الباحث القرآني
وَلا تَحْسَبُ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ - وإنَّ الفُجّارَ لَفي جَحِيمٍ﴾ مَقْصُورٌ عَلى نَعِيمِ الآخِرَةِ وجَحِيمِها فَقَطْ بَلْ في دُورِهِمُ الثَّلاثَةِ كَذَلِكَ - أعْنِي دارَ الدُّنْيا، ودارَ البَرْزَخِ، ودارَ القَرارِ - فَهَؤُلاءِ في نَعِيمٍ، وهَؤُلاءِ في جَحِيمٍ، وهَلِ النَّعِيمُ إلّا نَعِيمُ القَلْبِ؟
وَهَلِ العَذابُ إلّا عَذابُ القَلْبِ؟
وَأيُّ عَذابٍ أشَدُّ مِنَ الخَوْفِ والهَمِّ والحُزْنِ، وضِيقِ الصَّدْرِ، وإعْراضِهِ عَنِ اللَّهِ والدّارِ الآخِرَةِ، وتَعَلُّقِهِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وانْقِطاعِهِ عَنِ اللَّهِ، بِكُلِّ وادٍ مِنهُ شُعْبَةٌ؟
وَكُلُّ شَيْءٍ تَعَلَّقَ بِهِ وأحَبَّهُ مِن دُونِ اللَّهِ فَإنَّهُ يَسُومُهُ سُوءَ العَذابِ.
فَكُلُّ مَن أحَبَّ شَيْئًا غَيْرَ اللَّهِ عُذِّبَ بِهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ في هَذِهِ الدّارِ، فَهو يُعَذَّبُ بِهِ قَبْلَ حُصُولِهِ حَتّى يَحْصُلَ، فَإذا حَصَلَ عُذِّبَ بِهِ حالَ حُصُولِهِ بِالخَوْفِ مِن سَلْبِهِ وفَواتِهِ، والتَّنْغِيصِ والتَّنْكِيدِ عَلَيْهِ، وأنْواعٍ مِنَ العَذابِ في هَذِهِ المُعارَضاتِ، فَإذا سُلِبَهُ اشْتَدَّ عَلَيْهِ عَذابُهُ، فَهَذِهِ ثَلاثَةُ أنْواعٍ مِنَ العَذابِ في هَذِهِ الدّارِ.
وَأمّا في البَرْزَخِ: فَعَذابٌ يُقارِنُهُ ألَمُ الفِراقِ الَّذِي لا يَرْجُو عَوْدَةً وألَمُ فَواتِ ما فاتَهُ مِنَ النَّعِيمِ العَظِيمِ بِاشْتِغالِهِ بِضِدِّهِ، وألَمُ الحِجابِ عَنِ اللَّهِ، وألَمُ الحَسْرَةِ الَّتِي تَقْطَعُ الأكْبادَ، فالهَمُّ والغَمُّ والحُزْنُ تَعْمَلُ في نُفُوسِهِمْ نَظِيرَ ما يَعْمَلُ الهَوامُّ والدِّيدانُ في أبْدانِهِمْ، بَلْ عَمَلُها في النُّفُوسِ دائِمٌ مُسْتَمِرٌّ، حَتّى يَرُدَّها اللَّهُ إلى أجْسادِها، فَحِينَئِذٍ يَنْتَقِلُ العَذابُ إلى نَوْعٍ هو أدْهى وأمَرُّ، فَأيْنَ هَذا مِن نَعِيمِ مَن يَرْقُصُ قَلْبُهُ طَرَبًا وفَرَحًا وأُنْسًا بِرَبِّهِ، واشْتِياقًا إلَيْهِ، وارْتِياحًا بِحُبِّهِ، وطُمَأْنِينَةً بِذِكْرِهِ؟ حَتّى يَقُولَ بَعْضُهم في حالِ نَزْعِهِ: واطَرَباهُ.
وَيَقُولُ الآخَرُ: مَساكِينُ أهْلُ الدُّنْيا، خَرَجُوا مِنها وما ذاقُوا لَذِيذَ العَيْشِ فِيها، وما ذاقُوا أطْيَبَ ما فِيها.
وَيَقُولُ الآخَرُ: لَوْ عَلِمَ المُلُوكُ وأبْناءُ المُلُوكِ ما نَحْنُ فِيهِ لَجالَدُونا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ.
وَيَقُولُ الآخَرُ: إنَّ في الدُّنْيا جَنَّةً مَن لَمْ يَدْخُلْها لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الآخِرَةِ.
فَيا مَن باعَ حَظَّهُ الغالِي بِأبْخَسِ الثَّمَنِ، وغُبِنَ كُلَّ الغَبْنِ في هَذا العَقْدِ وهو يَرى أنَّهُ قَدْ غُبِنَ، إذا لَمْ يَكُنْ لَكَ خِبْرَةٌ بِقِيمَةِ السِّلْعَةِ فَسَلِ المُقَوِّمِينَ، فَيا عَجَبًا مِن بِضاعَةٍ مَعَكَ اللَّهُ مُشْتَرِيها وثَمَنُها جَنَّةُ المَأْوى، والسَّفِيرُ الَّذِي جَرى عَلى يَدِهِ عَقْدُ التَّبايُعِ وضَمِنَ الثَّمَنَ عَنِ المُشْتَرِي هو الرَّسُولُ ﷺ، وقَدْ بِعْتَها بِغايَةِ الهَوانِ، كَما قالَ القائِلُ:
؎إذا كانَ هَذا فِعْلُ عَبْدٍ بِنَفْسِهِ ∗∗∗ فَمَن ذا لَهُ مِن بَعْدِ ذَلِكَ يُكْرِمُ
﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن مُكْرِمٍ إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ﴾ [الحج: ١٨].
وقال أيضا في (الجواب الكافي)
وَلا تَظُنَّ أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ - وإنَّ الفُجّارَ لَفي جَحِيمٍ﴾ مُخْتَصٌّ بِيَوْمِ المَعادِ فَقَطْ، بَلْ هَؤُلاءِ في نَعِيمٍ في دُورِهِمُ الثَّلاثَةِ، وهَؤُلاءِ في جَحِيمٍ في دُورِهِمُ الثَّلاثَةِ.
وَأيُّ لَذَّةٍ ونَعِيمٍ في الدُّنْيا أطْيَبُ مِن بِرِّ القَلْبِ، وسَلامَةِ الصَّدْرِ، ومَعْرِفَةِ الرَّبِّ تَبارَكَ وتَعالى ومَحَبَّتِهِ، والعَمَلِ عَلى مُوافَقَتِهِ؟ وهَلِ العَيْشُ في الحَقِيقَةِ إلّا عَيْشُ القَلْبِ السَّلِيمِ؟ وقَدْ أثْنى اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى خَلِيلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِسَلامَةِ قَلْبِهِ، فَقالَ: ﴿وَإنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإبْراهِيمَ - إذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الصافات: ٨٣-٨٤].
* وقال في (المدارج)
قُلُوبُ أهْلِ البِدَعِ، والمُعْرِضِينَ عَنِ القُرْآنِ، وأهْلِ الغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ، وأهْلِ المَعاصِي في جَحِيمٍ قَبْلَ الجَحِيمِ الأكْبَرِ، وقُلُوبُ الأبْرارِ في نَعِيمٍ قَبْلَ النَّعِيمِ الأكْبَرِ ﴿إنَّ الأبْرارَ لَفي نَعِيمٍ وإنَّ الفُجّارَ لَفي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار: ١٣]
هَذا في دُورِهِمُ الثَّلاثِ، لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالدّارِ الآخِرَةِ، وإنْ كانَ تَمامُهُ وكَمالُهُ وظُهُورُهُ: إنَّما هو في الدّارِ الآخِرَةِ، وفي البَرْزَخِ دُونَ ذَلِكَ، كَما قالَ تَعالى ﴿وَإنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذابًا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الطور: ٤٧] وقالَ تَعالى ﴿وَيَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ عَسى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٧١]
وَفِي هَذِهِ الدّارِ دُونَ ما في البَرْزَخِ، ولَكِنْ يَمْنَعُ مِنَ الإحْساسِ بِهِ الِاسْتِغْراقُ في سَكْرَةِ الشَّهَواتِ، وطَرْحُ ذَلِكَ عَنِ القَلْبِ، وعَدَمُ التَّفَكُّرِ فِيهِ.
والعَبْدُ قَدْ يُصِيبُهُ ألَمٌ حِسِّيٌّ فَيَطْرَحُهُ عَنْ قَلْبِهِ، ويَقْطَعُ التِفاتَهُ عَنْهُ، ويَجْعَلُ إقْبالَهُ عَلى غَيْرِهِ، لِئَلّا يَشْعُرَ بِهِ جُمْلَةً، فَلَوْ زالَ عَنْهُ ذَلِكَ الِالتِفاتُ، لَصاحَ مِن شِدَّةِ الألَمِ، فَما الظَّنُّ بِعَذابِ القُلُوبِ وآلامِها؟!.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحانَهُ لِلْحَسَناتِ والطّاعاتِ آثارًا مَحْبُوبَةً لَذِيذَةً طَيِّبَةً، لَذَّتُها فَوْقَ لَذَّةِ المَعْصِيَةِ بِأضْعافٍ مُضاعَفَةٍ، لا نِسْبَةَ لَها إلَيْها، وجَعَلَ لِلسَّيِّئاتِ والمَعاصِي آلامًا وآثارًا مَكْرُوهَةً، وحَزازاتٍ تُرْبِي عَلى لَذَّةِ تَناوُلِها بِأضْعافٍ مُضاعَفَةٍ، قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّ لِلْحَسَنَةِ نُورًا في القَلْبِ، وضِياءً في الوَجْهِ، وقُوَّةً في البَدَنِ، وزِيادَةً في الرِّزْقِ، ومَحَبَّةً في قُلُوبِ الخَلْقِ، وإنَّ لِلسَّيِّئَةِ سَوادًا في الوَجْهِ، وظُلْمَةً في القَلْبِ ووَهَنًا في البَدَنِ، ونَقْصًا في الرِّزْقِ، وبُغْضَةً في قُلُوبِ الخَلْقِ، وهَذا يَعْرِفُهُ صاحِبُ البَصِيرَةِ، ويَشْهَدُهُ مِن نَفْسِهِ ومِن غَيْرِهِ.
فَما حَصَلَ لِلْعَبْدِ حالٌ مَكْرُوهَةٌ قَطُّ إلّا بِذَنْبٍ، وما يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أكْثَرُ، قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿وَما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكم ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠].
وقال أيضا في (إغاثة اللهفان)
وقوله: ﴿إنَّ الأبْرارَ لفي نَعِيمٍ وإنّ الفُجّارَ لَفي جَحِيمٍ﴾ [الانفطار: ١٣-١٤].
فوعد أهل الهدى والعمل الصالح بالنعيم التام في الدار الآخرة، ووعيد أهل الضلال والفجور بالشقاء في الدار الآخرة مما اتفقت عليه الرسل، من أولهم إلى آخرهم، وتضمنته الكتب.
ولكن نذكر هاهنا نكتة نافعة. وهي: أن الإنسان قد يسمع ويرى ما يصيب كثيرا من أهل الإيمان في الدنيا من المصائب، وما ينال كثيرا من الكفار والفجار والظلمة في الدنيا من الرياسة والمال، وغير ذلك، فيعتقد أن النعيم في الدنيا لا يكون إلا للكفار والفجار، وأن المؤمنين حظهم من النعيم في الدنيا قليل، وكذلك قد يعتقد أن العزة والنصرة في الدنيا قد تستقر للكفار والمنافقين على المؤمنين.
فإذا سمع في القرآن قوله تعالى: ﴿وَللهِ العِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون: ٨]
وقوله ﴿وَإنّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧٣]
وقوله ﴿كَتَبَ الله لأغْلِبن أنا ورُسُلِى﴾ [المجادلة: ٢١]
وقوله ﴿والعاقِبةُ لِلْمُتّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨، القصص: ٨٣].
ونحو هذه الآيات، وهو ممن يصدق بالقرآن، حمل ذلك على أن حصوله في الدار الآخرة فقط وقال: أما الدنيا فإنا نرى الكفار والمنافقين يغلبون فيها ويظهرون، ويكون لهم النصر والظفر.
والقرآن لا يرد بخلاف الحس، ويعتمد على هذا الظن إذا أديل عليه عدو من جنس الكفار والمنافقين، أو الفجرة الظالمين: وهو عند نفسه من أهل الإيمان والتقوى. فيرى أن صاحب الباطل قد علا على صاحب الحق، فيقول: أنا على الحق. وأنا مغلوب: فصاحب الحق في هذه الدنيا مغلوب مقهور، والدولة فيها الباطل.
فإذا ذكر بما وعده الله تعالى من حسن العاقبة للمتقين والمؤمنين، قال: هذا في الآخرة فقط.
وإذا قيل له: كيف يفعل الله تعالى هذا بأوليائه وأحبائه، وأهل الحق؟
فإن كان ممن لا يعلل أفعال الله تعالى بالحكم والمصالح، قال: يفعل الله في ملكه ما يشاء، ويحكم ما يريد:
﴿لا يُسْألُ عَمّا يَفْعَلُ وهم يُسْألُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣].
وإن كان ممن يعلل الأفعال، قال: فعل بهم هذا ليعرضهم بالصبر عليه لثواب الآخرة وعلو الدرجات، وتوفية الأجر بغير حساب.
ولكل أحد مع نفسه في هذا المقام مباحثات وإيرادات وإشكالات وأجوبة، بحسب حاصله وبضاعته، من المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاته وحكمته، والجهل بذلك، فالقلوب تغلى بما فيها، كالقدر إذا استجمعت غليانا.
فلقد بلغنا وشاهدنا من كثير من هؤلاء من التظلم للرب تعالى واتهامه، ما لا يصدر إلا من عدو، فكان الجهم يخرج بأصحابه، فيقفهم على الجذمى وأهل البلاء، ويقول انظروا، أرحم الراحمين يفعل مثل هذا؟ إنكارا لرحمته، كما أنكر حكمته.
فليس الله عند جهم وأتباعه حكيما ولا رحيما.
وقال آخر من كبار القوم: ما على الخلق أضر من الخالق.
وكان بعضهم يتمثل:
؎إذا كانَ هذا فِعْلُهُ مُحِبِّة ∗∗∗ فما تَراهُ في أعادِيهِ يَصْنَعُ؟
وأنت تشاهد كثيرا من الناس إذا أصابه نوع من البلاء يقول: يا ربي ما كان ذنبي، حتى فعلت بي هذا؟
وقال لي غير واحد: إذا تبت إليه وأنبت وعملت صالحا ضيق على رزقى، ونكد على معيشتى، وإذا رجعت إلى معصيته، وأعطيت نفسي مرادها، جاءني الرزق والعون ونحو هذا.
فقلت لبعضهم: هذا امتحان منه، ليرى صدقك وصبرك، هل أنت صادق في مجيئك إليه وإقبالك عليه، فتصبر على بلائه، فتكون لك العاقبة، أم أنت كاذب فترجع على عقبك؟
وهذه الأقوال والظنون الكاذبة الحائدة عن الصواب مبنية على مقدمتين.
إحداهما: حسن ظن العبد بنفسه وبدينه، واعتقاده أنه قائم بما يجب عليه، وتارك ما نهي عنه، واعتقاده في خصمه وعدوه خلاف ذلك، وأنه تارك للمأمور، مرتكب للمحظور، وأنه نفسه أولى بالله ورسوله ودينه منه.
والمقدمة الثانية: اعتقاده أن الله سبحانه وتعالى قد لا يؤيد صاحب الدين الحق وينصره، وقد لا يجعل له العاقبة في الدنيا بوجه من الوجوه، بل يعيش عمره مظلوما مقهورا مستضاما، مع قيامه بما أمر به ظاهرا وباطنا، وانتهائه عما نهي عنه باطنا وظاهرا، فهو عند نفسه قائم بشرائع الإسلام، وحقائق الإيمان، وهو تحت قهر أهل الظلم، والفجور والعدوان.
فلا إله إلا الله، كم فسد بهذا الاغترار من عابد جاهل، ومتدين لا بصيرة له، ومنتسب إلى العلم لا معرفة له بحقائق الدين.
فإنه من المعلوم: أن العبد وإن آمن بالآخرة فإنه طالب في الدنيا لما لا بد له منه: من جلب النفع، ودفع الضر، بما يعتقد أنه مستحب أو واجب أو مباح. فإذا اعتقد أن الدين الحق واتباع الهدى، والاستقامة على التوحيد، ومتابعة السنة ينافى ذلك.
وأنه يعادي جميع أهل الأرض لما لا يقدر عليه من البلاء، وفوات حظوظه ومنافعه العاجلة، لزم من ذلك إعراضه عن الرغبة في كمال دينه، وتجرده لله ورسوله، فيعرض قلبه عن حال السابقين المقربين، بل قد يعرض عن حال المقتصدين أصحاب اليمين، بل قد يدخل مع الظالمين، بل مع المنافقين، وإن لم يكن هذا في أصل الدين كان في كثير من فروعه وأعماله، كما قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
"بادِرُوا بِالأعْمالِ فِتَنًا كَقِطَعِ الّليْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا ويُمسِي كافِرًا، ويُمْسِي كافِرًا ويُصْبِحُ مُؤْمِنًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيا".
وذلك أنه إذا اعتقد أن الدين الكامل لا يحصل إلا بفساد دنياه، من حصول ضرر لا يحتمله، وفوات منفعة لابد له منها، لم يقدم على احتمال هذا الضرر، ولا تفويت تلك المنفعة.
فسبحان الله، كم صدت هذه الفتنة الكثير من الخلق، بل أكثرهم عن القيام بحقيقة الدين.
وأصلها ناشئ من جهلين كبيرين: جهل بحقيقة الدين، وجهل بحقيقة النعيم الذي هو غاية مطلوب النفوس، وكمالها، وبه ابتهاجها والتذاذها، فيتولد من بين هذين الجهلين إعراضه عن القيام بحقيقة الدين، وعن طلب حقيقة النعيم.
ومعلوم أن كمال العبد هو بأن يكون عارفا بالنعيم الذي يطلبه، والعمل الذي يوصل إليه، وأن يكون مع ذلك فيه إرادة جازمة لذلك العمل، ومحبة صادقة لذلك النعيم، وإلا فالعلم بالمطلوب وطريقه لا يحصله إن لم يقترن بذلك العمل، والإرادة الجازمة لا توجب وجود المراد إلا إذا لازمها الصبر.
فصارت سعادة العبد وكمال لذته ونعيمه موقوفا على هذه المقامات الخمسة علمه بالنعيم المطلوب ومحبته له، وعلمه بالطريق الموصل إليه وعمله به، وصبره على ذلك.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِی نَعِیمࣲ","وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِی جَحِیمࣲ"],"ayah":"وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِی جَحِیمࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











