الباحث القرآني

وَلَوْ بَلَغَ العَبْدُ مِنَ الطّاعَةِ ما بَلَغَ، فَلا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يُفارِقَهُ هَذا الحَذَرُ. وقَدْ خافَهُ خِيارُ خَلْقِهِ، وصَفْوَتِهِ مِن عِبادِهِ. قالَ شُعَيْبٌ ﷺ، وقَدْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ ياشُعَيْبُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنا أوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنا قالَ أوَلَوْ كُنّا كارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنا عَلى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنا في مِلَّتِكم بَعْدَ إذْ نَجّانا اللَّهُ مِنها﴾ [الأعراف: ٨٨]- إلى قَوْلِهِ - ﴿عَلى اللَّهِ تَوَكَّلْنا﴾ [الأعراف: ٨٩] فَرَدَّ الأمْرَ إلى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى وعِلْمِهِ، أدَبًا مَعَ اللَّهِ، ومَعْرِفَةً بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وُوُقُوفًا مَعَ حَدِّ العُبُودِيَّةِ. وكَذَلِكَ قالَ إبْراهِيمُ ﷺ لِقَوْمِهِ - وقَدْ خَوَّفُوهُ بِآلِهَتِهِمْ - فَقالَ ﴿وَلا أخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إلّا أنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئًا وسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الأنعام: ٨٠] فَرَدَّ الأمْرَ إلى مَشِيئَةِ اللَّهِ وعِلْمِهِ. وقَدْ قالَ تَعالى ﴿أفَأمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إلّا القَوْمُ الخاسِرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٩]. وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ: هَلْ يُكْرَهُ أنْ يَقُولَ العَبْدُ في دُعائِهِ: اللَّهُمَّ لا تُؤَمِّنِّي مَكْرَكَ؟ فَكانَ بَعْضُ السَّلَفُ يَدْعُو بِذَلِكَ. ومُرادُهُ: لا تَخْذُلْنِي، حَتّى آمَنَ مَكْرَكَ ولا أخافَهُ، وكَرِهَهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ. وَقالَ الإمامُ أحْمَدُ: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ عَنْ إسْحاقَ عَنْ مُطَرِّفٍ: أنَّهُ كانَ يَكْرَهُ أنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ لا تُنْسِنِي ذِكْرَكَ، ولا تُؤَمِّنِّي مَكْرَكَ. ولَكِنْ أقُولُ: اللَّهُمَّ لا تُنْسِنِي ذِكْرَكَ، وأعُوذُ بِكَ أنْ آمَنَ مَكْرَكَ، حَتّى تَكُونَ أنْتَ تُؤَمِّنُنِي. وَبِالجُمْلَةِ: فَمَن أُحِيلَ عَلى نَفْسِهِ، فَقَدْ مُكِرَ بِهِ. قالَ الإمامُ أحْمَدُ: حَدَّثَنا أبُو سَعِيدٍ - مَوْلى بَنِي هاشِمٍ - حَدَّثَنا الصَّلْتُ بْنُ طَرِيفٍ المِعْوَلِيِّ حَدَّثَنا غَيْلانُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قالَ: وجَدْتُ هَذا الإنْسانَ مُلْقًى بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ وبَيْنَ الشَّيْطانِ. فَإنْ يَعْلَمِ اللَّهُ تَعالى في قَلْبِهِ خَيْرًا: جَبَذَهُ إلَيْهِ. وإنْ لَمْ يَعْلَمْ فِيهِ خَيْرًا: وكَلَهُ إلى نَفْسِهِ. ومَن وكَلَهُ إلى نَفْسِهِ فَقَدْ هَلَكَ. وَقالَ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمانَ: حَدَّثَنا ثابِتٌ عَنْ مُطَرِّفٍ قالَ: لَوْ أُخْرِجَ قَلْبِي فَجُعِلَ في يَدِي هَذِهِ في اليَسارِ. وجِيءَ بِالخَيْرِ فَجُعِلَ في هَذِهِ اليُمْنى. ثُمَّ قُرِّبْتُ مِنَ الأُخْرى ما اسْتَطَعْتُ أنْ أُولِجَ في قَلْبِي شَيْئًا حَتّى يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ يَضَعُهُ. وَمِمّا يَدُلُّ عَلى أنَّ الفَرَحَ مِن أسْبابِ المَكْرِ، ما لَمْ يُقارِنْهُ خَوْفٌ: قَوْلُهُ تَعالى ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أخَذْناهم بَغْتَةً فَإذا هم مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤]. وَقالَ قَوْمُ قارُونَ لَهُ ﴿لا تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ﴾ [القصص: ٧٦] فالفَرَحُ مَتى كانَ بِاللَّهِ، وبِما مَنَّ اللَّهُ بِهِ، مُقارِنًا لِلْخَوْفِ والحَذَرِ: لَمْ يَضُرَّ صاحِبَهُ، ومَتى خَلا عَنْ ذَلِكَ: ضَرَّهُ ولا بُدَّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب