الباحث القرآني

* (فصل) ومن ذلك إقسامه بـ ﴿الشَّفَقِ واللَّيْلِ وما وسَقَ والقَمَرِ إذا اتَّسَقَ﴾ فأقسم بثلاثة أشياء متعلقة بالليل أحدها الشفق وهو في اللغة الحمرة بعد غروب الشمس إلى وقت صلاة العشاء الآخرة وكذلك هو في الشرع قال الفراء والليث والزجاج وغيرهم: الشفق الحمرة في السماء وأصل موضوع الحرف لرقة الشيء، ومنه شيء شفق لا تماسك له لرقته ومنه الشفقة وهو الرقة وأشفق عليه إذا رق له وأهل اللغة يقولون الشفق بقية ضوء الشمس وحمرتها، ولهذا كان الصحيح أن الشفق الذي يدخل وقت العشاء الآخرة بغيبوبته هو الحمرة. فإن الحمرة لما كانت بقية ضوء الشمس جعل بقاؤها حدًا لوقت المغرب فإذا ذهبت الحمرة بعدت الشمس عن الأفق فدخل وقت العشاء. وأما البياض فإنه يمتد وقته بطول لبثه ويكون حاصلًا مع بعد الشمس عن الأفق، ولهذا صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: الشفق الحمرة، والعرب تقول ثوب مصبوغ كأنه الشفق إذا كان أحمر حكاه الفراء. وكذلك قال الكلبي الشفق الحمرة التي تكون في المغرب، وكذلك قال مقاتل هو الذي يكون بعد غروب الشمس في الأفق قبل الظلمة. وقال عكرمة هو بقية النهار وهذا يحتمل أن يريد به أن تلك الحمرة بقية ضوء الشمس التي هي آية النهار وقال مجاهد هو النهار كله. وهذا ضعيف جدًا وكأنه لما رآه قابله بالليل وما وسق، ظن أنه النهار وهذا ليس بلازم. الثاني قسمه بالليل وما وسق أي وما ضم وحوى وجمع والليل وما ضمه وحواه آية أخرى والقمر آية واتساقه آية أخرى والشفق يتضمن إدبار النهار وهو آية وإقبال الليل وهو آية أخرى فإن هذا إذا أدبر خلفه الآخر يتعاقبان لمصالح الخلق فإدبار النهار آية وإقبال الليل آية، وتعقب أحدهما الآخر آية، والشفق الذي هو متضمن الأمرين آية والليل آية، وما حواه آية، والهلال آية، وتزايده كل ليلة آية، واتساقه وهو امتلاؤه نورًا آية، ثم أخذه في النقص آية. وهذه وأمثالها آيات دالة على ربوبيته مستلزمة للعلم بصفات كماله، ولهذا شرع عند إقبال الليل وإدبار النهار ذكر الرب تعالى بصلاة المغرب. وفي الحديث "اللَّهُمَّ إنَّ هَذا إقْبالُ لَيْلِكَ، وإدْبارُ نَهارِكَ، وأصْواتُ دُعاتِكَ، فاغْفِرْ لِي، وحضور صلواتك اغفر لي" كما شرع ذكر الله بصلاة الفجر عند إدبار الليل وإقبال النهار، ولهذا يقسم سبحانه بهذين الوقتين كقوله ﴿واللَّيْلِ إذْ أدْبَرَ والصُّبْحِ إذا أسْفَرَ﴾ وهو يقابل إقسامه بالشفق. ونظيره إقسامه ب ﴿واللَّيْلِ إذا عَسْعَسَ والصُّبْحِ إذا تَنَفَّسَ﴾ ولما كان الرب تبارك وتعالى يحدث عن كل واحد من طرفي إقبال الليل والنهار وإدبارهما ما يحدثه ويبث من خلقه ما شاء فينشر الأرواح الشيطانية عند إقبال الليل وينشر الأرواح الإنسانية عند إقبال النهار فيحدث هذا الانتشار في العالم أثره شرع سبحانه في هذين الوقتين هاتين الصلاتين العظيمتين مع ما في ذلك من ذكره عند هاتين الآيتين المتعاقبتين وعند انصرام إحداهما واتصال الأخرى بها مع ما بينهما من التضاد والاختلاف وانتقال الحيوان عند ذلك من حال إلى حال ومن حكم إلى حكم وذلك مبدأ ومعاد يومي مشهود للخليقة كل يوم وليلة فالحيوان والنبات في مبدأ ومعاد وزمان العالم في مبدأ ومعاد ﴿أولم يروا كيف يبدأ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب