الباحث القرآني
* (فصل)
وأما البركة: فكذلك نوعان أيضا:
أحدهما: بركة هي فعله تبارك وتعالى، والفعل منها بارك ويتعدى بنفسه تارة، وبأداة على تارة، وبأداة في تارة.
والمفعول منها: مبارك وهو ما جعل كذلك فكان مباركا بجعله تعالى.
والنوع الثاني: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة والفعل، منها تبارك، ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا يصلح إلا له عز وجل.
فهو سبحانه المبارك وعبده ورسوله كما قال المسيح عليه السلام: ﴿وَجَعَلَنِي مُبارَكًا أيْنَ ما كُنْتُ﴾
فمن بارك الله فيه وعليه فهو المبارك وأما صفته تبارك فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه بقوله: ﴿تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾، ﴿تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ﴾ ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ﴾ ﴿وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما وعِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾، ﴿تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ﴾، ﴿تَبارَكَ الَّذِي إنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِن ذَلِكَ﴾، ﴿تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ في السَّماءِ بُرُوجًا﴾ أفلا تراها كيف اطردت في القرآن جارية عليه مختصة به لا تطلق على غيره وجاءت على بناء السعة والمبالغة كتعالى وتعاظم ونحوهما فجاء بناء تبارك على بناء تعالى الذي هو دال على كمال العلو ونهايته فكذلك تبارك
دال على كمال بركته وعظمها وسعتها.
وهذا معنى قول من قال من السلف: "تبارك تعاظم"
وقال آخر "معناه أن تجيء البركات من قبله فالبركة كلها منه"
وقال غيره: "كثر خيره وإحسانه إلى خلقه"
وقيل: "اتسعت رأفته ورحمته بهم"
وقيل: "تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله" ومن هنا قيل: "معناه تعالى وتعاظم"
وقيل: "تبارك تقدس والقدس الطهارة"
وقيل: "تبارك أي باسمه يبارك في كل شيء"
وقيل: "تبارك ارتفع والمبارك المرتفع ذكره البغوي"
وقيل: "تبارك أي البركة تكتسب وتنال بذكره"
وقال ابن عباس: "جاء بكل بركة"
وقيل: "معناه ثبت ودام بما لم يزل ولا يزال ذكره.
البغوي أيضا" وحقيقة اللفظة: أن البركة كثرة الخير ودوامه، ولا أحد أحق بذلك وصفا وفعلا منه تبارك وتعالى.
وتفسير السلف يدور على هذين المعنيين وهما متلازمان لكن الأليق باللفظة معنى الوصف لا الفعل، فإنه فعل لازم مثل تعالى وتقدس وتعاظم ومثل هذه الألفاظ ليس معناها أنه جعل غيره عاليا ولا قدوسا ولا عظيما هذا مما لا يحتمله اللفظ بوجه وإنما معناها في نفس من نسبت إليه فهو المتعالي المتقدس.
فكذلك تبارك لا يصح أن يكون معناها بارك في غيره وأين أحدهما من الآخر لفظا ومعنى، هذا لازم وهذا متعد، فعلمت أن من فسر تبارك بمعنى ألقى البركة وبارك في غيره لم يصب معناها وإن كان هذا من لوازم كونه متباركا فتبارك من باب مجد والمجد كثرة صفات الجلال والسعة والفضل وبارك من باب أعطى وأنعم، ولما كان المتعدي في ذلك يستلزم اللازم من غير عكس فسر من فسر من السلف اللفظة بالمتعدي لينتظم المعنيين فقال: مجيء البركة كلها من عنده أو البركة كلها من قبله وهذا فرع على تبارك في نفسه وقد أشبعنا القول في هذا في كتاب الفتح المكي وبينا هناك أن البركة كلها له تعالى، ومنه فهو المبارك ومن ألقى عليه بركته فهو المبارك، ولهذا كان كتابه مباركا وبيته مباركا والأزمنة والأمكنة التي شرفها واختصها عن غيرها مباركة فليلة القدر مباركة وما حول الأقصى مبارك وأرض الشام وصفها بالبركة في أربعة مواضع من كتابه أو خمسة وتدبر قول النبي ﷺ في حديث ثوبان الذي رواه مسلم في صحيحه عند انصرافه من الصلاة:
"اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام "
رواه مسلم وأبو داود وأحمد.
فتأمل هذه الألفاظ الكريمة كيف جمعت نوعي الثناء أعني ثناء التنزيه والتسبيح وثناء الحمد والتمجيد بأبلغ لفظ وأوجزه وأتمه معنى فأخبر أنه السلام ومنه السلام فالسلام له وصفا وملكا وقد تقدم بيان هذا في وصفه تعالى بالسلام وأن صفات كماله ونعوت جلاله وأفعاله وأسمائه كلها سلام وكذا الحمد كله له وصفا وملكا فهو المحمود في ذاته وهو الذي يجعل من يشاء من عباده محمودا فيهبه حمدا من عنده وكذلك العزة كلها له وصفا وملكا وهو العزيز الذي لا شيء أعز منه ومن عز من عباده فبإعزازه له وكذلك الرحمة كلها له وصفا وملكا وكذلك البركة فهو المتبارك في ذاته الذي يبارك فيمن شاء من خلقه وعليه فيصير بذلك مباركا ﴿فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العالَمِينَ﴾ ﴿وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما وعِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
وهذا بساط وإنما غاية معارف العلماء الدنو من أول حواشيه وأطرافه وأما ما وراء ذلك فكما قال أعلم الخلق بالله وأقربهم إلى الله وأعظمهم عنده جاها
"لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"
رواه مسلم.
{"ayah":"تَبَـٰرَكَ ٱلَّذِی بِیَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق