الباحث القرآني

أما بعد: فإن الله سبحانه جعل الصبر جوادا لا يكبو وصارما لا ينبو وجندا لا يهزم وحصنا حصينا لا يهدم ولا يثلم فهو والنصر أخوان شقيقان فالنصر مع الصبر والفرج مع الكرب والعسر مع اليسر وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب وأخبر أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين فقال تعالى ﴿واصْبِرُوا إنَّ اللَّهَ مَعَ الصّابِرِينَ﴾ فظفر الصابرون بهذه المعية بخير الدنيا والآخرة وفازوا بها بنعمة الباطنة والظاهرة وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين فقال تعالى وبقوله اهتدى المهتدون ﴿وَجَعَلْنا مِنهم أئِمَّةً يَهْدُونَ بِأمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ﴾. وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكدا باليمين فقال تعالى ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهو خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ﴾ وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو ولو كان ذا تسليط فقال تعالى ﴿وَإنْ تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لا يَضُرُّكم كَيْدُهم شَيْئًا إنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ وأخبر عن نبيه يوسف الصديق أن صبره وتقواه وصلاه إلى محل العز والتمكين فقال: ﴿إنَّهُ مَن يَتَّقِ ويَصْبِرْ فَإنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ﴾ وعلق الفلاح بالصبر والتقوى فعقل ذلك عنه المؤمنون فقال تعالى ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وصابِرُوا ورابِطُوا واتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾. وأخبر عن محبته لأهله وفي ذلك أعظم ترغيب للراغبين فقال تعالى ﴿واللَّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ﴾ ولقد بشر الصابرين بثلاث كل منها خير مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون فقال تعالى ﴿وَبَشِّرِ الصّابِرِينَ الَّذِينَ إذا أصابَتْهم مُصِيبَةٌ قالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيْهِ راجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِن رَبِّهِمْ ورَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ﴾. وأوصى عبادة بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ وإنَّها لَكَبِيرَةٌ إلاَّ عَلى الخاشِعِينَ﴾ وجعل الفوز بالجنة والنجاة من النار لا يحظى به إلا الصابرون فقال تعالى ﴿إنِّي جَزَيْتُهُمُ اليَوْمَ بِما صَبَرُوا أنَّهم هُمُ الفائِزُونَ﴾ وأخبر أن الرغبة في ثوابه والإعراض عن الدنيا وزينتها لا ينالها إلا أو لو الصبر المؤمنون فقال تعالى ﴿وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ ويْلَكم ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا ولا يُلَقّاها إلّا الصّابِرُونَ﴾ وأخبر تعالى أن دفع السيئة بالتي هي أحسن تجعل المسيء كأنه ولي حميم فقال ﴿وَلا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هي أحْسَنُ فَإذا الَّذِي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأنَّهُ ولِيٌّ حَمِيمٌ﴾ وأن هذه الخصلة لا يلقاها ﴿إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم﴾ وأخبر سبحانه مؤكدا بالقسم ﴿إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وتَواصَوْا بِالحَقِّ وتَواصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ وقسم خلقه قسمين أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة وخص أهل الميمنة أهل التواصي بالصبر والمرحمة وخص بالانتفاع بآياته أهل الصبر وأهل الشكر تمييز لهم بهذا الحظ الموفور فقال في أربع آيات من كتابه ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ وعلق المغفرة والأجر بالعمل الصالح والصبر وذلك على من يسره عليه يسير فقال ﴿إلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ لَهم مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ كَبِيرٌ﴾. وأخبر أن الصبر والمغفرة من العزائم التي تجارة أربابها لا تبور فقال ﴿وَلَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِن عَزْمِ الأُمُورِ﴾ وأمر رسوله بالصبر لحكمه وأخبر أن صبره إنما هو به وبذلك جميع المصائب تهون فقال ﴿واصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإنَّكَ بِأعْيُنِنا﴾ وقال ﴿واصْبِرْ وما صَبْرُكَ إلاَّ بِاللَّهِ ولا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولا تَكُ في ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هم مُحْسِنُونَ﴾. والصبر آخيّة المؤمن التي يجول ثم يرجع إليها وساق إيمانه الذي اعتماد له الإ عليها فلا إيمان لمن لا صبر له وإن كان فإيمان قليل في غاية الضعف وصاحبه ممن يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وأن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ولم يحظ منهما الإ بالصفقة الخاسرة فخير عيش أدركه السعداء بصبرهم وترقوا إلى أعلى المازل بشكرهم فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب