الباحث القرآني
* (لطيفة)
قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)﴾
فكمل ظواهرهم بالنضرة، وبواطنهم بالنظر إليه.
(لطيفة أخرى)
إذا كانت مشاهدة مخلوق [يوسف - عليه السلام -] يوم أخرج عليهن استغرقت إحساس الناظرات فقطعن أيديهن وما شعرن، فكيف بالحال يوم المزيد؟!
لو أحببت المعبود لحضر قلبك في عبادته.
* (فصل)
ومن أسرار هذه السورة أنه سبحانه جمع فيها لأوليائه بين جمال الظاهر والباطن فزين وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالنظر إليه فلا أجمل لبواطنهم ولا أنعم ولا أحلى من النظر إليه ولا أجمل لظواهرهم من نضرة الوجه وهي إشراقه وتحسينه وبهجته وهذا كما قال في موضع آخر ﴿وَلَقّاهم نَضْرَةً وسُرُورًا﴾
ونظيره قوله ﴿يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا﴾
فهذا جمال الظاهر وزينته ثم قال ﴿وَلِباسُ التَّقْوى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ فهذا جمال الباطن.
ونظيره قوله ﴿إنّا زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الكَواكِب﴾ فهذا جمال ظاهرها ثم قال ﴿وَحِفْظًا مِن كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ﴾
فهذا جمال باطنها
ونظيره قوله عن امرأة العزيز بعد أن قالت ليوسف ﴿اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمّا رَأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ وقَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ وقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هَذا بَشَرًا إنْ هَذا إلّا مَلَكٌ كَرِيمٌ قالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ولَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فاسْتَعْصَمَ ولَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ ولِيَكُونًا مِنَ الصّاغِرِينَ﴾
فذكرها لهذا هو من تمام وصفها لمحاسنه، وأنه في غاية المحاسن ظاهرًا وباطنًا.
وينظر إلى هذا المعنى ويناسبه قوله ﴿إنَّ لَكَ ألّا تَجُوعَ فِيها ولا تَعْرى وأنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيها ولا تَضْحى﴾
فقابل بين الجوع والعري، لأن الجوع ذل الباطن والعري ذل الظاهر.
وقابل بين الظمأ وهو حر الباطن والضحى وهو حر الظاهر بالبروز للشمس.
وقريب من هذا قوله ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى﴾ في ذكر الزاد الظاهر الحسي والزاد الباطن المعنوي فهذا زاد سفر الدنيا، وهذا زاد سفر الآخرة ويلم به قول هود ﴿وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكم مِدْرارًا ويَزِدْكم قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ﴾
فالأول القوة الظاهرة المنفصلة عنهم، والثاني الباطنة المتصلة بهم
ويشبهه قوله ﴿فما له من قوة ولا ناصر﴾ فنفى عنهم الدافعين الدافع من أنفسهم، والدافع من خارج وهو الناصر.
* (فائدة)
قوله ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَة إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾
يستحيل فيها تأويل النظر بانتظار الثواب فإنه أضاف النظر إلى الوجوه التي هي محله
وعداه بحرف ﴿إلى﴾ التي إذا اتصل بها فعل النظر كان مِن نظر العين ليس إلا.
ووصف الوجوه بالنضرة التي لا تحصل إلا مع حضور ما يتنعم به، لا مع التنغيص بانتظاره.
ويستحيل مع هذا التركيب تأويل النظر بغير الرؤية، وإن كان النظر بمعنى الانتظار قد استعمل في قوله ﴿انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾ [الحديد: ١٣] وقوله تعالى ﴿فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥].
وقال أيضا في (الصواعق المرسلة)
ونظير هذا اطراد النصوص بالنظر إلى الله هكذا ترون ربكم تنظرون إلى ربكم ﴿إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾
ولم يجئ في موضع واحد ترون ثواب ربكم، فيحمل عليه ما خرج عن نظائره.
* [فَصْلٌ: كَمالُ اللَّذَّةِ في كَمالِ المَحْبُوبِ وكَمالِ المَحَبَّةِ]
وَهَذا أمْرٌ عَظِيمٌ يَجِبُ عَلى اللَّبِيبِ الِاعْتِناءُ بِهِ، وهو أنَّ كَمالَ اللَّذَّةِ والفَرَحِ والسُّرُورِ ونَعِيمِ القَلْبِ وابْتِهاجِ الرُّوحِ تابِعٌ لِأمْرَيْنِ: أحَدُهُما: كَمالُ المَحْبُوبِ في نَفْسِهِ وجَمالِهِ، وأنَّهُ أوْلى بِإيثارِ المَحَبَّةِ مِن كُلِّ ما سِواهُ.
والأمْرُ الثّانِي: كَمالُ مَحَبَّتِهِ، واسْتِفْراغُ الوُسْعِ في حُبِّهِ، وإيثارُ قُرْبِهِ والوُصُولِ إلَيْهِ عَلى كُلِّ شَيْءٍ.
وَكُلُّ عاقِلٍ يَعْلَمُ أنَّ اللَّذَّةَ بِحُصُولِ المَحْبُوبِ بِحَسَبِ قُوَّةِ مَحَبَّتِهِ، فَكُلَّما كانَتِ المَحَبَّةُ أقْوى كانَتْ لَذَّةُ المُحِبِّ أكْمَلَ، فَلَذَّةُ العَبْدِ مَنِ اشْتَدَّ ظَمَؤُهُ بِإدْراكِ الماءِ الزُّلالِ، ومَنِ اشْتَدَّ جُوعُهُ بِأكْلِ الطَّعامِ الشَّهِيِّ، ونَظائِرُ ذَلِكَ عَلى حَسَبِ شَوْقِهِ وشَدَّةِ إرادَتِهِ ومَحَبَّتِهِ.
وَإذا عَرَفْتَ هَذا، فاللَّذَّةُ والسُّرُورُ والفَرَحُ أمْرٌ مَطْلُوبٌ في نَفْسِهِ، بَلْ هو مَقْصُودُ كُلِّ حَيٍّ وعاقِلٍ، إذا كانَتِ اللَّذَّةُ مَطْلُوبَةً لِنَفْسِها فَهي تُذَمُّ إذا أعْقَبَتْ ألَمًا أعْظَمَ مِنها، أوْ مَنَعَتْ لَذَّةً خَيْرًا مِنها وأجَّلَ، فَكَيْفَ إذا أعْقَبَتْ أعْظَمَ الحَسَراتِ، وفَوَّتَتْ أعْظَمَ اللَّذّاتِ
والمَسَرّاتِ؟ وتُحْمَدُ إذا أعانَتْ عَلى لَذَّةٍ عَظِيمَةٍ دائِمَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ لا تَنْغِيصَ فِيها ولا نَكَدَ بِوَجْهٍ ما، وهي لَذَّةُ الآخِرَةِ ونَعِيمُها وطِيبُ العَيْشِ فِيها، قالَ تَعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَياةَ الدُّنْيا - والآخِرَةُ خَيْرٌ وأبْقى﴾ [الأعلى: ١٦-١٧].
وَقالَ السَّحَرَةُ لِفِرْعَوْنَ لَمّا آمَنُوا:
﴿فاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ إنَّما تَقْضِي هَذِهِ الحَياةَ الدُّنْيا - إنّا آمَنّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وما أكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ واللَّهُ خَيْرٌ وأبْقى﴾ [طه: ٧٢-٧٣].
واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى خَلَقَ الخَلْقَ لِيُنِيلَهم هَذِهِ اللَّذَّةَ الدّائِمَةَ في دارِ الخُلْدِ، وأمّا الدُّنْيا فَمُنْقَطِعَةٌ، ولَذّاتُها لا تَصْفُو أبَدًا ولا تَدُومُ، بِخِلافِ الآخِرَةِ، فَإنَّ لَذّاتِها دائِمَةٌ، ونَعِيمَها خالِصٌ مِن كُلِّ كَدَرٍ وألَمٍ، وفِيها ما تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وتَلَذُّ الأعْيُنُ مَعَ الخُلُودِ أبَدًا، ولا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أخْفى اللَّهُ لِعِبادِهِ فِيها مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ، بَلْ فِيها ما لا عَيْنٌ رَأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ، وهَذا المَعْنى الَّذِي قَصَدَهُ النّاصِحُ لِقَوْمِهِ:
﴿ياقَوْمِ اتَّبِعُونِ أهْدِكم سَبِيلَ الرَّشادِ - ياقَوْمِ إنَّما هَذِهِ الحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وإنَّ الآخِرَةَ هي دارُ القَرارِ﴾ [غافر: ٣٨-٣٩].
فَأخْبَرَهم أنَّ الدُّنْيا يُسْتَمْتَعُ بِها إلى غَيْرِها، وأنَّ الآخِرَةَ هي المُسْتَقَرُّ.
وَإذا عَرَفْتَ أنَّ لَذّاتِ الدُّنْيا ونَعِيمَها مَتاعٌ، ووَسِيلَةٌ إلى لَذّاتِ الآخِرَةِ، ولِذَلِكَ خُلِقَتِ الدُّنْيا ولَذّاتُها، فَكُلُّ لَذَّةٍ أعانَتْ عَلى لَذَّةِ الآخِرَةِ وأوْصَلَتْ إلَيْها لَمْ يُذَمَّ تَناوُلُها، بَلْ يُحْمَدُ بِحَسَبِ إيصالِها إلى لَذَّةِ الآخِرَةِ.
إذا عُرِفَ هَذا فَأعْظَمُ نَعِيمِ الآخِرَةِ ولَذّاتِها: هو النَّظَرُ إلى وجْهِ الرَّبِّ جَلَّ جَلالُهُ، وسَماعُ كَلامِهِ مِنهُ، والقُرْبُ مِنهُ، كَما ثَبَتَ في الصَّحِيحِ في حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ: «فَواللَّهِ ما أعْطاهم شَيْئًا أحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَيْهِ»، وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «إنَّهُ إذا تَجَلّى لَهم ورَأوْهُ؛ نَسُوا ما هم فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ».
وَفِي النَّسائِيِّ ومُسْنَدِ الإمامِ أحْمَدَ عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في دُعائِهِ: «وَأسْألُكَ اللَّهُمَّ لَذَّةَ النَّظَرِ إلى وجْهِكَ الكَرِيمِ، والشَّوْقَ إلى لِقائِكَ» وفي كِتابِ السُّنَّةِ لِعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الإمامِ أحْمَدَ مَرْفُوعًا: «كَأنَّ النّاسَ يَوْمَ القِيامَةِ لَمْ يَسْمَعُوا القُرْآنَ، إذا سَمِعُوهُ مِنَ الرَّحْمَنِ فَكَأنَّهم لَمْ يَسْمَعُوا قَبْلَ ذَلِكَ».
* (فصل: في أن لذة النظر إلى وجه الله يوم القيامة تابعة للتلذذ بمعرفته ومحبته في الدنيا]
وكما أنه لا نسبة لنعيم ما في الجنة إلى نعيم النظر إلى وجه الأعلى سبحانه، فلا نسبة لنعيم الدنيا إلى نعيم محبته ومعرفته والشوق إليه والأنس به، بل لذة النظر إليه سبحانه تابعة لمعرفتهم به ومحبتهم له، فإن اللذة تتبع الشعور والمحبة.
فكلما كان المحب أعرف بالمحبوب، وأشد محبة له كان التذاذه بقربه ورؤيته ووصوله إليه أعظم.
* (فصل)
قال هشام بن حسان عن الحسن: إذا نظر أهل الجنة إلى الله تعالى نسوا نعيم الجنة.
وقال هشام بن عمار حدثنا محمد بن سعيد بن سابور حدثنا عبد الرحمن بن سليمان حدثنا سعيد بن عبد الله الجرشي القاضي أنه سمع أبا إسحاق الهمداني يحدث عن الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفعه قال:
"إن الله إذا أسكن أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بعث إلى أهل الجنة الروح الأمين فيقول يا أهل الجنة إن ربكم يقرئكم السلام ويأمركم أن تزوروه إلى فناء الجنة، وهو أبطح الجنة تربته المسك وحصباؤه الدر والياقوت، وشجره الذهب الرطب، وورقه الزمرد، فيخرج أهل الجنة مستبشرين مسرورين فثم يجمعهم وثم كرامة الله والنظر إلى وجهه، وهو موعد الله أنجزه لهم فيأذن الله لهم في السماع والأكل والشرب ويكسون حلل الكرامة، ثم ينادي مناد يا أولياء الله هل بقي مما وعدكم الله ربكم شيء؟
فيقولون لا وقد أنجزنا ما وعدنا فما بقي شيء إلا النظر إلى وجهه، فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى في حجب فيقول يا جبريل ارفع حجابي لعبادي كي ينظروا إلى وجهي.
قال فيرفع الحجاب الأول فينظرون إلى نور من نور الرب فيخرون له سجدا فيناديهم الرب يا عبادي ارفعوا رؤوسكم فإنها ليست بدار عمل إنما هي دار ثواب، فيرفع الحجاب الثاني فينظرون أمرا هو أعظم وأجل فيخرون لله حامدين ساجدين، فيناديهم الرب أن ارفعوا رؤوسكم إنها ليست بدار عمل إنما هي دار ثواب ونعيم مقيم، فيرفع الحجاب الثالث فعند ذلك ينظرون إلى وجه رب العالمين فيقولون حين ينظرون إلى وجهه: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
فيقول كرامتي أمكنتكم من النظر إلى وجهي وأحلتكم داري، فيأذن الله للجنة أن تكلمي فتقول: طوبى لمن سكنني وطوبى لمن يخلد في وطوبي لمن أُعددت له، وذلك قوله تعالى ﴿طوبى لهم وحسن مآب﴾ وقوله تعالى ﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ "جنتان من ذهب آنيتهما وحليتهما وما فيهما وجنتان من فضة آنيتهما وحليتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن"
وذكر عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا أبو الربيع حدثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن كعب قال ما نظر الله إلى الجنة إلا قال طيبي لأهلك فزادت طيبا على ما كانت وما من يوم كان عيدا في الدنيا إلا يخرجون في مقداره إلى رياض الجنة ويبرز لهم الرب تبارك وتعالى وينظرون إليه وتسفى عليهم الريح بالطيب والمسك فلا يسألون ربهم تبارك وتعالى شيئسا إلا أعطاهم فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن والجمال سبعين ضعفا
وقال عبد بن حميد أخبرني شبابة عن إسرائيل حدثنا ثوير بن أبي فاختة سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول قال رسول الله ﷺ: "إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى خدمه ونعيمه وسرره مسيرة ألف سنة وأكرمهم على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية " ثم تلا هذه الآية ﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾
رواه الترمذي في جامعه عنه
وذكر عثمان بن سعيد الدارمي عن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه إلى النبي ﷺ قال: " إن أهل الجنة إذا بلغ منهم النعيم كل مبلغ وظنوا أن لا نعيم أفضل منه تجلى لهم الرب تبارك وتعالى فنظروا إلى وجه الرحمن فنسوا كل نعيم عاينوه حين نظروا إلى وجه الرحمن"
وقال الحسن البصري في قوله تعالى ﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾ قال حسنها الله تعالى بالنظر إليه سبحانه وحق لها أن تنضر وهي تنظر إلى ربها عز وجل قال أبو سليمان الداراني لو لم يكن لأهل المحبة أو قال المعرفة إلا هذه الآية ﴿وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾ لاكتفوا بها.
وذكر النسائي من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قلنا يا رسول الله ﷺ هل نرى ربنا يوم القيامة قال " هل تضامون في رؤية الشمس في يوم لا غيم فيه وفي القمر ليلة البدر لا غم فيها قلنا لا قال فإنكم سترون ربكم حتى إن أحدكم ليحاضره محاضرة فيقول عبدي هل تعرف ذنب كذا وكذا فيقول يارب ألم تغفر لي فيقول بمغفرتي صرت إلى هذا"
وفي الصحيحين من حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ "إن الله تعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا"
وفي الصحيح والسنن والمساند من حديث ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجز كموه فيقولون ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلن ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم
وفي صحيح البخاري من حديث جرير بن عبد الله قال كنا جلوسا عند النبي ﷺ إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"
وفي الصحيحين من حديث الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الناس قالوا يا رسول الله ﷺ هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله ﷺ "هل تضارون في القمر ليلة البدر قالوا لا يارسول الله ﷺ قال قال فهل تضارون في الشمس ليس دوننا سحاب قالوا لايا رسول الله ﷺ قال فإنكم ترونه كذلك وفي لفظ فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤيتهما"
وقال الترمذي حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال "يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين تبارك وتعالى فيقول ليتبع كل إنسان ما كان يعبد فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره فيتبعون ما كانوا يعبدون ويبقى المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين تبارك وتعالى فيقول ألآ تتبعون الناس فيقولون نعود بالله منك نعوذ بالله منك ألله ربنا هذا مكاننا حتى نرى ربنا وهو يأمرهم ويثبتهم ثم يتوارى ثم يطلع عليهم فيقول ألا تتبعون الناس فيقولون نعوذ بالله منك نعوذ بالله منك ألله ربنا وهذا مكاننا حتى نرى ربنا وهو يأمرهم ويثبتهم قالوا وهل نراه يا رسول الله ﷺ قال وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا قالوا لا يا رسول الله قال فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة قال ثم يتوارى ثم يطلع فيعرفهم نفسه ثم يقول أنا ربكم فاتبعوني فيقوم المسلمون ويوضع الصراط فيمرون عليه مثل جياد الخيل والركاب وقولهم عليه سلم سلم ويبقى أهل النار فيطرح منهم فيها فوج فيقال هل امتلأت فتقول هل من مزيد ثم يطرح فيها فوج فيقال هل امتلأت فتقول هل من مزيد حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن تبارك وتعالى فيها قدمه فأزوى بعضها إلى بعض وقالت قط قط فإذا أدخل الله أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتى بالموت ملبيا فيوقف على السور الذي بين أهل الجنة واهل النار ثم يقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين ثم يقال يا أهل النار فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة فيقال لأهل الجنة والنار هل تعرفون هذا فيقولون هؤلاء وهؤلاء قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذبجا على السور ثم يقال يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت"
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وأصله في الصحيحين لكن هذا السياق أجمع وأخصر وفي لفظ الترمذي فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار
وفي مسند الحارث بن أبي أسامة من حديث قرة عن مالك عن زياد بن سعد حدثنا أبو الزبير قال سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول سمت رسول الله ﷺ يقول "إذا كان يوم القيامة جمعت الأمم ودعي كل أناس بإمامهم فجئنا آخر الناس فيقول قائل من الناس من هذه الأمة قال فيشرف إلينا الناس فيقال هذه الأمة الأمينة هذه أمة محمد وهذا محمد في أمته فينادي مناد إنكم الآخرون الأولون قال فنأتي فنتخطى رقاب الناس حتى نكون أقرب الناس إلى الله تعالى منزلة ثم يدعى الناس كل أناس بإمامهم فيدعى اليهود فيقال من أنتم فيقولون نحن اليهود فيقول من نبيكم فيقولون نبينا موسى فيقول ما كتابكم فيقولون كتابنا التوراة فيقول ما تعبدون؟ فيقولون نعبد عزيرا ونعبد الله فيقول للملإ حوله اسلكوا بهم في جهنم ثم يدعى النصارى فيقول من أنتم فيقولون نحن النصارى فيقول من نبيكم فيقولون نبينا عيسى فيقول ما كتابكم فيقولون كتبنا الإنجيل فيقول ما تعبدون فيقولون نعبد عيسى وأمه والله فيقول للملإ حوله اسلكوا بهؤلاء في جهنم فيدعى عيسى فيقول لعيسى يا عيسى أأنت قلت للناس أتخذوني وأمي إلهين من دون الله فيقول سبحانك ما يكون لي أن أقول مال ليس لي بحق إلى قوله ﴿العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾
ثم يدعى كل أناس بإمامهم وما كانوا يعبدون ثم يصرخ الصارخ أيها الناس من كان يعبد إلها فليتبعه تقدمهم آلهتهم منها الخشب والحجارة ومنها الشمس والقمر ومنها الدجال حتى تبقى المسلمون فيقف عليهم فيقول من أنتم فيقولون نحن المسلمون قال قال خير اسم وخير داعية فيقول من نبيكم فيقولون محمد فيقول ما كتابكم فيقولون القرآن فيقول ما تعبدون! فيقولون نعبد الله وحده لا شريك له قال سينفعكم ذلك إن صدقتم قالوا هذا يومنا الذي وعدنا فيقول أتعرفون الله إذا رأيتموه فيقولون نعم فيقول وكيف تعرفونه ولم تروه فيقولون نعلم أنه لا عدل له قال فيتجلى لهم تبارك وتعالى فيقولون أنت ربنا تباركت اسماؤك ويخرون له سجدا ثم يمضى النور بأهله "
وفي مسند الإمام أحمد رضي الله عنه من حديث أبي الزبير قال سألت جابرا عن الورود فأخبرني أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "نجيء يوم القيامة على كوم فوق الناس فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد ألأول فالأول ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول ما تنتظرون فيقولون ننتظر ربنا فيقول أنا ربكم فيقولون حتى ننظر إليك فيتجلى لهم يضحك فيتبعونه وذكر عثمان بن سعيد الدارمي أن أبا بردة بن أبي موسى الأشعري أتى عمر بن عبد العزيز فقال حدثنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: "يجمع الله الأمم يوم القيامة في صعيد واحد فإذا بدا له أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونهم حتى يقحموهم النار ثم يأتينا ربنا ونحن في مكان فيقول من أنتم فبقول نحن المؤمنون فيقول ما تنتظرون فنقول ننتظر ربنا فيقول من أين تعلمون أنه ربكم؟
فنقول حدثتنا الرسل أو جاءتنا الكتب فيقول هل تعرفونه؟ فيقولون نعلم أنه لا عدل فيتجلى لنا ضاحكا ثم يقول أبشروا معشر المسلمين فإنه ليس منكم أحد إلا وقد جعلت مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا"
فقال عمر لأبي بردة آلله لقد سمعت أبا موسى يحدث بهذا الحديث عن رسول الله ﷺ؟
قال إي والله الذي لا إله إلا هو لقد سمعت أبي يذكره عن رسول الله ﷺ غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثا فقال عمر بن عبد العزيز ما سمعت في الإسلام حديثا هو أحب إلي منه
وفي الترمذي من حديث الأوزاعي حدثني حسان بن عطية عن سعيد ابن المسيب أنه لقي أبا هريرة رضي الله عنه فقال أبو هريرة أسأل الله تعالى أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة فقال سعيد أو فيها سوق قال نعم أخبرني رسول الله ﷺ أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيزورون الله تبارك وتعالى فيبرز لهم عرشه ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة فتوضع لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من ياقوت ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ويجلس أدناهم وما فيهم دنيءعلى كثبان المسك والكافور ما يرون أن أهل الكراسي أفضل منهم مجلسا
قال أبو هريرة قلت يا رسول الله ﷺ وهل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال: "نعم هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا لا قال كذلك لا تمارون في رؤية ربكم ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله تعالى محاضرة حتى يقول للرجل منهم يا فلان بن فلان أتذكر يوم كذا عملت كذا وكذا فيذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول يا رب ألم تغفر لي فيقول بلى فبسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه فبيناهم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيبا لم يجدوا مثل ريحه شيئا قط ثم يقول قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما اشتهيتم فنأتي سوقا قد حفت به الملائكة فيه ما لم تنظرالعيون إلى مثله ولم تسمع الآذان ولم يخطر على القلوب فيحمل إلينا ما اشتهينا ليس يباع فيه شيء ولا يشترى وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضا فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس فما ينقضي آخر حديثه حتى يتمثل عليه أحسن منه وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها ثم ننصرف إلى منازلنا فتتلقانا أزواجنا فيقلن مرحبا وأهلا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أكثر مما فارقتنا عليه فيقول إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا"
وقال يعقوب بن سفيان في مسنده حدثنا ابن المصفى حدثنا سويد بن عبد العزيز حدثنا عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ:
"يزور أهل الجنة الرب تبارك وتعالى في كل يوم جمعة وذكر ما يعطون قال ثم يقول الله تعالى اكشفوا الحجب فيكشفوا حجابا ثم حجابا حتى يتجلى لهم عن وجهه تبارك وتعالى وكأنهم لم يرو نعمة قبل ذلك وهو قول الله تعالى: ﴿ولدينا مزيد﴾ "
وذكر عثمان بن سعيد الدارمي من حديث الحسن رضي الله عنه عن النبي ﷺ مرسلا أنه قال: "يأتينا ربنا يوم القيامة ونحن على مكان رفيع فيتجلى لنا ضاحكا" مرسل صحيح
وقال عثمان الدارمي حدثنا أبو موسى حدثنا أبو عوانة حدثنا الأجلح حدثنا الضحاك بن مزاحم قال إن الله يأمر السماء يوم القيامة فتنشق بمن فيها فيحيطون بالأرض ومن فيها ثم يأمر السماء الثانية حتى ذكر سبع سماوات فيكونون سبعة صفوف قد أحاطوا بالناس ثم ينزل الملك الأعلى جل جلاله في بهائه وجماله معه ما شاء من الملائكة
وقال عثمان بن سعيد حدثنا هشام بن خالد الدمشقي وكان ثقة حدثنا محمد بن شعيب بن شاور حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: "جاءني جبريل وفي كفه مرآة فيها نكتة سوداء فقلت ما هذه يا جبريل قال هذه الجمعة أرسل بها إليك ربك فتكون هدى لك ولأمتك من بعدك فقلت ومالنا فيها قال لكم فيها خير كثير أنتم الآخرون السابقون يوم القيامة وفيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله خيرا هو له قسم إلا أتاه ولا خيرا ليس له بقسم إلا دخر له أفضل منه ولا يستعيذ بالله ما هو مكتوب عليه إلا دفع عنه أكثر منه قلت ما هذه النكتة السوداء قال هذه الساعة يوم تقوم القيامة وهو سيد الأيام ونحن نسميه عندنا يوم المزيد قلت ولم تسمونه يوم المزيد يا جبريل قال لأن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الجبار عن عرشه إلى كرسيه إلى ذلك الوادي وقد حف الكرسي بمنابر من نور يجلس عليها الصديقون والشهداء يوم القيامة ثم يجيء أهل الغرف حتى يحفوا بالكثيب ثم يبدو لهم ذو الجلال والإكرام تبارك وتعالى فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وأحللتكم دار كرامتي فسلوني فيقولون بأجمعهم نسألك الرضا عنا فيشهد لهم على الرضا ثم يقول لهم سلوني فيسألونه حتى ينتهي نهمة كل عبد منهم ثم يقول سلوني فيقولون حسبنا ربنا رضينا فيرجع الجبار جل جلاله إلى عرشه فيفتح لهم بقدر إشراقهم من يوم الجمعة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم وهي غرفة من لؤلؤة بيضاء وياقوتة حمراء وزمردة خضراء ليس فيها قصم ولا وصم مطردة أنهارها متدلية فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها ومساكنها فليسوا إلى يوم أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا فضلا من ربهم ورضوانا"
رواه عن أنس جماعة منهم عثمان بن عمير بن اليقظان ومن طريقه رواه الشافعي في مسنده وعبد الله بن الإمام أحمد في السنة ومنهم أبو صالح والزبير بن عدي وعلي بن الحكم البناني وعبد الملك بن عمير ويزيد الرقاشي وعبد الله بن بريدة كلهم عن أنس وصححه جماعة من الحفاظ وزاد الشافعي في مسنده في آخره وهو اليوم الذي استوى فيه ربكم على العرش وساقه عثمان بن أبي شيبة من طرق وقال في بعضها: "ثم يتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي إلى أن قال ثم يرتفع على كرسيه ويرتفع معه النبيون والصديقون والشهداء ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم"
وروى محمد بن الزبرقان عن مقاتل بن حيان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا وذلك أنهم يزورون ربهم في كل جمعة فيقول لهم تمنوا فيقولون وما نتمنى وقد أدخلتنا الجنة وقد أعطيتنا ما أعطيتنا فيقال لهم تمنوا فيلتفتون إلى العلماء وذكر الحديث في قصة الجمعة
وروى ابن منده من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قصة الجمعة بطولها وفيها يقول: "سلوني فيقولون أرنا وجهك رب العالمين ننظر إليك فيكشف الله تبارك وتعالى تلك الحجب ويتجلى لهم فينظرون إليه"
وذكر عثمان الدارمي عن محمد بن كعب القرظي أنه حدث عمر بن عبد العزيز قال إذا فرغ الله من أهل الجنة والنار أقبل في ظلل من الغمام والملائكة فيسلم على أهل الجنة في أول درجة فيردون عليه السلام
قال القرظي وهذا في القرآن ﴿سَلامٌ قَوْلًا مِن رَبٍّ رَحِيمٍ﴾
فيقول سلوني يفعل بهم ذلك في درجهم حتى يستوي على عرشه ثم تأتيهم التحف من الله تحمله الملائكة إليهم
وقال عبد الواحد بن زيد عن الحسن لو علم العابدون أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا
وقال هشام بن حسان عنه أنه تبارك وتعالى يتجلى لأهل الجنة فإذا رأوه نسوا نعيم الجنة.
* (فصل: في رؤيتهم ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم جهرة كما يرى القمر ليلة البدر وتجليه لهم ضاحكا إليهم)
هذا الباب أشرف أبواب الكتاب وأجلها قدرا وأعلاها خطرا وأقرها عينا أهل السنة والجماعة وأشدها على أهل البدعة والضلالة وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون وتنافس فيها المتنافسون وتسابق إليها المتسابقون ولمثلها فليعمل العاملون إذا ناله أهل الجنة نسوا ما هم فيه من النعيم وحرمانه والحجاب عنه لأهل الجحيم اشد عليهم من عذاب الجحيم اتفق عليها الأنبياء والمرسلون وجميع الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام على تتابع القرون وأنكرها أهل البدع المارقون والجهمية المتهوكون والفرعونية المعطلون والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون والرافضة الذين هم بحبائل الشيطان متمسكون ومن حبل الله منقطعون وعلى مسبة أصحاب رسول الله عاكفون وللسنة وأهلها محاربون ولكل عدو لله ورسوله ودينه مسالمون وكل هؤلاء عن ربهم محجوبون وعن بابه مطرودون أولئك أحزاب الضلال وشيعة اللعين وأعداء الرسول وحزبه وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن أعلم الخلق به في زمانه وهو كليمه ونجيه وصفيه من أهل الأرض أنه سأل ربه تعالى النظر إليه فقال له ربه تبارك وتعالى: ﴿لَنْ تَرانِي ولَكِنِ انْظُرْ إلى الجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾
وبيان الدلالة من هذه الآية من وجوه عديدة
أحدها أنه لا يظن بكليم الرحمن ورسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما لا يجوز عليه بل ما هو من أبطل الباطل وأعظم المحال وهو عند فروخ اليونان والصابئة والفرعونية بمنزلة أن يسأله أن يأكل ويشرب وينام ونحو ذلك مما يتعالى الله عنه، فيا لله العجب كيف صار أتباع الصابئة والمجوس والمشركين عباد الأصنام وفروخ الجهمية والفرعونية أعلم بالله تعالى من موسى بن عمران، وبما يستحيل عليه ويجب له وأشد تنزيها له منه.
الوجه الثاني أن الله سبحانه وتعالى لم ينكر عليه سؤاله ولو كان محالا لأنكره عليه، ولهذا لما سأل إبراهيم الخليل ربه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحيي الموتى لم ينكر عليه، ولما سأل عيسى ابن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر عليه سؤاله، ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله وقال: ﴿إنِّي أعِظُكَ أنْ تَكُونَ مِنَ الجاهِلِينَ قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين﴾.
الوجه الثالث أنه أجابه بقوله ﴿لن تراني﴾ ولم يقل لا تراني ولا إني لست بمرئي ولا تجوز رؤيتي.
والفرق بين الجوابين ظاهر لمن تأمله.
وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يرى ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه
الوجه الرابع وهو قوله ﴿ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني﴾ فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت لتجليه له في هذه الدار فكيف بالبشر الضعيف الذي خلق من ضعف.
الوجه الخامس أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعل الجبل مستقرا مكانه وليس هذا بممتنع في مقدوره بل هو ممكن، وقد علق به الرؤية ولو كانت مجالا في ذاتها لم يعلقها بالممكن في ذاته ولو كانت الرؤيا محالا لكان ذلك نظير أن يقول: إن استقر الجبل فسوف آكل واشرب وأنام، فالأمران عندكم سواء.
الوجه السادس قوله سبحانه وتعالى ﴿فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ وهذا من أبين الأدلة على جواز رؤيته تبارك وتعالى فإنه إذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب عليه فكيف يمتنع أن يتجلى لأنبيائه ورسله وأوليائه في دار كرامتهم ويريهم نفسه؟!
فأعلم سبحانه وتعالى موسى أن الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر أضعف.
الوجه السابع أن ربه سبحانه وتعالى قد كلمه منه إليه وخاطبه وناجاه وناداه، ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبه كلامه معه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز، ولهذا لا يتم إنكار الرؤية إلا بإنكار التكليم، وقد جمعت هذه الطوائف بين إنكار الأمرين فأنكروا أن يكلم أحدا أو يراه أحد، ولهذا سأله موسى عليه السلام النظر إليه وأسمعه كلامه، وعلم نبي الله جواز رؤيته من وقوع خطا به وتكليمه لم يخبره باستحالة ذلك عليه ولكن أراه أن ما سأله لا يقدر على احتماله كما لم يثبت الجبل لتجليه وأما قوله تعالى: ﴿لَنْ تَرانِي﴾ فإنما يدل على النفي في المستقبل ولا يدل على دوام النفي ولو قيدت بالتأبيد فكيف إذا أطلقت قال تعالى: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أبَدًا﴾ مع قوله تعالى: ﴿وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ﴾.
* فصل الدليل الثاني قوله تعالى: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّكم مُلاقُوهُ﴾ وقوله تعالى: ﴿تَحِيَّتُهم يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام﴾ وقوله تعالى: ﴿قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهم مُلاقُو اللَّهِ﴾ وقوله تعالى: ﴿فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ﴾ وأجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع اقتضى المعاينة والرؤية ولا ينتقض هذا بقوله تعالى: ﴿فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه﴾ فقد دلت الأحاديث الصحيحة الصريحة على أن المنافقين يرونه تعالى في عرصات القيامة بل والكفار أيضا كما في الصحيحين من حديث التجلي يوم القيامة وسيمر بك عن قريب إن شاء الله تعالى وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال لأهل السنة أحدها أن لا يراه إلا المؤمنون والثاني يراه جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ثم يحتجب عن الكفار فلا يرونه بعد ذلك والثالث يراه المنافقون دون الكفار والأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وهي لأصحابه وكذلك الأقوال الثلاثة بعينها لهم في تكليمه لهم وشيخنا في ذلك منصف مفرد وحكى فيه أقوال الثلاثة وحجج أصحابها وكذا قوله سبحانه وتعالى: ﴿يا أيُّها الإنْسانُ إنَّكَ كادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾
إن عاد الضمير على العمل فهو رؤيته في الكتاب مسطورا مثبتا وإن عاد على الرب سبحانه وتعالى فهو لقاؤه الذي وعد به الدليل الثالث قوله تعالى: ﴿واللَّهُ يَدْعُو إلى دارِ السَّلامِ ويَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ ولا يَرْهَقُ وُجُوهَهم قَتَرٌ ولا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أصْحابُ الجَنَّةِ هم فِيها خالِدُونَ﴾
فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجهه الكريم كذلك فسرها رسول الله الذي أنزل عليه القرآن فالصحابة من بعده كما روى مسلم في صحيحيه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قرأ رسول الله ﷺ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾
قال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا ويريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار فيكشف الحجاب فينظرون الله فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وهي الزيادة وقال الحسن بن عرفة حدثنا مسلم بن سالم البلخي عن نوح بن أبي مريم عن ثابت عن أنس قال سئل رسول الله عن هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال للذين أحسنوا العمل في الدنيا الحسنى وهي الجنة والزيادة وهي النظر إلى وجه الله تعالى.
وقال محمد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن كعب بن عجزة عن النبي ﷺ في قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾
قال الزيادة النظر إلى وجه الرحمن جل جلاله قلت لعطاء هذا هو الخراساني وليس عطاء بن أبي رباح قال ابن جرير وحدثنا ابن عبد الرحيم حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت زهيرا بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدثوا قال يعقوب ابن سفيان حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد قال حدثني من سمع أبا العالية الرياحي يحدث عن أبي كعب قال سألت رسول الله عن الزيادة في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ قال الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل وقال أسد السنة حدثنا قيس بن الربيع عن أبان عن أبي تميمة الهيجمي أنه سمع أبا موسى يحدث أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: "يبعث الله عز وجل يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم وآخرهم أن الله وعدكم الحسنى والحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل" وقال ابن وهب أخبرني شبيب عن إبان عن ابن تيمية الهجيمي أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله أن الله عز وجل يأمر يوم القيامة مناديا ينادي يا أهل الجنة بصوت يسمع أولهم وأخرهم أن الله وعدكم الحسنى وزيادة الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الرحمن وأما الصحابة فقال ابن جرير حدثنا ابن يسار حدثنا عبد الرحمن هو ابن مهدي حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال النظر إلى وجه الله الكريم وبهذا الإسناد عن أبي إسحاق عن مسلم بن يزيد عن حذيفة للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال النظر إلى وجه ربهم تعالى وحدثنا على بن عيسى حدثنا شبابة حدثنا أبو بكر الهذلي قال سمعت أبا تميمة الهجيمي يحدث عن أبي موسى الأشعري قال إذا كان يوم القيامة يبعث الله تعالى إلى أهل الجنة مناديا ينادي هل أنجزكم الله ما وعدكم فينظرون إلى ما اعد الله لهم من الكرامة فيقولون نعم فيقول للذين أحسنوا الحسنى وزيادة النظر إلى وجه الرحمن عز وجل" وقال عبد الله بن المبارك عن أبي بكر الهذلي أنبأنا أبو تميمة قال سمعت أبا موسى الأشعري يخطب الناس في جامع البصرة ويقول أن الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة فيقول يا أهل الجنة هل أنجزكم الله ما وعدكم فينظرون فيرون الحلي والحلل والأنهار والأزواج المطهرة فيقولون نعم قد أنجزنا الله ما وعدنا ثم يقول الملك هل أنجزكم الله ما وعدكم ثلاث مرات فلا ينقدون شيئا مما وعدوا فيقولون نعم فيقول قد بقي لكم شيء إن الله عز وجل يقول للذين أحسنوا الحسنى وزيادة إلا أن الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى وفي تفسير أسباط بن نصر عن إسماعيل السدي عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة قال أما الحسنى فالجنة وأما الزيادة فالنظر إلى وجه الله تعالى وأما القتر فالسواد وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى وعامر بن سعد وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي والضحاك بن مزاحم وعبد الرحمن بن سابط وأبو إسحاق السبيعي وقتادة وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعكرمة مولى ابن عباس ومجاهد بن جبر الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى وقال غير واحد من السلف في الآية ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد النظر إليه والأحاديث عنهم بذلك صحيحة ولما عطف سبحانه الزيادة على الحسنى التي هي الجنة دل على إنها أمر آخر من وراء الجنة وقدر زائد عليها ومن فسر الزيادة بالمغفرة والرضوان فهو من لوازم رؤية الرب تبارك وتعالى
* (فصل)
الدليل الرابع قوله تعالى: ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾
ووجه الاستدلال بها أنه سبحانه وتعالى جعل من أعظم عقوبة الكفار كونهم محجوبين عن رؤيته واستماع كلامه فلو لم يره المؤمنون ولم يسمعوا كلامه كانوا أيضا محجوبين عنه وقد احتج بهذه الحجة الشافعي نفسه وغيره من الأئمة فذكر الطبراني وغيره من المزي قال سمعت الشافعي يقول في قوله عز وجل: ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ فيها دليل على أن أولياء الله يرون ربهم يوم القيامة وقال الحاكم حدثنا الأصم أنبأنا الربيع بن سليمان قال حضرت محمد بن إدريس الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها ما تقول في قول الله عز وجل: ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾؟
فقال الشافعي لما أن حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا.
قال الربيع فقلت يا أبا عبد الله وبه تقول؟
قال نعم وبه أدين الله ولو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى الله لما عبد الله عز وجل.
ورواه الطبراني في شرح السنة من طريق الأصم أيضا وقال أبو زرعة الرازي سمعت أحمد بن محمد بن الحسين يقول سئل محمد بن عبد الله ابن الحكم هل يرى الخلق كلهم ربهم يوم القيامة المؤمنون والكفار فقال محمد ابن عبد الله ليس يراه إلا المؤمنون قال ممد وسئل الشافعي عن الرؤية فقال يقول الله تعالى: ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ ففي هذا دليل على أن المؤمنين لا يحجبون عن الله عز وجل
* فصل الدليل الخامس قوله عز وجل
﴿لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد﴾
قال الطبراني قال علي بن أبي طالب وانس بن مالك هو النظر إلى وجه الله عز وجل وقاله من التابعين زيد بن وهب وغيره فصل الدليل السادس قوله عز وجل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار والاستدلال بهذا أعجب فإنه من أدلة النفاة وقد قرر شيخنا وجه الاستدلال به أحسن تقرير وألطفه وقال لي أنا ألتزم أنه لا يحتج مبطل بآية أو حديث صحيح على باطله إلا وفي ذلك الدليل ما يدل على نقيض قوله فمنها هذه الآية وهي على جواز الرؤية أدل منها على امتناعها فإن الله سبحانه إنما ذكرها في سياق التمدح ومعلوم أن المدح إنما يكون بالأوصاف الثبوتية وأما العدم المحض فليس بكمال ولا يمدح به وإنما يمدح الرب تبارك وتعالى بالعدم إذا تضمن أمرا وجوديا كتمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية ونفي الموت المتضمن كمال الحياة ونفي اللغوب والإعياء المتضمن كمال القدرة ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال ربوبيته والهيئة وقهره ونفي الأكل والشرب المتضمن كمال الصمدية وغناه ونفي الشفاعة عنده بدون إذنه المتضمن كمال توحيده وغناه عن خلقه ونفي الظلم المتظمن كمال عدله وعلمه وغناه ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه وإحاطته ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته ولهذا لم يتمدح بعدم محض لا يتضمن أمرا ثبوتيا فإن المعدوم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه فلو كان المراد بقوله لا تدركه الأبصار أنه لا يرى بحال لم يكن في ذلك مدح ولا كمال لمشاركة المعدوم له في ذلك فإن العدم الصرف لا يرى ولا تدركه الأبصار والرب جل جلاله يتعالى إن يمدح بما يشاركه فيه العدم المحض فإذا المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به كما كان المعنى في قوله وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة أنه يعلم كل شيء وفي قوله وما مسنا من لغوب أنه كامل القدرة وفي قوله ولا يظلم ربك أحدا أنه كامل العدل وفي قوله لا تأخذه سنة ولا نوم أنه كامل القيومية فقوله لا تدركه الأبصار يدل على غاية عظمته وأنه اكبر من كل شيء وأنه لعظمته لا يدرك بحيث يحاط به فإن الإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى: ﴿فَلَمّا تَراءى الجَمْعانِ قالَ أصْحابُ مُوسى إنّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلاّ﴾
فلم ينف عن موسى الرؤية ولم يريدوا بقولهم إنا لمدركون إنا لمرئيون فإن موسى صلوات الله وسلامه عليه نفى إدراكهم إياهم بقوله كلا وأخبر الله سبحانه وتعالى أنه لا يخاف دركهم بقوله: ﴿وَلَقَدْ أوْحَيْنا إلى مُوسى أنْ أسْرِ بِعِبادِي فاضْرِبْ لَهم طَرِيقًا في البَحْرِ يَبَسًا لا تَخافُ دَرَكًا ولا تَخْشى﴾ فالرؤية والإدراك كل منهما يوجد مع الآخر وبدونه فالرب تعالى يرى ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من الآية قال بن عباس لا تدركه الأبصار لا تحيط به الأبصار قال قتادة هو أعظم من أن تدركه الأبصار وقال عطية ينظرون إلى الله ولا تحيط أبصارهم به من عظمته وبصره يحيط بهم فذلك قوله تعالى: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ وهو يُدْرِكُ الأبْصارَ﴾ فالمؤمنون يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم عيانا ولا تدركه أبصارهم بمعنى أنها لا تحيط به إذ كان غير جائز أن يوصف الله عز وجل بأن شيئا يحيط به وهو بكل شيئا محيط وهكذا يسمع كلام من يشاء من خلقه ولا يحيطون بكلامه وهكذا يعلم الخلق ما علمهم ولا يحيطون بعلمه ونظير هذا استدلالهم على نفى الصفات بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ وهذا من أعظم الأدلة على كثرة صفات كماله ونعوت جلاله وإنها لكثرتها وعظمتها وسعتها لم يكن له مثل فيها وإلا فلو أريد بها نفي الصفات لكان العدم المحض أولى بهذا المدح منه مع أن جميع العقلاء إنما يفهمون من قول القائل فلان لا مثل له وليس له نظير ولا شبيه ولا مثل أنه قد تميز عن الناس بأوصاف ونعوت لا يشاركونه فيها وكلما كثرت أوصافه ونعوته فات أمثاله وبعد عن مشابهة أضرابه فقوله: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ من أدل شيء على كثرة نعوته وصفاته وقوله ﴿لا تدركه الأبصار﴾ من أدل شيء على أنه يرى ولا يدرك وقوله هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير من أدل شيء على مباينة الرب لخلقه فإنه لم يخلقهم في ذاته بل خلقهم خارج عن ذاته ثم بأن عنهم باستوائه على عرشه وهو يعلم ما هم عليه فيراهم وينفذهم بصره ويحيط بهم علما وقدرة وإرادة وسمعا وبصرا فهذا معنى كونه سبحانه معهم أينما كانوا وتأمل حسن هذه المقابلة لفظا ومعنى وبين قوله ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصارُ وهو يُدْرِكُ الأبْصار﴾
فإنه سبحانه لعظمته يتعالى أن تدركه الأبصار وتحيط به وللطفه وخبرته يدرك الأبصار فلا تخفي عليه فهو العظيم في لطفه اللطيف في عظمته العالي في قربه القريب في علوه الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير فصل الدليل السابع قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾
وأنت إذا أجرت هذه الآية من تحريفها عن مواضعها والكذب على المتكلم بها سبحانه فيما أراده منها وجدتها منادية نداء صريحا إن الله سبحانه يرى عيانا بالأبصار يوم القيامة وإن أبيت إلا تحريفها الذي يسميه المحرفون تأويلا فتأويل نصوص المعاد والجنة والنار والميزان والحساب أسهل على أربابه من تأويلها وتأويل كل نص تضمنه القرآن والسنة كذلك ولا يشاء مبطل على وجه الأرض أن يتأول النصوص ويحرفها عن مواضعها إلا وجد إلى ذلك من السبيل ما وجده متأول مثل هذه النصوص وهذا الذي افسد الدين والدنيا وإضافة النظر إلى الوجه الذي هو محله في هذه الآية وتعديته بأداة إلى الصريحة في نظر العين وإخلاء الكلام من قرينة تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بإلى خلاف حقيقته وموضوعه صريح في أن الله سبحانه وتعالى أراد بذلك نظر العين وإخلاء الكلام من قرينه تدل على أن المراد بالنظر المضاف إلى الوجه المعدي بالي خلاف حقيقة وموضوعه صريح في أن الله سبحانه وتعالى أراد بذلك نظر العين التي في الوجه إلى نفس الرب جل جلاله فإن النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه فإن عدى بنفسه فمعناه التوقف والانتظار كقوله ﴿انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ﴾
وإن عدى بـ:"في" فمعناه التفكر والاعتبار كقوله أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وأن عدى بـ: "إلى" فمعناه المعاينة بالأبصار كقوله ﴿انْظُرُوا إلى ثَمَرِهِ إذا أثْمَرَ﴾ فكيف إذا أضيف إلى الوجه الذي هو محل البصر قال يزيد بن هارون أنبأنا مبارك عن الحسن قال نظرت إلى ربها تبارك وتعالى فنظرت بنوره فاسمع الآن أيها السني تفسير النبي ﷺ وأصحابه والتابعين وأئمة الإسلام لهذه الآية قال ابن مردويه في تفسيره حدثنا إبراهيم عن محمد حدثنا صالح بن أحمد حدثنا يزيد بن الهيثم حدثنا محمد ابن الصباح حدثنا المصعب بن المقدام حدثنا سفيان عن ثوير بن أبي ناجية عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله في قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ﴾ قال من البهاء والحسن إلى ربها ناظرة قال في وجه الله عز وجل وقال أبو صالح عن ابن العباس إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى وجه ربها عز وجل وقال عكرمة وجوه يومئذ ناضرة قال من النعيم إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى ربها نظرا ثم حكى عن ابن عباس مثله وهذا قول كل مفسر من أهل السنة والحديث.
* فصل
وأما الأحاديث عن النبي ﷺ وأصحابه الدالة على الرؤية فمتواترة رواها عنه أبو بكر الصديق وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وجرير ابن عبد الله البجلي وصهيب بن سنان الرومي وعبد الله بن مسعود الهذلي وعلي ابن أبي طالب وأبو موسى الأشعري وعدي بن حاتم الطائي وانس بن مالك الأنصاري وبريدة بن الحصيب الأسلمي وأبو رزين العقيلي وجابر بن عبد الله الأنصاري وأبو أمامة الباهلي وزيد بن ثابت وعمار بن ياسر وعائشة أم المؤمنين وعبد الله بن عمر وعمارة بن رويبة وسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان وعبد الله ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وحديثه موقوف وأبي بن كعب وكعب بن عجرة وفضالة بن عبيد وحديثه موقوف ورجل من أصحاب النبي ﷺ غير مسمى فهاك سياق أحاديثهم من الصحاح والمسانيد والسنن وتلقاها بالقبول والتسليم وانشراح الصدر لا بالتحريف والتبديل وضيق العطن ولا تكذب بها فمن كذب بها لم يكن إلى وجه ربه من الناظرين وكان عنه يوم القيامة من المحجوبين فصل فأما حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال الإمام أحمد حدثنا إبراهيم ابن إسحاق الطالقاني قال حدثني النضر بن شميل المازني قال حدثني أبو نعامة قال حدثني أبو عنيدة البراء بن نوفل عن دالان العدوي عن حذيفة عن أبي بكر الصديق قال أصبح رسول الله ﷺ ذات يوم فصلى الغداة فجلس حتى إذا كان من الضحى ضحك الرسول ثم جلس مكانه حتى صلى الأولى والعصر والمغرب كل ذلك لا يتكلم حتى صلى العشاء الأخيرة ثم قام إلى أهله فقال الناس لأبي بكر: ألا تسأل رسول الله ما شانه صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط قال فسأله فقال نعم عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة فجمع الأولون والآخرون في صعيد واحد فقطع الناس بذلك حتى انطلقوا إلى آدم والعرق ويكتد يلجمهم فقالوا يا آدم أنت أبو البشر وأنت اصطفاك الله عز وجل اشفع لنا إلى ربك قال قد لقيت مثل الذي لقيتم انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم إلى نوح: {إنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحًا وآلَ إبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلى العالَمِينَ}
قال فينطلقون إلى نوح عليه الصلاة والسلام فيقولون اشفع لنا إلى ربك فأنت اصطفاك الله واستجاب لك في دعاءك ولم يدع على الأرض من الكافرين ديارا فيقول ليس ذلكم عندي انطلقوا إلى إبراهيم فإن الله اتخذه خليلا فينطلقون إلى إبراهيم فيقول ليس ذلكم عندي انطلقوا موسى فإن الله عز وجل كلمه تكليما فيقول موسى ليس ذلك عندي انطلقوا إلى عيسى ابن مريم فإنه كان يبرأ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى فيقول عيسى ليس ذلكم عندي انطلقوا إلى سيد ولد آدم انطلقوا إلى محمد فليشفع لكم إلى ربكم قال فينطلق فيأتي جبريل ربه تبارك وتعالى فيقول له الله عز وجل ائذن له وبشره بالجنة فينطلق به جبريل ﷺ فيخر ساجدا قدر جمعة ويقول الله عز وجل ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع قال فيرفع رأسه فإذا نظر إلى وجه ربه خر ساجدا قدر جمعة أخرى فيقول الله عز وجل ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع قال فيذهب ليقع ساجدا فيأخذ جبريل بضبعيه فيفتح الله عليه من الدعاء شيئا لم يفتحه على بشر قط فيقول أي رب خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر وأول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة ولا فخر حتى أنه ليرد على الحوض أكثر مما بين صنعاء وأيلة ثم يقال ادعوا الصديقين فيشفعون ثم يقال ادعوا الأنبياء قال فيجيء النبي ومعه العصابة والنبي ﷺ معه الخمسة والستة والنبي ليس معه أحد ثم يقال ادعوا الشهداء فيشفعون لمن أرادوا قال فإذا فعلت الشهداء ذلك قال فيقول الله عز وجل أنا ارحم الراحمين ادخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا قال فيدخلون الجنة قال ثم يقول الله عز وجل انظروا في أهل النار هل تلقون من أحد عمل خيرا قط قال فيجدون في النار رجلا فيقولون له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير إني كنت أسامح الناس في البيع فيقول الله عز وجل اسمحوا لعبدي بسماحته إلى عبيدي ثم يخرجون من النار رجلا يقول له هل عملت خيرا قط فيقول لا غير إني أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني في النار ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في الريح فو الله لا يقدر على رب العالمين أبدا فقال الله عز وجل له لم فعلت ذلك قال من مخافتك قال فيقول الله عز وجل انظر إلى ملك أعظم ملك فإن لك مثله وعشرة أمثاله قال فيقول أتسخر بي وأنت الملك قال وذلك الذي ضحكت منه من الضحى فصل وأما حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن ناسا قالوا يا رسول الله ﷺ هل نرى ربنا يوم القيامة فقال رسول الله هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا لا يا رسول الله ﷺ قال هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب قالوا لا قال فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر والقمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى في صورة غير صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله عز وجل في صورته التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهر إني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا: نعم يا رسول الله ﷺ قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز وجل تخطف الناس بأعمالهم فمنهم الموبق بعمله ومنهم المجازى حتى ينجو فإذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول لا اله إلا الله فيعرفونهم بأثر السجود وتأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار وهو آخر أهل الجنة دخولا الجنة فيقول أي رب اصرف وجهي عن النار فإنه قد شبني ريحها واحرقني ذكاؤها فيدعو الله ما شاء الله أن يدعوه ثم يقول الله تبارك وتعالى هل عسيت إن فعلت ذلك أن تسأل غيره فيقول لا أسألك غيره فيعطي ربه من عهود ومواثيق ما شاء الله فيصرف الله عن وجهه عن النار فإذا اقبل على الجنة ورآها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي ربي قدمني إلى باب الجنة فيقول الله أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك لا تسألني غير الذي أعطيتك ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول أي ربي فيدعو الله حتى يقول له فهل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك فيعطي ربه ما شاء من عهود ومواثيق فيقدمه الله تعالى إلى باب الجنة فإذا قام على باب الجنة أنفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الخير والسرور فسكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول أي رب أدخلني الجنة فيقول الله تبارك وتعالى له أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك أن لا تسألني غير ما أعطيت ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فيقول أي رب لا أكون أشقى خلقك فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله منه فإذا ضحك الله منه قال ادخل الجنة فإذا دخلها قال الله له تمن فيسأل ربه ويتمنى حتى إن الله ليذكره فيقول تمن كذا وكذا حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله عز وجل ذلك لك ومثله معه قال أبو سعيد الخدري وعشرة أمثاله معه قال عطاء بن يزيد وأبو سعيد الخدري مع أبي هريرة لا يرد عليه من حديثه شيئا حتى إذا حدث أبو هريرة قال إن الله عز وجل قال لذلك الرجل ومثله معه قال أبو سعيد وعشرة أمثاله معه يا أبا هريرة قال أبو هريرة ما حفظت إلا قوله ذلك لك ومثله معه قال أبو سعيد اشهد إني حفظت من رسول الله قوله ذلك لك وعشرة أمثاله قال أبو هريرة وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة
وفي الصحيحين أيضا عن أبي سعيد الخدري أن ناسا في زمن رسول الله قالوا يا رسول الله ﷺ هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله ﷺ قال ما تضارون في رؤيته تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبقى إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبرات أهل الكتاب فتدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير بن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبه ولا ولد فماذا تبغون قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم إلا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار ثم تدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا قال فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر أتاهم الله رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي راوه فيها قال فماذا تنتظرون لتتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين أو ثلاثا حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا ثم يضرب لهم الجسر على جهنم وتحل الشفاعة قيل يا رسول الله ﷺ وما الجسر قال دحض مزلة في خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة في استيفاء الحق من المؤمنين لله تعالى يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتهم فيحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى أنصاف ساقيه وإلى ركبتيه فيقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم بقى تدر فيها أحد ممن أمرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها خيرا قط وكان أبو سعيد الخدري يقول إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: ﴿إنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وإنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها ويُؤْتِ مِن لَدُنْهُ أجْرًا عَظِيمًا﴾
فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبي ﷺون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوم لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل إلا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون منها إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول الله ﷺ كأنك كنت ترعى بالبادية قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم يعرفهم أهل الجنة فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا وأي شيء أفضل من هذا فيقول تعالى رضائي فلا اسخط عليكم بعده أبدا"
* فصل
وأما حديث جرير بن عبد الله ففي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه قال كنا جلوسا مع النبي ﷺ فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا ثم قرأ قوله فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب رواه عن إسماعيل بن أبي خالد عبد الله بن إدريس الأزدي ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن محمد المحاربي وجرير بن عبد الحميد وعبيد بن حميد وهشيم بن بشير وعلي بن عاصم وسفيان بن عيينة ومروان بن معاوية وأبو أسامة وعبد الله بن نمير ومحمد بن عبيد وأخوه يعلى بن عبيد ووكيع بن الجراح ومحمد بن الفضيل والطفاوي ويزيد بن هارون وإسماعيل ابن أبي خالد وعنبسة بن سعيد والحسن بن صالح بن حي وورقاء بن عمرو وعمار بن زريق وأبو الأعز سعيد ابن عبد الله ونصر بن طريف وعمار بن محمد والحسن بن عياش أخو أبو بكر ويزيد بن عطاء وعيسى بن يونس وشعبة بن الحجاج وعبد الله بن المبارك وأبو حمزة السكري وحسين بن واقد ومعمر بن سليمان وجعفر بن زياد وخداش بن المهاجر وهريم ابن سفيان ومندل بن علي وأخوه سنان بن علي وعمر بن يزيد وعبد الغفار بن القاسم ومحمد بن بشير الحريري ومالك بن مغول وعصام بن النعمان وعلي بن القاسم الكندي وعبيد بن الأسود الهمدإني وعبد الجبار ابن العباس والمعلى بن هلال ويحيى بن زكريا ابن أبي زائدة والصباح بن محارب ومحمد بن عيسى وسعيد بن حازم وأبان بن أرقم وعمرو بن النعمان ومسعود بن سعد الجعفي وعثمان بن علي وحسن بن حبيب وسنان بن هارون البرجمي ومحمد بن يزيد الواسطي وعمرو بن هشام ومحمد بن مروان ويعلى بن الحارث المحاربي وشعيب بن راشد والحسن بن دينار وسلام ابن أبي مطيع وداود بن الزبرقان وحماد بن أبي حنيفة ويعقوب بن حبيب وحكام ابن سلم وأبو مقاتل بن حفص ومسيب بن شريك وأبو حنيفة النعمان بن ثابت وعمرو بن سمر الجعفي وعمرو بن عبد الغفار التيمي وسيف بن هارون البرجمي أخو سنان وعابد بن حبيب ومالك بن سعير بن الخمس ويزيد بن عطاء مولى أبي عوانة وخالد بن يزيد العصري وعبد الله بن موسى وخالد بن عبد الله الطحان وأبو كدينة يحيى بن المهلب ورقبة بن مصقلة ومعمر بن سليمان الرقي ومرحى ابن رجاء وعمرو بن جرير ويحيى بن هاشم السمسار وإبراهيم ابن طهمان وخارجة ابن مصعب وعبد الله بن عثمان شريك شعبة وعبد الله بن فروح وزيد ابن أبي أنيسة وجوده فقال فستعاينون ربكم عز وجل كما تعاينون هذا القمر وأبو شهاب الخياط وقال سترون ربكم عيانا وحارثة بن هرم وعاصم بن حكيم ومقاتل بن سليمان وأبو جعفر الرازي والحسن بن أبي جعفر والوليد بن عمرو وأخوه عثمان بن عمرو وعبد السلام بن عبد الله بن قرة العنبري ويزيد بن عبد العزيز وعلي بن صالح بن حي وزفر بن الهذيل والقاسم بن معن تابع إسماعيل بن أبي خالد عن قيس جماعة منهم بيان بن بشر ومجالد بن سعيد وطارق بن عبد الرحمن وجرير بن يزيد بن جرير البجلي وعيسى بن المسيب كلهم عن قيس ابن أبي حازم عن جرير وكل هؤلاء شهدوا على إسماعيل بن أبي خالد وشهد إسماعيل بن أبي خالد على قيس ابن أبي حازم وشهد قيس بن أبي حازم على جرير بن عبد الله وشهد جرير بن عبد الله على رسول الله فكأنك تسمع رسول الله وهو يقول ويبلغه لامته ولا شيء اقر لأعينهم منه وشهدت الجهمية والفرعونية والرافضة والقرامطة والباطنية وفروخ الصابئة والمجوس واليونان بكفر من اعتقد ذلك وأنه من أهل التشبيه والتجسيم وتابعهم على ذلك كل عدو للسنة وأهلها والله تعالى ناصر كتابه وسنة رسوله ولو كره الكافرون.
* فصل وأما حديث صهيب فرواه مسلم في صحيحه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال قال رسول الله إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله عز وجل تريدون شيئا أزيدكم يقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم ثم تلا هذه الآية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وهذا حديث رواه الأئمة عن حماد وتلقوه عن نبيهم بالقبول والتصديق فصل وأما حديث عبد الله بن مسعود فقال الطبرإني حدثنا محمد بن نصر الأزدي وعبد الله بن أحمد بن حنبل والحضرمي قالوا حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحراني حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبد الله عن مسروق بن الأجدع حدثنا عبد الله بن مسعود عن رسول الله قال يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما أربعين سنة شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء قال وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا أن يولى كل ناس منكم ما كانوا يتولون ويعبدون في الدنيا أليس ذلك عدلا من ربكم قالوا بلى قال فينطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويتولون في الدنيا قال فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلى الشمس ومنهم من ينطلق إلى القمر وإلى الأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون قال ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير ويبقى محمد وأمته فيأتيهم الرب عز وجل فيقول ما بالكم لا تنطلقون كما انطلق الناس قال فيقولون إن لنا إلها ما رأيناه بعد فيقول هل تعرفونه إن رأيتموه فيقولون أن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناه قال فيقول ما هي فيقولون يكشف عن ساقه فعند ذلك يكشف عن ساق فيخرون له سجدا ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ثم يقول ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يعطى نوره على قدر الجبل العظيم يسعى بين أيديهم ومنهم من يعطى نورا اصغر من ذلك ومنهم من يعطى نورا مثل النخلة بيمينه ومنهم من يعطى نورا اصغر من ذلك حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة فإذا أضاء قدم قدمه ومشى وإذا أطفئ قام والرب تبارك وتعالى أمامهم حتى يمر في النار فيبقى أثره كحد السيف قال ويقول مروا فيمرون على قدر نورهم منهم من يمر كطرف العين ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالسحاب ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب ومنهم من يمر كالريح ومنهم من يمر كشد الفرس ومنهم كشد الرحل حتى يمر الذي أعطى نوره على قدر إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه تجر يد وتعلق يد وتجر رجل وتعلق رجل وتصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها ثم قال الحمد لله لقد أعطاني الله ما لم يعط أحدا إذ نجاني منها بعد أن رأيتها قال فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم فيرى ما في الجنة من خلال الباب فيقول رب أدخلني الجنة فيقول الله تبارك وتعالى له أتسال الجنة وقد نجيتك من النار فيقول يا رب اجعل بيني وبينها حجابا لا اسمع حسيسها قال فيدخل الجنة قال ويرى أو يرفع له منزل أمام ذلك كأنما الذي هو فيه حلم ليدخله فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسأل غيره وأي منزل يكون أحسن منه قال فيعطاه فينزله قال ويرى أو يرفع له إمام ذلك منزل آخر ليدخله فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول الله عز وجل فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره وأي منزل يكون أحسن منه قال فيعطاه فينزله قال ويرى أو يرفع له أمام ذلك منزل آخر كأنما الذي هو فيه إليه حلم فيقول رب اعطني ذلك المنزل فيقول الله جل جلاله فلعلك إن أعطيتكه تسال غيره قال لا وعزتك لا أسال غيره وأي منزل يكون أحسن منه قال فيعطاه فينزله ثم يسكت فيقول الله عز وجل مالك لا تسأل فيقول رب لقد سألتك حتى استحييتك وأقسمت لك حتى استحييتك فيقول الله عز وجل ألا ترضى أن أعطيك مثل الدنيا منذ يوم خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه فيقول أتستهزئ بي وأنت رب العزة فيضحك الرب عز وجل من قوله قال فرأيت عبد الله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن قد سمعتك تحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغت هذا المكان ضحكت فقال إني سمعت رسول الله يحدث بهذا الحديث مرارا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى تبدو أضراسه قال فيقول رب العزة عز وجل لا ولكني على ذلك قادر سل فيقول ألحقني بالناس فيقول الحق ألحق بالناس قال فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدا فيقال له ارفع رأسك مالك فيقول رأيت ربي أو تراءى لي ربي فيقال له إنما هو منزل من منازلك قال ثم يلقى فيها رجلا فيهيأ للسجود فيقال له مه مالك فيقول رأيت إنك ملك من الملائكة فيقول له إنما أنا خازن من خزانك عبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه قال فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر قال وهو في درة مجوفة سقائفها وأبوابها وإغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى في كل جوهرة سرور وأزواج ووصائف أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها كبدها مرآته وكبده مرآتها إذا اعرض عنها أعرضت ازدادت في عينه سبعين ضعفا عما كانت قبل ذلك فيقول لها والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فتقول له والله والله وأنت لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا فيقال له أشرف قال فيشرف فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصره قال فقال عمر إلا تسمع إلى ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلا فكيف أعلاهم قال كعب يا أمير المؤمنين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت أن الله عز وجل جعل دارا فيها ما شاء من الأزواج والثمرات والأشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة ثم قرأ كعب ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾
قال وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه ثم قال من كان كتابه في عليين نزل تلك الدار التي لم يرها أحد حتى أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجه فيستبشرون بريحه فيقولون واها لهذا الريح هذا الرجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه فقال ويحك يا كعب هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها فقال كعب والذي نفسي بيده إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما يبقى من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا يخر تربيته حتى أن إبراهيم خليل الله يقول رب نفسي نفسي حتى لو كان لك عمل سبعين نبيا إلى عملك لظننت انك لا تنجو هذا حديث كبير حسن رواه المصنفون في السنة كعبد الله بن أحمد والطبراني والدارقطني في كتاب الرؤية رواه عن ابن صاعد حدثنا محمد بن أبي عبد الرحمن المقري قال حدثنا أبي حدثنا ورقاء بن عمر حدثنا أبو طيبة عن كرز بن وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة عن عبد الله ورواه من طريق عبد السلام ابن حرب حدثنا الدالاني حدثنا المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به ورواه من طريق زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به ورواه من طريق أحمد بن أبي طيبة عن كرز بن وبرة عن نعيم بن أبي هند عن أبي عبيدة
* فصل
وأما التابعون ونزل الإسلام وعصابة الإيمان من أئمة الحديث والفقه والتفسير وأئمة التصوف فأقوالهم أكثر من أن يحيط بها إلا الله عز وجل قال سعيد بن المسيب الزيادة النظر إلى وجه الله رواه مالك عن يحيى عنه وقال الحسن الزيادة النظر إلى وجه الله رواه ابن أبي حاتم عنه وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى الزيادة النظر إلى وجه الله تعالى رواه حماد بن زيد عن ثابت عنه وقاله عامر بن سعد البجلي ذكره سفيان عن أبي إسحاق عنه وقاله عبد الرحمن ابن سابط رواه جرير بن ليث عنه وقاله عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك وكعب وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله أما بعد فاني أوصيك بتقوى الله ولزوم طاعته والتمسك بأمره والمعاهدة على ما حملك الله من دينه واستحفظك من كتابه فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه وبها رافقوا أنبياءه وبها نضرت وجوههم ونظروا إلى خالقهم وهي عصمة في الدنيا ومن الفتن ومن كرب يوم القيامة وقال الحسن لو علم العابدون في الدنيا أنهم لا يرون ربهم في الآخرة لذابت أنفسهم في الدنيا وقال الأعمش وسعيد بن جبير أن أشرف أهل الجنة لمن ينظر إلى الله تبارك وتعالى غدوة وعشية وقال كعب ما نظر الله سبحانه إلى الجنة قط إلا قال طيبي لأهلك فزادت ضعفا على ما كانت حتى يأتيها أهلها وما من يوم كان لهم عيد في الدنيا إلا ويخرجون في مقداره في رياض الجنة فيبرز لهم الرب تبارك وتعالى فينظرون إليه وتسفى عليهم الريح المسك ولا يسألون الرب تعالى شيئا إلا أعطاهم حتى يرجعوا وقد ازدادوا على ما كانوا عليه من الحسن والجمال سبعين ضعفا ثم يرجعون إلى أزواجهم وقد ازددن مثل ذلك وقال هشام بن حسان إن الله سبحانه وتعالى يتجلى لأهل الجنة فإذا رآه أهل الجنة نسوا نعيم الجنة وقال طاووس أصحاب المرآء والمقاييس لا يزال بهم المرآء والمقاييس حتى يجحدوا الرؤية ويخالفوا أهل السنة وقال شريك عن أبي إسحاق السبيعي الزيادة النظر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى وقال حماد بن زيد عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه تلا هذه الآية: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنى وزِيادَةٌ﴾ قال إذا دخل أهل الجنة الجنة أعطوا فيها ما سألوا وما شاؤا فيقول الله عز وجل لهم أنه قد بقي من حقكم شيء لم تعطوه فتجلى لهم ربهم فلا يكون ما أعطوه عند ذلك بشيء فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه ربهم عز وجل ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة بعد نظرهم إلى ربهم تبارك وتعالى وقال علي بن المديني سألت عبد الله بن المبارك عن قوله تعالى: ﴿فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا﴾ قال عبد الله من أراد النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى خالقه فليعمل عملا صالحا ولا يخبر به أحدا وقال نعيم بن حماد سمعت ابن المبارك يقول ما حجب الله عز وجل أحدا عنه إلا عذبه ثم قرأ ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إنَّهم لَصالُوا الجَحِيمِ ثُمَّ يُقالُ هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ قال بالرؤية ذكره ابن أبي الدنيا عن يعقوب عن إسحاق عن نعيم وقال عباد بن العوام قدم علينا شريك بن عبد الله منذ خمسين سنة فقلت له يا أبا عبد الله أن عندنا قوما من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث أن الله ينزل إلى السماء الدنيا وأن أهل الجنة يرون ربهم فحدثني بنحو عشرة أحاديث في هذا وقال أما نحن قد أخذنا ديننا هذا عن التابعين عن أصحاب رسول الله فهم عمن أخذوا وقال عقبة بن قبيصة أتينا أبا نعيم يوما فنزل إلينا من الدرجة التي في داره فجلس وسطها كأنه مغضب فقال حدثنا سفيان ابن سعيد ومنذر الثوري وزهير بن معاوية وحدثنا حسن بن صالح بن حي وحدثنا شريك بن عبد الله النخعي هؤلاء أبناء المهاجرين يحدثوننا عن رسول الله أن الله تبارك وتعالى يرى في الآخرة حتى جاء ابن يهودي صباغ يزعم أن الله تعالى لا يرى يعني بشر المريسي
* فصل في المنقول عن الأئمة الأربعة ونظائرهم وشيوخهم وأتباعهم على طريقهم ومناهجهم ذكر قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس قال أحمد بن صالح المصري حدثنا عبد الله بن وهب قال قال مالك بن أنس: الناس ينظرون إلى ربهم عز وجل يوم القيامة بأعينهم وقال الحارث بن مسكين حدثنا أشهب قال سئل مالك بن أنس عن قوله عز وجل ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾
أتنظر إلى الله عز و جل؟ قال: نعم.
فقلت: إن أقواما يقولون تنظر ما عنده؟
قال: بل تنظر إليه نظرا وقد قال موسى يا رب ﴿أرني انظر إليك قال لن تراني﴾ وقال الله تعالى: ﴿كَلّا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾.
وذكر الطبري وغيره أنه قيل لمالك بن أنس أنهم يزعمون أن الله لا يرى فقال مالك السيف السيف ذكر قول ابن الماجشون قال أبو حاتم الرازي قال أبو صالح كاتب الليث أملى على ابن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون وسألته عما جحدت الجهمية فقال لم يزل يملي الشيطان حتى جحدوا قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾
فقالوا لا يراه أحد يوم القيامة فجحدوا والله أفضل كرامة الله التي أكرم بها أولياءه يوم القيامة من النظر إلى وجهه ونضرته إياهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر فورب السماء والأرض ليجعلن رؤيته يوم القيامة للمخلصين له ثوابا لينضر بها وجههم دون المجرمين وتفلح بها حجتهم على الجاحدين وهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون لا يرونه كما زعموا أنه لا يرى ولا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب اليم ذكر قول الأوزاعي ذكر ابن أبي حاتم عنه قال إني لأرجو أن يحجب الله عز وجل جهما وأصحابه عن أفضل ثوابه الذي وعده الله عز وجل أولياءه حين يقول: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ فجحد جهم وأصحابه أفضل ثوابه الذي وعده الله أولياءه ذكر قول الليث بن سعد قال ابن أبي حاتم حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث حدثنا الهيثم بن خارجة قال سمعت الوليد بن مسلم يقول سالت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي فيها الرؤية فقالوا تمر بلا كيف قول سفيان بن عيينة ذكر الطبري وغيره عنه أنه قال من لم يقل أن القرآن كلام الله وأن الله يرى في الجنة فهو جهمي وذكر عنه ابن أبي حاتم أنه قال يصلي خلف الجهمي والجهمي الذي يقول لا يرى ربه يوم القيامة قول جرير بن عبد الحميد ذكر ابن أبي حاتم عنه أنه ذكر حديث ابن سابط في الزيادة إنها النظر إلى وجه الله فأنكره رجل فصاح به وأخرجه من مجلسه قول عبد الله بن المبارك ذكر عبد الرحمن بن أبي حاتم عنه إن رجلا من الجهمية قال له يا أبا عبد الرحمن خدارا بأن جهان جون ببيند ومعناه كيف يُرى الله يوم القيامة فقال بالعين وقال ابن أبي الدنيا حدثنا يعقوب بن إسحاق قال سمعت نعيم بن حماد يقول سمعت بن المبارك يقول ما حجب الله عنه أحدا إلا عذبه ثم قرأ ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إنَّهم لَصالُوا الجَحِيمِ ثُمَّ يُقالُ هَذا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ قال ابن المبارك بالرؤية قول وكيع بن الجراح ذكر ابن أبي حاتم عنه أنه قال يراه تبارك وتعالى المؤمنون في الجنة ولا يراه إلا المؤمنون قول قتيبة بن سعيد ذكر ابن أبي حاتم عنه قال قول الأئمة المأخوذ في الإسلام والسنة والإيمان بالرؤية والتصديق بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله في الرؤية قول أبي عبيد القاسم بن سلام ذكر ابن بطة وغيره عنه أنه إذا ذكرت عنده هذه الأحاديث التي في الرؤية فقال هي عندنا حق ورواها الثقات عن الثقات إلى أن صارت إلينا إلا أنا إذا قيل لنا فسروها لنا قلنا لا نفسر منها شيئا ولكن نمضيها كما جاءت قول اسود بن سالم شيخ الإمام أحمد قال المروزي حدثنا عبد الوهاب الوراق قال سألت اسود بن سالم عن أحاديث الرؤية فقال احلف عليها بالطلاق وبالمشي إنها حق قول محمد ابن إدريس الشافعي قد تقدم رواية الربيع عنه أنه قال في قوله تعالى: ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ لما حجب هؤلاء في السخط كان في هذا دليل على أن أولياءه يرونه في الرضا قال الربيع فقلب يا أبا عبد الله ونقول به قال نعم وبه ابن الله ولو لم يوقن محمد بن إدريس أنه يرى الله عز وجل لما عبده وقال ابن بطة حدثنا ابن الأنباري حدثنا أبو القاسم الأنماطي صاحب المزني قال قال الشافعي رحمه الله ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ دلالة على إن أولياء الله يرونه يوم القيامة بأبصارهم ووجوههم قول إمام السنة أحمد بن حنبل قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد أليس ربنا تبارك وتعالى يراه أهل الجنة أليس تقول بهذه الأحاديث قال أحمد صحيح قال ابن منصور وقال إسحاق بن راهويه صحيح ولا يدعه إلا كل مبتدع أو ضعيف الرأي وقال الفضل بن زياد سمعت أبا عبد الله وقيل له تقول بالرؤية فقال من لم يقل بالرؤية فهو جهمي قال سمعت أبا عبد الله وبلغه عن رجل أنه قال إن الله لا يرى في الآخرة فغضب غضبا شديدا ثم قال من قال إن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر عليه لعنة الله وغضبه من كان من الناس أليس يقول الله عز وجل ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ وقال ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ وقال أبو داود سمعت أحمد وذكر له عن رجل شيء في الرؤية فغضب وقال من قال إن الله لا يرى فهو كافر وقال أبو داود وسمعت أحمد بن حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العطوف إن الله لا يرى في الآخرة فقال لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال أخزى الله هذا وقال أبو بكر المرزوي قيل لأبي عبد الله تعرف عن يزيد بن هارون عن أبي العطوف عن أبي الزبير عن جابر إن استقر الجبل فسوف تراني وإن لم يستقر فلا تراني في الدنيا ولا في الآخرة فغضب أبو عبد الله غضبا شديدا حتى تبين في وجهه وكان قاعدا والناس حوله فأخذ نعله وانتعل وقال أخزى الله هذا لا ينبغي أن يكتب ودفع أن يكون يزيد بن هارون رواه أو حدث به وقال هذا جهمي كافر خالف ما قال الله عز وجل ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ وقال ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ أخزى الله هذا الخبيث قال أبو عبد الله ومن زعم أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر وقال أبو طالب قال أبو عبد الله قول الله عز وجل ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ والمَلائِكَةُ﴾ ﴿وَجاءَ رَبُّكَ والمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ فمن قال: إن الله لا يرى فقد كفر وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ سمعت ابا عبد الله يقول من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي والجهمي كافر وقال يوسف بن موسى بن محمد القطان قيل لأبي عبد الله أهل الجنة ينظرون إلى ربهم تبارك وتعالى ويكلمونه ويكلمهم قال نعم ينظر إليهم وينظرون إليه ويكلمهم ويكلمونه كيف شاؤوا إذا شاءوا قال حنبل ابن إسحاق سمعت أبا عبد الله يقول القوم يرجعون إلى التعطيل في أقوالهم ينكرون الرؤرية والآثار كلها وما ظننتم على هذا حتى سمعت مقالاتهم قال حنبل وسمعت ابا عبد الله يقول من زعم إن الله لا يرى في الآخرة فهو جهمي فقد كفر ورد على الله وعلى الرسول ومن زعم إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا فقد كفر ورد على الله قوله قال أبو عبد الله فنحن نؤمن بهذه الأحاديث ونقرها ونمرها كما جاءت وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يقول فأما من يقول إن الله لا يرى في الآخرة فهو جهمي قال أبو عبد الله وإنما تكلم من تكلم في رؤية الدنيا وقال إبراهيم بن زياد الصائغ سمعت أحمد بن حنبل يقول الرؤية من كذب بها فهو زنديق وقال حنبل سمعت أبا عبد الله يقول أدركنا الناس وما ينكرون من هذه الأحاديث شيئا أحاديث الرؤية وكانوا يحدثون بها على الجملة يمرونها على حالها غير منكرين لذلك ولا مرتابين وقال أبو عبد الله قال الله تعالى: ﴿وَما كانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلّا وحْيًا أوْ مِن وراءِ حِجابٍ أوْ يُرْسِلَ رَسُولًا﴾ وكلم الله موسى من وراء حجاب فقال رب ارني انظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فأخبر الله عز وجل أن موسى يراه في الآخرة وقال: ﴿كَلا إنَّهم عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ ولا يكون حجاب إلا لرؤية أخبر الله سبحانه وتعالى إن من شاء الله ومن أراد أن يراه والكفار لا يرونه قال حنبل وسمعت أبا عبد الله يقول قال الله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾ والأحاديث التي تروى في النظر إلى الله تعالى حديث جابر بن عبد الله وغيره وتنظرون إلى ربكم أحاديث صحاح وقال للذين أحسنوا الحسنى وزيادة النظر إلى وجه الله تعالى قال أبو عبد الله نؤمن بها ونعلم أنها حق أحاديث الرؤية ونؤمن بأن الله يرى نرى ربنا يوم القيامة لا نشك فيه ولا نرتاب قال وسمعت أبا عبد الله يقول ومن زعم أن الله لا يرى في الآخرة فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد على الله أمره يستتاب فإن تاب وإلا قتل قال حنبل قلت لأبي عبد الله في أحاديث الرؤية فقال هذه صحاح نؤمن بها ونقر بها وكلما روى عن النبي ﷺ إسناده جيد أقررنا به قال أبو عبد الله إذا لم نقر بما جاء عن النبي ﷺ ودفعناه ورددنا على الله أمره قال الله عز وجل: ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكم عَنْهُ فانْتَهُوا﴾ قول إسحاق بن راهويه ذكر الحاكم وشيخ الإسلام وغيرهما عنه إن عبد الله بن طاهر أمير خراسان سأله فقال يا أبا يعقوب هذه الأحاديث التي يروونها في النزول والرؤية ما هن؟
فقال رواها من روى الطهارة والغسل والصلاة والأحكام وذكر أشياء فإن يكونوا في هذه عدولا وإلا فقد ارتفعت الأحكام وبطل الشرع فقال شفاك الله كما شفيتني أو كما قال قول جميع أهل الإيمان قال إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه إن المؤمنين لم يختلفوا أن المؤمنين يرون خالقهم يوم المعاد ومن أنكر ذلك فليس بمؤمن عند المؤمنين قول المزني ذكر الطبري في السنة عن إبراهيم عن أبي داود المصري قال كنا عند نعيم بن حماد جلوسا فقال نعيم للمزني ما تقول في القرآن فقال أقول أنه كلام الله فقال غير مخلوق فقال غير مخلوق قال وتقول أن الله يرى يوم القيامة قال نعم فلما افترق الناس قام اليه المزني فقال يا ابا عبد الله شهرتني على رؤوس الناس فقال إن الناس قد أكثروا فيك فأردت أن أبرئك قول جميع أهل اللغة قال أبو عبد الله بن بطة سمعت أبا عمر محمد بن عبد الواحد صاحب اللغة يقول سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلبا يقول في قوله تعالى: ﴿وَكانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تَحِيَّتُهم يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام﴾
أجمع أهل اللغة على أن اللقاء هاهنا لا يكون إلا معاينة ونظرا بالأبصار.
وحسبك بهذا الإسناد صحة واللقاء ثابت بنص القرآن كما تقدم وبالتواتر عن النبي ﷺ وكل أحاديث اللقاء صحيحة كحديث أنس في قصة حديث بئر معونة "أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا"
وحديث عبادة وعائشة وأبي هريرة وابن مسعود "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه"
وحديث أنس "إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوا الله ورسوله"
وحديث أبي ذر "لو لقيني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة "
وحديث أبي موسى "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة"
وغير ذلك من أحاديث اللقاء التي اطردت كلها بلفظ واحد.
* (فصل)
قد دل القرآن والسنة المتواترة وإجماع الصحابة وأئمة الإسلام وأهل الحديث عصابة الإسلام ونزل الإيمان وخاصة رسول الله على أن الله سبحانه وتعالى يرى يوم القيامة بالأبصار عيانا كما يرى القمر ليلة البدر صحوا وكما ترى الشمس في الظهيرة فإن كان لما أخبر به الله ورسوله عنه من ذلك حقيقة وأن له والله حق الحقيقة فلا يمكن أن يروه إلا من فوقهم لاستحالة أن يروه من أسفل منهم أو خلفهم أو إمامهم أو عن يمينهم أو عن شمالهم، وإن لم يكن لما أخبر به حقيقة كما يقوله أفراخ الصابئة والفلاسفة والمجوس والفرعونية بطل الشرع والقرآن، فإن الذي جاء بهذه الأحاديث هو الذي جاء بالقرآن والشريعة والذي بلغها هو الذي بلغ الدين فلا يجوز أن يجعل الله ورسوله عضين بحيث يؤمن ببعض معانيه ويكفر ببعضها فلا يجتمع في قلب العبد بعدد الإطلاع على هذه الأحاديث وفهم معناها وإنكارها والشهادة بأن محمد رسول الله أبدا والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كان لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق والمنحرفون في باب رؤية الرب تبارك وتعالى نوعان:
أحدهما من يزعم أنه يرى في الدنيا ويحاضر ويسامر.
والثاني من يزعم أنه لا يرى في الآخرة ألبتة ولا يكلم عباده، وما أخبر الله به ورسوله وأجمع عليه الصحابة والأئمة يكذب الفريقين. وبالله التوفيق.
وحديث أنس في يوم المزيد ومخاطبته فيه لأهل الجنة مرارا وبالجملة فتأمل أحاديث الرؤية تجد في أكثرها ذكر التكليم قال البخاري في صحيحه باب كلام الرب تبارك وتعالى مع أهل الجنة وساق فيه عدة أحاديث فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه تبارك وتعالى تكليمه لهم فإنكار ذلك إنكار لروح الجنة وأعلى نعيمها وأفضله الذي ما طابت لأهلها إلا به والله المستعان.
{"ayahs_start":22,"ayahs":["وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ","إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ"],"ayah":"وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق