الباحث القرآني

ثم قال تعالى ﴿خاشِعَةً أبْصارُهم تَرْهَقُهم ذِلَّةٌ﴾ فوصفهم بذل الظاهر وهو خشوع الأبصار وذل الباطن وهو ما يرهقهم من الذل خشعت عنه أبصارهم وقريب من هذا قوله ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ﴾ ونظيره قوله ﴿وَتَرْهَقُهم ذِلَّةٌ ما لَهم مِنَ اللَّهِ مِن عاصِمٍ كَأنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهم قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا﴾ وضد هذا قوله تعالى ﴿إنَّ لَكَ ألا تَجُوعَ فِيها ولا تَعْرى﴾ فنفى عنه الجوع الذي هو ذل الباطن والعري الذي هو ذل الظاهر وضده أيضًا قوله ﴿وَلَقّاهم نَضْرَةً وسُرُورًا﴾ فالنضرة عز الظاهر وجماله والسرور عز الباطن وجماله ومثله أيضًا قوله ﴿عالِيَهم ثِيابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وإسْتَبْرَقٌ وحُلُّوا أساوِرَ مِن فِضَّةٍ وسَقاهم رَبُّهم شَرابًا طَهُور﴾ فجمع لهم بين زينة الظاهر والباطن ومثله قوله ﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أنْزَلْنا عَلَيْكم لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكم ورِيشًا ولِباسُ التَّقْوى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ فجمع لهم بين زينة الظاهر والباطن. ومثله قوله ﴿إنّا زَيَّنّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الكَواكِبِ وحِفْظًا مِن كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ﴾ فزين ظاهرها بالنجوم وباطنها بالحفظ من كل شيطان رجيم ومثله قوله أيضًا ﴿وَصَوَّرَكم فَأحْسَنَ صُوَرَكم ورَزَقَكم مِنَ الطَّيِّبات﴾ وقريب منه قوله تعالى ﴿فَإنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى﴾ ومنه قوله ﴿فَأمّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهم أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانِكم فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وأمّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهم فَفي رَحْمَةِ اللَّهِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ فجمع لهؤلاء بين جمال الظاهر والباطن، ولأولئك بين تسويد الظاهر والباطن. ومنه قول امرأة العزيز ﴿فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ولَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فاسْتَعْصَمَ﴾ فوصفت ظاهره بالجمال، وباطنه بالعفة، فوصفته بجمال الظاهر والباطن، فكأنها قالت هذا ظاهره، وباطنه أحسن من ظاهره. وهذا كله يدلك على ارتباط الظاهر بالباطن قدرا وشرعا. والله أعلم بالصواب.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب