الباحث القرآني
* (فصل: في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه)
قال الله تعالى: ﴿إنَّ المُتَّقِينَ في ظِلالٍ وعُيُونٍ وفَواكِهَ مِمّا يَشْتَهُونَ كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
وقال تعالى: ﴿فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَأوا كِتَأبيهْ إنِّي ظَنَنْتُ أنِّي مُلاقٍ حِسابيهْ فَهو في عِيشَةٍ راضِيَةٍ في جَنَّةٍ عالِيَةٍ قُطُوفُها دانِيَةٌ كُلُوا واشْرَبُوا هَنِيئًا بِما أسْلَفْتُمْ في الأيّامِ الخالِيَةِ﴾
وقال تعالى: ﴿وَتِلْكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُون لَكم فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنها تَأْكُلُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنهار أُكُلُها دائِمٌ وظِلُّها﴾
وقال تعالى: ﴿وَأمْدَدْناهم بِفاكِهَةٍ ولَحْمٍ مِمّا يَشْتَهُونَ يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيها ولا تَأْثِيمٌ﴾
وقال تعالى: ﴿يُسْقَوْنَ مِن رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ وفي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ﴾.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله ﷺ:
"يأكل أهل الجنة ويشربون ولا يمتخطون ولا يتغوطون ولا يبولون طعامهم ذلك جشاء كريح المسك يلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس" ورواه أيضا من رواية طلحة بن نافع عن جابر وفيه قالوا: فما بال الطعام؟
قال:"جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد"
وفي المسند وسنن النسائي بإسناد صحيح على شرط الصحيح من حديث الأعمش عن ثمامة ابن عقبة عن يزيد بن أرقم قال جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي ﷺ فقال: يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال: "نعم والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة"
قال: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى قال:
"تكون حاجة أحدهم رشحا يفيض من جلودهم كرشح المسك فيضمر بطنه"
ورواه الحاكم في صحيحه ولفظه أتي النبي ﷺ رجل من اليهود فقال: يا أبا القاسم ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ويقول لأصحابه إن أقر لي بهذا خصمته فقال رسول الله ﷺ: "بلى والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطي قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع" فقال له اليهودي: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة فقال رسول الله ﷺ: "حاجتهم عرق يفيض من جلودهم مثل المسك فإذا البطن قد ضمر"
وقال الحسن بن عرفة حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله ابن مسعود قال قال لي رسول الله ﷺ: "إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فيخر بين يديك مشويا"
وقد تقدم حديث أنس في قصة عبد الله بن سلام في أول طعام يأكله أهل الجنة وشرابهم على أثره وحديث أبي سعيد الخدري تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفأها الجبار بيده نزلا لأهل الجنة.
وقال الحاكم أنبأنا الأصم حدثنا إبراهيم بن منقذ حدثنا إدريس ابن يحيى حدثني الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي عن حذيفة قال: قال رسول الله ﷺ: "إن في الجنة طيرا أمثال البخاتي" فقال أبو بكر: إنها لناعمة يا رسول الله ﷺ قال: "أنعم منها من يأكلها وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر".
قال الحاكم وأنبأنا الأصم حدثنا يحيى بن أبي طالب أنبأنا عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا سعيد عن قتادة في قوله تعالى: ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ﴾ قال ذكر لنا أن أبا بكر قال يا رسول الله ﷺ: "إني لا أرى طير الجنة ناعمة كما أن أهلها ناعمون"
قال: "من يأكلها أنعم منها وأنها أمثال البخاتي وإني لأحتسب على الله أن تأكل منها يا أبا بكر"
وبهذا الإسناد عن قتادة عن أيوب رجل من أهل البصرة عن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى: ﴿يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِن ذَهَبٍ وأكْوابٍ﴾
قال يطاف عليهم بسبعين صحفة من ذهب كل صحفة منها فيها لون ليس في الأخرى.
وقد أخبر سبحانه أن في الجنة ظلالا والظلال لا بد أن تفيء مما يقابلها فقال ﴿هم وأزْواجُهم في ظِلالٍ عَلى الأرائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾
وقال ﴿إنَّ المُتَّقِينَ في ظِلالٍ وعُيُونٍ﴾ وقال ﴿وَنُدْخِلُهم ظِلاًّ ظَلِيلًا﴾
فالأطعمة والحلوى والتجمر تستدعي أسباب تتم بها والله سبحانه خالق السبب والمسبب وهو رب كل شيء ومليكه لا إله إلا هو وكذلك جعل لهم سبحانه أسبابا تصرف الطعام من الجشاء والعرق الذي يفيض من جلودهم فهذا سبب إخراجه وذاك سبب إنضاجه وكذلك جعل في أجوافهم من الحرارة ما يطبخ ذلك الطعام ويلطفه ويهيئه لخروجه رشحا وجشاء وكذلك ما هناك من الفواكه والثمار يخلق لها من الحرارة ما ينضجها.
ويجعل سبحانه أوراق الشجر ظلالها فرب الدنيا والآخرة واحد وهو الخالق للأسباب والحكم ما يخلقه في الدنيا والآخرة والأسباب مظهر أفعاله وحكمته ولكنها تختلف ولهذا يقع التعجب من العبد لورود أفعاله سبحانه على أسباب غير الأسباب المعهودة المألوفة وربما حمله ذلك على الإنكار والكفر وذلك محض لجهل والظلم وإلا فليست قدرته سبحانه وتعالى مقصرة عن أسباب أخر ومسببات ينشئها منها كما لا تقصر قدرته في هذا العالم المشهود عن أسبابه ومسبباته وليس هذا بأهون عليه من ذلك.
ولعل النشأة الأولى التي أنشأها الرب سبحانه وتعالى فيها بالعيان والمشاهدة أعجب من النشأة الثانية التي وعدنا بها إذا تأملها اللبيب ولعل إخراج هذه الفواكه والثمار من بين هذه التربة الغليظة والماء والخشب والهواء المناسب لها أعجب عند العقل من إخراجها من بين تربة الجنة ومائها وهوائها.
ولعل إخراج هذه الأشربة التي هي غذاء ودواء وشراب ولذة من بين فرث ودم ومن قيء ذباب أعجب من إجرائها أنهارا في الجنة بأسباب أخر ولعل إخراج جوهري الذهب والفضة من عروق الحجارة من الجبال وغيرها أعجب من إنشائها هناك من أسباب أخر ولعل إخراج الحرير من لعاب دودة القز وبنائها على أنفسها القباب البيض والحمر والصفر أحكم بناء أعجب من إخراجه من أكمام تنشق عنه شجر هناك قد أودع فيها وأنشئ منها ولعل جريان بحار الماء بين السماء والأرض على ظهور السحاب أعجب من جريانها في الجنة في غير أخدود.
وبالجملة فتأمل آيات الله التي دعا عباده إلى التفكر فيها وجعلها آيات دالة على كمال قدرته وعلمه ومشيئته وحكمته وملكه وعلى توحده بالربوبية والإلهية ثم وازن بينهما وبين ما أخبر به من أمر الآخرة والجنة والنار تجد هذه أدل شيء على تلك شاهدة لها وتجدهما من مشكاة واحدة ورب واحد وخالق واحد ومالك واحد فبعدا لقوم لا يؤمنون.
{"ayahs_start":41,"ayahs":["إِنَّ ٱلۡمُتَّقِینَ فِی ظِلَـٰلࣲ وَعُیُونࣲ","وَفَوَ ٰكِهَ مِمَّا یَشۡتَهُونَ","كُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ هَنِیۤـَٔۢا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ","إِنَّا كَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُحۡسِنِینَ"],"ayah":"كُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ هَنِیۤـَٔۢا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











