الباحث القرآني

فجمع سبحانه بين النصر والرزق، فإن العبد مضطر إلى من يدفع عنه عدوه بنصره، ويجلب له منافعه برزقه، فلا بد له من ناصر ورازق. والله وحده هو الذي ينصر ويرزق، فهو الرزاق ذو القوة المتين. ومن كمال فطنة العبد ومعرفته: أن يعلم أنه إذا مسه الله بسوء لم يرفعه عنه غيره وإذا ناله بنعمة لم يرزقه إياها سواه. ويذكر أن الله تعالى أوحى إلى بعض أنبيائه: "أدْرِكْ لِى لَطِيفَ الفِطْنَةِ، وخَفِي اللُّطْفِ، فَإنِّي أُحِبُّ ذلِكَ. قالَ: يا رب وما لَطِيفُ الفِطْنَةِ؟ قالَ: إنْ وقَعَتْ عَلَيْكَ ذُبابَةٌ فاعْلَمْ أنِّي أنا أوْقَعْتُها فاسْألْنِي أرْفَعْها. قالَ: وما خَفِيُّ اللُّطْفِ؟ قالَ: إذا أتَتْكَ حَبَّةٌ فاعْلَمْ أنِّي أنا ذَكَرْتُكَ بِها" وقد قال تعالى عن السحرة: ﴿وَما هم بِضارِّينَ بِهِ مِن أحَدٍ إلا بإذْنِ اللهِ﴾ [البقرة: ١٠٢]. فهو سبحانه وحده الذي يكفي عبده وينصره ويرزقه ويكلؤه. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال: سمعت وهبا يقول: قال الله تعالى في بعض كتبه: "بِعِزَّتي، إنّهُ مَنِ اعْتَصَمَ بِي، فَإنْ كادَتْهُ السَّماواتُ بِمَن فِيهِنَّ، والأرَضُونَ بِمَن فِيهِنَّ، فَإنِّي أجْعَلُ لَهُ مِن ذلِكَ مَخْرَجًا، ومَن لَمْ يَعْتَصِمْ بِى، فَإنِّي أقْطَعُ يَدَيْهِ مِن أسْبابِ السَّماءِ وأخْسِفُ بِهِ مِن تَحْتِ قَدَمَيْهِ الأرْضَ، فَأجْعَلُهُ في الهَواءِ، ثُمَّ أكِلُهُ إلى نَفْسِهِ، كَفِّى لِعَبْدِي مَلأى، إذا كانَ عَبْدِي في طاعَتِي أعْطِيِه قَبْلَ أنْ يَسْألَني، وأسْتَجِيبُ لَهُ قَبْلَ أنْ يَدْعُوَنِي، فإنِّي أعْلَمُ بِحاجَتِهِ الَّتي تَرْفُقُ بِهِ مِنهُ". قال أحمد: وحدثنا هاشم بن القاسم حدثنا أبو سعيد المؤدب، حدثنا من سمع عطاء الخراساني قال: لقيت وهب بن منبه، وهو يطوف بالبيت، فقلت له: حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز، قال نعم: "أوْحى اللهُ تَبارَكَ وتَعالى إلى داوُدَ: يا داوُدُ، أما وعِزَّتِي وعَظَمَتِي لا يَعْتَصِمُ بِي عَبْدٌ مِن عَبِيدِي دُونَ خَلْقِي - أعْرِفُ ذلِكَ مِن نِيتهِ - فَتَكِيدُهُ السَّماواتُ السَّبْعُ ومَن فِيهِنَّ، والأرَضُونَ السَّبْعُ ومَن فِيهِنَّ إلا جَعَلْتُ لَهُ مِن بَيْنِهنَّ مَخْرَجا؛ أما وعِزَّتِي وعَظَمَتِي لا يَعْتَصِمُ عَبْدٌ مِن عِبادِي بِمَخْلُوقٍ دُوني - أعْرِفُ ذلِكَ مِن نِيَّتِهَ - إلا قَطَعْتُ أسبابَ السَّماءِ مِن يدِه، وأسَخْتُ الأرْضَ مِن تَحْتِ قَدَمَيْهِ، ثُم لا أُبالِي بِأيِّ وادٍ هَلَكَ". وهذا الوجه أظهر للعامة من الذي قبله. ولهذا خوطبوا به في القرآن أكثر من الأول ومنه دعت الرسل إلى الوجه الأول.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب