الباحث القرآني

ثم أقام سبحانه حجته على العالمين بخلق ما هو أشد منهم وأكبر وأعظم وأعلى وأرفع وهو خلق السماء وبناؤها ورفع سمكها وتسويتها وإظلام ليلها وإخراج ضحاها وخلق الأرض ومدها وبسطها وتهيئتها لما يراد منها وأخرج منها شراب الحيوان وأقواتهم وأرسى الجبال فجعلها رواسي للأرض لئلا تميد بأهلها وأودعها من المنافع ما يتم به مصالح الحيوان الناطق والبهيم فمن قدر على ذلك كله كيف يعجز عن إعادتكم خلقًا جديدًا. فتأمل دلالة المقسم به المذكور في أول السورة على المعاد والتوحيد وصدق الرسل كدلالة هذا الدليل المذكور وإذا كان هذا هو المقصود لم يكن محتاجًا إلى جواب. والله أعلم. * (فصل) وَإذا نظرت إلى الأرض وكَيف خلقت رَأيْتها من أعظم آيات فاطرها وبديعها، خلقها سُبْحانَهُ فراشا ومهادا وذللها لِعِبادِهِ وجعل فِيهِ أرزاقهم وأقواتهم ومعايشهم وجعل فِيها السبل لينتقلوا فِيها في حوائجهم وتصرفاتهم وأرساها بالجبال فَجَعلها أوتادا تحفظها لِئَلّا تميد بهم، ووسع أكنافها، ودحاها فَمدَّها وبسطها، وطحاها فوسعها من جوانبها، وجعلها كفاتا للأحياء تضمهم على ظهرها ما داموا أحياء، وكفاتا للأموات تضمهم في بَطنها إذا ماتُوا. ، فظهرها وطن للأحياء وبطنها وطن للأموات. وَقد أكثر تَعالى من ذكر الأرض في كِتابه ودعا عباده إلى النّظر إليها والتفكر في خلقها فَقالَ تَعالى ﴿والأرْض فرشناها فَنعم الماهدون﴾، ﴿الله الَّذِي جعل لكم الأرض قرارا الَّذِي جعل لكم الأرض فراشا﴾، ﴿أفلا ينظرُونَ إلى الإبل كَيفَ خلقت وإلى السَّماء كَيفَ رفعت وإلى الجبال كَيفَ نصبت وإلى أرْض كَيفَ سطحت﴾، ﴿إن في السَّماوات والأرض لآيات للمؤمنين﴾ وَهَذا كثير في القُرْآن فانْظُر إليها وهِي ميتَة هامدة خاشعة فَإذا أنزلنا عَلَيْها الماء اهتزت فتحركت وربت فارتفعت واخضرت وأنبتت من كل زوج بهيج، فأخرجت عجائب النَّبات في المنظر والمخبر بهيج للناظرين كريم للمتناولين فأخرجت الأقوات على اختلافها وتباين مقاديرها وأشكالها والوأنها ومنافعها والفواكه والثِّمار وأنواع الأدوية ومراعي الدَّوابّ والطير ثمَّ انْظُر قطعها المتجاورات وكَيف ينزل عَلَيْها ماء واحِدًا فتنبت الأزواج المُخْتَلفَة المتباينة في اللَّوْن والشكل والرائحة والطعم والمَنفَعَة واللقاح واحِد والام واحِدَة كَما قالَ تَعالى ﴿وَفِي الأرْض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنْوان وغير صنْوان يسقى بِماء واحِد ونفضل بَعْضها على بعض في الأكل إن في ذَلِك لآيات لقوم يعْقلُونَ﴾ فَكيف كانَت هَذِه الأجنة المُخْتَلفَة مودعة في بطن هَذِه الأم وكَيف كانَ حملها من لقاح واحِد صنع الله الَّذِي أتقن كل شَيْء لا إلَه إلّا هُوَ، ولَوْلا أن هَذا من أعظم آياته لما نبه عَلَيْهِ عباده وهداهم إلى التفكير فِيهِ قالَ الله تَعالى ﴿وَترى الأرْض هامدة فَإذا أنزلنا عَلَيْها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ذَلِك بِأن الله هو الحق وأنه يحيي المَوْتى وأنه على كل شَيْء قدير وأن السّاعَة آتِيَة لا ريب فِيها وأن الله يبْعَث من في القُبُور﴾ فَجعل النّظر في هَذِه الآية وما قبلها من خلق الجَنِين دَلِيلا على هَذِه النتائج الخمس مستلزما للْعلم بها، ثمَّ انْظُر كَيفَ أحكم جَوانِب الأرض بالجبال الراسيات الشوامخ الصم الصلاب، وكَيف نصبها فَأحْسن نصبها وكَيف رَفعها وجعلها أصلب أجزاء الأرض لِئَلّا تضمحل على تطاول السنين وترادف الأمطار والرياح بل أتقن صنعها وأحكم وضعها وأودعها من المَنافِع والمعادن والعيون ما أودعها ثمَّ هدى النّاس إلى اسْتِخْراج تِلْكَ المَعادِن مِنها وألهمهم كَيفَ يصنعون مِنها النُّقُود والحلي والزينة واللباس والسِّلاح وآلَة المعاش على اختلافها، ولَوْلا هدايته سُبْحانَهُ لَهُم إلى ذَلِك لما كانَ لَهُم علم شَيْء مِنهُ ولا قدرَة عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب