم وتصريفه له كيف أراد ونقله إياه من حال إلى حال. وهذا محال أن يكون بنفسه من غير فاعل مدبر له ومحال أن يكون بنفسه من غير فاعل مدبر له ومحال أن يكون فاعله غير قادر ولا حي ولا مريد ولا حكيم ولا عليم وكلاهما في الامتناع سواء. فالمقسم به وعليه من أعظم الأدلة على ربوبيته وتوحيده وصفات كماله وصدقه وصدق رسله وعلى المعاد ولهذا عقب ذلك بقوله ﴿فَما لَهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ إنكارًا على من لم يؤمن بعد ظهور هذه الآيات المستلزمة لمدلولها أتم استلزام وأنكر عليهم عدم خصوعهم وسجودهم للقرآن المشتمل على ذلك بأفصح عبارة وأبينها وأجزلها وأوجزها فالمعنى أشرف معنى والعبارة أشرف عبارة غاية الحق بغاية البيان والفصاحة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب