الباحث القرآني
* [فَصْلٌ: المَعاصِي تَمْحَقُ البَرَكَةَ]
وَمِن عُقُوباتِها: أنَّها تَمْحَقُ بَرَكَةَ العُمُرِ، وبَرَكَةَ الرِّزْقِ، وبَرَكَةَ العِلْمِ، وبَرَكَةَ العَمَلِ، وبَرَكَةَ الطّاعَةِ.
وَبِالجُمْلَةِ أنَّها تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ والدُّنْيا، فَلا تَجِدُ أقَلَّ بَرَكَةٍ في عُمُرِهِ ودِينِهِ ودُنْياهُ مِمَّنْ عَصى اللَّهَ، وما مُحِقَتِ البَرَكَةُ مِنَ الأرْضِ إلّا بِمَعاصِي الخَلْقِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ أنَّ أهْلَ القُرى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ والأرْضِ﴾ [الأعراف: ٩٦].
وَقالَ تَعالى: ﴿وَألَّوِ اسْتَقامُوا عَلى الطَّرِيقَةِ لَأسْقَيْناهم ماءً غَدَقًا - لِنَفْتِنَهم فِيهِ﴾ [الجن: ١٦-١٧].
وَإنَّ العَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ.
وَفِي الحَدِيثِ: «إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي أنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَها، فاتَّقُوا اللَّهَ وأجْمِلُوا في الطَّلَبِ، فَإنَّهُ لا يُنالُ ما عِنْدَ اللَّهِ إلّا بِطاعَتِهِ، وإنَّ اللَّهَ جَعَلَ الرَّوْحَ والفَرَحَ في الرِّضى واليَقِينِ، وجَعَلَ الهَمَّ والحُزْنَ في الشَّكِّ والسُّخْطِ».
وَقَدْ تَقَدَّمَ الأثَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ أحْمَدُ في كِتابِ الزُّهْدِ: «أنا اللَّهُ، إذا رَضِيتُ بارَكْتُ، ولَيْسَ لِبَرَكَتِي مُنْتَهًى، وإذا غَضِبْتُ لَعَنْتُ، ولَعْنَتِي تُدْرِكُ السّابِعَ مِنَ الوَلَدِ».
وَلَيْسَتْ سَعَةُ الرِّزْقِ والعَمَلِ بِكَثْرَتِهِ، ولا طُولُ العُمُرِ بِكَثْرَةِ الشُّهُورِ والأعْوامِ، ولَكِنَّ سَعَةَ الرِّزْقِ وطُولَ العُمُرِ بِالبَرَكَةِ فِيهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أنَّ عُمْرَ العَبْدِ هو مُدَّةُ حَياتِهِ، ولا حَياةَ لِمَن أعْرَضَ عَنِ اللَّهِ واشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ، بَلْ حَياةُ البَهائِمِ خَيْرٌ مِن حَياتِهِ، فَإنَّ حَياةَ الإنْسانِ بِحَياةِ قَلْبِهِ ورُوحِهِ، ولا حَياةَ لِقَلْبِهِ إلّا بِمَعْرِفَةِ فاطِرِهِ، ومَحَبَّتِهِ، وعِبادَتِهِ وحْدَهُ، والإنابَةِ إلَيْهِ، والطُّمَأْنِينَةِ بِذِكْرِهِ، والأُنْسِ بِقُرْبِهِ، ومَن فَقَدَ هَذِهِ الحَياةَ فَقَدَ الخَيْرَ كُلَّهُ، ولَوْ تَعَرَّضَ عَنْها بِما تَعَوَّضَ مِمّا في الدُّنْيا، بَلْ لَيْسَتِ الدُّنْيا بِأجْمَعِها عِوَضًا عَنْ هَذِهِ الحَياةِ، فَمِن كُلِّ شَيْءٍ يَفُوتُ العَبْدَ عِوَضٌ، وإذا فاتَهُ اللَّهُ لَمْ يُعَوِّضْ عَنْهُ شَيْءٌ ألْبَتَّةَ.
وَكَيْفَ يُعَوَّضُ الفَقِيرُ بِالذّاتِ عَنِ الغَنِيِّ بِالذّاتِ، والعاجِزُ بِالذّاتِ عَنِ القادِرِ بِالذّاتِ، والمَيِّتُ عَنِ الحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ، والمَخْلُوقُ عَنِ الخالِقِ، ومَن لا وُجُودَ لَهُ ولا شَيْءَ لَهُ مِن ذاتِهِ ألْبَتَّةَ عَمَّنْ غِناهُ وحَياتُهُ وكَمالُهُ ووُجُودُهُ ورَحْمَتُهُ مِن لَوازِمِ ذاتِهِ؟ وكَيْفَ يُعَوَّضُ مَن لا يَمْلِكُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ عَمَّنْ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ.
وَإنَّما كانَتْ مَعْصِيَةُ اللَّهِ سَبَبًا لِمَحْقِ بَرَكَةِ الرِّزْقِ والأجَلِ، لِأنَّ الشَّيْطانَ مُوَكَّلٌ بِها وبِأصْحابِها، فَسُلْطانُهُ عَلَيْهِمْ، وحَوالَتُهُ عَلى هَذا الدِّيوانِ وأهْلِهِ وأصْحابِهِ، وكُلُّ شَيْءٍ يَتَّصِلُ بِهِ الشَّيْطانُ ويُقارِنُهُ، فَبَرَكَتُهُ مَمْحُوقَةٌ، ولِهَذا شُرِعَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعالى عِنْدَ الأكْلِ والشُّرْبِ واللُّبْسِ والرُّكُوبِ والجِماعِ لِما في مُقارَنَةِ اسْمِ اللَّهِ مِنَ البَرَكَةِ، وذِكْرُ اسْمِهِ يَطْرُدُ الشَّيْطانَ فَتَحْصُلُ البَرَكَةُ ولا مُعارِضَ لَهُ، وكُلُّ شَيْءٍ لا يَكُونُ لِلَّهِ فَبَرَكَتُهُ مَنزُوعَةٌ، فَإنَّ الرَّبَّ هو الَّذِي يُبارِكُ وحْدَهُ، والبَرَكَةُ كُلُّها مِنهُ، وكُلُّ ما نُسِبَ إلَيْهِ مُبارَكٌ، فَكَلامُهُ مُبارَكٌ، ورَسُولُهُ مُبارَكٌ، وعَبْدُهُ المُؤْمِنُ النّافِعُ لِخَلْقِهِ مُبارَكٌ، وبَيْتُهُ الحَرامُ مُبارَكٌ، وكِنانَتُهُ مِن أرْضِهِ، وهي الشّامُ أرْضُ البَرَكَةِ، وصَفَها بِالبَرَكَةِ في سِتِّ آياتٍ مِن كِتابِهِ، فَلا مُبارِكَ إلّا هو وحْدَهُ، ولا مُبارَكَ إلّا ما نُسِبَ إلَيْهِ، أعْنِي إلى أُلُوهِيَّتِهِ ومَحَبَّتِهِ ورِضاهُ، وإلّا فالكَوْنُ كُلُّهُ مَنسُوبٌ إلى رُبُوبِيَّتِهِ وخَلْقِهِ، وكُلُّ ما باعَدَهُ مِن نَفْسِهِ مِنَ الأعْيانِ والأقْوالِ والأعْمالِ فَلا بَرَكَةَ فِيهِ، ولا خَيْرَ فِيهِ، وكُلُّ ما كانَ مِنهُ قَرِيبًا مِن ذَلِكَ فَفِيهِ مِنَ البَرَكَةِ عَلى حَسَبِ قُرْبِهِ مِنهُ.
وَضِدُّ البَرَكَةِ اللَّعْنَةُ؛ فَأرْضٌ لَعَنَها اللَّهُ أوْ شَخْصٌ لَعَنَهُ اللَّهُ أوْ عَمَلٌ لَعَنَهُ اللَّهُ أبْعَدُ شَيْءٍ مِنَ الخَيْرِ والبَرَكَةِ، وكُلَّما اتَّصَلَ بِذَلِكَ وارْتَبَطَ بِهِ وكانَ مِنهُ بِسَبِيلٍ فَلا بَرَكَةَ فِيهِ ألْبَتَّةَ.
وَقَدْ لَعَنَ عَدُوَّهُ إبْلِيسَ وجَعَلَهُ أبْعَدَ خَلْقِهِ مِنهُ، فَكُلُّ ما كانَ جِهَتَهُ فَلَهُ مِن لَعْنَةِ اللَّهِ بِقَدْرِ قُرْبِهِ واتِّصالِهِ بِهِ، فَمِن هاهُنا كانَ لِلْمَعاصِي أعْظَمُ تَأْثِيرٍ في مَحْقِ بَرَكَةِ العُمُرِ والرِّزْقِ والعِلْمِ والعَمَلِ، وكُلُّ وقْتٍ عَصَيْتَ اللَّهَ فِيهِ، أوْ مالٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ، أوْ بَدَنٍ أوْ جاهٍ أوْ عِلْمٍ أوْ عَمَلٍ فَهو عَلى صاحِبِهِ لَيْسَ لَهُ، فَلَيْسَ لَهُ مِن عُمُرِهِ ومالِهِ وقُوَّتِهِ وجاهِهِ وعِلْمِهِ وعَمَلِهِ إلّا ما أطاعَ اللَّهَ بِهِ.
وَلِهَذا مِنَ النّاسِ مَن يَعِيشُ في هَذِهِ الدّارِ مِائَةَ سَنَةٍ أوْ نَحْوَها، ويَكُونُ عُمُرُهُ لا يَبْلُغُ عِشْرِينَ سَنَةً أوْ نَحْوَها، كَما أنَّ مِنهم مَن يَمْلِكُ القَناطِيرَ المُقَنْطَرَةَ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ ويَكُونُ مالُهُ في الحَقِيقَةِ لا يَبْلُغُ ألْفَ دِرْهَمٍ أوْ نَحْوَها، وهَكَذا الجاهُ والعِلْمُ.
وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ ﷺ «الدُّنْيا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ ما فِيها، إلّا ذِكْرُ اللَّهِ وما والاهُ، أوْ عالِمٌ أوْ مُتَعَلِّمٌ».
وَفِي أثَرٍ آخَرَ: «الدُّنْيا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ ما فِيها إلّا ما كانَ لِلَّهِ» فَهَذا هو الَّذِي فِيهِ البَرَكَةُ خاصَّةً، واللَّهُ المُسْتَعانُ.
{"ayah":"وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡقُرَىٰۤ ءَامَنُوا۟ وَٱتَّقَوۡا۟ لَفَتَحۡنَا عَلَیۡهِم بَرَكَـٰتࣲ مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا۟ فَأَخَذۡنَـٰهُم بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











