الباحث القرآني
* (فصل)
ومن ذلك قوله ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ (١) ولا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ﴾
فقد تضمن الإقسام ثبوت الجزاء ومستحق الجزاء وذلك يتضمن إثبات الرسالة والقرآن والمعاد وهو سبحانه يقسم على هذه الأمور الثلاثة ويقررها أبلغ التقرير لحاجة النفوس إلى معرفتهما والإيمان بها وأمر رسوله أن يقسم عليها كما قال تعالى ﴿وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أحَقٌّ هو قُلْ إي ورَبِّي إنَّهُ لَحَقّ﴾ وقال تعالى ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينا السّاعَةُ قُلْ بَلى ورَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ﴾
وقال تعالى ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى ورَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وذَلِكَ عَلى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾
فهذه ثلاثة مواضع لا رابع لها يأمر نبيه أن يقسم على ما أقسم عليه هو سبحانه من النبوة والقرآن والمعاد
فأقسم سبحانه لعباده وأمر أصدق خلقه أن يقسم لهم وأقام البراهين القطعية على ثبوت ما أقسم عليه فأبى الظالمون إلا جحودا وتكذيبا
واختلف في النفس المقسم بها هاهنا هل هي خاصة أو عامة على قولين بناء على الأقوال الثلاثة في اللوامة
فقال ابن عباس كل نفس تلوم نفسها يوم القيامة يلوم المحسن نفسه أن لا يكون ازداد إحسانا، ويلوم المسيء نفسه أن لا يكون رجع عن إساءته.
واختاره الفراء قال ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرًا قالت هلا ازددت خيرًا.
وإن كانت عملت سوءا قالت يا ليتني لم أفعل.
والقول الثاني أنها خاصة.
قال الحسن هي النفس المؤمنة، وأن المؤمن والله لا تراه إلا يلوم نفسه على كل حالة، لأنه يستقصرها في كل ما تفعل فيندم ويلوم نفسه.
وإن الفاجر يمضي قدمًا لا يعاتب نفسه.
والقول الثالث أنها النفس الكافرة وحدها. قاله قتادة ومقاتل.
وهي النفس الكافرة تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله
قال شيخا والأظهر أن المراد نفس الإنسان مطلقًا فإن نفس كل إنسان لوامة كما أقسم بجنس النفس في قوله ﴿وَنَفْسٍ وما سَوّاها فَألْهَمَها فُجُورَها وتَقْواها﴾ فإنه لا بد لكل إنسان أن يلوم نفسه أو غيره على أمره ثم هذا اللوم قد يكون محمودا وقد يكون مذموما كما قال تعالى ﴿فَأقْبَلَ بَعْضُهم عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ قالُوا يا ويْلَنا إنّا كُنّا طاغِينَ﴾
وقال تعالى ﴿يُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾
فهذا اللوم غير محمود.
وفي الصحيحين في قصة احتجاج آدم وموسى
"أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق؟ فحج آدم موسى"
فهو سبحانه يقسم على صفة النفس اللوامة كقوله ﴿إنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾ وعلى جزائها كقوله ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْألَنَّهم أجْمَعِينَ﴾ وعلى تباين عملها كقوله ﴿إنَّ سَعْيَكم لَشَتّى﴾
وكل نفس لوامة، فالنفس السعيدة تلوم على فعل الشر وترك الخير فتبادر إلى التوبة والنفس الشقية بالضد من ذلك وجمع سبحانه في القسم بين محل الجزاء وهو يوم القيامة ومحل الكسب وهو النفس اللوامة ونبه سبحانه بكونها لوامة على شدة حاجتها وفاقتها وضرورتها إلى من يعرفها الخير والشر ويدلها عليه ورشدها إليه ويلهمها إياه فيجعلها مريدة للخير مرشدة له كارهة للشر مجانبة له لتخلص من اللوم ومن شر ما تلوم عليه ولأنها متلومة مترددة لا تثبت على حال واحدة فهي محتاجة إلى من يعرفها ما هو أنفع لها في معاشها ومعادها فتؤثره وتلوم نفسها عليه إذا فاتها فتتوب منه إن كانت سعيدة ولتقوم عليها حجة عدله فيكون لومها في القيامة لنفسها عليه لومًا بحق قد أعذر الله خالقها وفاطرها إليها فيه.
ففي صفة اللوم تنبيه على ضرورتها إلى التصديق بالرسالة والقرآن، وأنها لا غنى لها عن ذلك ولا صلاح ولا فلاح بدونه ألبتة.
ولما كان يوم معادها هو محل ظهور هذا اللوم وترتب أثره عليه قرن بينهما في الذكر.
* وقال في (المدارج)
والمُرادُ بِالنَّفْسِ، عِنْدَ القَوْمِ: ما كانَ مَعْلُومًا مِن أوْصافِ العَبْدِ، مَذْمُومًا مِن أخْلاقِهِ وأفْعالِهِ، سَواءٌ كانَ ذَلِكَ كَسْبِيًّا، أوْ خَلْقِيًّا. فَهو شَدِيدُ اللّائِمَةِ لَها. وهَذا أحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ﴾ [القيامة: ٢]
قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وعِكْرِمَةُ: تَلُومُ عَلى الخَيْرِ والشَّرِّ. ولا تَصْبِرُ عَلى السَّرّاءِ. ولا عَلى الضَّرّاءِ.
وَقالَ قَتادَةُ: اللَّوّامَةُ هي الفاجِرَةُ.
وَقالَ مُجاهِدٌ: تَنْدَمُ عَلى ما فاتَ، وتَقُولُ: لَوْ فَعَلْتُ؟ ولَوْ لَمْ أفْعَلْ؟
وَقالَ الفَرّاءُ: لَيْسَ مِن نَفْسٍ بَرَّةٍ ولا فاجِرَةٍ إلّا وهي تَلُومُ نَفْسَها إنْ كانَتْ عَمِلَتْ خَيْرًا قالَتْ: هَلّا زِدْتُ؟ وإنْ عَمِلَتْ شَرًّا قالَتْ: لَيْتَنِي لَمْ أفْعَلْ.
وَقالَ الحَسَنُ: هي النَّفْسُ المُؤْمِنَةُ. إنَّ المُؤْمِنَ - واللَّهِ - ما تَراهُ إلّا يَلُومُ نَفْسَهُ: ما أرَدْتِ بِكَلِمَةِ كَذا؟ ما أرَدْتِ بِأكْلَةِ كَذا؟ ما أرَدْتِ بِكَذا؟ ما أرَدْتِ بِكَذا؟ وإنَّ الفاجِرَ يَمْضِي قُدُمًا قُدُمًا، ولا يُحاسِبُ نَفْسَهُ ولا يُعاتِبُها.
وَقالَ مُقاتِلٌ: هي النَّفْسُ الكافِرَةُ، تَلُومُ نَفْسَها في الآخِرَةِ عَلى ما فَرَّطَتْ في أمْرِ اللَّهِ في الدُّنْيا.
والقَصْدُ: أنَّ مَن بَذَلَ نَفْسَهُ لِلَّهِ بِصِدْقٍ كَرِهَ بَقاءَهُ مَعَها؛ لِأنَّهُ يُرِيدُ أنْ يَتَقَبَّلَها مَن بُذِلَتْ لَهُ. ولِأنَّهُ قَدْ قَرَّبَها لَهُ قُرْبانًا. ومَن قَرَّبَ قُرْبانًا فَتُقُبِّلَ مِنهُ لَيْسَ كَمَن رُدَّ عَلَيْهِ قُرْبانُهُ. فَبَقاءُ نَفْسِهِ مَعَهُ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ لَمْ يُتَقَبَّلْ قُرْبانُهُ.
وَأيْضًا فَإنَّهُ مِن قَواعِدِ القَوْمِ المُجْمَعِ عَلَيْها بَيْنَهُمْ، الَّتِي اتَّفَقَتْ كَلِمَةُ أوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ، ومُحِقِّهِمْ ومُبْطِلِهِمْ عَلَيْها أنَّ النَّفْسَ حِجابٌ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ اللَّهِ، وأنَّهُ لا يَصِلُ إلى اللَّهِ حَتّى يَقْطَعَ هَذا الحِجابَ.
كَما قالَ أبُو يَزِيدٍ: رَأيْتُ رَبَّ العِزَّةِ في المَنامِ. فَقُلْتُ: يا رَبِّ، كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَيْكَ؟ فَقالَ: خَلِّ نَفْسَكَ وتَعالَ.
فالنَّفْسُ جَبَلٌ عَظِيمٌ شاقٌّ في طَرِيقِ السَّيْرِ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. وكُلُّ سائِرٍ لا طَرِيقَ لَهُ إلّا عَلى ذَلِكَ الجَبَلِ. فَلابُدَّ أنْ يَنْتَهِيَ إلَيْهِ، ولَكِنَّ مِنهم مَن هو شاقٌّ عَلَيْهِ ومِنهم مَن هو سَهْلٌ عَلَيْهِ. وإنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلى مَن يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ.
وَفِي ذَلِكَ الجَبَلِ أوْدِيَةٌ وشُعُوبٌ، وعَقَباتٌ ووُهُودٌ، وشَوْكٌ وعَوْسَجٌ، وعَلِيقٌ وشَبْرَقٌ، ولُصُوصٌ يَقْتَطِعُونَ الطَّرِيقَ عَلى السّائِرِينَ. ولا سِيَّما أهْلَ اللَّيْلِ المُدْلِجِينَ. فَإذا لَمْ يَكُنْ مَعَهم عُدَدُ الإيمانِ، ومَصابِيحُ اليَقِينِ تَتَّقِدُ بِزَيْتِ الإخْباتِ، وإلّا تَعَلَّقَتْ بِهِمْ تِلْكَ المَوانِعُ. وتَشَبَّثَتْ بِهِمْ تِلْكَ القَواطِعُ وحالَتْ بَيْنَهم وبَيْنَ السَّيْرِ.
فَإنَّ أكْثَرَ السّائِرِينَ فِيهِ رَجَعُوا عَلى أعْقابِهِمْ لَمّا عَجَزُوا عَنْ قَطْعِهِ واقْتِحامِ عَقَباتِهِ. والشَّيْطانُ عَلى قُلَّةِ ذَلِكَ الجَبَلِ يُحَذِّرُ النّاسَ مِن صُعُودِهِ وارْتِفاعِهِ، ويُخَوِّفُهم مِنهُ. فَيَتَّفِقُ مَشَقَّةُ الصُّعُودِ وقُعُودُ ذَلِكَ المُخَوِّفِ عَلى قُلَّتِهِ، وضَعْفُ عَزِيمَةِ السّائِرِ ونِيَّتِهِ. فَيَتَوَلَّدُ مِن ذَلِكَ الِانْقِطاعُ والرُّجُوعُ. والمَعْصُومُ مَن عَصَمَهُ اللَّهُ.
وَكُلَّما رَقى السّائِرُ في ذَلِكَ الجَبَلِ اشْتَدَّ بِهِ صِياحُ القاطِعِ، وتَحْذِيرُهُ وتَخْوِيفُهُ، فَإذا قَطَعَهُ وبَلَغَ قُلَّتَهُ: انْقَلَبَتْ تِلْكَ المَخاوِفُ كُلُّهُنَّ أمانًا. وحِينَئِذٍ يَسْهُلُ السَّيْرُ، وتَزُولُ عَنْهُ عَوارِضُ الطَّرِيقِ، ومَشَقَّةُ عَقَباتِها، ويَرى طَرِيقًا واسِعًا آمِنًا. يُفْضِي بِهِ إلى المَنازِلِ والمَناهِلِ. وعَلَيْهِ الأعْلامُ. وفِيهِ الإقاماتُ، قَدْ أُعِدَّتْ لِرَكْبِ الرَّحْمَنِ.
فَبَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ السَّعادَةِ والفَلاحِ قُوَّةُ عَزِيمَةٍ، وصَبْرُ ساعَةٍ، وشَجاعَةُ نَفْسٍ، وثَباتُ قَلْبٍ. والفَضْلُ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشاءُ. واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ.
* [فصل: النفس اللوامة]
وأما النفس اللوّامة وهي التي أقسم بها سبحانه في قوله: ولا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ}
فاختلف فيها.
فقالت طائفة هي التي لا تثبت على حال واحدة، أخذوا اللفظة من التلوم وهو التردد فهي كثيرة التقلب والتلون وهي من أعظم آيات اللّه فإنها مخلوق من مخلوقاته تتقلب وتتلون في الساعة الواحدة فضلا عن اليوم والشهر والعام والعمر ألوانا متلونة فتذكر وتغفل وتعرض وتلطف وتكشف وتنيب وتجفو وتحب وتبغض وتفرح وتحزن. وترضى وتغضب وتطيع وتتقي وتفجر، إلى أضعاف أضعاف ذلك من حالاتها وتلونها فهي تتلون كل وقت ألوانا كثيرة فهذا قول.
وقالت طائفة: اللفظة مأخوذة من اللوم ثم اختلفوا فقالت فرقة هي نفس المؤمن، وهذا من صفاتها المجردة. قال الحسن البصري: إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائما يقول ما أردت بهذا؟ لم فعلت هذا؟ كان غير هذا أولى، أو نحو هذا من الكلام.
وقال غيره: هي نفس المؤمن توقعه في الذنب ثم تلومه عليه فهذا اللوم من الإيمان بخلاف الشقي فإنه لا يلوم نفسه على ذنب بل يلومها وتلومه على فواته.
وقالت طائفة: بل هذا اللوم للنوعين فإن كل أحد يلوم نفسه برا كان أو فاجرا، فالسعيد يلومها على ارتكاب معصية اللّه وترك طاعته، والشقي لا يلومها إلا على فوات حظها وهواها.
وقالت فرقة أخرى: هذا اللوم يوم القيامة فإن كل أحد يلوم نفسه إن كان مسيئا على إساءته وإن كان محسنا على تقصيره.
وهذه الأقوال كلها حق، ولا تنافي بينها، فإن النفس موصوفة بهذا كله باعتباره سميت لوّامة، لكن اللوّامة نوعان: لوّامة ملومة: وهي النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها اللّه وملائكته.
ولوّامة غير ملومة: وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره طاعة اللّه مع بذله جهده فهذه غير ملومة، وأشرف النفوس من لامت نفسها في طاعة اللّه واحتملت ملام اللائمين في مرضاته فلا تأخذها فيه لومة لائم فهذه قد تخلصت من لوم اللّه، وأما من رضيت بأعمالها ولم تلم نفسها ولم تحتمل في اللّه ملام اللوام، فهي التي يلومها اللّه عز وجل.
* وقال في (إغاثة اللهفان)
وأما اللوامة فاختلف في اشتقاق هذه اللفظة، هل هي من التلوم، وهو التلون والتردد، أو هي من اللوم؟
وعبارات السلف تدور على هذين المعنيين.
قال سعيد بن جبير: "قلت لابن عباس: ما اللوامة؟
قال: هي النفس اللئوم".
وقال مجاهد: "هى التي تُنَدِّم على ما فات وتلوم عليه".
وقال قتادة: "هى الفاجرة"
وقال عكرمة: "تلوم على الخير والشر"
وقال عطاء عن ابن عباس: "كل نفس تلوم نفسها يوم القيامة، تلوم المحسن نفسه أن لا يكون ازداد إحسانا، وتلوم المسيء نفسه أن لا يكون رجع عن إساءته".
وقال الحسن: "إن المؤمن، والله، ما تراه إلا يلوم نفسه على كل حالاته؛ يستقصرها في كل ما يفعل فيندم ويلوم نفسه، وإن الفاجر ليمضي قدما لا يعاتب نفسه".
فهذه عبارات من ذهب إلى أنها من اللوم.
وأما من جعلها من التلوم فلكثرة ترددها وتلومها، وأنها لا تستقر على حال واحدة.
والأول أظهر، فإن هذا المعنى لو أريد لقيل: المتلومة. كما يقال: المتلونة والمترددة. ولكن هو من لوازم القول الأول، فإنها لتلومها وعدم ثباتها تفعل الشيء ثم تلوم عليه. فالتلوم من لوازم اللوم.
والنفس قد تكون تارة أمارة، وتارة لوامة، وتارة مطمئنة، بل في اليوم الواحد والساعة الواحدة يحصل منها هذا وهذا.
والحكم للغالب عليها من أحوالها، فكونها مطمئنة وصف مدح لها.
وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها.
وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم، بحسب ما تلوم عليه.
* وقال في (التبيان) أيضا:
ومن ذلك قوله تعالى ﴿لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ ولا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوّامَةِ﴾
وقد تقدم ذكر هذين القسمين ومناسبة الجمع بينهما في الذكر وكون الجواب غير مذكور وأنه يجوز أن يكون مما حذف لدلالة السياق عليه والعلم به ويجوز أن يكون من القسم المقصود به التنبيه على دلالة المقسم به وكونه آية ولم يقصد به مقسمًا عليه معينًا فكأنه يقول اذكر يوم القيامة والنفس اللوامة مقسمًا بها لكونها من آياتنا وأدلة ربوبيتنا
ثم أنكر على الإنسان بعد هذه الآية حسبانه وظنه أن الله لا يجمع عظامه بعد ما فرقها البلى ثم أخبر سبحانه عن قدرته على جمع غيرها من عظامه وعلى هذا فيكون سبحانه قد احتج على فعله لما أنكره أعداؤه بقدرته عليه وأخبر عن فعله بأنه لا يلزمهم من القدرة وقوع المقدور والمعنى بل نجمعها قادرين على تسوية بنانه ودل على هذا المعنى المحذوف قوله ﴿بلى﴾ فإنها حرف إيجاب لما تقدم من النفي فلهذا يستغنى عن ذكر الفعل بذكر الحرف الدال عليه فدلت الآية على الفعل وذكرت القدرة لإبطال قول المكذبين وفي ذكر (البنان) لطيفة أخرى وهي أنها أطرافه وآخر ما يتم به خلقه فمن قدر على جمع أطرافه وآخر ما يتم به خلقه مع دقتها وصغرها ولطافتها فهو على ما دون ذلك أقدر.
فالقوم لما استبعدوا جمع العظام بعد الفناء والارمام قيل إنا نجمع ونسوى أكثرها تفرقًا وأدقها أجزاء وآخر أطراف البدن وهي عظام الأنامل ومفاصلها
وقالت طائفة المعنى نحن قادرون على أن نسوى أصابع يديه ورجليه ونجعلها مستوية شيئًا واحدًا كخف البعير وحافر الحمار لا نفرق بينهما ولا يمكنه أن يعمل بها شيئًا مما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل والأنامل من فنون الأعمال والبسط والقبض والتأتي لما يريد من الحوائج وهذا قول ابن عباس وكثير من المفسرين والمعنى على هذا القول إنا في الدنيا قادرون على أن نجعل عظام بنانه مجموعة دون تفرق فكيف لا نقدر على جمعها بعد تفريقها.
فهذا وجه من الاستدلال غير الأول وهو الاستدلال بقدرته سبحانه على جمع العظام التي فرقها ولم يجمعها والأول استدلال بقدرته سبحانه على جمع عظامه بعد تفريقها وهما وجهان حسنان وكل منهما له ترجيح من وجه فيرجح الأول أنه هو المقصود وهو الذي انكره الكفار وهو إجراء على نسق الكلام واطراده، ولأن الكلام لم يسق لجمع العظام وتفريقها في الدنيا وإنما سيق لجمعها في الآخرة بعد تفرقها بالموت ويرجح القول الثاني ولعله قول جمهور المفسرين حتى أن فيهم من لم يذكر غيره وأنه استدلال بآية ظاهرة مشهورة وهي تفريق البنان مع انتظامها في كف واحد وارتباط بعضها ببعض فهي متفرقة في عضو واحد يقبض منها واحدة ويبسط أخرى ويحرك واحدة والأخرى ساكنة ويعمل بواحدة والأخرى معطلة وكلها في كف واحد قد جمعها ساعد واحد فلو شاء سبحانه لسواها فجعلها صفة واحدة كباطن الكف ففاته هذه المنافع والمصالح التي حصلت بتفريقها ففي هذا أعظم الأدلة على قدرته سبحانه على جمع عظامه بعد الموت.
* وقال في (التبيان في أقسام القرآن) أيضا:
* (فصل)
ومن أسرارها [سُورة القِيامة] أنها تضمنت إثبات قدرة الرب على ما علم أنه لا يكون ولا يفعله وهذا على أحد القولين في قوله ﴿بَلى قادِرِينَ عَلى أنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ﴾ فأخبر أنه قادر عليه ولم يفعله ولم يرده
وأصرح من هذا قوله تعالى ﴿وَأنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأسْكَنّاهُ في الأرْضِ وإنّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ﴾
وهذا أيضًا على أحد القولين أي تغور العيون في الأرض فلا يقدر على الماء قال ابن عباس يريد أن سيغيض فيذهب فلا يكون من هذا الباب بل يكون من باب القدرة على ما سيفعله وأصرح من هذين الموضعين قوله تعالى ﴿قُلْ هو القادِرُ عَلى أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكم عَذابًا مِن فَوْقِكم أوْ مِن تَحْتِ أرْجُلِكُمْ﴾
وقد ثبت عن النبي أنه قال عند نزول هذه الآية "أعوذ بوجهك"
ولكن قد ثبت عنه أنه ﷺ لا بد أن يقع في أمته خسف، ولكن لا يكون عامًا، وهذا عذاب من تحت الأرجل.
وروي أنه كان في الأمة قذف أيضًا.
وهذا عذاب من فوق فيكون هذا من باب الإخبار بقدرته على ما سيفعله.
وإن أريد به القدرة على عذاب الاستئصال فهو من القدرة على ما لا يريده وقد صرح سبحانه بأنه لو شاء لفعل مالم يفعله في غير موضع من كتابه كقوله ﴿وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن في الأرْضِ كُلُّهم جَمِيعًا﴾ وقوله ﴿وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها﴾ ونظائره.
وهذا مما لا خفاء فيه بين أهل السنة وبه تبين فساد قول من قال إن القدرة لا تكون إلا مع الفعل لا قبله وأن الصواب التفصيل بين القدرة الموجبة والمصححة فنفي القدرة عن الفاعل قبل الملابسة مطلقًا خطأ والله أعلم.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["لَاۤ أُقۡسِمُ بِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ","وَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ","أَیَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ","بَلَىٰ قَـٰدِرِینَ عَلَىٰۤ أَن نُّسَوِّیَ بَنَانَهُۥ"],"ayah":"أَیَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق