الباحث القرآني
* (فائدة)
اختلف النحاة هل من شرط الاستثناء المنقطع تقدير دخوله في المستثني منه بوجه، أو ليس ذلك بشرط؟
فكثير من النحاة لم يشترطوا فيه ذلك، وشرطه آخرون.
قال ابن السراج: "إذا كان الاستثناء منقطعا فلا بد من أن يكون الكلام الذي قبل (إلا) قد دل على ما يستثنى.
فعلى الأول لا يحتاج إلى تقدير.
وعلى الثاني فلا بد من تقدير الرد ولنذكر لذلك أمثلة:
قوله تعالى: ﴿لابِثِينَ فِيها أحْقابًا لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدًا ولا شَرابًا إلاّ حَمِيمًا وغَسّاقًا﴾
فهذا على عدم تقدير التناول يكون فيه نفي الشيء وإثبات ضده، وهو أظهر.
وعلى تقدير التناول لما نفي ذوق البرد والشراب فربما توهم أنهم لا يذوقون غيرهما، فقال ﴿إلا حميما وغساقا﴾
فيكون الاستثناء من عام مقدر.
* وقال في (المدارج)
وَضابِطُ الِانْقِطاعِ أنْ يَكُونَ لَهُ دُخُولٌ في جِنْسِ المُسْتَثْنى مِنهُ، وإنْ لَمْ يَدْخُلْ في نَفْسِهِ، ولَمْ يَتَناوَلْهُ لَفْظُهُ، كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا إلّا سَلامًا﴾ [مريم: ٦٢]
فَإنَّ السَّلامَ داخِلٌ في الكَلامِ الَّذِي هو جِنْسُ اللَّغْوِ والسَّلامِ، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدًا ولا شَرابًا إلّا حَمِيمًا وغَسّاقًا﴾ [النبأ: ٢٤]
فَإنَّ الحَمِيمَ والغَسّاقَ داخِلٌ في جِنْسِ الذَّوْقِ المُنْقَسِمِ، فَكَأنَّهُ قِيلَ في الأوَّلِ: لا يَسْمَعُونَ فِيها شَيْئًا إلّا سَلامًا.
وَفِي الثّانِي: لا يَذُوقُونَ فِيها شَيْئًا إلّا حَمِيمًا وغَسّاقًا، ونَصَّ عَلى فَرْدٍ مِن أفْرادِ الجِنْسِ تَصْرِيحًا، لِيَكُونَ نَفْيُهُ بِطَرِيقِ التَّصْرِيحِ والتَّنْصِيصِ، لا بِطْرِيقِ العُمُومِ الَّذِي يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ تَخْصِيصُ هَذا الفَرْدِ.
* (فصل)
وقال السدي في قوله تعالى: ﴿لابِثِينَ فِيها أحْقابًا﴾ قال سبعمائة حقب كل حقب سبعون سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما كل يوم كألف سنة مما تعدون.
وتقييد لبثهم فيها بالأحقاب يدل على مدة مقدرة يحصرها العدد.
هذا قول الأكثرين، ولهذا تأول الزجاج الآية على أن الأحقاب تقييد لقوله ﴿لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا﴾
وأما مدة مكثهم فيها فلا يتقدر بالأحقاب.
وهذا تأويل فاسد فإنه يقتضي أن يكونوا بعد الأحقاب ذائقين للبرد والشراب.
وقالت طائفة أخرى الآية منسوخة بقوله: ﴿ما هم مِنها بِمُخْرَجِينَ﴾ وقوله: ﴿هم فِيها خالِدُونَ﴾
وهذا فاسد أيضا إن أرادوا بالنسخ الرفع فإنه لا يدخل في الخبر إلا إذا كان بمعنى الطلب، وإن أرادوا بالنسخ البيان فهو صحيح وهو إنما يدل على أن عذابهم دائم مستمر ما دامت باقية فهم فيها خالدون وما هم بمخرجين.
وهذا حق معلوم دلالة القرآن والسنة عليه، لكن الشأن في أمر آخر وهو أن النار أبدية دائمة بدوام الرب فأين الدليل على هذا من القرآن أو السنة بوجه من الوجوه؟
وقالت طائفة هي في أهل التوحيد.
وهذا أقبح مما قبله، وسياق الآيات يرده ردا صريحا.
ولما رأى غيرهم بطلان هذه التأويلات قال لا يدل ذكر الأحقاب على النهاية، فإنها غير مقدرة بالعدد فإنه لم يقل عشرة ولا مائة، ولو قدرت بالعدد لم يدل على النهاية إلا بالمفهوم، فكيف إذا لم يقدر؟
قالوا ومعنى الآية أنه كلما مضى حقب تبعه حقب لا إلى نهاية.
وهذا الذي قالوه لا تدل الآية عليه بوجه، وقولهم أن الأحقاب فيها غير مقدرة فيقال لو أريد بالآية بيان عدم انتهاء مدة العذاب لم يقيد بالأحقاب، فإن ما لا نهاية له لا يقال هو باق أحقابا ودهورا وأعصارا أو نحو ذلك.
ولهذا لا يقال ذلك في نعيم أهل الجنة ولا يقال للأبدي الذي لا يزول هو باق أحقابا أو آلافا من السنين، فالصحابة أفهم الآية لمعاني القرآن، وقد فهم منها عمر بن الخطاب خلاف فهم هؤلاء كما فهم ابن عباس من آية الاستثناء خلاف فهم أولئك، وفهم الصحابة في القرآن هو الغاية التي عليها المعول.
وقد قال ابن مسعود: "ليأتين على جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا"
وقال ابن جرير حديث عن المسيب عمن ذكره عن ابن عباس ﴿خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك﴾
قال: "أمر الله النار أن تأكلهم"
قال وقال ابن مسعود فذكره وقال حدثنا محمد بن حميد ثنا جرير عن بيان عن الشعبي قال:
"جهنم أسرع الدارين عمرانا وأسرعهما خرابا"
قلت لا يدل قوله أسرعهما خرابا على خراب الدار الأخرى كما في قوله تعالى: ﴿أصْحابُ الجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وأحْسَنُ مَقِيلًا﴾ وقوله: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أمّا يُشْرِكُونَ﴾
وقوله في الحديث: "الله أعلى وأجل" وقوله: "أسرعهما عمرانا" يحتمل معنيين:
أحدهما مسارعة الناس إلى الأعمال التي يدخلون بها جهنم، وإبطاؤهم عن أعمال الدار الأخرى.
والثاني أن أهلها يدخلونها قبل دخول أهل الجنة إليها فإن أهل الجنة إنما يدخلونها بعد عبورهم على الصراط وبعد حبسهم على القنطرة التي وراءه، وأهل النار قد تبوءوا منازلهم منها فإنهم لا يجوزون على الصراط، ولا يحبسون على تلك القنطرة.
* وقال في (حادي الأرواح) ما نصه:
السابع: قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالى فإنه جعل لها أمدا تنتهي إليه ثم تفنى ويزول عذابها.
قال شيخ الإسلام وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبى هريرة وأبى سعيد وغيرهم وقد روى عبد بن حميد وهو من أجل أئمة الحديث في تفسيره المشهور حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن قال قال عمر: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه.
وقال حدثنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون منه ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: ﴿لابِثِينَ فِيها أحْقابًا﴾
فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج ابن منهال وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به وحماد يرويه عن ثابت وحميد وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال عمر بن الخطاب ولو قدر أنه لم يحفظ عن عمر فتداول هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد مع أنهم ينكرون على من خالف السنة بدون هذا فلو كان هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأئمة لكانوا أول منكر له.
قال ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها فأما قوم أصيبوا بذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريبا منه ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين بل يختص بمن عداهم كما قال النبي ﷺ أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولا يناقض هذا قوله تعالى: ﴿خالِدِينَ فِيها﴾ وقوله ﴿وَما هم مِنها بِمُخْرَجِينَ﴾
بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه لكن إذا انقضى أجلها وفنيت تفنى الدنيا لم تبق نارا ولم يبق فيها عذاب.
{"ayahs_start":23,"ayahs":["لَّـٰبِثِینَ فِیهَاۤ أَحۡقَابࣰا","لَّا یَذُوقُونَ فِیهَا بَرۡدࣰا وَلَا شَرَابًا","إِلَّا حَمِیمࣰا وَغَسَّاقࣰا"],"ayah":"لَّـٰبِثِینَ فِیهَاۤ أَحۡقَابࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











