الباحث القرآني

وَأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَما بَدَأكم تَعُودُونَ﴾ فَقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ كَما كَتَبَ عَلَيْكم تَكُونُونَ. وَقالَ مُجاهِدٌ: كَما بَدَأكم تَعُودُونَ شَقِيًّا، وسَعِيدًا. وَقالَ أيْضًا: يَبْعَثُ المُسْلِمَ مُسْلِمًا والكافِرَ كافِرًا. وَقالَ أبُو العالِيَةِ: عادُوا إلى عِلْمِهِ فِيهِمْ: ﴿فَرِيقًا هَدى وفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ [الأعراف: ٣٠]. وَهَذا يَتَضَمَّنُ إثْباتَ عِلْمِهِ، وقَدَرِهِ السّابِقِ، وأنَّ الخَلْقَ يَصِيرُونَ إلَيْهِ لا مَحالَةَ، وكَوْنُ هَذا مُرادَ الآيَةُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ، فَإنَّ الآيَةَ اقْتَضَتْ حُكْمَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ يُعِيدُهم كَما بَدَأهم عَلى عادَةِ القُرْآنِ في الِاسْتِدْلالِ عَلى المَعادِ بِالبُداءَةِ. والثّانِي: أنَّهُ سُبْحانَهُ هَدى فَرِيقًا وأضَلَّ فَرِيقًا، فالأمْرُ كُلُّهُ لَهُ: بَدْؤُهم وإعادَتُهُمْ، وهِدايَةُ مَن هَدى مِنهم وإضْلالُ مَن أضَلَّ مِنهُمْ، ولَيْسَ في شُرَكائِهِمْ مَن يَفْعَلُ شَيْئًا مِن ذَلِكَ. وَأمّا أمْرُ المَلَكِ " «بِكَتْبِ شَقاوَةِ العَبْدِ وسَعادَتِهِ في بَطْنِ أُمِّهِ» " وَقَوْلُهُ " «الشَّقِيُّ مَن شَقِيَ في بَطْنِ أُمِّهِ» " فَحَقٌّ لا يُخالِفُ فِيهِ أحَدٌ مِن أهْلِ السُّنَّةِ بَلْ قَدِ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ، وكَلِمَةُ الصَّحابَةِ قَبْلَهم عَلى ذَلِكَ. وَأمّا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - «فِي الغُلامِ الَّذِي قَتَلَهُ الخَضِرُ: " أنَّهُ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كافِرًا» " فَمِثْلُ ذَلِكَ سَواءً. و" كافِرًا " حالٌ مُقَدَّرَةٌ لا مُقارَنَةٌ، أيْ طُبِعَ مُقَدَّرًا كُفْرُهُ، وإلّا فَهو في حالِ كَوْنِهِ جَنِينًا وطِفْلًا لا يَعْقِلُ كُفْرًا ولا إيمانًا. فَإنْ قِيلَ: فَإذا كانَ هَكَذا فَلِمَ قَتَلَهُ الخَضِرُ؟ فالجَوابُ ما قالَهُ لِمُوسى: ﴿وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أمْرِي﴾ [الكهف: ٨٢]، فاللَّهُ تَعالى أمَرَهُ بِقَتْلِ ذَلِكَ الغُلامِ لِمَصْلَحَةٍ، وأمَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالكَفِّ عَنْ قَتْلِ النِّساءِ، والذُّرِّيَّةِ لِمَصْلَحَةٍ، فَكانَ في كُلِّ ما أمَرَ بِهِ مَصْلَحَةٌ، وحِكْمَةٌ ورَحْمَةٌ يَشْهَدُها أُولُو الألْبابِ. (فائدة: الحِكْمَة الَّتِي لأجلها يُعاد بَنو آدم غرلًا) لما وعد الله سُبْحانَهُ وهو صادِق الوَعْد الَّذِي لا يخلف وعده أنه يُعِيد الخلق كَما بدأهم أول مرّة كانَ من صدق وعده أن يُعِيدهُ على الحالة الَّتِي بدأه عَلَيْها من تَمام أعْضائِهِ وكمالها قالَ الله تَعالى ﴿يَوْم نطوي السَّماء كطي السّجل للكتب كَما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنّا كُنّا فاعلين﴾ [الأنبياء: ١٠٤] وقالَ تَعالى ﴿كَما بَدَأكم تعودُونَ﴾ وَأيْضًا فَإن الخِتان إنَّما شرع في الدُّنْيا لتكميل الطَّهارَة والتنزه من البَوْل وأهل الجنَّة لا يَبُولُونَ ولا يَتَغَوَّطُونَ فَلَيْسَ هُناكَ نَجاسَة تصيب الغرلة فَيحْتاج إلى التَّحَرُّز مِنها، والقلفة لا تمنع لَذَّة الجِماع ولا تعوقه هَذا إن قدر استمرارهم على تِلْكَ الحالة الَّتِي بعثوا عَلَيْها، وإلّا فَلا يلْزم من كَونهم يبعثون كَذَلِك أن يستمروا على تِلْكَ الحالة الَّتِي بعثوا عَلَيْها فَإنَّهُم يبعثون حُفاة عُراة بُهما ثمَّ يكسون ويمد خلقهمْ ويُزاد فِيهِ بعد ذَلِك يُزاد في خلق أهل الجنَّة والنّار وإلّا فوقت قيامهم من القُبُور يكونُونَ على صورتهم الَّتِي كانُوا عَلَيْها في الدُّنْيا وعَلى صفاتهم وهيئاتهم وأحوالهم فيبعث كل عبد على ما ماتَ عَلَيْهِ ثمَّ ينشئهم الله سُبْحانَهُ كَما يَشاء وهل تبقى تِلْكَ الغرلة الَّتِي كملت خلقهمْ في القُبُور أو تَزُول يُمكن هَذا وهَذا ولا يعلم إلّا بِخَبَر يجب المصير إلَيْهِ والله سُبْحانَهُ وتَعالى أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب