الباحث القرآني
* (فصل)
ومن ذلك قوله تعالى ﴿نْ والقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾
الصحيح أن ن وق وص من حروف الهجاء التي يفتتح بها الرب سبحانه بعض السور وهي أحادية وثنائية وثلاثية ورباعية وخماسية ولم تجاوز الخمسة ولم تذكر قط في أول سورة إلا وعقبها بذكر القرآن إما مقسمًا به وإما مخبرًا عنه ما خلا سورتين سورة كهيعص ون كقوله ﴿الم ذَلِكَ الكِتابُ﴾ ﴿الم اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو الحَيُّ القَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ﴾ ﴿المص كِتابٌ أُنْزِلَ إلَيْكَ﴾ ﴿المر تِلْكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ﴾
وهكذا إلى آخره ففي هذا تنبيه على شرف هذه الحروف وعظم قدرها وجلالتها إذ هي مباني كلامه وكتبه التي تكلم سبحانه بها وأنزلها على رسله وهدى بها عباده وعرفهم بواسطتها نفسه وأسماءه وصفاته وأفعاله وأمره ونهيه ووعيده ووعده وعرفهم بها الخير والشر والحسن والقبيح وأقدرهم على التكلم بها بحيث يبلغون بها أقصى ما في أنفسهم بأسهل طريق وقلة كلفة ومشقة وأوصله إلى المقصود وأدله عليه وهذا من أعظم نعمه عليهم كما هو من أعظم آياته ولهذا عاب سبحانه على من عبد إلهًا لا يتكلم وامتن على عباده بأن أقدرهم على البيان بها بالتكلم فكان في ذكر هذه الحروف التنبيه على كمال ربوبيته وكمال إحسانه وإنعامه فهي أولى أن يقسم بها من الليل والنهار والشمس والقمر والسماء والنجوم وغيرها من المخلوقات فهي دالة أظهر دلالة على وحدانيته وقدرته وحكمته وكماله وكلامه وصدق رسله.
وقد جمع سبحانه بين الأمرين أعني القرآن ونطق اللسان وجعل تعليمها من تمام نعمته وامتنانه كما قال ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ القُرْآنَ خَلَقَ الإنْسانَ عَلَّمَهُ البَيانَ﴾
فبهذه الحروف علم القرآن وبها علم البيان وبها فضل الإنسان على سائر أنواع الحيوان وبها أنزل كتبه وبها أرسل رسله وبها جمعت العلوم وحفظت وبها انتظمت مصالح العباد في المعاش والمعاد وبها يتميز الحق من الباطل والصحيح من الفاسد وبها جمعت أشتات العلوم وبها أمكن تنقلها في الأذهان وكم جلب بها من نعمة ودفع بها من نقمة وأقيلت بها من عثرة وأقيمت بها من حرمة وهدى بها من ضلالة وأقيم بها من حق وهدم بها من باطل فآياته سبحانه في تعليم البيان كآياته في خلق الإنسان ولولا عجائب صنع الله ما ثبتت تلك الفضائل في لحم ولا عصب فسبحان من هذا صنعه في هواء يخرج من قصبة الرئة فينضم في الحلقوم وينفرش في أقصى الحلق ووسطه وآخره وأعلاه وأسفله وعلى وسط اللسان وأطرافه وبين الثنايا وفي الشفتين والخيشوم فيسمع له عند كل مقطع من تلك المقاطع صوت غير صوت المقطع المجاور له فإذا هو حرف
فألهم سبحانه الإنسان بضم بعضها إلى بعض فإذا هي كلمات قائمة بأنفسها ثم ألهمهم تأليف تلك الكلمات بعضها إلى بعض وإذا هي كلام دال على أنواع المعاني أمرًا ونهيًا وخبرًا واستخبارًا ونفيًا وإثباتًا وإقرارًا وإنكارًا وتصديقًا وتكذيبًا وإيجابا واستحبابا وسؤالا وجوابا إلى غير ذلك من أنواع الخطاب نظمه ونثره ووجيزه ومطوله على اختلاف لغات الخلائق كل ذلك صنعه تبارك وتعالى في هواء مجرد خارج من باطن الإنسان إلى ظاهره في مجار قد هيئت وأعدت لتقطيعه وتفصيله ثم تأليفه وتوصيله فتبارك الله رب العالمين وأحسن الخالقين فهذا شأن الحرف المخلوق.
وأما الحرف الذي به تكون المخلوقات فشأنه أعلى وأجل وإذا كان هذا شأن الحروف فحقيق أن تفتتح بها السور كما افتتحت بالإقسام لما فيها من آيات الربوبية وأدلة الوحدانية فهي دالة على كمال قدرته سبحانه وكمال علمه وكمال حكمته وعنايته بخلقه ولطفه وإحسانه وإذا أعطيت الاستدلال بها حقه استدللت بها على المبدأ والمعاد والخلق والأمر والتوحيد
والرسالة فهي من أظهر أدلة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله وأن القرآن كلام الله تكلم به حقًا وأنزله على رسوله وحيًا وبلغه كما أوحي إليه صدقًا ولا تهمل الفكرة في كل سورة افتتحت بهذه الحروف واشتمالها على آيات هذه المطالب وتقريرها وبالله التوفيق.
* (فصل)
ثم أقسم سبحانه ب ﴿والقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ﴾
فأقسم بالكتاب وآلته وهو القلم الذي هو إحدى آياته وأول مخلوقاته الذي جرى به قدره وشرعه وكتب به الوحي وقيد به الدين وأثبتت به الشريعة وحفظت به العلوم وقامت به مصالح العباد في المعاش والمعاد فوطدت به الممالك وأمنت به السبل والمسالك وأقام في الناس أبلغ خطيب وأفصحه وأنفعه لهم وأنصحه وواعظًا تشفى مواعظه القلوب من السقم وطبيبًا يبرئ بإذنه من أنواع الألم يكسر العساكر العظيمة على أنه الضعيف الوحيد ويخاف سطوته وبأسه ذو البأس الشديد بالأقلام تدبر الأقاليم وتساس الممالك والعلم لسان الضمير يناجيه بما استتر عن الأسماع فينسج حلل المعاني في الطرفين فتعود أحسن من الوشي المرقوم ويودعها حكمه فتصير بوادر الفهوم والأقلام نظام الأفهام وكما أن اللسان يريد القلب فالقلم يريد اللسان ويولد الحروف المسموعة عن اللسان كتولد الحروف المكتوبة عن القلم والقلم يريد القلب ورسوله وترجمانه ولسانه الصامت.
* (فصل)
والأقلام متفاوتة في الرتب فأعلاها وأجلها قدرًا قلم القدر السابق الذي كتب الله به مقادير الخلائق كما في سنن أبي داود عن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله يقول " إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال يا رب وما أكتب قال أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة " واختلف العلماء هل القلم أو المخلوقات أو العرش على قولين ذكرهما الحافظ أبو يعلى الهمداني أصحهما أن العرش قبل القلم لما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله "قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف عام عرشه على الماء" فهذا صريح أن التقدير وقع قبل خلق العرش والتقدير وقع عند أول خلق القلم لحديث عبادة هذا ولا يخلو قوله إن أول ما خلق الله القلم إلى آخره إما أن يكون جملة أو جملتين فإن كان جملة وهو الصحيح كان معناه أنه عند أول خلقه قال له أكتب كما في لفظ أول ما خلق الله القلم قال له أكتب بنصب أول والقلم فإن كانا جملتين وهو مروى برفع أول والقلم فيتعين حمله على أنه أول المخلوقات من هذا العالم ليتفق الحديثان إذ حديث عبد الله بن عمر صريح في أن العرش سابق على التقدير والتقدير مقارن لخلق القلم وفي اللفظ الآخر لما خلق الله القلم قال له اكتب
فهذا القلم أول الأقلام وأفضلها وأجلها وقد قال غير واحد من أهل التفسير أنه القلم الذي أقسم الله به.
* (فصل)
القلم الثاني قلم الوحي وهو الذي يكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله وأصحاب هذا القلم هم الحكام على العالم والعالم خدم لهم وإليهم الحل والعقد والأقلام كلها خدم لأقلامهم وقد رفع النبي ليلة الإسراء إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام فهذه الأقلام هي التي تكتب ما يوحيه الله تبارك وتعالى من الأمور التي يدبر بها أمر العالم العلوي والسفلي.
* (فصل)
والقلم الثالث قلم التوقيع عن الله ورسوله وهو قلم الفقهاء والمفتين وهذا القلم أيضًا حاكم غير محكوم عليه فإليه التحاكم
في الدماء والأموال والفروج والحقوق وأصحابه مخبرون عن الله بحكمه الذي حكم به بين عباده وأصحابه حكام وملوك على أرباب الأقلام وأقلام العالم خدم لهذا القلم
* (فصل)
القلم الرابع قلم طب الأبدان التي تحفظ بها صحتها الموجودة وترد إليها صحتها المفقودة وتدفع به عنها آفاتها وعوارضها المضادة لصحتها وهذا القلم أنفع الأقلام بعد قلم طب الأديان وحاجة الناس إلى أهله تلتحق بالضرورة
* (فصل)
القلم الخامس التوقيع عن الملوك ونوابهم وسياس الملك ولهذا كان أصحابه أعز أصحاب الأقلام والمشاركون للملوك في تدبير الدول فإن صلحت أقلامهم صلحت المملكة وإن فسدت أقلامهم فسدت المملكة وهم وسائط بين الملوك ورعاياهم
* (فصل)
القلم السادس قلم الحساب وهو القلم الذي تضبط به الأموال مستخرجها ومصروفها ومقاديرها وهو قلم الأرزاق وهو قلم الكم المتصل والمنفصل الذي تضبط به المقادير وما بينها من
التفاوت والتناسب ومبناه على الصدق والعدل فإذا كذب هذ القلم وظلم فسد أمر المملكة
* (فصل)
القلم السابع قلم الحكم الذي تثبت به الحقوق وتنفذ به القضايا وتراق به الدماء وتؤخذ به الأموال والحقوق من اليد العادية فترد إلى اليد المحقة ويثبت به الإنسان وتنقطع به الخصومات وبين هذا القلم وقلم التوقيع عن الله عموم وخصوص فهذا له الفنوذ واللزوم وذاك له العموم والشمول وهو قلم قائم بالصدق فيما يثبته وبالعدل فيما يمضيه وينفذه
* (فصل)
القلم الثامن قلم الشهادة وهو القلم الذي تحفظ به الحقوق وتصان به عن الإضاعة وتحول بين الفاجر وإنكاره ويصدق الصادق ويكذب الكاذب ويشهد للمحق بحقه وعلى المبطل بباطله وهو الأمين على الدماء والفروج والأموال والإنساب والحقوق ومتى خان هذا القلم فسد العالم أعظم فساد وباستقامته يستقيم أمر العالم ومبناه على العلم وعدم الكتمان
* (فصل)
القلم التاسع قلم التعبير وهو كاتب وحي المنام وتفسيره وتعبيره وما أريد منه وهو قلم شريف جليل مترجم للوحي المنامي كاشف له وهو من الأقلام التي تصلح للدنيا والدين وهو يعتمد طهارة صاحبه ونزاهته وأمانته وتحريه للصدق والطرائق الحميدة والمناهج السديدة مع علم راسخ وصفاء باطن وحس مؤيد بالنور الإلهي ومعرفة بأحوال الخلق وهيآتهم وسيرهم وهو من ألطف الأقلام وأعمها جولانا وأوسعها تصرفًا وأشدها تشبثًا بسائر الموجودات علويها وسفليها وبالماضي والحال والمستقبل فتصرف هذا القلم في المنام هو محل ولايته وكرسي مملكته وسلطانه.
* (فصل)
القلم العاشر قلم تواريخ العالم ووقائعه وهو القلم الذي تضبط به الحوادث وتنقل من أمة إلى أمة ومن قرن إلى قرن فيحصر ما مضى من العالم وحوادثه في الخيال وينقشه في النفس حتى كأن السامع يرى ذلك ويشهده فهو قلم المعاد الروحاني وهذا القلم قلم العجائب فإنه يعيد لك العالم في صورة الخيال فتراه بقلبك وتشاهده ببصيرتك.
* (فصل)
القلم الحادي عشر قلم اللغة وتفاصيلها من شرح معاني ألفاظها ونحوها وتصريفها وأسرار تراكيبها وما يتبع ذلك من أحوالها
ووجوهها وأنواع دلالتها على المعاني وكيفية الدلالة وهو قلم التعبير عن المعاني باختيار أحسن الألفاظ وأعذبها وأسهلها وأوضحها وهذا القلم واسع التصرف جدًا بحسب سعة الألفاظ وكثرة مجاريها وتنوعها.
* (فصل)
القلم الثاني عشر القلم الجامع وهو قلم الرد على المبطلين ورفع سنة المحقين وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها وبيان تناقضهم وتهافتهم وخروجهم عن الحق ودخولهم في الباطل وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل المحاربون لأعدائهم وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل وعدو لكل مخالف للرسل فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن فهذه الأقلام التي فيها انتظام مصالح العالم ويكفي في جلالة القلم أنه لم تكتب كتب الله إلا به وأن الله سبحانه أقسم به في كتابه وتعرف إلى غيره بأن علم بالقلم وإنما وصل إلينا ما بعث به نبينا بواسطة القلم ولقد أبدع أبو تمام إذ يقول في وصفه:
؎لك القلم الأعلى الذي بشباته ∗∗∗ يصاب من الأمر الكلى والمفاصل
؎له ريقة طل ولكن وقعها ∗∗∗ بآثاره في الغرب والشرق وابل
؎لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ∗∗∗ وأرى الجنا اشتارته أيد عواسل
؎له الخلوات اللاء لولا نجيها ∗∗∗ لما احتفلت للملك تلك المحافل
؎فصيح إذا استنطقته وهو راكب ∗∗∗ وأعجم إن خاطبته وهو راجل
؎إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت ∗∗∗ عليه شعاب الفكر وهي حوافل
؎أطاعته أطراف القنا وتقوضت ∗∗∗ لنجواه تقويض الخيام الجحافل
؎إذا استغزر الذهن الذكي وأقبلت ∗∗∗ أعاليه في القرطاس وهي أسافل
؎وقد رفدته الخنصران وسددت ∗∗∗ ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل
؎رايت جليلًا شأنه وهو مرهف ∗∗∗ ضنا وسمينا خطبه وهو ناحل
* (فصل)
والمقسم عليه بالقلم والكتابة في هذه السورة تنزيه نبيه ورسوله عما يقول فيه أعداؤه وهو قوله تعالى ﴿ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾
وأنت إذا طابقت بين هذا القسم والمقسم به وجدته دالًا عليه أظهر دلالة وأبينها فإن ما سطر الكاتب بالقلم من أنواع العلوم التي يتلقاها البشر بعضهم عن بعض لا تصدر من مجنون ولا تصدر إلا من عقل وافر فكيف يصدر ما جاء به الرسول من هذا الكتاب الذي هو في أعلى درجات العلوم بل العلوم التي تضمنها ليس في قوى البشر الإتيان بها ولا سيما من أمي لا يقرأ كتابًا ولا يخط بيمينه مع
كونه في أعلى أنواع الفصاحة سليمًا من الاختلاف بريًا من التناقض يستحيل من العقلاء كلهم لو اجتمعوا في صعيد واحد أن يأتوا بمثله ولو كانوا في عقل رجل واحد منهم فكيف يتأتى ذلك من مجنون لا عقل له يميز به ما عسى كثير من الحيوان أن يميزه وهل هذا إلا من أقبح البهتان وأظهر الإفك.
فتأمل شهادة هذا المقسم به للمقسم عليه ودلالته عليه أتم دلالة ولو أن رجلًا أنشأ رسالة واحدة بديعة منتظمة الأول والآخر متساوية الأجزاء يصدق بعضها بعضًا أو قال قصيدة كذلك أو صنف كتابًا كذلك لشهد له العقلاء بالعقل ولما استجاز أحد رميه بالجنون مع إمكان بل وقوع معارضتها ومشاكلتها والإتيان بمثلها أو أحسن منها فكيف يرمى بالجنون من أتى بما عجزت العقلاء كلهم قاطبة عن معارضته ومماثلته وعرفهم من الحق ما لا تهتدي عقولهم إليه بحيث أذعنت له عقول العقلاء وخضعت له ألباب الأولياء وتلاشت في جنب ما جاء به بحيث لم يسعها إلا التسليم له والانقياد والإذعان طائعة مختارة وهي ترى عقولها أشد فقرًا وحاجة إلى ما جاء به ولا كمال لها إلا بما جاء به فهو الذي كمل عقولها كما يكمل الطفل برضاع الثدي ولهذا فإن أتباعه أعقل الخلق على الإطلاق وهذه مؤلفاتهم وكتبهم في الفنون إذا وازنت بينها وبين مؤلفات مخالفيه ظهر لك التفاوت بينها ويكفي في عقولهم أنهم عمروا الدنيا بالعلم والعدل والقلوب بالإيمان والتقوى فكيف يكون متبوعهم مجنونًا وهذا حال كتابه وهديه وسيرته وحال أتباعه وهذا إنما حصل له ولأتباعه بنعمة الله عليه وعليهم فنفى عنه الجنون بنعمته عليه.
وقد اختلف في تقدير الآية فقالت فرقة الباء في ﴿بنعمة ربك﴾ باء القسم فهو قسم آخر اعتراض بين المحكوم به والمحكوم عليه كما يقول ما أنت بالله بكاذب وهذا التقدير ضعيف جدًا لأنه قد تقدم القسم الأول فكيف يقع القسم الثاني في جوابه ولا يحسن أن تقول والله ما أنت بالله بقائم وليس هذا من فصيح الكلام ولا عهد في كلامهم وقالت فرقة العامل في بنعمة ربك أداة معنى النفي أو معنى أنفى عنك الجنون بنعمة ربك ورد أبو عمر ابن الحاجب وغيره هذا القول بأن الحروف لا تعمل معانيها وإنما تعمل ألفاظها وقال الزمخشري يتعلق ﴿بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ منفيًا كما يتعلق بعاقل مثبتًا في قولك أنت بنعمة الله عاقل يستويان في ذلك الإثبات والنفي استواءهما في قولك ضرب زيد عمرًا وما ضرب زيد عمرًا يعمل الفعل مثبتًا ومنفيًا إعمالًا واحدًا ومحله النصب على الحال أي ما أنت بمجنون منعمًا عليك بذلك ولم تمنع الباء أن يعمل مجنون فيما قبله لأنها زائدة لتأكيد النفي
واعترض عليه بأن العامل إذا تسلط على محكوم به وله معمول فإنه يجوز فيه وجهان أحدهما نفي ذلك المعمول فقط نحو قولك:
ما زيد بذاهب مسرعًا فإنه ينتفى الإسراع دون القيام ولا يمتنع أن يثبت له ذهاب في غير إسراع والثاني ينفي المحكوم به فينتفي معموله بانتفائه فينتفي الذهاب في هذه الحال فينتفي الإسراع بانتفائه فإذا جعل بنعمة ربك معمولًا لمجنون لزم أحد الأمرين وكلاهما منتف جزمًا.
وهذا الاعتراض هنا فاسد لأن المعنى إذا حصل ما أنت بمجنون منعما عليك لزم من صدق هذا الخبر نفيها قطعًا ولا يصح نفي المعمول وثبوت العامل في هذا الكلام ولا يفهم منه من له آلة الفهم وإنما يفهم الآدمي من هذا الكلام أن الجنون انتفى عنك بنعمة الله عليك وانتفى عنا ما فهمه هذا المعترض بنعمة الله علينا ثم أخبر سبحانه عن كمال حالتي نبيه في دنياه وأخراه فقال ﴿وَإنَّ لَكَ لَأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أي غير مقطوع بل هو دائم مستمر ونكر الأجر تنكير تعظيم كما قال ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً﴾ و ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآيَة﴾ و ﴿إنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرى﴾ و ﴿إنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازًا﴾ و ﴿وَإنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وحُسْنَ مَآبٍ﴾ وهو كثير وإنما كان التنكير للتعظيم لأنه صور للسامع بمنزلة أمر عظيم لا يدركه الوصف ولا يناله التعبير
{"ayahs_start":1,"ayahs":["نۤۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا یَسۡطُرُونَ","مَاۤ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونࣲ","وَإِنَّ لَكَ لَأَجۡرًا غَیۡرَ مَمۡنُونࣲ"],"ayah":"نۤۚ وَٱلۡقَلَمِ وَمَا یَسۡطُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق