الباحث القرآني

* (لطيفة) قال يحيى بن أيوب كان بالمدينة فتى يعجب عمر بن الخطاب رضي الله عنه شأنه فانصرف ليلة من صلاة العشاء فتمثلت له امرأة بين يديه فعرضت له بنفسها ففتن بها ومضت فأتبعها حتى وقف على بابها فأبصر وجلا عن قلبه وحضرته هذه الآية ﴿إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذا مَسَّهم طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإذا هم مُبْصِرُونَ﴾ فخر مغشيا عليه فنظرت إليه المرأة فإذا هو كالميت فلم تزل هي وجارية لها يتعاونان عليه حتى ألقياه على باب داره فخرج أبوه فرآه ملقى على باب الدار لما به فحمله وأدخله فأفاق فسأله ما أصابك يا بُني فلم يخبره فلم يزل به حتى أخبره فلما تلا الآية شهق شهقة فخرجت نفسه فبلغ عمر رضي الله عنه قصته فقال ألا آذنتموني بموته؟ فذهب حتى وقف على قبره فنادى يا فلان ﴿وَلِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ فسمع صوتا من داخل القبر قد أعطاني ربي يا عمر. وذكر الحسن هذه القصة عن عمر رضي الله عنه على وجه آخر قال كان شاب على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ملازما للمسجد والعبادة فهويته جارية فحدث نفسه بها ثم إنه تذكر وأبصر فشهق شهقة فغشي عليه منها فجاء عم له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال يا عم انطلق إلى عمر فأقرئه مني السلام وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه؟ فأخبر عمر فأتاه وقد مات فقال لك جنتان. * (فصل) وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعالى في كِتابِهِ مَن نَسِيَ ما تُقَدِّمُ يَداهُ، فَقالَ ﴿وَمَن أظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأعْرَضَ عَنْها ونَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ﴾ [الكهف: ٥٧] فَإذا طالَعَ جِنايَتَهُ شَمَّرَ لِاسْتِدْراكِ الفارِطِ بِالعِلْمِ والعَمَلِ، وتَخَلَّصَ مِن رِقِّ الجِنايَةِ بِالِاسْتِغْفارِ والنَّدَمِ، وطَلَبِ التَّمْحِيصِ، وهو تَخْلِيصُ إيمانِهِ ومَعْرِفَتِهِ مِن خُبْثِ الجِنايَةِ، كَتَمْحِيصِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، وهو تَخْلِيصُهُما مِن خُبْثِهِما، ولا يُمْكِنُ دُخُولُهُ الجَنَّةَ إلّا بَعْدَ هَذا التَّمْحِيصِ، فَإنَّها طَيِّبَةٌ لا يَدْخُلُها إلّا طَيِّبٌ، ولِهَذا تَقُولُ لَهُمُ المَلائِكَةُ ﴿سَلامٌ عَلَيْكم طِبْتُمْ فادْخُلُوها خالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣] وقالَ تَعالى ﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ﴾ [النحل: ٣٢] فَلَيْسَ في الجَنَّةِ ذَرَّةُ خُبْثٍ. وَهَذا التَّمْحِيصُ يَكُونُ في دارِ الدُّنْيا بِأرْبَعَةِ أشْياءَ: بِالتَّوْبَةِ، والِاسْتِغْفارِ، وعَمَلِ الحَسَناتِ الماحِيَةِ، والمَصائِبِ المُكَفِّرَةِ، فَإنْ مَحَّصَتْهُ هَذِهِ الأرْبَعَةُ وخَلَّصَتْهُ كانَ مِنَ ﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ [النحل: ٣٢]، يُبَشِّرُونَهم بِالجَنَّةِ، وكانَ مِنَ الَّذِينَ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ عِنْدَ المَوْتِ ﴿أنْ لا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا وأبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعِدُونَ - نَحْنُ أوْلِياؤُكم في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ ولَكم فِيها ما تَشْتَهِي أنْفُسُكم ولَكم فِيها ما تَدَّعُونَ - نُزُلًا مِن غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾ [فصلت: ٣٠-٣٢]. وَإنْ لَمْ تَفِ هَذِهِ الأرْبَعَةُ بِتَمْحِيصِهِ وتَخْلِيصِهِ، فَلَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ نَصُوحًا وهي العامَّةُ الشّامِلَةُ الصّادِقَةُ ولَمْ يَكُنِ الِاسْتِغْفارُ النّافِعُ، لا اسْتِغْفارَ مَن في يَدِهِ قَدَحُ السُّكْرِ، وهو يَقُولُ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ إلى فِيهِ، ولَمْ تَكُنِ الحَسَناتُ في كَمِّيَّتِها وكَيْفِيَّتِها وافِيَةً بِالتَّكْفِيرِ، ولا المَصائِبُ، وهَذا إمّا لِعِظَمِ الجِنايَةِ، وإمّا لِضَعْفِ المُمَحَّصِ، وإمّا لَهُما - مُحِّصَ في البَرْزَخِ بِثَلاثَةِ أشْياءَ: أحَدُها: صَلاةُ أهْلِ الإيمانِ الجِنازَةَ عَلَيْهِ، واسْتِغْفارُهم لَهُ، وشَفاعَتُهم فِيهِ. الثّانِي: تَمْحِيصُهُ بِفِتْنَةِ القَبْرِ، ورَوْعَةِ الفَتّانِ، والعَصْرَةِ والِانْتِهارِ، وتَوابِعِ ذَلِكَ. الثّالِثُ: ما يُهْدِي إخْوانُهُ المُسْلِمُونَ إلَيْهِ مِن هَدايا الأعْمالِ، مِنَ الصَّدَقَةِ عَنْهُ، والحَجِّ، والصِّيامِ عَنْهُ، وقِراءَةِ القُرْآنِ عَنْهُ، والصَّلاةِ، وجَعْلِ ثَوابِ ذَلِكَ لَهُ، وقَدْ أجْمَعَ النّاسُ عَلى وُصُولِ الصَّدَقَةِ والدُّعاءِ، قالَ الإمامُ أحْمَدُ: لا يَخْتَلِفُونَ في ذَلِكَ، وما عَداهُما فِيهِ اخْتِلافٌ، والأكْثَرُونَ يَقُولُونَ بِوُصُولِ الحَجِّ، وأبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنَّما يَصِلُ إلَيْهِ ثَوابُ الإنْفاقِ، وأحْمَدُ ومَن وافَقَهُ مَذْهَبُهم في ذَلِكَ أوْسَعُ المَذاهِبِ، يَقُولُونَ: يَصِلُ إلَيْهِ ثَوابُ جَمِيعِ القُرَبِ، بِدَنِيِّها ومالِيَّها، والجامِعُ لِلْأمْرَيْنِ، واحْتَجُّوا بِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لِمَن سَألَهُ " يا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ بَقِيَ مِن بِرِّ أبَوَيَّ شَيْءٌ أبَرُّهُما بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِما؟ قالَ: نَعَمْ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ "، وقَدْ قالَ ﷺ «مَن ماتَ وعَلَيْهِ صِيامٌ صامَ عَنْهُ ولِيُّهُ». فَإنْ لَمْ تَفِ هَذِهِ بِالتَّمْحِيصِ، مُحِّصَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ في المَوْقِفِ بِأرْبَعَةِ أشْياءَ: أهْوالُ القِيامَةِ، وشِدَّةُ المَوْقِفِ، وشَفاعَةُ الشُّفَعاءِ، وعَفْوُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. فَإنْ لَمْ تَفِ هَذِهِ الثَّلاثَةُ بِتَمْحِيصِهِ فَلا بُدَّ لَهُ مِن دُخُولِ الكِيرِ، رَحْمَةً في حَقِّهِ لِيَتَخَلَّصَ ويَتَمَحَّصَ، ويَتَطَهَّرَ في النّارِ، فَتَكُونَ النّارُ طُهْرَةً لَهُ وتَمْحِيصًا لِخَبَثِهِ، ويَكُونَ مُكْثُهُ فِيها عَلى حَسَبِ كَثْرَةِ الخَبَثِ وقِلَّتِهِ، وشِدَّتِهِ وضَعْفِهِ وتَراكُمِهِ، فَإذا خَرَجَ خَبَثُهُ وصُفِّيَ ذَهَبُهُ، وصارَ خالِصًا طَيِّبًا، أُخْرِجَ مِنَ النّارِ، وأُدْخِلَ الجَنَّةَ. قالَ: الثّالِثُ يَعْنِي مِن مَراتِبِ اليَقَظَةِ: الِانْتِباهُ لِمَعْرِفَةِ الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ مِنَ الأيّامِ، والتَّنَصُّلُ مِن تَضْيِيعِها، والنَّظَرُ إلى الظَّنِّ بِها لِتَدارُكِ فائِتِهِا، وتَعْمِيرِ باقِيها. يَعْنِي أنَّهُ يَعْرِفُ ما مَعَهُ مِنَ الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ، فَيَتَدارَكُ ما فاتَهُ في بَقِيَّةِ عُمْرِهِ الَّتِي لا ثَمَنَ لَها، ويَبْخَلُ بِساعاتِهِ بَلْ بِأنْفاسِهِ عَنْ ذَهابِها ضَياعًا في غَيْرِ ما يُقَرِّبُهُ إلى اللَّهِ، فَهَذا هو حَقِيقَةُ الخُسْرانِ المُشْتَرَكِ بَيْنَ النّاسِ، مَعَ تَفاوُتِهِمْ في قَدْرِهِ، قِلَّةً وكَثْرَةً، فَكُلُّ نَفَسٍ يَخْرُجُ في غَيْرِ ما يُقَرِّبُ إلى اللَّهِ فَهو حَسْرَةٌ عَلى العَبْدِ في مَعادِهِ، ووَقْفَةٌ لَهُ في طَرِيقِ سَيْرِهِ، أوْ نَكْسَةٌ إنِ اسْتَمَرَّ، أوْ حِجابٌ إنِ انْقَطَعَ بِهِ. قالَ: فَأمّا مَعْرِفَةُ النِّعْمَةِ فَإنَّها تَصْفُو بِثَلاثَةِ أشْياءَ: بِنُورِ العَقْلِ، وشَيْمٍ بِرَوْقِ المِنَّةِ، والِاعْتِبارِ بِأهْلِ البَلاءِ. يَعْنِي أنَّ حَقِيقَةَ مُشاهَدَةِ النِّعْمَةِ يَصْفُو بِهَذِهِ الثَّلاثَةِ، فَهي النُّورُ الَّذِي أوْجَبَ اليَقَظَةَ، فاسْتَنارَ القَلْبُ بِهِ لِرُؤْيَةِ التَّنَبُّهِ، وعَلى حَسَبِهِ قُوَّةً وضَعْفًا تَصْفُو لَهُ مُشاهَدَةُ النِّعْمَةِ، فَإنَّ مَن لَمْ يَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إلّا في مَأْكَلِهِ ومَلْبَسِهِ، وعافِيَةِ بَدَنِهِ، وقِيامِ وجْهِهِ بَيْنَ النّاسِ، فَلَيْسَ لَهُ نَصِيبٌ مِن هَذا النُّورِ ألْبَتَّةَ، فَنِعْمَةُ اللَّهِ بِالإسْلامِ والإيمانِ، وجَذْبِ عَبْدِهِ إلى الإقْبالِ عَلَيْهِ، والتَّنَعُّمِ بِذِكْرِهِ، والتَّلَذُّذِ بِطاعَتِهِ هو أعْظَمُ النِّعَمِ، وهَذا إنَّما يُدْرَكُ بِنُورِ العَقْلِ، وهِدايَةِ التَّوْفِيقِ. وَكَذَلِكَ شَيْمُهُ بِرَوْقِ مِنَنِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وهو النَّظَرُ إلَيْها، ومُطالَعَتُها مِن خِلالِ سُحُبِ الطَّبْعِ، وظُلُماتِ النَّفْسِ، والنَّظَرُ إلى أهْلِ البَلاءِ وهم أهْلُ الغَفْلَةِ عَنِ اللَّهِ، والِابْتِداعِ في دِينِ اللَّهِ فَهَذانَ الصِّنْفانِ هم أهْلُ البَلاءِ حَقًّا، فَإذا رَآهُمْ، وعَلِمَ ما هم عَلَيْهِ، عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ في قَلْبِهِ، وصَفَتْ لَهُ وعَرَفَ قَدْرَها، فالضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ وبِضِدِّها تَتَمَيَّزُ الأشْياءُ. حَتّى إنَّ مِن تَمامِ نَعِيمِ أهْلِ الجَنَّةِ رُؤْيَةَ أهْلِ النّارِ وما هم فِيهِ مِنَ العَذابِ. قالَ: وأمّا مُطالَعَةُ الجِنايَةِ فَإنَّها تَصِحُّ بِثَلاثَةِ أشْياءَ: بِتَعْظِيمِ الحَقِّ، ومَعْرِفَةِ النَّفْسِ، وتَصْدِيقِ الوَعِيدِ. يَعْنِي أنَّ مَن كَمُلَتْ عَظَمَةُ الحَقِّ تَعالى في قَلْبِهِ عَظُمَتْ عِنْدَهُ مُخالَفَتُهُ، لِأنَّ مُخالَفَةَ العَظِيمِ لَيْسَتْ كَمُخالَفَةِ مَن هو دُونَهُ، ومَن عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ وحَقِيقَتَها، وفَقْرَها الذّاتِيَّ إلى مَوْلاها الحَقِّ في كُلِّ لَحْظَةٍ ونَفَسٍ، وشِدَّةَ حاجَتِها إلَيْهِ، عَظُمَتْ عِنْدَهُ جِنايَةُ المُخالَفَةِ لِمَن هو شَدِيدُ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ في كُلِّ لَحْظَةٍ ونَفَسٍ. وَأيْضًا فَإذا عَرَفَ حَقارَتَها مَعَ عِظَمِ قَدْرِ مَن خالَفَهُ عَظُمَتِ الجِنايَةُ عِنْدَهُ، فَشَمَّرَ في التَّخَلُّصِ مِنها، وبِحَسَبِ تَصْدِيقِهِ بِالوَعِيدِ ويَقِينِهِ بِهِ، يَكُونُ تَشْمِيرُهُ في التَّخَلُّصِ مِنَ الجِنايَةِ الَّتِي تَلْحَقُ بِهِ. وَمَدارُ السَّعادَةِ، وقُطْبُ رَحاها عَلى التَّصْدِيقِ بِالوَعِيدِ، فَإذا تَعَطَّلَ مِن قَلْبِهِ التَّصْدِيقُ بِالوَعِيدِ خَرِبَ خَرابًا لا يُرْجى مَعَهُ فَلاحٌ ألْبَتَّةَ، واللَّهُ تَعالى أخْبَرَ أنَّهُ إنَّما تَنْفَعُ الآياتُ والنُّذُرُ لِمَن صَدَّقَ بِالوَعِيدِ، وخافَ عَذابَ الآخِرَةِ، فَهَؤُلاءِ هُمُ المَقْصُودُونَ بِالإنْذارِ، والمُنْتَفِعُونَ بِالآياتِ دُونَ مَن عَداهُمْ، قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَآيَةً لِمَن خافَ عَذابَ الآخِرَةِ﴾ [هود: ١٠٣] وقالَ ﴿إنَّما أنْتَ مُنْذِرُ مَن يَخْشاها﴾ [النازعات: ٤٥] وقالَ ﴿فَذَكِّرْ بِالقُرْآنِ مَن يَخافُ وعِيدِ﴾ [ق: ٤٥] وأخْبَرَ تَعالى أنَّ أهْلَ النَّجاةِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ هُمُ المُصَدِّقُونَ بِالوَعِيدِ، الخائِفُونَ مِنهُ، فَقالَ تَعالى ﴿وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَن خافَ مَقامِي وخافَ وعِيدِ﴾ [إبراهيم: ١٤]. قالَ: وأمّا مَعْرِفَةُ الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ مِنَ الأيّامِ فَإنَّها تَسْتَقِيمُ بِثَلاثَةِ أشْياءَ: سَماعُ العِلْمِ، وإجابَةُ داعِي الحُرْمَةِ، وصُحْبَةُ الصّالِحِينَ، ومِلاكُ ذَلِكَ كُلِّهِ خَلْعُ العاداتِ. يَعْنِي أنَّ السّالِكَ عَلى حَسَبِ عِلْمِهِ بِمَراتِبِ الأعْمالِ، ونَفائِسِ الكَسْبِ، تَكُونُ مَعْرِفَتُهُ بِالزِّيادَةِ والنُّقْصانِ في حالِهِ وإيمانِهِ، وكَذَلِكَ تَفَقُّدُ إجابَةِ داعِي تَعْظِيمِ حُرُماتِ اللَّهِ مِن قَلْبِهِ هَلْ هو سَرِيعُ الإجابَةِ لَها، أمْ هو بَطِيءٌ عَنْها؟ فَبِحَسَبِ إجابَةِ الدّاعِي سُرْعَةً وإبْطاءً تَكُونُ زِيادَتُهُ ونُقْصانُهُ. وَكَذَلِكَ صُحْبَةُ أرْبابِ العَزائِمِ، والمُشَمِّرِينَ إلى اللَّحاقِ بِالمَلَأِ الأعْلى يَعْرِفُ بِهِ ما مَعَهُ مِنَ الزِّيادَةِ والنُّقْصانِ. والَّذِي يَمْلِكُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ خُرُوجُهُ عَنِ العاداتِ والمَأْلُوفاتِ، وتَوْطِينُ النَّفْسِ عَلى مُفارَقَتِها، والغُرْبَةِ بَيْنَ أهْلِ الغَفْلَةِ والإعْراضِ، وما عَلى العَبْدِ أضَرُّ مِن مِلْكِ العاداتِ لَهُ، وما عارَضَ الكُفّارُ الرُّسُلَ إلّا بِالعاداتِ المُسْتَقِرَّةِ، المَوْرُوثَةِ لَهم عَنِ الأسْلافِ الماضِينَ، فَمَن لَمْ يُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلى مُفارَقَتِها والخُرُوجِ عَنْها، والِاسْتِعْدادِ لِلْمَطْلُوبِ مِنهُ، فَهو مَقْطُوعٌ، وعَنْ فَلاحِهِ وفَوْزِهِ مَمْنُوعٌ ﴿وَلَوْ أرادُوا الخُرُوجَ لَأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ولَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهم فَثَبَّطَهم وقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القاعِدِينَ﴾ [التوبة: ٤٦].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب