الباحث القرآني
قَوْلُهُ تعالى: ﴿وَأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى﴾
وَهُوَ مَقامُ الرَّبِّ عَلى عَبْدِهِ بِالِاطِّلاعِ والقُدْرَةِ والرُّبُوبِيَّةِ.
فَخَوْفُهُ مِن هَذا المَقامِ يُوجِبُ لَهُ خُشُوعَ القَلْبِ لا مَحالَةَ، وكُلَّما كانَ أشَدَّ اسْتِحْضارًا لَهُ كانَ أشَدَّ خُشُوعًا، وإنَّما يُفارِقُ القَلْبَ إذا غَفَلَ عَنِ اطِّلاعِ اللَّهِ عَلَيْهِ، ونَظَرِهِ إلَيْهِ.
والتَّأْوِيلُ الثّانِي: أنَّهُ مَقامُ العَبْدِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ عِنْدَ لِقائِهِ.
فَعَلى الأوَّلِ يَكُونُ مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى الفاعِلِ.
وَعَلى الثّانِي وهو ألْيَقُ بِالآيَةِ يَكُونُ مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى المُخَوِّفِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
* (فصل)
وأما الهوى فهو ميل النفس إلى الشيء وفعله هوي يهوى هوى مثل عمي يعمى عمى وأما هوى يهوي بالفتح فهو السقوط ومصدره الهُوي بالضم، ويقال الهوى أيضا على نفس المحبوب
قال الشاعر:
؎إن التي زعمت فؤادك ملها ∗∗∗ خلقت هواك كما خلقت هوى لها
ويقال هذا هوى فلان وفلانة هواه أي مهويته ومحبوبته وأكثر ما يستعمل في الحب المذموم كما قال الله تعالى ﴿وَأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾
ويقال إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه وقد يستعمل في الحب الممدوح استعمالا مقيدا ومنه قول النبي ﷺ
"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"
وفي الصحيحين عن عروة قال
"كانت خولة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهم للنبي فقالت عائشة رضي الله عنها أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل
فلما نزلت ﴿تُرْجِي مَن تَشاءُ مِنهُنَّ﴾ قلت يا رسول الله ﷺ ما أرى ربك إلا يسارع في هواك".
وفي قصة أسارى بدر قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهوي رسول الله ﷺ ما قال أبو بكر رضي الله عنه ولم يهو ما قلت.
وذكر الحديث وفي السنن
"أن أعرابيا قال للنبي ﷺجئت أسألك عن الهوى، فقال المرء مع من أحب".
* (موعظة)
من عرف ربه اشْتغل بِهِ عَن هوى نَفسه.
أنْفَع العَمَل أن تغيب فِيهِ عَن النّاس بالإخلاص، وعَن نَفسك بِشُهُود المنّة، فَلا ترى فِيهِ نَفسك ولا ترى الخلق.
دخل النّاس النّار من ثَلاثَة أبْواب:
باب شُبْهَة أورثت شكا في دين الله، وباب شَهْوَة أورثت تَقْدِيم الهوى على طاعَته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه.
أصُول الخَطايا كلها ثَلاثَة:
الكبر وهو الَّذِي أصار إبْلِيس إلى ما أصاره.
والحرص وهو الَّذِي أخرج آدم من الجنَّة.
والحسد وهو الَّذِي جرأ أحدا بني آدم على أخِيه.
فَمن وقِي شَرّ هَذِه الثَّلاثَة فقد وقي الشَّرّ.
فالكفر من الكبر، والمعاصي من الحِرْص، والبَغي والظُّلم من الحَسَد.
* (فائدة)
قال بعض العارفين: انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم.
فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح.
ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك.
قال تعالى: ﴿فَأمّا مَن طَغى وآثَرَ الحياةَ الُّدنْيا * فَإنّ الجحِيمَ هي المَأْوى وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى فَإنّ الجنَّةَ هي المَأْوى﴾ [النازعات: ٣٧-٤١].
فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو عبده إلى خوفه ونهي النفس عن الهوى.
والقلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعى مرة، وإلى هذا مرة.
وهذا موضع المحنة والابتلاء، وقد وصف سبحانه النفس في القرآن بثلاث صفات: المطمئنة، والأمارة بالسوء، واللوامة.
* (موعظة)
قالَ ثابِتُ بْنُ قُرَّةَ: راحَةُ الجِسْمِ في قِلَّةِ الطَّعامِ، وراحَةُ الرُّوحِ في قِلَّةِ الآثامِ، وراحَةُ اللِّسانِ في قِلَّةِ الكَلامِ.
والذُّنُوبُ لِلْقَلْبِ بِمَنزِلَةِ السُّمُومِ، إنْ لَمْ تُهْلِكْهُ أضْعَفَتْهُ، ولا بُدَّ وإذا ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، لَمْ يَقْدِرْ عَلى مُقاوَمَةِ الأمْراضِ، قالَ طَبِيبُ القُلُوبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبارَكِ:
؎رَأيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ ∗∗∗ وقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمانُها
؎وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَياةُ القُلُوبِ ∗∗∗ وخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيانُها
فالهَوى أكْبَرُ أدْوائِها، ومُخالَفَتُهُ أعْظَمُ أدْوِيَتِها، والنَّفْسُ في الأصْلِ خُلِقَتْ جاهِلَةً ظالِمَةً، فَهي لِجَهْلِها تَظُنُّ شِفاءَها في اتِّباعِ هَواها، وإنَّما فِيهِ تَلَفُها وعَطَبُها ولِظُلْمِها لا تَقْبَلُ مِنَ الطِّبِيبِ النّاصِحِ، بَلْ تَضَعُ الدّاءَ مَوْضِعَ الدَّواءِ، فَتَعْتَمِدُهُ وتَضَعُ الدَّواءَ مَوْضِعَ الدّاءِ، فَتَجْتَنِبُهُ فَيَتَوَلَّدُ مِن بَيْنِ إيثارِها لِلدّاءِ، واجْتِنابِها لِلدَّواءِ، أنْواعٌ مِنَ الأسْقامِ والعِلَلِ الَّتِي تُعْيِي الأطِبّاءَ ويَتَعَذَّرُ مَعَها الشِّفاءُ.
والمُصِيبَةُ العُظْمى أنَّها تُرَكِّبُ ذَلِكَ عَلى القَدَرِ فَتُبَرِّئُ نَفْسَها، وتَلُومُ رَبَّها بِلِسانِ الحالِ دائِمًا، ويَقْوى اللَّوْمُ حَتّى يُصَرِّحَ بِهِ اللِّسانُ.
* (فائدة)
الفَرَحُ بِالمَعْصِيَةِ دَلِيلٌ عَلى شِدَّةِ الرَّغْبَةِ فِيها، والجَهْلِ بِقَدْرِ مَن عَصاهُ، والجَهْلِ بِسُوءِ عاقِبَتِها وعِظَمِ خَطَرِها، فَفَرَحُهُ بِها غَطّى عَلَيْهِ ذَلِكَ كُلُّهُ، وفَرَحُهُ بِها أشَدُّ ضَرَرًا عَلَيْهِ مِن مُواقَعَتِها، والمُؤْمِنُ لا تَتِمُّ لَهُ لَذَّةٌ بِمَعْصِيَةٍ أبَدًا، ولا يَكْمُلُ بِها فَرَحُهُ، بَلْ لا يُباشِرُها إلّا والحُزْنُ مُخالِطٌ لِقَلْبِهِ، ولَكِنَّ سُكْرَ الشَّهْوَةِ يَحْجُبُهُ عَنِ الشُّعُورِ بِهِ، ومَتى خَلّى قَلْبَهُ مِن هَذا الحُزْنِ، واشْتَدَّتْ غِبْطَتُهُ وسُرُورُهُ فَلْيَتَّهِمْ إيمانَهُ، ولْيَبْكِ عَلى مَوْتِ قَلْبِهِ، فَإنَّهُ لَوْ كانَ حَيًّا لَأحْزَنَهُ ارْتِكابُهُ لِلذَّنْبِ، وغاظَهُ وصَعُبَ عَلَيْهِ، ولا يُحِسُّ القَلْبُ بِذَلِكَ، فَحَيْثُ لَمْ يُحِسَّ بِهِ فَما لِجُرْحٍ بِمَيِّتٍ إيلامٌ.
وَهَذِهِ النُّكْتَةُ في الذَّنْبِ قَلَّ مَن يَهْتَدِي إلَيْها أوْ يَنْتَبِهُ لَها، وهي مَوْضِعٌ مَخُوفٌ جِدًّا، مُتَرامٍ إلى هَلاكٍ إنْ لَمْ يُتَدارَكْ بِثَلاثَةِ أشْياءَ: خَوْفٍ مِنَ المُوافاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ، ونَدَمٍ عَلى ما فاتَهُ مِنَ اللَّهِ بِمُخالَفَةِ أمْرِهِ، وتَشْمِيرٍ لِلْجِدِّ في اسْتِدْراكِهِ.
* (فصل: في علاج مرض القلب من استيلاء النفس عليه)
هذا الباب كالأساس والأصل لما بعده من الأبواب، فإن سائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانب النفس، فالمواد الفاسدة كلها إليها تنصب، ثم تنبعث منها إلى الأعضاء. وأول ما تنال القلب.
وقد كان رسول الله ﷺ يقول في خطبة الحاجة:
"الحمدُ لله نَسْتَعِينُهُ ونَسْتَهدِيهِ، ونَسْتَغْفِرُهُ ونعُوذُ بِاللهِ مِن شُرُورِ أنْفُسِنا وسَيِّئاتِ أعْمالِنا".
وفي المسند والترمذي من حديث حُصين بن عبيد أن رسول الله ﷺ قال له:
"يا حُصَيْنُ، كَمْ تَعْبُدُ؟ قال: سَبْعَةٌ، سِتَّةٌ في الأرْضِ وواحِدٌ في السَّماءِ، قالَ: فَمنِ الَّذِي تُعِدُّ لِرَغْبَتِكَ ورَهْبَتِكَ؟
قالَ: الَّذِي في السَّماءِ.
قالَ: أسْلِمْ حَتّى أُعَلّمَكَ كَلماتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بها، فأسْلَمَ.
فَقالَ: قُلِ: اللهُمَّ ألْهِمْني رُشْدِي، وقِنِي شَرَّ نَفْسِي".
وقد استعاذ ﷺ من شرها عموما، ومن شر ما يتولد منها من الأعمال، ومن شر ما يترتب على ذلك من المكاره والعقوبات، وجمع بين الاستعاذة من شر النفس وسيئات الأعمال.
وفيه وجهان:
أحدهما: أنه من باب إضافة النوع إلى جنسه، أي أعوذ بك من هذا النوع من الأعمال.
والثاني: أن المراد به عقوبات الأعمال التي تسوء صاحبها.
فعلى الأول: يكون قد استعاذ من صفة النفس وعملها.
وعلى الثاني: يكون قد استعاذ من العقوبات وأسبابها.
ويدخل العمل السيئ في شر النفس. فهل المعنى: ما يسوءنى من جزاء عملى، أو من عملى السيئ؟ وقد يترجح الأول، فإن الاستعاذة من العمل السيئ بعد وقوعه إنما هي استعاذة من جزائه وموجبه، وإلا فالموجود لا يمكن رفعه بعينه.
وقد اتفق السالكون إلى الله على اختلاف طرقهم، وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها وتركها بمخالفتها والظفر بها.
فإن الناس على قسمين: قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعا لها تحت أوامرها. وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها، فصارت طوعا لهم منقادة لأوامرهم.
قال بعض العارفين: انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم. فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح، ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك. قال تعالى:
﴿فَأمّا مَن طَغى وآثَرَ الحياةَ الُّدنْيا * فَإنّ الجحِيمَ هي المَأْوى وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى فَإنّ الجنَّةَ هي المَأْوى﴾ [النازعات: ٣٧-٤١].
فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يدعو عبده إلى خوفه ونهي النفس عن الهوى. والقلب بين الداعيين، يميل إلى هذا الداعى مرة وإلى هذا مرة وهذا موضع المحنة والابتلاء، وقد وصف سبحانه النفس في القرآن بثلاث صفات: المطمئنة، والأمارة بالسوء، واللوامة.
فاختلف الناس: هل النفس واحدة، وهذه أوصاف لها؟ أم للعبد ثلاث أنفس؟: نفس مطمئنة، ونفس لوامة، ونفس أمارة.
فالأول قول الفقهاء والمتكلمين وجمهور المفسرين وقول محققي الصوفية.
والثاني قول كثير من أهل التصوف.
والتحقيق: أنه لا نزاع بين الفريقين، فإنها واحدة باعتبار ذاتها، وثلاث باعتبار صفاتها. فإذا اعتبرت بنفسها فهي واحدة، وإن اعتبرت مع كل صفة دون الأخرى فهي متعددة، وما أظنهم يقولون إن لكل أحد ثلاث أنفس قائمة بذاتها مساوية للأخرى في الحد والحقيقة، وأنه إذا قبض العبد قبضت له ثلاث أنفس، كل واحدة مستقلة بنفسها.
وحيث ذكر سبحانه النفس، وأضافها إلى صاحبها، فإنما ذكرها بلفظ الإفراد، وهكذا في سائر الأحاديث، ولم يجئ في موضع واحد "نفوسك" و "نفوسه" ولا "أنفسك" و"أنفسه" وإنما جاءت مجموعة عند إرادة العموم، كقوله:
﴿وَإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التكوير: ٧]
أو عند إضافتها إلى الجمع، كقوله ﷺ:
"إنّما أنْفُسُنا بِيَدِ اللهِ".
ولو كانت في الإنسان ثلاث أنفس لجاءت مجموعة إذا أضيفت إليه ولو في موضع واحد.
فالنفس إذا سكنت إلى الله، واطمأنت بذكره، وأنابت إليه، واشتاقت إلى لقائه، وأنست بقربه، فهي مطمئنة، وهي التي يقال لها عند الوفاة.
﴿يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمِئنَّةُ ارْجِعِى إلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةَ﴾ [الفجر: ٢٧-٢٨].
قال ابن عباس: ﴿ياأيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية﴾
يقول: المصدقة.
وقال قتادة: "هو المؤمن، اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله"
وقال الحسن: "المطمئنة بما قال الله. والمصدقة بما قال"
وقال مجاهد: "هى المنيبة المخبتة التي أيقنت أن الله ربها، وضربت جأشا لأمره وطاعته، وأيقنت بلقائه".
وحقيقة الطمأنينة: السكون والاستقرار، فهي التي قد سكنت إلى ربها وطاعته وأمره وذكره، ولم تسكن إلى سواه، فقد اطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره، واطمأنت إلى أمره ونهيه وخبره، واطمأنت إلى لقائه ووعده، واطمأنت إلى التصديق بحقائق أسمائه وصفاته، واطمأنت إلى الرضى به ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا واطمأنت إلى قضائه وقدره، واطمأنت إلى كفايته وحسْبِه وضمانه، فاطمأنت بأنه وحده ربها وإلهها ومعبودها ومليكها ومالك أمرها كله، وأن مرجعها إليه، وأنها لا غنى لها عنه طرفة عين.
وإذا كانت بضد ذلك فهي أمارة بالسوء تأمر صاحبها بما تهواه: من شهوات الغي، واتباع الباطل، فهي مأوى كل سوء، وإن أطاعها قادته إلى كل قبيح وكل مكروه. وقد أخبر سبحانه أنها أمارة بالسوء، ولم يقل "آمرة" لكثرة ذلك منها، وأنه عادتها ودأبها إلا إذا رحمها الله وجعلها زاكية تأمر صاحبها بالخير، فذلك من رحمة الله، لا منها. فإنها بذاتها أمارة بالسوء؛ لأنها خلقت في الأصل جاهلة ظالمة، إلا من رحمه الله، والعدل والعلم طارئ عليها بإلهام ربها وفاطرها لها ذلك، فإذا لم يلهمها رشدها بقيت على ظلمها وجهلها. فلم تكن أمارة إلا بموجب الجهل والظلم، فلولا فضل الله ورحمته على المؤمنين ما زكت منهم نفس واحدة.
فإذا أراد الله سبحانه بها خيرا جعل فيها ما تزكو به وتصلح: من الإرادات والتصورات، وإذا لم يرد بها ذلك تركها على حالها التي خلقت عليها من الجهل والظلم.
وسبب الظلم: إما جهل، وإما حاجة. وهي في الأصل جاهلة. والحاجة لازمة لها، فلذلك كان أمرها بالسوء لازما لها إن لم تدركها رحمة الله وفضله.
وبهذا يعلم أن ضرورة العبد إلى ربه فوق كل ضرورة، ولا تشبهها ضرورة تقاس بها، فإنه إن أمسك عنه رحمته وتوفيقه وهدايته طرفة عين خسر وهلك.
* (فصل)
وأما اللوامة فاختلف في اشتقاق هذه اللفظة، هل هي من التلوم، وهو التلون والتردد، أو هي من اللوم؟ وعبارات السلف تدور على هذين المعنيين.
قال سعيد بن جبير: "قلت لابن عباس: ما اللوامة؟ قال: هي النفس اللئوم".
وقال مجاهد: "هى التي تُنَدِّم على ما فات وتلوم عليه".
وقال قتادة: "هى الفاجرة" وقال عكرمة: "تلوم على الخير والشر" وقال عطاء عن ابن عباس: "كل نفس تلوم نفسها يوم القيامة، تلوم المحسن نفسه أن لا يكون ازداد إحسانا، وتلوم المسئ نفسه أن لا يكون رجع عن إساءته".
وقال الحسن: "إن المؤمن، والله، ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاته؛ يستقصرها في كل ما يفعل فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر ليمضى قدما لا يعاتب نفسه".
فهذه عبارات من ذهب إلى أنها من اللوم.
وأما من جعلها من التلوم فلكثرة ترددها وتلومها، وأنها لا تستقر على حال واحدة.
والأول أظهر، فإن هذا المعنى لو أريد لقيل: المتلومة. كما يقال: المتلونة والمترددة. ولكن هو من لوازم القول الأول، فإنها لتلومها وعدم ثباتها تفعل الشيء ثم تلوم عليه. فالتلوم من لوازم اللوم.
والنفس قد تكون تارة أمارة، وتارة لوامة، وتارة مطمئنة، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا. والحكم للغالب عليها من أحوالها، فكونها مطمئنة وصف مدح لها. وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها. وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم، بحسب ما تلوم عليه.
والمقصود: ذكر علاج مرض القلب باستيلاء النفس الأمارة عليه.
وله علاجان: محاسبتها، ومخالفتها، وهلاك القلب من إهمال محاسبتها، ومن موافقتها واتباع هواها، وفي الحديث الذي رواه أحمد وغيره من حديث شداد بن أوس قال: قال رسول الله ﷺ: "الكَيسُ من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله" دان نفسه: أي حاسبها.
وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتَزَيَّنوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
وذكر أيضا عن الحسن قال: "لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه: وماذا أردت تعملين؟ وماذا أردت تأكلين؟ وماذا أردت تشربين؟ والفاجر يمضى قدما قدما لا يحاسب نفسه".
وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿وَكانَ أمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: ٢٨].
أضاع نفسه وغبن، مع ذلك تراه حافظا لماله مضيعا لدينه.
وقال الحسن: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".
وقال ميمون بن مهران: "لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه، ولهذا قيل: النفس كالشريك الخوّان، إن لم تحاسبه ذهب بمالك".
وقال ميمون بن مهران أيضًا: "إن التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاصٍ، ومن شريك شحيح".
وذكر الإمام أحمد عن وهب قال: "مكتوب في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلى فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات، وإجمامًا للقلوب" وقد روى هذا مرفوعًا من كلام النبي ﷺ. رواه أبو حاتم وابن حبان وغيره.
وكان الأحنف بن قيس يجئ إلى المصباح، فيضع أصبعه فيه، ثم يقول: حس يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ما حملك على ما صنعت يوم كذا؟ ويبكي.
وكتب عمر بن الخطاب إلى بعض عماله: "حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن ألهته حياته وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والخسارة".
وقال الحسن: "المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة. إن المؤمن يفاجئه الشيء ويعجبه، فيقول: والله إني لأشتهيك. وإنك لمن حاجتى، ولكن والله ما من صلة إليك، هيهات هيهات، حيل بينى وبينك، ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه، فيقول: ما أردت إلى هذا؟ مالى ولهذا؟ والله لا أعود إلى هذا أبدا، إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم، إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته، لا يأمن شيئا حتى يلقى الله، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره، وفي لسانه، وفي جوارحه، مأخوذ عليه في ذلك كله".
قال مالك بن دينار: "رحم الله عبدا قال لنفسه: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم زمها، ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل، فكان لها قائدا".
وقد مثلت النفس مع صاحبها بالشريك في المال، فكما أنه لا يتم مقصود الشركة من الربح إلا بالمشارطة على ما يفعل الشريك أولا، ثم بمطالعة ما يعمل، والإشراف عليه ومراقبته ثانيا، ثم بمحاسبته ثالثا، ثم بمنعه من الخيانة إن اطلع عليه رابعا، فكذلك النفس: يشارطها أولا على حفظ الجوارح السبعة التي حفظها هو رأس المال، والربح بعد ذلك. فمن ليس له رأس مال، فكيف يطمع في الربح؟ وهذه الجوارح السبعة وهي العين، والأذن، والفم، واللسان والفرج، واليد، والرجل: هي مراكب العطب والنجاة، فمنها عطب من عطب بإهمالها. وعدم حفظها، ونجا من نجا بحفظها ومراعاتها فحفظها أساس كل خير، وإهمالها أساس كل شر. قال تعالى: ﴿قُلْ لِلمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِن أبْصارِهِمْ ويحفظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: ٣٠].
وقال تعالى: ﴿وَلا تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحًا إنّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأرْضَ ولَنْ تَبْلُغَ الجبالَ طُولا﴾ [الإسراء: ٣٧] وقال تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلٌم إن السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦] وقال تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبادى يَقُولُوا الّتى هي أحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣] وقال تعالى: ﴿يا أيُّها الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ٧٠]
وقال تعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ ولْتَنْظُرْ نَفسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: ١٨].
فإذا شارطها على حفظ هذه الجوارح انتقل منها إلى مطالعتها والإشراف عليها ومراقبتها، فلا يهملها، فإنه إن أهملها لحظة رتعت في الخيانة ولا بد، فإن تمادى على الإهمال تمادت في الخيانة حتى تُذهب رأس المال كله، فمتى أحس بالنقصان انتقل إلى المحاسبة، فحينئذ يتبين له حقيقة الربح والخسران، فإذا أحَسَّ بالخسران وتيقنه استدرك منها ما يستدركه الشريك من شريكه: من الرجوع عليه بما مضى، والقيام بالحفظ والمراقبة في المستقبل، ولا مطمع له في فسخ عقد الشركة مع هذا الخائن، والاستبدال بغيره، فإنه لا بد له منه فليجتهد في مراقبته ومحاسبته، وليحذر من إهماله.
ويعينه على هذه المراقبة والمحاسبة: معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غدا إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا.
ويعينه عليها أيضا: معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس، والنظر إلى وجه الرب سبحانه، وخسارتها: دخول النار والحجاب عن الرب تعالى، فإذا تيقن هذا هان عليه الحساب اليوم. فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها وخطواتها، فكل نَفَس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا حظ لها يمكن أن يشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبد الآباد. فإضاعة هذه الأنفاس، أو اشتراء صاحبها بها ما يجلب هلاكه: خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس وأحمقهم وأقلهم عقلا. وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِن خَيْرٍ مُحْضَرًا وما عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أنّ بَيْنَها وبَيْنَهُ أمَدًا بَعِيدا ً﴾ [آل عمران: ٣٠].
* (فصل)
ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل، ونوع بعده.
فأما النوع الأول: فهو أن يقف عند أول همه وإرادته، ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه.
قال الحسن رحمه الله: رحم الله عبدا وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر.
وشرح هذا بعضهم فقال: إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال وهم به العبد، وقف أولا ونظر: هل ذلك العمل مقدور له أو غير مقدور ولا مستطاع؟ فإن لم يكن مقدورا لم يقدم عليه، وإن كان مقدورا وقف وقفة أخرى ونظر: هل فعله خير له من تركه، أو تركه خير له من فعله؟ فإن كان الثاني تركه ولم يقدم عليه، وإن كان الأول وقف وقفة ثالثة ونظر: هل الباعث عليه إرادة وجه الله عز وجل وثوابه أو إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق؟ فإن كان الثاني لم يقدم، وإن أفضى به إلى مطلوبه، لئلا تعتاد النفس الشرك. ويخف عليها العمل لغير الله، فبقدر ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالى، حتى يصير أثقل شيء عليها، وإن كان الأول وقف وقفة أخرى ونظر هل هو معان عليه، وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاجا إلى ذلك أم لا؟ فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه، كما أمسك النبي ﷺ عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار،
وإن وجده معانا عليه فليقدم عليه فإنه منصور، ولا يفوت النجاح إلا من فوت خصلة من هذه الخصال، وإلا فمع اجتماعها لا يفوته النجاح.
فهذه أربعة مقامات يحتاج إلى محاسبة نفسه عليها قبل الفعل، فما كل ما يريد العبد فعله يكون مقدورا له، ولا كل ما يكون مقدورا له يكون فعله خيرا له من تركه، ولا كل ما يكون فعله خيرا له من تركه يفعله لله، ولا كل ما يفعله لله يكون معانا عليه، فإذا حاسب نفسه على ذلك تبين له ما يقدم عليه، وما يحجم عنه.
* (فصل)
النوع الثاني: محاسبة النفس بعد العمل، وهو ثلاثة أنواع:
أحدها: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى، فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي.
وحق الله تعالى في الطاعة ستة أمور قد تقدمت، وهي: الإخلاص في العمل، والنصيحة لله فيه، ومتابعة الرسول فيه، وشهود مشهد الإحسان فيه، وشهود منة الله عليه فيه، وشهود تقصيره فيه بعد ذلك كله.
فيحاسب نفسه: هل وفّى هذه المقامات حقها؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة؟
الثاني: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرا له من فعله.
الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح، أو معتاد: لم فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحا، أو أراد به الدنيا وعاجلها، فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به.
* (فصل)
وأضر ما عليه الإهمال، وترك المحاسبة والاسترسال، وتسهيل الأمور وتمشيتها، فإن هذا يؤول به إلى الهلاك، وهذه حال أهل الغرور: يغمض عينيه عن العواقب، ويمُشِّى الحال، ويتكل على العفو، فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة. وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب، وأنس بها، وعسر عليها فطامها، ولو حضره رشده لعلم أن الحمية أسهل من الفطام وترك المألوف والمعتاد.
قال ابن أبي الدنيا: حدثني رجل من قريش، ذكر أنه من ولد طلحة بن عبيد الله قال: "كان توبة بن الصمة بالرقة، وكان محاسبا لنفسه، فحسب يوما، فإذا هو ابن ستين سنة، فحسب أيامها، فإذا هي أحد وعشرون ألف يوم وخمسمائة يوم، فصرخ، وقال: يا ويلتي، ألقى ربي بأحد وعشرين ألف ذنب؟ كيف وفي كل يوم آلاف من الذنوب؟ ثم خرج مغشيا عليه، فإذا هو ميت، فسمعوا قائلا يقول: "يا لك ركضة إلى الفردوس الأعلى"".
وجماع ذلك: أن يحاسب نفسه أولا على الفرائض، فإن تذكر فيها نقصا تداركه، إما بقضاء أو إصلاح. ثم يحاسبها على المناهي، فإن عرف أنه ارتكب منها شيئا تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية. ثم يحاسب نفسه على الغفلة، فإن كان قد غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله تعالى. ثم يحاسبها بما تكلم به، أو مشت إليه رجلاه، أو بطشت يداه، أو سمعته أذناه: ماذا أرادت بهذا؟ ولم فعلته؟ وعلى أي وجه فعلته؟ ويعلم أنه لابد أن ينشر لكل حركة وكلمة منه ديوانان: ديوان لم فعلته؟ وكيف فعلته؟ فالأول سؤال عن الإخلاص، والثاني سؤال عن المتابعة، وقال تعالى:
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهم أجْمعِينَ عَمّا كانُوا يعْمَلُونَ﴾ [الحجر: ٩٢-٩٣]
وقال تعالى ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ ولَنَسْئَلَنَّ المُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وما كُنّا غائِبينَ﴾ [الأعراف: ٦-٧]
وقال تعالى ﴿لِيَسْألَ الصّادِقِينَ عَن صِدْقِهمْ﴾ [الأحزاب: ٨].
فإذا سئل الصادقون وحوسبوا على صدقهم فما الظن بالكاذبين؟
قال مقاتل: "يقول تعالى: أخذنا ميثاقهم لكي يسأل الله الصادقين، يعني النبيين، عن تبليغ الرسالة". وقال مجاهد: "يسأل المبلغين المؤدين عن الرسل، يعني: هل بلغوا عنهم كما يسأل الرسل، هل بلغوا عن الله تعالى؟ ".
والتحقيق: أن الآية تتناول هذا وهذا، فالصادقون هم الرسل، والمبلغون عنهم، فيسأل الرسل عن تبليغ رسالاته ويسأل المبلغين عنهم عن تبليغ ما بلغتهم الرسل، ثم يسأل الذين بلغتهم الرسالة ماذا أجابوا المرسلين، كما قال تعالى:
﴿وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥].
قال قتادة: كلمتان يسأل عنهما الأولون والآخرون: ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ فيسأل عن المعبود وعن العبادة.
وقال تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ [التكاثر: ٨].
قال محمد بن جرير: يقول الله تعالى: ثم ليسألنكم الله عز وجل عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا: ماذا عملتم فيه؟ من أين دخلتم إليه؟ وفيم أصبتموه؟ وماذا عملتم به؟
وقال قتادة: "إن الله سائل كل عبد عما استودعه من نعمته وحقه".
والنعيم المسئول عنه نوعان: نوع أخذ من حله وصرف في حقه، فيسأل عن شكره. ونوع أخذ بغير حله وصرف في غير حقه، فيسأل عن مستخرجه ومصرفه.
فإذا كان العبد مسئولا ومحاسبا على كل شيء، حتى على سمعه وبصره وقلبه، كما قال تعالى:
﴿إنّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْئُولا﴾ [الإسراء: ٣٦].
فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب.
وقد دل على وجوب محاسبة النفس قوله تعالى:
﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ ولْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: ١٨].
يقول تعالى: لينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الأعمال: أمن الصالحات التي تنجيه، أم من السيئات التي توبقه؟
قال قتادة: "ما زال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغد".
والمقصود أن صلاح القلب بمحاسبة النفس، وفساده بإهمالها والاسترسال معها.
* (فصل)
وفي محاسبة النفس عدة مصالح منها: الاطلاع على عيوبها، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته، فإذا اطلع على عيبها مقتها في ذات الله تعالى.
وقد روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في جنب الله، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا".
وقال مُطرِّف بن عبد الله: "لولا ما أعلم من نفسي لقَليْتُ الناس".
وقال مصرف في دعائه بعرفة: "اللهم لا ترد الناس لأجلى".
وقال بكر بن عبد الله المزني: "لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم، لولا أني كنت فيهم".
وقال أيوب السختياني: "إذا ذكر الصالحون كنتُ عنهم بمعزل".
ولما احتضر سفيان الثوري دخل عليه أبو الأشهب، وحماد بن سلمة، فقال له حماد: "يا أبا عبد الله، أليس قد أمنت مما كنت تخافه؟ وتقدم على من ترجوه، وهو أرحم الراحمين، فقال: يا أبا سلمة، أتطمع لمثلي أن ينجو من النار؟ قال: إي والله، إني لأرجو لك ذلك".
وذكر زيد عن مسلم بن سعيد الواسطي قال: أخبرني حماد بن جعفر بن زيد: أن أباه أخبره قال: "خرجنا في غزاة إلى كابل، وفي الجيش: صِلة بن أشيم، فنزل الناس عند العتمة، فصلوا ثم اضطجع فقلت: لأرمقن عمله، فالتمس غفلة الناس، حتى إذا قلت: هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبا منا، فدخلت على أثره، فتوضأ، ثم قام يصلي، وجاء أسد حتى دنا منه، فصعدت في شجرة فتراه التفت أو عده جروا؟ فلما سجد قلت: الآن يفترسه، فجلس ثم سلم ثم قال: أيها السبع، اطلب الرزق من مكان آخر. فولى وإن له لزئيرا، أقول: تصدع الجبال منه. قال فما زال كذلك يصلي حتى كان عند الصبح جلس، فحمد الله تعالى بمحامد لم أسمع بمثلها، ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار، ومثلى يصغر أن يجترئ أن يسألك الجنة، قال: ثم رجع وأصبح كأنه بات على الحشايا، وأصبحت وبى من الفترة شيء الله به عالم".
وقال يونس بن عبيد: "إني لأجد مائة خصلة من خصال الخير ما أعلم أن في نفسي منها واحدة".
وقال محمد بن واسع: "لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد يجلس إلي".
وذكر ابن أبي الدنيا عن الخلد بن أيوب قال: "كان راهب في بني إسرائيل في صومعة منذ ستين سنة.
فأتِيَ في منامه. فقيل له: إن فلانا الإسكافي خير منك- ليلة بعد ليلة- فأتى الإسكافي، فسأله عن عمله. فقال: إني رجل لا يكاد يمر بي أحد إلا ظننته أنه في الجنة وأنا في النار، ففضل على الراهب بإزرائه على نفسه".
وذكر داود الطائي عند بعض الأمراء؛ فأثنوا عليه فقال: "لو يعلم الناس بعض ما نحن فيه ما ذل لنا لسان بذكر خير أبدا".
وقال أبو حفص: "من لم يتهم نفسه على دوام الأوقات ولم يخالفها في جميع الأحوال، ولم يجرها إلى مكروهها في سائر أوقاته، كان مغرورا، ومن نظر إليها باستحسان شيء منها فقد أهلكها".
فالنفس داعية إلى المهالك، معينة للأعداء، طامحة إلى كل قبيح، متبعة لكل سوء؛ فهي تجري بطبعها في ميدان المخالفة.
فالنعمة التي لا خطر لها: الخروج منها، والتخلص من رقها، فإنها أعظم حجاب بين العبد وبين الله تعالى، وأعرف الناس بها أشدهم إزراء عليها، ومقتا لها.
قال ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا علي بن الحسين المقدمي: حدثنا عامر ابن صالح عن أبيه عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "اللهم اغفر لي ظلمى وكفرى، فقال قائل: يا أمير المؤمنين، هذا الظلم، فما بال الكفر؟ قال: إن الإنسان لظلوم كفار".
قال: وحدثنا يونس بن حبيب: حدثنا أبو داود، عن الصلت بن دينار: حدثنا عقبة بن صهبان الهنائى قال: "سألت عائشة رضي الله عنها عن قول الله عز وجل:
﴿ثُمَّ أوْرَثْنا الكِتابَ الذين اصْطَفَيْنا مِن عِبادِنا، فَمِنهم ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، ومِنهم مُقْتَصِدٌ، ومِنهم سابِقٌ بِالَخْيَراتِ بِإذْنِ اللهِ﴾ [فاطر: ٣٢].
فقالت: يا بني، هؤلاء في الجنة، أما السابق بالخيرات فمن مضي علي عهد رسول الله ﷺ، شهد له رسول الله ﷺ بالجنة والرزق، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به، وأما الظالم لنفسه فمثلى ومثلكم، فجعلت نفسها معنا".
وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج: حدثنا شريك عن عاصم عن أبي وائل عن مسروق، قال: دخل عبد الرحمن علي أم سلمة رضي الله عنها، فقالت:
"سَمِعْتُ الَّنبيَّ صلي اللهُ وسلم يقول: إنَّ مِن أصْحابى لمَن لا يَرانِي بَعْدَ أنْ أمُوتَ أبَدا فَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحمنِ مِن عِنْدِها مَذْعُورًا، حَتّى دَخَلَ عَلَي عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَقالَ لهُ: اسْمَعْ ما تَقُولُ أُمُّكَ، فَقامَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حَتّى أتاها فَدَخَلَ عَلَيها فَسَألها، ثُمَّ قالَ: أنْشُدُكِ بِاللهِ، أمِنهم أنا؟ قالَتْ: لا، ولَنْ أُبَرئَ بَعْدَكَ أحَدًا".
فسمعت شيخنا يقول: إنما أرادت أني لا أفتح عليها هذا الباب، ولم ترد أنك وحدك البرئ من ذلك دون سائر الصحابة.
ومقت النفس في ذات الله من صفات الصديقين، ويدنو العبد به من الله سبحانه في لحظة واحدة أضعاف أضعاف ما يدنو به بالعمل.
ذكر ابن أبي الدنيا عن مالك بن دينار قال: "إن قوما من بني إسرائيل كانوا في مسجد لهم في يوم عيد، فجاء شاب حتى قام على باب المسجد، فقال: ليس مثلي يدخل معكم، أنا صاحب كذا، أنا صاحب كذا؛ يزري على نفسه، فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم: إن فلانا صديق".
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن الحسن بن أنس: حدثنا منذر عن وهب: "أن رجلا سائحا عبد الله عز وجل سبعين سنة. ثم خرج يوما فقلل عمله وشكا إلى الله تعالى منه. واعترف بذنبه فأتاه آت من الله عز وجل فقال: إن مجلسك هذا أحب إلي من عملك فيما مضى من عمرك".
قال أحمد: وحدثنا عبد الصمد، أبو هلال، عن قتادة قال: قال عيسى ابن مريم عليه السلام: "سلونى، فإني لين القلب، صغير عند نفسي".
وذكر أحمد أيضا عن عبد الله بن رباح الأنصاري قال "كان داود عليه السلام ينظر أغمص حلقة في بني إسرائيل فيجلس بين ظهرانيهم، ثم يقول: يا رب مسكين بين ظهراني مساكين".
وذكر عن عمران بن موسى القصير قال: قال موسى عليه السلام: "يا رب أين أبغيك؟ قال: ابغنى عند المنكسرة قلوبهم، فإني أدنو منهم كل يوم باعا، ولولا ذلك انهدموا".
وفي كتاب الزهد للإمام أحمد: "أن رجلا من بني إسرائيل تعبد ستين سنة في طلب حاجة. فلم يظفر بها. فقال في نفسه: والله لو كان فيك خير لظفرت بحاجتك، فأتى في منامه، فقيل له: أرأيت ازدراءك على نفسك تلك الساعة؟ فإنه خير من عبادتك تلك السنين".
ومن فوائد محاسبة النفس: أنه يعرف بذلك حق الله تعالى عليه. ومن لم يعرف حق الله تعالى عليه فإن عبادته لا تكاد تجدي عليه، وهي قليلة المنفعة جدا.
وقد قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج: حدثنا جرير بن حازم عن وهب قال: "بلغني أن نبي الله موسى عليه السلام مر برجل يدعو ويتضرع، فقال: يا رب ارحمه، فإني قد رحمته، فأوحى الله تعالى إليه: لو دعاني حتى تنقطع قواه ما استجيب له حتى ينظر في حقي عليه".
فمن أنفع ما للقلب النظر في حق الله على العبد. فإن ذلك يورثه مقت نفسه، والإزدراء عليها، ويخلصه من العجب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي الله، واليأس من نفسه، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته، فإن من حقه أن يطاع ولا يعصى، وأن يذكر فلا ينسي، وأن يشكر فلا يكفر.
فمن نظر في هذا الحق الذي لربه عليه علم علم اليقين أنه غير مؤد له كما ينبغي، وأنه لا يسعه إلا العفو والمغفرة، وأنه إن أحيل على عمله هلك.
فهذا محل نظر أهل المعرفة بالله تعالى وبنفوسهم، وهذا الذي أيأسهم من أنفسهم، وعلق رجاءهم كله بعفو الله ورحمته.
وإذا تأملت حال أكثر الناس وجدتهم بضد ذلك، ينظرون في حقهم على الله، ولا ينظرون في حق الله عليهم. ومن هاهنا انقطعوا عن الله، وحجبت قلوبهم عن معرفته، ومحبته، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا غاية جهل الإنسان بربه وبنفسه.
فمحاسبة النفس هو نظر العبد في حق الله عليه أولا، ثم نظره هل قام به كما ينبغي ثانيا؟ وأفضل الفكر الفكر في ذلك؛ فإنه يُسَيِّر القلبَ إلى الله ويطرحه بين يديه ذليلا خاضعًا منكسرًا كسرًا فيه جبره، ومفتقرًا فقرًا فيه غناه. وذليلًا ذلًا فيه عزه، ولو عمل من الأعمال ما عساه أن يعمل؛ فإذا فاته هذا فالذي فاته من البر أفضل من الذي أتى.
وقال الإمام أحمد: حدثنا ابن القاسم حدثنا صالح المدني عن أبي عمران الجونى عن أبي الخلد أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام: "إذا ذكرتني فاذكرني وأنت تنتفض أعضاؤك، وكن عند ذكري خاشعًا مطمئنًا، وإذا ذكرتني فاجعل لسانك من وراء قلبك، وإذا قمت بين يدي فقم مقام العبد الحقير الذليل، وذم نفسك فهي أولى بالذم، وناجنى حين تناجيني بقلب وجل ولسان صادق".
(ومن فوائد نظر العبد في حق الله عليه)
أن لا يتركه ذلك يُدِلُّ بعمل أصلا كائنا ما كان، ومن أدلَّ بعمله لم يصعد إلى الله تعالى كما ذكر الإمام أحمد عن بعض أهل العلم بالله أنه قال له رجل: "إني لأقوم في صلاتى؛ فأبكى حتى يكاد ينبت البقل من دموعى؛ فقال له: إنك إن تضحك وأنت تعترف لله بخطيئتك خير من أن تبكى وأنت مدل بعملك. فإن صلاة المُدلِّ لا تصعد فوقه. فقال له: أوصنى، قال: عليك بالزهد في الدنيا، وأن لا تنازعها أهلها، وأن تكون كالنحلة إن أكلت أكلت طيبا، وإن وضعت وضعت طيبا، وإن وقعت على عود لم تضره ولم تكسره، وأوصيك بالنصح لله عز وجل نصح الكلب لأهله، فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبي إلا أن يحوطهم، وينصحهم".
ومن هاهنا أخذ الشاطبى قوله:
؎وَقَدْ قِيلَ: كُنْ كالكَلْبِ يُقْصِيهِ ∗∗∗ أهْلُهُوَلا يَأْتلى في نُصْحِهِمْ مُتَبَتِّلا
وقال الإمام أحمد: حدثنا سيار: حدثنا جعفر: حدثنا الجريرى قال: "بلغنى أن رجلًا من بني إسرائيل كانت له إلى الله عز وجل حاجة. فتعبد واجتهد، ثم طلب إلي الله تعالى حاجته، فلم ير نجاحا، فبات ليلته مزريا على نفسه. وقال: يا نفس، مالك لا [تقضى] حاجتك؟ فبات محزونا قد أزرى على نفسه وألزم الملامة نفسه، فقال: أما والله ما من قِبَل ربي أتيت ولكن من قِبَل نفسي أتِيت، فبات ليلته مزريًا، وألزم نفسه الملامة، فقضيت حاجته".
{"ayahs_start":37,"ayahs":["فَأَمَّا مَن طَغَىٰ","وَءَاثَرَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا","فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ","وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ","فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ"],"ayah":"فَإِنَّ ٱلۡجَحِیمَ هِیَ ٱلۡمَأۡوَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق