الباحث القرآني

* [فَصْلٌ: المَعاصِي تُذْهِبُ الحَياءَ] وَمِن عُقُوباتِها: ذَهابُ الحَياءِ الَّذِي هو مادَّةُ حَياةِ القَلْبِ، وهو أصْلُ كُلِّ خَيْرٍ، وذَهابُهُ ذَهابُ الخَيْرِ أجْمَعِهِ. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ أنَّهُ قالَ: «الحَياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ». وَقالَ: «إنَّ مِمّا أدْرَكَ النّاسَ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولى: إذا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَعْ ما شِئْتَ» وفِيهِ تَفْسِيرانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ عَلى التَّهْدِيدِ والوَعِيدِ، والمَعْنى مَن لَمْ يَسْتَحِ فَإنَّهُ يَصْنَعُ ما شاءَ مِنَ القَبائِحِ، إذِ الحامِلُ عَلى تَرْكِها الحَياءُ، فَإذا لَمْ يَكُنْ هُناكَ حَياءٌ يَرْدَعُهُ عَنِ القَبائِحِ، فَإنَّهُ يُواقِعُها، وهَذا تَفْسِيرُ أبِي عُبَيْدَةَ. والثّانِي: أنَّ الفِعْلَ إذا لَمْ تَسْتَحِ مِنهُ مِنَ اللَّهِ فافْعَلْهُ، وإنَّما الَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُهُ هو ما يُسْتَحى مِنهُ مِنَ اللَّهِ، وهَذا تَفْسِيرُ الإمامِ أحْمَدَ في رِوايَةِ ابْنِ هانِئٍ. فَعَلى الأوَّلِ: يَكُونُ تَهْدِيدًا، كَقَوْلِهِ: ﴿اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠]. وَعَلى الثّانِي: يَكُونُ إذْنًا وإباحَةً. فَإنْ قِيلَ: فَهَلْ مِن سَبِيلٍ إلى حَمْلِهِ عَلى المَعْنَيَيْنِ؟ قُلْتُ: لا، ولا عَلى قَوْلِ مَن يَحْمِلُ المُشْتَرَكَ عَلى جَمِيعِ مَعانِيهِ، لِما بَيْنَ الإباحَةِ والتَّهْدِيدِ مِنَ المُنافاةِ، ولَكِنَّ اعْتِبارَ أحَدِ المَعْنَيَيْنِ يُوجِبُ اعْتِبارَ الآخَرِ. والمَقْصُودُ أنَّ الذُّنُوبَ تُضْعِفُ الحَياءَ مِنَ العَبْدِ، حَتّى رُبَّما انْسَلَخَ مِنهُ بِالكُلِّيَّةِ، حَتّى إنَّهُ رُبَّما لا يَتَأثَّرُ بِعِلْمِ النّاسِ بِسُوءِ حالِهِ ولا بِاطِّلاعِهِمْ عَلَيْهِ، بَلْ كَثِيرٌ مِنهم يُخْبِرُ عَنْ حالِهِ وقُبْحِ ما يَفْعَلُ، والحامِلُ لَهُ عَلى ذَلِكَ انْسِلاخُهُ مِنَ الحَياءِ، وإذا وصَلَ العَبْدُ إلى هَذِهِ الحالَةِ لَمْ يَبْقَ في صَلاحِهِ مَطْمَعٌ ؎وَإذا رَأى إبْلِيسُ طَلْعَةَ وجْهِهِ ∗∗∗ حَيّا وقالَ فَدَيْتُ مَن لا يُفْلِحُ والحَياءُ مُشْتَقٌّ مِنَ الحَياةِ، والغَيْثُ يُسَمّى حَيا - بِالقَصْرِ - لِأنَّ بِهِ حَياةُ الأرْضِ والنَّباتِ والدَّوابِّ، وكَذَلِكَ سُمِّيَتْ بِالحَياءِ حَياةُ الدُّنْيا والآخِرَةِ، فَمَن لا حَياءَ فِيهِ فَهو مَيِّتٌ في الدُّنْيا شَقِيٌّ في الآخِرَةِ، وبَيْنَ الذُّنُوبِ وبَيْنَ قِلَّةِ الحَياءِ وعَدَمِ الغَيْرَةِ تَلازُمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، وكُلٌّ مِنهُما يَسْتَدْعِي الآخَرَ ويَطْلُبُهُ حَثِيثًا، ومَنِ اسْتَحى مِنَ اللَّهِ عِنْدَ مَعْصِيَتِهِ، اسْتَحى اللَّهُ مِن عُقُوبَتِهِ يَوْمَ يَلْقاهُ، ومَن لَمْ يَسْتَحِ مِن مَعْصِيَتِهِ لَمْ يَسْتَحِ اللَّهُ مِن عُقُوبَتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب