الباحث القرآني

فالنفس الواحدة وزوجها آدم وحواء، واللذان جعلا له شركاء فيما آتاهما المشركون من أولادهما، ولا يلتفت إلى غير ذلك مما قيل إن آدم وحواء كانا لا يعيش لهما ولد فأتاهما إبليس فقال إن أحببتما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث ففعلا فإن الله سبحانه اجتباه وهداه فلم يكن ليشرك به بعد ذلك. * (فصل) [عِلَّةُ العِشْقِ] والعِشْقُ مُرَكَّبٌ مِن أمْرَيْنِ: اسْتِحْسانٍ لِلْمَعْشُوقِ، وطَمَعٍ في الوُصُولِ إلَيْهِ، فَمَتى انْتَفى أحَدُهُما انْتَفى العِشْقُ، وقَدْ أعْيَتْ عِلَّةُ العِشْقِ عَلى كَثِيرٍ مِنَ العُقَلاءِ، وتَكَلَّمَ فِيها بَعْضُهم بِكَلامٍ يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهِ إلى الصَّوابِ. فَنَقُولُ: قَدِ اسْتَقَرَّتْ حِكْمَةُ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - في خَلْقِهِ وأمْرِهِ عَلى وُقُوعِ التَّناسُبِ والتَّآلُفِ بَيْنَ الأشْباهِ، وانْجِذابِ الشَّيْءِ إلى مُوافِقِهِ ومُجانِسِهِ بِالطَّبْعِ، وهُرُوبِهِ مِن مُخالِفِهِ، ونُفْرَتِهِ عَنْهُ بِالطَّبْعِ، فَسِرُّ التَّمازُجِ والِاتِّصالِ في العالَمِ العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ، إنَّما هو التَّناسُبُ والتَّشاكُلُ، والتَّوافُقُ، وسِرُّ التَّبايُنِ والِانْفِصالِ إنَّما هو بِعَدَمِ التَّشاكُلِ والتَّناسُبِ، وعَلى ذَلِكَ قامَ الخَلْقُ والأمْرُ، فالمِثْلُ إلى مِثْلِهِ مائِلٌ، وإلَيْهِ صائِرٌ، والضِّدُّ عَنْ ضِدِّهِ هارِبٌ وعَنْهُ نافِرٌ، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وجَعَلَ مِنها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إلَيْها﴾ [الأعراف: ١٨٩]، فَجَعَلَ سُبْحانَهُ عِلَّةَ سُكُونِ الرَّجُلِ إلى امْرَأتِهِ كَوْنَها مِن جِنْسِهِ وجَوْهَرِهِ، فَعِلَّةُ السُّكُونِ المَذْكُورِ - وهو الحُبُّ - كَوْنُها مِنهُ، فَدَلَّ عَلى أنَّ العِلَّةَ لَيْسَتْ بِحُسْنِ الصُّورَةِ، ولا المُوافَقَةِ في القَصْدِ والإرادَةِ، ولا في الخُلُقِ والهَدْيِ، وإنْ كانَتْ هَذِهِ أيْضًا مِن أسْبابِ السُّكُونِ والمَحَبَّةِ. وَقَدْ ثَبَتَ في " الصَّحِيحِ " عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «الأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَما تَعارَفَ مِنها ائْتَلَفَ، وما تَناكَرَ مِنها اخْتَلَفَ»، وفي " مُسْنَدِ الإمامِ أحْمَدَ "، وغَيْرِهِ في سَبَبِ هَذا الحَدِيثِ: أنَّ امْرَأةً بِمَكَّةَ كانَتْ تُضْحِكُ النّاسَ، فَجاءَتْ إلى المَدِينَةِ، فَنَزَلَتْ عَلى امْرَأةٍ تُضْحِكُ النّاسَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الأرْواحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ» الحَدِيثَ. وَقَدِ اسْتَقَرَّتْ شَرِيعَتُهُ سُبْحانَهُ أنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ حُكْمُ مِثْلِهِ، فَلا تُفَرَّقُ شَرِيعَتُهُ بَيْنَ مُتَماثِلَيْنِ أبَدًا، ولا تَجْمَعُ بَيْنَ مُتَضادَّيْنِ، ومَن ظَنَّ خِلافَ ذَلِكَ، فَإمّا لِقِلَّةِ عِلْمِهِ بِالشَّرِيعَةِ، وإمّا لِتَقْصِيرِهِ في مَعْرِفَةِ التَّماثُلِ والِاخْتِلافِ، وإمّا لِنِسْبَتِهِ إلى شَرِيعَتِهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا، بَلْ يَكُونُ مِن آراءِ الرِّجالِ، فَبِحِكْمَتِهِ وعَدْلِهِ ظَهَرَ خَلْقُهُ وشَرْعُهُ، وبِالعَدْلِ والمِيزانِ قامَ الخَلْقُ والشَّرْعُ، وهو التَّسْوِيَةُ بَيْنَ المُتَماثِلَيْنِ، والتَّفْرِيقُ بَيْنَ المُخْتَلِفَيْنِ. وَهَذا كَما أنَّهُ ثابِتٌ في الدُّنْيا، فَهو كَذَلِكَ يَوْمَ القِيامَةِ. قالَ تَعالى: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وأزْواجَهم وما كانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فاهْدُوهم إلى صِراطِ الجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٢٢]. قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وبَعْدَهُ الإمامُ أحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ: «أزْواجُهم أشْباهُهم ونُظَراؤُهُمْ». وَقالَ تَعالى: ﴿وَإذا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [التكوير: ٧] أيْ: قَرَنَ كُلَّ صاحِبِ عَمَلٍ بِشَكْلِهِ ونَظِيرِهِ، فَقَرَنَ بَيْنَ المُتَحابَّيْنِ في اللَّهِ في الجَنَّةِ، وقَرَنَ بَيْنَ المُتَحابَّيْنِ في طاعَةِ الشَّيْطانِ في الجَحِيمِ، فالمَرْءُ مَعَ مَن أحَبَّ شاءَ أوْ أبى، وفي " مُسْتَدْرَكِ الحاكِمِ "، وغَيْرِهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «لا يُحِبُّ المَرْءُ قَوْمًا إلّا حُشِرَ مَعَهُمْ».
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب