الباحث القرآني
وأما في عرصة القيامة فقال تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ويُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾
فهذا صريح في أن الله يدعو الخلائق إلى السجود يوم القيامة، وأن الكفار يحال بينهم وبين السجود إذ ذاك، ويكون هذا التكليف، بما لا يطاق حينئذ حسًا عقوبة لهم، لأنهم كلفوا به في الدنيا وهم يطيقونه فلما امتنعوا منه وهو مقدور لهم كلفوا به وهم لا يقدرون عليه حسرة عليهم وعقوبة لهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَقدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ وهم سالِمُونَ﴾ [القلم: ٤٣]
يعني أصحابه لا أحد يمنعهم منه فلما تركوه وهم سالمون دعوا إليه في وقت حيل بينهم وبينه كما في الصحيح من حديث زيد ابن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد رضي الله عنه:
"إن ناسًا قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا" - فذكر الحديث بطوله، إلى أن قال - "فيقول تتبع كل أُمه ما كانت تعبد فيقول المؤمنون: فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم.
فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئًا - مرتين أو ثلاثًا - حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها"
فيقولون نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل الله ظهره:" طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر على قفاه ثم يرفعون رؤوسهم"
وذكر الحديث.
وهذا التكليف نظير تكليف البرزخ بالمسألة، فمن أجاب في الدنيا طوعًا واختيارًا أجاب في البرزخ، ومن امتنع من الإجابة في الدنيا منع منها في البرزخ ولم يكن تكليفه في الحال وهو غير قادر قبيحًا، بل هو مقتضى الحكمة الإلهية، لأنه كلف وقت القدرة فأبى، فإذا كلف وقت العجز وقد حيل بينه وبين الفعل كان عقوبة له وحسرة.
والمقصود أن التكليف لا ينقطع إلا بعد دخول الجنة أو النار، وقد تقدم أن حديث الأسود بن سريع صحيح، وفيه التكليف في عرصة القيامة. فهو مطابق لما ذكرنا من النصوص الصحيحة الصريحة.
* وقال في (اجتماع الجيوش الإسلامية)
تَأمَّلْ ما رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ مِن حَدِيثِ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.
وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الوُرُودِ فَقالَ: («نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ القِيامَةِ " عَلى تَلٍّ " فَوْقَ النّاسِ قالَ: فَتُدْعى الأُمَمُ بِأوْثانِها وما كانَتْ تَعْبُدُ الأوَّلَ فالأوَّلَ، ثُمَّ يَأْتِينا رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالى بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: مَن تَنْتَظِرُونَ؟ فَيَقُولُونَ نَنْتَظِرُ رَبَّنا. فَيَقُولُ: أنا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ: حَتّى نَنْظُرَ إلَيْكَ، فَيَتَجَلّى لَهم يَضْحَكُ، قالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ ويَتْبَعُونَهُ ويُعْطى كُلُّ إنْسانٍ مِنهم مُنافِقٍ أوْ مُؤْمِنٍ نُورًا ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ وعَلى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلالِيبَ وحَسَكٍ تَأْخُذُ مَن شاءَ اللَّهُ تَعالى ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ المُنافِقِينَ ثُمَّ يَنْجُو المُؤْمِنُونَ
فَيَنْجُو أوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهم كالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ سَبْعُونَ ألْفًا لا يُحاسَبُونَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم كَأضْواءِ نَجْمٍ في السَّماءِ، ثُمَّ كَذَلِكَ ثُمَّ تُحَلُّ الشَّفاعَةُ ويُشَفَّعُونَ حَتّى يَخْرُجَ مِنَ النّارِ مَن قالَ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وكانَ في قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ ما يَزِنُ شَعِيرَةً فَيُجْعَلُونَ بِفَناءِ الجَنَّةِ ويَجْعَلُ أهْلُ الجَنَّةِ يَرُشُّونَ عَلَيْهِمُ الماءَ». وذَكَرَ باقِي الحَدِيثِ.
فَتَأمَّلْ قَوْلَهُ: «فَيَنْطَلِقُ فَيَتْبَعُونَهُ ويُعْطى كُلُّ إنْسانٍ مِنهم نُورًا المُنافِقِ والمُؤْمِنِ»، ثُمَّ تَأمَّلْ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وتَرَكَهم في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ﴾ [البقرة: ١٧] الآيَةَ.
وَتَأمَّلْ حالَهم إذا أُطْفِئَتْ أنْوارُهم فَبَقُوا في الظُّلْمَةِ وقَدْ ذَهَبَ المُؤْمِنُونَ في نُورِ إيمانِهِمْ يَتَّبِعُونَ رَبَّهم عَزَّ وجَلَّ، وتَأمَّلْ قَوْلَهُ ﷺ في حَدِيثِ الشَّفاعَةِ «لِتَتْبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ ما كانَتْ تَعْبُدُ» " فَيَتْبَعُ كُلُّ " مُشْرِكٍ إلَهَهُ الَّذِي كانَ يَعْبُدُهُ. والمُوَحِّدُ حَقِيقٌ بِأنْ يَتْبَعَ الإلَهَ الحَقَّ الَّذِي كُلُّ مَعْبُودٍ سِواهُ باطِلٌ، وتَأمَّلْ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ويُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: ٤٢] وذَكَرَ هَذِهِ الآيَةَ في حَدِيثِ الشَّفاعَةِ في هَذا المَوْضِعِ، وقَوْلَهُ في الحَدِيثِ: فَيُكْشَفُ عَنْ ساقِهِ، وهَذِهِ الإضافَةُ تُبَيِّنُ المُرادَ بِالسّاقِ المَذْكُورِ في الآيَةِ.
وَتَأمَّلْ ذِكْرِ الِانْطِلاقِ واتِّباعِهِ سُبْحانَهُ، بَعْدَ هَذا وذَلِكَ يَفْتَحُ لَكَ بابًا مِن أسْرارِ التَّوْحِيدِ وفَهْمِ القُرْآنِ ومُعامَلَةِ اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى لِأهْلِ تَوْحِيدِهِ الَّذِينَ عَبَدُوهُ وحْدَهُ ولَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، هَذِهِ المُعامَلَةُ الَّتِي عامَلَ بِمُقابِلِها أهْلَ الشِّرْكِ حَيْثُ ذَهَبَتْ كُلُّ أُمَّةٍ مَعَ مَعْبُودِها فانْطَلَقَ بِها واتَّبَعَتْهُ إلى النّارِ، وانْطَلَقَ المَعْبُودُ الحَقُّ واتَّبَعَهُ أوْلِياؤُهُ وعابِدُوهُ فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ العالَمِينَ الَّذِي قَرَّتْ عُيُونُ أهْلِ التَّوْحِيدِ بِهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ وفارَقُوا النّاسَ فِيهِ أحْوَجَ ما كانُوا إلَيْهِمْ.
{"ayahs_start":42,"ayahs":["یَوۡمَ یُكۡشَفُ عَن سَاقࣲ وَیُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا یَسۡتَطِیعُونَ","خَـٰشِعَةً أَبۡصَـٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةࣱۖ وَقَدۡ كَانُوا۟ یُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمۡ سَـٰلِمُونَ"],"ayah":"یَوۡمَ یُكۡشَفُ عَن سَاقࣲ وَیُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا یَسۡتَطِیعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق