الباحث القرآني
قال ابن القيم - بعد كلام -:
فَإنْ قِيلَ: بَقِيَ عَلَيْكم شَيْءٌ واحِدٌ وهو أنَّ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿أسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِن وُجْدِكُمْ﴾ إنَّما هو في البَوائِنِ لا في الرَّجْعِيّاتِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَقِيبَهُ: ﴿وَلا تُضارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وإنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾
فَهَذا في البائِنِ؛ إذْ لَوْ كانَتْ رَجْعِيَّةً لَما قَيَّدَ النَّفَقَةَ عَلَيْها بِالحَمْلِ ولَكانَ عَدِيمَ التَّأْثِيرِ، فَإنَّها تَسْتَحِقُّها حائِلًا كانَتْ أوْ حامِلًا، والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في (أسْكِنُوهُنَّ) هو والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ ﴿وَإنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ﴾ واحِدٌ.
فالجَوابُ: أنَّ مَوْرِدَ هَذا السُّؤالِ إمّا أنْ يَكُونَ مِنَ المُوجِبِينَ النَّفَقَةَ والسُّكْنى، أوْ مِمَّنْ يُوجِبُ السُّكْنى دُونَ النَّفَقَةِ، فَإنْ كانَ الأوَّلَ: فالآيَةُ عَلى زَعْمِهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ سُبْحانَهُ شَرَطَ في إيجابِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ كَوْنَهُنَّ حَوامِلَ، والحُكْمُ المُعَلَّقُ عَلى الشَّرْطِ يَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفائِهِ فَدَلَّ عَلى أنَّ البائِنَ الحائِلَ لا نَفَقَةَ لَها.
فَإنْ قِيلَ: فَهَذِهِ دَلالَةٌ عَلى المَفْهُومِ ولا يَقُولُ بِها.
قِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ مِن دَلالَةِ المَفْهُومِ، بَلْ مِنِ انْتِفاءِ الحُكْمِ عِنْدَ انْتِفاءِ شَرْطِهِ، فَلَوْ بَقِيَ الحُكْمُ بَعْدَ انْتِفائِهِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا، وإنْ كانَ مِمَن يُوجِبُ السُّكْنى وحْدَها فَيُقالُ لَهُ: لَيْسَ في الآيَةِ ضَمِيرٌ واحِدٌ يَخُصُّ البائِنَ، بَلْ ضَمائِرُها نَوْعانِ: نَوْعٌ يَخُصُّ الرَّجْعِيَّةَ قَطْعًا، كَقَوْلِهِ ﴿فَإذا بَلَغْنَ أجَلَهُنَّ فَأمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾
وَنَوْعٌ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ لِلْبائِنِ وأنْ يَكُونَ لِلرَّجْعِيَّةِ وأنْ يَكُونَ لَهُما وهو قَوْلُهُ: ﴿لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ ولا يَخْرُجْنَ﴾
وَقَوْلُهُ ﴿أسْكِنُوهُنَّ مِن حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِن وُجْدِكُمْ﴾
فَحَمْلُهُ عَلى الرَّجْعِيَّةِ هو المُتَعَيَّنُ لِتَتَّحِدَ الضَّمائِرُ ومُفَسِّرُها، فَلَوْ حُمِلَ عَلى غَيْرِها لَزِمَ اخْتِلافُ الضَّمائِرِ ومُفَسِّرِها وهو خِلافُ الأصْلِ والحَمْلُ عَلى الأصْلِ أوْلى.
فَإنْ قِيلَ: فَما الفائِدَةُ في تَخْصِيصِ نَفَقَةِ الرَّجْعِيَّةِ بِكَوْنِها حامِلًا؟
قِيلَ: لَيْسَ في الآيَةِ ما يَقْتَضِي أنَّهُ لا نَفَقَةَ لِلرَّجْعِيَّةِ الحائِلِ، بَلِ الرَّجْعِيَّةُ نَوْعانِ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهُما في كِتابِهِ: حائِلٌ: فَلَها النَّفَقَةُ بِعَقْدِ الزَّوْجِيَّةِ إذْ حُكْمُها حُكْمُ الأزْواجِ، أوْ حامِلٌ: فَلَها النَّفَقَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ إلى أنْ تَضَعَ حَمْلَها، فَتَصِيرُ النَّفَقَةُ بَعْدَ الوَضْعِ نَفَقَةَ قَرِيبٍ لا نَفَقَةَ زَوْجٍ، فَيُخالِفُ حالُها قَبْلَ الوَضْعِ حالَها بَعْدَهُ، فَإنَّ الزَّوْجَ يُنْفِقُ عَلَيْها وحْدَهُ إذا كانَتْ حامِلًا، فَإذا وضَعَتْ صارَتْ نَفَقَتُها عَلى مَن تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الطِّفْلِ، ولا يَكُونُ حالُها في حالِ حَمْلِها كَذَلِكَ، بِحَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُها عَلى مَن تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الطِّفْلِ، فَإنَّهُ في حالِ حَمْلِها جُزْءٌ مِن أجْزائِها، فَإذا انْفَصَلَ كانَ لَهُ حُكْمٌ آخَرُ، وانْتَقَلَتِ النَّفَقَةُ مِن حُكْمٍ إلى حُكْمٍ، فَظَهَرَتْ فائِدَةُ التَّقْيِيدِ وسِرُّ الِاشْتِراطِ، واللَّهُ أعْلَمُ بِما أرادَ مِن كَلامِهِ.
{"ayah":"أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ وَلَا تُضَاۤرُّوهُنَّ لِتُضَیِّقُوا۟ عَلَیۡهِنَّۚ وَإِن كُنَّ أُو۟لَـٰتِ حَمۡلࣲ فَأَنفِقُوا۟ عَلَیۡهِنَّ حَتَّىٰ یَضَعۡنَ حَمۡلَهُنَّۚ فَإِنۡ أَرۡضَعۡنَ لَكُمۡ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأۡتَمِرُوا۟ بَیۡنَكُم بِمَعۡرُوفࣲۖ وَإِن تَعَاسَرۡتُمۡ فَسَتُرۡضِعُ لَهُۥۤ أُخۡرَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق