الباحث القرآني
* [فَصْلٌ: مَنزِلَةُ السَّماعِ]
وَمِن مَنازِلِ ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ مَنزِلَةُ السَّماعِ.
وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ كالنَّباتِ، وقَدْ أمَرَ اللَّهُ بِهِ في كِتابِهِ، وأثْنى عَلى أهْلِهِ، وأخْبَرَ أنَّ البُشْرى لَهُمْ، فَقالَ تَعالى ﴿واتَّقُوا اللَّهَ واسْمَعُوا﴾ [المائدة: ١٠٨]
وَقالَ ﴿واسْمَعُوا وأطِيعُوا﴾ [التغابن: ١٦]
وَقالَ ﴿وَلَوْ أنَّهم قالُوا سَمِعْنا وأطَعْنا واسْمَعْ وانْظُرْنا لَكانَ خَيْرًا لَهم وأقْوَمَ﴾ [النساء: ٤٦]
وَقالَ ﴿فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وأُولَئِكَ هم أُولُو الألْبابِ﴾ [الزمر: ١٧]
وَقالَ ﴿وَإذا قُرِئَ القُرْآنُ فاسْتَمِعُوا لَهُ وأنْصِتُوا﴾ [الأعراف: ٢٠٤]
وَقالَ ﴿وَإذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرى أعْيُنَهم تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ﴾ [المائدة: ٨٣].
وَجَعَلَ الإسْماعَ مِنهُ والسَّماعَ مِنهم دَلِيلًا عَلى عِلْمِ الخَيْرِ فِيهِمْ، وعَدَمَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلى عَدَمِ الخَيْرِ فِيهِمْ، فَقالَ ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهم ولَوْ أسْمَعَهم لَتَوَلَّوْا وهم مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: ٢٣].
وَأخْبَرَ عَنْ أعْدائِهِ أنَّهم هَجَرُوا السَّماعَ ونَهَوْا عَنْهُ، فَقالَ ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذا القُرْآنِ والغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦].
فالسَّماعُ رَسُولُ الإيمانِ إلى القَلْبِ وداعِيهِ ومُعْلِمُهُ، وكَمْ في القُرْآنِ مِن قَوْلِهِ: ﴿أفَلا يَسْمَعُونَ﴾ [السجدة: ٢٦]
وَقالَ ﴿أفَلَمْ يَسِيرُوا في الأرْضِ فَتَكُونَ لَهم قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها﴾ [الحج: ٤٦] الآيَةَ.
فالسَّماعُ أصْلُ العَقْلِ، وأساسُ الإيمانِ الَّذِي انْبَنى عَلَيْهِ، وهو رائِدُهُ وجَلِيسُهُ ووَزِيرُهُ، ولَكِنَّ الشَّأْنَ كُلَّ الشَّأْنِ في المَسْمُوعِ، وفِيهِ وقَعَ خَبْطُ النّاسِ واخْتِلافُهُمْ، وغَلِطَ مِنهم مَن غَلِطَ.
وَحَقِيقَةُ السَّماعِ تَنْبِيهُ القَلْبِ عَلى مَعانِي المَسْمُوعِ، وتَحْرِيكُهُ عَنْها طَلَبًا وهَرَبًا وحُبًّا وبُغْضًا، فَهو حادٍ يَحْدُو بِكُلِّ أحَدٍ إلى وطَنِهِ ومَأْلَفِهِ.
وَأصْحابُ السَّماعِ، مِنهُمْ: مَن يَسْمَعُ بِطَبْعِهِ ونَفْسِهِ وهَواهُ، فَهَذا حَظُّهُ مِن مَسْمُوعِهِ ما وافَقَ طَبْعَهُ.
وَمِنهم مَن يَسْمَعُ بِحالِهِ وإيمانِهِ ومَعْرِفَتِهِ وعَقْلِهِ، فَهَذا يُفْتَحُ لَهُ مِنَ المَسْمُوعِ بِحَسَبَ اسْتِعْدادِهِ وقُوَّتِهِ ومادَّتِهِ.
وَمِنهم مَن يَسْمَعُ بِاللَّهِ، لا يَسْمَعُ بِغَيْرِهِ، كَما في الحَدِيثِ الإلَهِيِّ الصَّحِيحِ " فَبِي يَسْمَعُ، وبِي يُبْصِرُ " وهَذا أعْلى سَماعًا، وأصَحُّ مِن كُلِّ أحَدٍ.
والكَلامُ في السَّماعِ مَدْحًا وذَمًّا يُحْتاجُ فِيهِ إلى مَعْرِفَةِ صُورَةِ المَسْمُوعِ، وحَقِيقَتِهِ وسَبَبِهِ، والباعِثِ عَلَيْهِ، وثَمَرَتِهِ وغايَتِهِ، فَبِهَذِهِ الفُصُولِ الثَّلاثَةِ يَتَحَرَّرُ أمْرُ السَّماعِ ويَتَمَيَّزُ النّافِعُ مِنهُ والضّارُّ، والحَقُّ والباطِلُ، والمَمْدُوحُ والمَذْمُومُ.
فَأمّا المَسْمُوعُ فَعَلى ثَلاثَةِ أضْرُبٍ:
أحَدُها: مَسْمُوعٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ ويَرْضاهُ، وأمَرَ بِهِ عِبادَهُ، وأثْنى عَلى أهْلِهِ، ورَضِيَ عَنْهم بِهِ.
الثّانِي: مَسْمُوعٌ يُبْغِضُهُ ويَكْرَهُهُ، ونَهى عَنْهُ، ومَدَحَ المُعْرِضِينَ عَنْهُ.
الثّالِثُ: مَسْمُوعٌ مُباحٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، لا يُحِبُّهُ ولا يُبْغِضُهُ، ولا مَدَحَ صاحِبَهُ ولا ذَمَّهُ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ سائِرِ المُباحاتِ مِنَ المَناظِرِ، والمَشامِّ، والمَطْعُوماتِ، والمَلْبُوساتِ المُباحَةِ، فَمَن حَرَّمَ هَذا النَّوْعَ الثّالِثَ فَقَدْ قالَ عَلى اللَّهِ ما لا يَعْلَمُ، وحَرَّمَ ما أحَلَّ اللَّهُ، ومَن جَعَلَهُ دِينًا وقُرْبَةً يَتَقَرَّبُ بِهِ إلى اللَّهِ، فَقَدْ كَذَبَ عَلى اللَّهِ، وشَرَعَ دِينًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وضاهَأ بِذَلِكَ المُشْرِكِينَ.
* [فَصْلٌ: السَّماعُ الَّذِي يَمْدَحُهُ اللَّهُ]
فَأمّا النَّوْعُ الأوَّلُ فَهو السَّماعُ الَّذِي مَدَحَهُ اللَّهُ في كِتابِهِ، وأمَرَ بِهِ وأثْنى عَلى أصْحابِهِ، وذَمَّ المُعْرِضِينَ عَنْهُ ولَعَنَهُمْ، وجَعَلَهم أضَلَّ مِنَ الأنْعامِ سَبِيلًا، وهُمُ القائِلُونَ في النّارِ ﴿لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ ما كُنّا في أصْحابِ السَّعِيرِ﴾ [الملك: ١٠]
وَهُوَ سَماعُ آياتِهِ المَتْلُوَّةِ الَّتِي أنْزَلَها عَلى رَسُولِهِ، فَهَذا السَّماعُ أساسُ الإيمانِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ بِناؤُهُ، وهو عَلى ثَلاثَةِ أنْواعٍ، سَماعِ إدْراكٍ بِحاسَّةِ الأُذُنِ، وسَماعِ فَهْمٍ وعَقْلٍ، وسَماعِ فَهْمٍ وإجابَةٍ وقَبُولٍ، والثَّلاثَةُ في القُرْآنِ.
فَأمّا سَماعُ الإدْراكِ فَفي قَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنْ مُؤْمِنِي الجِنِّ قَوْلَهم ﴿إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إلى الرُّشْدِ فَآمَنّا بِهِ﴾ [الجن: ١] وقَوْلِهِ: ﴿ياقَوْمَنا إنّا سَمِعْنا كِتابًا أُنْزِلَ مِن بَعْدِ مُوسى﴾ [الأحقاف: ٣٠] الآيَةَ، فَهَذا سَماعُ إدْراكٍ اتَّصَلَ بِهِ الإيمانُ والإجابَةُ
وَأمّا سَماعُ الفَهْمِ فَهو المَنفِيُّ عَنْ أهْلِ الإعْراضِ والغَفْلَةِ، بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ﴾ [الروم: ٥٢]
وَقَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشاءُ وما أنْتَ بِمُسْمِعٍ مَن في القُبُورِ﴾ [فاطر: ٢٢].
فالتَّخْصِيصُ هاهُنا لِإسْماعِ الفَهْمِ والعَقْلِ، وإلّا فالسَّمْعُ العامُّ الَّذِي قامَتْ بِهِ الحُجَّةُ لا تَخْصِيصَ فِيهِ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهم ولَوْ أسْمَعَهم لَتَوَلَّوْا وهم مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: ٢٣]
أيْ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ في هَؤُلاءِ الكُفّارِ قَبُولًا وانْقِيادًا لَأفْهَمَهُمْ، وإلّا فَهم قَدْ سَمِعُوا سَمْعَ الإدْراكِ ﴿وَلَوْ أسْمَعَهم لَتَوَلَّوْا وهم مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: ٢٣]
أيْ ولَوْ أفْهَمَهم لَما انْقادُوا ولا انْتَفَعُوا بِما فَهِمُوا؛ لِأنَّ في قُلُوبِهِمْ مِن داعِي التَّوَلِّي والإعْراضِ ما يَمْنَعُهم عَنِ الِانْتِفاعِ بِما سَمِعُوهُ.
وَأمّا سَماعُ القَبُولِ والإجابَةِ فَفي قَوْلِهِ تَعالى حِكايَةً عَنْ عِبادِهِ المُؤْمِنِينَ أنَّهم قالُوا ﴿سَمِعْنا وأطَعْنا﴾ [البقرة: ٢٨٥] فَإنَّ هَذا سَمْعُ قَبُولٍ وإجابَةٍ مُثْمِرٌ لِلطّاعَةِ.
والتَّحْقِيقُ: أنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْأنْواعِ الثَّلاثَةِ، وأنَّهم أخْبَرُوا بِأنَّهم أدْرَكُوا المَسْمُوعَ وفَهِمُوهُ، واسْتَجابُوا لَهُ.
وَمِن سَمْعِ القَبُولِ: قَوْلُهُ تَعالى ﴿وَفِيكم سَمّاعُونَ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٤٧]
أيْ قابِلُونَ مِنهم مُسْتَجِيبُونَ لَهُمْ، هَذا أصَحُّ القَوْلَيْنِ في الآيَةِ.
وَأمّا قَوْلُ مَن قالَ: عُيُونٌ لَهم وجَواسِيسُ فَضَعِيفٌ، فَإنَّهُ سُبْحانَهُ أخْبَرَ عَنْ حِكْمَتِهِ في تَثْبِيطِهِمْ عَنِ الخُرُوجِ بِأنَّ خُرُوجَهم يُوجِبُ الخَبالَ والفَسادَ، والسَّعْيَ بَيْنَ العَسْكَرِ بِالفِتْنَةِ، وفي العَسْكَرِ مَن يَقْبَلُ مِنهُمْ، ويَسْتَجِيبُ لَهُمْ، فَكانَ في إقْعادِهِمْ عَنْهم لُطْفًا بِهِمْ ورَحْمَةً، حَتّى لا يَقَعُوا في عَنَتِ القَبُولِ مِنهم.
أمّا اشْتِمالُ العَسْكَرِ عَلى جَواسِيسَ وعُيُونٍ لَهم فَلا تَعَلُّقَ لَهُ بِحِكْمَةِ التَّثْبِيطِ والإقْعادِ، ومَعْلُومٌ أنَّ جَواسِيسَهم وعُيُونَهم مِنهُمْ، وهو سُبْحانُهُ قَدْ أخْبَرَ أنَّهُ أقْعَدَهم لِئَلّا يَسْعَوْا بِالفَسادِ في العَسْكَرِ، ولِئَلّا يَبْغُوهُمُ الفِتْنَةَ، وهَذِهِ الفِتْنَةُ إنَّما تَنْدَفِعُ بِإقْعادِهِمْ، وإقْعادِ جَواسِيسِهِمْ وعُيُونِهِمْ.
وَأيْضًا فَإنَّ الجَواسِيسَ إنَّما تُسَمّى عُيُونًا هَذا المَعْرُوفُ في الِاسْتِعْمالِ لا تُسَمّى سَمّاعِينَ.
وَأيْضًا فَإنَّ هَذا نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعالى في إخْوانِهِمُ اليَهُودِ ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أكّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] أيْ قابِلُونَ لَهُ.
والمَقْصُودُ أنَّ سَماعَ خاصَّةِ الخاصَّةِ المُقَرَّبِينَ هو سَماعُ القُرْآنِ بِالِاعْتِباراتِ الثَّلاثَةِ: إدْراكًا وفَهْمًا، وتَدَبُّرًا، وإجابَةً. وكُلُّ سَماعٍ في القُرْآنِ مَدَحَ اللَّهُ أصْحابَهُ وأثْنى عَلَيْهِمْ، وأمَرَ بِهِ أوْلِياءَهُ فَهو هَذا السَّماعُ.
وَهُوَ سَماعُ الآياتِ، لا سَماعَ الأبْياتِ، وسَماعُ القُرْآنِ، لا سَماعَ مَزامِيرِ الشَّيْطانِ، وسَماعُ كَلامِ رَبِّ الأرْضِ والسَّماءِ لا سَماعَ قَصائِدِ الشُّعَراءِ، وسَماعُ المَراشِدِ، لا سَماعَ القَصائِدِ، وسَماعُ الأنْبِياءِ والمُرْسَلِينَ، لا سَماعَ المُغَنِّينَ والمُطْرِبِينَ.
فَهَذا السَّماعُ حادٍ يَحْدُو القُلُوبَ إلى جِوارِ عَلّامِ الغُيُوبِ، وسائِقٌ يَسُوقُ الأرْواحَ إلى دِيارِ الأفْراحِ، ومُحَرِّكٌ يُثِيرُ ساكِنَ العَزَماتِ إلى أعْلى المَقاماتِ وأرْفَعِ الدَّرَجاتِ، ومُنادٍ يُنادِي لِلْإيمانِ، ودَلِيلٌ يَسِيرُ بِالرَّكْبِ في طَرِيقِ الجِنانِ، وداعٍ يَدْعُو القُلُوبَ بِالمَساءِ والصَّباحِ، مِن قِبَلِ فالِقِ الإصْباحِ حَيَّ عَلى الفَلاحِ، حَيَّ عَلى الفَلاحِ.
فَلَمْ يُعْدَمْ مَنِ اخْتارَ هَذا السَّماعَ إرْشادًا لِحُجَّةٍ، وتَبْصِرَةً لِعِبْرَةٍ، وتَذْكِرَةً لِمَعْرِفَةٍ، وفِكْرَةً في آيَةٍ، ودَلالَةً عَلى رُشْدٍ، ورَدًّا عَلى ضَلالَةٍ، وإرْشادًا مِن غَيٍّ، وبَصِيرَةً مِن عَمًى، وأمْرًا بِمَصْلَحَةٍ، ونَهْيًا عَنْ مَضَرَّةٍ ومَفْسَدَةٍ، وهِدايَةً إلى نُورٍ، وإخْراجًا مِن ظُلْمَةٍ، وزَجْرًا عَنْ هَوًى، وحَثًّا عَلى تُقًى، وجَلاءً لِبَصِيرَةٍ، وحَياةً لِقَلْبٍ، وغِذاءً ودَواءً وشِفاءً، وعِصْمَةً ونَجاةً، وكَشْفَ شُبْهَةٍ، وإيضاحَ بُرْهانٍ، وتَحْقِيقَ حَقٍّ، وإبْطالَ باطِلٍ.
وَنَحْنُ نَرْضى بِحُكْمِ أهْلِ الذَّوْقِ في سَماعِ الأبْياتِ والقَصائِدِ، ونُناشِدُهم بِالَّذِي أنْزَلَ القُرْآنَ هُدًى وشِفاءً ونُورًا وحَياةً هَلْ وجَدُوا ذَلِكَ أوْ شَيْئًا مِنهُ في الدُّفِّ والمِزْمارِ؟ ونَغَمَةِ الشّادِنِ ومُطْرِباتِ الألْحانِ؟ والغِناءُ المُشْتَمِلُ عَلى تَهْيِيجِ الحُبِّ المُطْلَقِ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ مُحِبُّ الرَّحْمَنِ، ومُحِبُّ الأوْطانِ، ومُحِبُّ الإخْوانِ، ومُحِبُّ العِلْمِ والعِرْفانِ، ومُحِبُّ الأمْوالِ والأثْمانِ، ومُحِبُّ النِّسْوانِ والمُرْدانِ، ومُحِبُّ الصُّلْبانِ، فَهو يُثِيرُ مِن قَلْبِ كُلِّ مُشْتاقٍ ومُحِبٍّ لِشَيْءٍ ساكِنَهُ، ويُزْعِجُ قاطِنَهُ، فَيَثُورُ وجْدُهُ، ويَبْدُو شَوْقُهُ، فَيَتَحَرَّكُ عَلى حَسَبِ ما في قَلْبِهِ مِنَ الحُبِّ والشَّوْقِ والوَجْدِ بِذَلِكَ المَحْبُوبِ كائِنًا ما كانَ، ولِهَذا تَجِدُ لِهَؤُلاءِ كُلِّهِمْ ذَوْقًا في السَّماعِ، وحالًا ووَجْدًا وبُكاءً.
وَيا لَلَّهِ العَجَبُ! أيُّ إيمانٍ ونُورٍ وبَصِيرَةٍ وهُدًى ومَعْرِفَةٍ تَحْصُلُ بِاسْتِماعِ أبْياتٍ بِألْحانٍ وتَوْقِيعاتٍ، لَعَلَّ أكْثَرَها قِيلَتْ فِيما هو مُحَرَّمٌ يُبْغِضُهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ، ويُعاقِبُ عَلَيْهِ مِن غَزَلٍ وتَشْبِيبٍ بِمَن لا يَحِلُّ لَهُ مَن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى؟ فَإنَّ غالِبَ التَّغَزُّلِ والتَّشْبِيبِ إنَّما هو في الصُّوَرِ المُحَرَّمَةِ، ومِن أنْدَرِ النّادِرِ تَغَزُّلُ الشّاعِرِ وتَشْبِيبُهُ في امْرَأتِهِ، وأمَتِهِ وأُمِّ ولَدِهِ، مَعَ أنَّ هَذا واقِعٌ لَكِنَّهُ كالشَّعْرَةِ البَيْضاءِ في جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، فَكَيْفَ يَقَعُ لِمَن لَهُ أدْنى بَصِيرَةٍ وحَياةِ قَلْبٍ أنْ يَتَقَرَّبَ إلى اللَّهِ، ويَزْدادَ إيمانًا وقُرْبًا مِنهُ وكَرامَةً عَلَيْهِ، بِالتِذاذِهِ بِما هو بَغِيضٌ إلَيْهِ، مَقِيتٌ عِنْدَهُ، يَمْقُتُ قائِلَهُ والرّاضِيَ بِهِ؟ وتَتَرَقّى بِهِ الحالُ حَتّى يَزْعُمَ أنَّ ذَلِكَ أنْفَعُ لِقَلْبِهِ مِن سَماعِ القُرْآنِ والعِلْمِ النّافِعِ، وسُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ؟!.
يا لَلَّهِ! إنَّ هَذا القَلْبَ مَخْسُوفٌ بِهِ، مَمْكُورٌ بِهِ مَنكُوسٌ، لَمْ يَصْلُحْ لِحَقائِقِ القُرْآنِ وأذْواقِ مَعانِيهِ، ومُطالَعَةِ أسْرارِهِ، فَبَلاهُ بِقُرْآنِ الشَّيْطانِ، كَما في مُعْجَمِ الطَّبَرانِيِّ وغَيْرِهِ مَرْفُوعًا ومَوْقُوفًا
«إنَّ الشَّيْطانَ قالَ: يا رَبِّ، اجْعَلْ لِي قُرْآنًا، قالَ: قُرْآنُكَ الشِّعْرُ، قالَ: اجْعَلْ لِي كِتابًا، قالَ: كِتابُكَ الوَشْمُ، قالَ: اجْعَلْ لِي مُؤَذِّنًا، قالَ: مُؤَذِّنُكَ المِزْمارُ، قالَ: اجْعَلْ لِي بَيْتًا، قالَ: بَيْتُكَ الحَمّامُ، قالَ: اجْعَلْ لِي مَصائِدَ، قالَ: مَصائِدُكَ النِّساءُ، قالَ: اجْعَلْ لِي طَعامًا، قالَ: طَعامُكُ ما لَمْ يُذْكَرْ عَلَيْهِ اسْمِي»
واللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالى أعْلَمُ.
* [فَصْلٌ ما يُبْغِضُهُ اللَّهُ ويَكْرَهُهُ مِنَ السَّماعِ]
القِسْمُ الثّانِي مِنَ السَّماعِ
ما يُبْغِضُهُ اللَّهُ ويَكْرَهُهُ، ويَمْدَحُ المُعْرِضَ عَنْهُ، وهو سَماعُ كُلِّ ما يَضُرُّ العَبْدَ في قَلْبِهِ ودِينِهِ، كَسَماعِ الباطِلِ كُلِّهِ، إلّا إذا تَضَمَّنَ رَدَّهُ وإبْطالَهُ والِاعْتِبارَ بِهِ وقَصَدَ أنْ يُعْلِمَ بِهِ حُسْنَ ضِدِّهِ، فَإنَّ الضِّدَّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ، كَما قِيلَ:
؎وَإذا سَمِعْتُ إلى حَدِيثِكَ زادَنِي ∗∗∗ حُبًّا لَهُ سَمْعِي حَدِيثَ سِواكا
وَكَسَماعِ اللَّغْوِ الَّذِي مَدَحَ التّارِكِينَ لِسَماعِهِ، والمُعْرِضِينَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَإذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ﴾ [القصص: ٥٥] وقَوْلِهِ: ﴿وَإذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرامًا﴾ [الفرقان: ٧٢]
قالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الحَنَفِيَّةِ: هو الغِناءُ، وقالَ الحَسَنُ أوْ غَيْرُهُ: أكْرَمُوا نُفُوسَهم عَنْ سَماعِهِ
قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ الغِناءُ يُنْبِتُ النِّفاقَ في القَلْبِ كَما يُنْبِتُ الماءُ البَقْلَ، وهَذا كَلامُ عارِفٍ بِأثَرِ الغِناءِ وثَمَرَتِهِ، فَإنَّهُ ما اعْتادَهُ أحَدٌ إلّا نافَقَ قَلْبُهُ وهو لا يَشْعُرُ، ولَوْ عَرَفَ حَقِيقَةَ النِّفاقِ وغايَتَهُ لَأبْصَرَهُ في قَلْبِهِ، فَإنَّهُ ما اجْتَمَعَ في قَلْبِ عَبْدٍ قَطُّ مَحَبَّةُ الغِناءِ ومَحَبَّةُ القُرْآنِ إلّا طَرَدَتْ إحْداهُما الأُخْرى، وقَدْ شاهَدْنا نَحْنُ وغَيْرُنا ثِقَلَ القُرْآنِ عَلى أهْلِ الغِناءِ وسَماعِهِ، وتَبَرُّمَهم بِهِ، وصِياحَهم بِالقارِئِ إذا طَوَّلَ عَلَيْهِمْ، وعَدَمَ انْتِفاعِ قُلُوبِهِمْ بِما يَقْرَؤُهُ، فَلا تَتَحَرَّكُ ولا تَطْرَبُ، ولا تُهَيِّجُ مِنها بَواعِثَ الطَّلَبِ، فَإذا جاءَ قُرْآنُ الشَّيْطانِ فَلا إلَهَ إلّا اللَّهُ، كَيْفَ تَخْشَعُ مِنهُمُ الأصْواتُ، وتَهْدَأُ الحَرَكاتُ، وتَسْكُنُ القُلُوبُ وتَطْمَئِنُ، ويَقَعُ البُكاءُ والوَجْدُ، والحَرَكَةُ الظّاهِرَةُ والباطِنَةُ، والسَّماحَةُ بِالأثْمانِ والثِّيابِ، وطِيبُ السَّهَرِ، وتَمَنِّي طُولِ اللَّيْلِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ هَذا نِفاقًا فَهو آخِيَّةُ النِّفاقِ وأساسُهُ.
؎تُلِيَ الكِتابُ فَأطْرَقُوا لا خِيفَةً ∗∗∗ لَكِنَّهُ إطْراقُ ساهٍ لاهِي
؎وَأتى الغِناءُ فَكالَذُّبابِ تَراقَصُوا ∗∗∗ واللَّهِ ما رَقَصُوا مِن أجْلِ اللَّهِ
؎دُفٌّ ومِزْمارٌ ونَغْمَةُ شاهِدٍ ∗∗∗ فَمَتى شَهِدْتَ عِبادَةً بِمَلاهِي
؎ثَقُلَ الكِتابُ عَلَيْهِمُ لَمّا رَأوْا ∗∗∗ تَقْيِيدَهُ بِأوامِرٍ ونَواهِي
؎وَعَلَيْهِمُ خَفَّ الغِنا لَمّا رَأوْا ∗∗∗ إطْلاقَهُ في اللَّهْوِ دُونَ مَناهِي
؎يا فِرْقَةً ما ضَرَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ∗∗∗ وجَنى عَلَيْهِ ومَلَّهُ إلّا هِي
؎سَمِعُوا لَهُ رَعْدًا وبَرْقًا إذْ حَوى ∗∗∗ زَجْرًا وتَخْوِيفًا بِفِعْلِ مَناهِي
؎وَرَأوْهُ أعْظَمَ قاطِعٍ لِلنَّفْسِ عَنْ ∗∗∗ شَهَواتِها يا ويْحَها المُتَناهِي
؎وَأتى السَّماعُ مُوافِقًا أغْراضَها ∗∗∗ فَلِأجْلِ ذاكَ غَدًا عَظِيمَ الجاهِ
؎أيْنَ المُساعِدُ لِلْهَوى مِن قاطَعٍ ∗∗∗ أسْبابَهُ عِنْدَ الجَهُولِ السّاهِي
؎إنْ لَمْ يَكُنْ خَمْرَ الجُسُومِ فَإنَّهُ ∗∗∗ خَمْرُ العُقُولِ مُماثِلٌ ومُضاهِي
؎فانْظُرْ إلى النَّشْوانِ عِنْدَ شَرابِهِ ∗∗∗ وانْظُرْ إلى النَّشْوانِ عِنْدَ تَلاهِي
؎وانْظُرْ إلى تَمْزِيقِ ذا أثْوابَهُ ∗∗∗ مِن بَعْدِ تَمْزِيقِ الفُؤادِ اللّاهِي
؎فاحْكم بِأيِّ الخَمْرَتَيْنِ أحَقُّ بِال ∗∗∗ تَّحْرِيمِ والتَّأْثِيمِ عِنْدَ اللَّهِ
وَكَيْفَ يَكُونُ السَّماعُ الَّذِي يَسْمَعُهُ العَبْدُ بِطَبْعِهِ وهَواهُ أنْفَعَ لَهُ مِنَ الَّذِي يَسْمَعُهُ بِاللَّهِ ولِلَّهِ وعَنِ اللَّهِ؟ فَإنْ زَعَمُوا أنَّهم يَسْمَعُونَ هَذا السَّماعَ الغِنائِيَّ الشِّعْرِيَّ كَذَلِكَ، فَهَذا غايَةُ اللَّبْسِ عَلى القَوْمِ، فَإنَّهُ إنَّما يَسْمَعُ بِاللَّهِ ولِلَّهِ وعَنِ اللَّهِ ما يُحِبُّهُ اللَّهُ ويَرْضاهُ، ولِهَذا قُلْنا: إنَّهُ لا يَتَحَرَّرُ الكَلامُ في هَذِهِ المَسْألَةِ إلّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ صُورَةِ المَسْمُوعِ وحَقِيقَتِهِ ومَرْتَبَتِهِ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، ولَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ مَن شُرْبُهُ ونَصِيبُهُ وذَوْقُهُ ووَجْدُهُ مِن سَماعِ الآياتِ البَيِّناتِ كَمَن نَصِيبُهُ وشُرْبُهُ وذَوْقُهُ ووَجْدُهُ مِن سَماعِ الغِناءِ والأبِيّاتِ.
وَمِن أعْجَبِ العَجائِبِ اسْتِدْلالُ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلى أنَّ هَذا السَّماعَ مِن طَرِيقِ القَوْمِ، وأنَّهُ مُباحٌ بِكَوْنِهِ مُسْتَلَذًّا طَبْعًا، تَسْتَلِذُّهُ النُّفُوسُ، وتَسْتَرْوِحُ إلَيْهِ، وأنَّ الطِّفْلَ يَسْكُنُ إلى الصَّوْتِ الطَّيِّبِ، والجَمَلَ يُقاسِي تَعَبَ السَّيْرِ ومَشَقَّةَ الحُمُولَةِ فَيُهَوَّنُ عَلَيْهِ بِالحِداءِ، وبِأنَّ
الصَّوْتَ الطَّيِّبَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلى صاحِبِهِ، وزِيادَةٌ في خَلْقِهِ، وبِأنَّ اللَّهَ ذَمَّ الصَّوْتَ الفَظِيعَ، فَقالَ ﴿إنَّ أنْكَرَ الأصْواتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩]
وَبِأنَّ اللَّهَ وصَفَ نَعِيمَ أهْلِ الجَنَّةِ، فَقالَ فِيهِ ﴿فَهم في رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥]
وَبِأنَّ ذَلِكَ هو السَّماعُ الطَّيِّبُ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَرامًا وهو في الجَنَّةِ؟ وبِأنَّ اللَّهَ تَعالى ما أذِنَ لِشَيْءٍ كَأِذْنِهِ أيْ كاسْتِماعِهِ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنّى بِالقُرْآنِ، وبِأنَّ أبا مُوسى الأشْعَرِيَّ اسْتَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ إلى صَوْتِهِ وأثْنى عَلَيْهِ بِحُسْنِ الصَّوْتِ، وقالَ
«لَقَدْ أُوتِيَ هَذا مِزْمارًا مِن مَزامِيرِ آلِ داوُدَ فَقالَ لَهُ أبُو مُوسى: لَوْ عَلِمْتُ أنَّكَ اسْتَمَعْتَ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا،»
أيْ زَيَّنْتُهُ لَكَ وحَسَّنْتُهُ، وبُقُولِهِ ﷺ «زَيِّنُوا القُرْآنَ بِأصْواتِكُمْ».
وَبِقَوْلِهِ ﷺ «لَيْسَ مِنّا مَن لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ» والصَّحِيحُ أنَّهُ مِنَ التَّغَنِّي بِمَعْنى
تَحْسِينِ الصَّوْتِ، وبِذَلِكَ فَسَّرَهُ الإمامُ أحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقالَ: يُحَسِّنُهُ بِصَوْتِهِ ما اسْتَطاعَ.
وَبِأنَّ النَّبِيَّ ﷺ أقَرَّ عائِشَةَ عَلى غِناءِ القَيْنَتَيْنِ يَوْمَ العِيدِ، وقالَ لِأبِي بَكْرٍ
«دَعْهُما، فَإنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وهَذا عِيدُنا أهْلَ الإسْلامِ».
وَبِأنَّهُ ﷺ أذِنَ في العُرْسِ في الغِناءِ وسَمّاهُ لَهْوًا، وقَدْ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الحِداءَ، وأذِنَ فِيهِ، وكانَ يَسْمَعُ أنَسًا والصَّحابَةَ وهم يَرْتَجِزُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ في حَفْرِ الخَنْدَقِ:
؎نَحْنُ الَّذِينَ بايَعُوا مُحَمَّدًا ∗∗∗ عَلى الجِهادِ ما بَقِينا أبَدًا
وَدَخَلَ مَكَّةَ والمُرْتَجِزُ يَرْتَجِزُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِشِعْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَواحَةَ، وحَدا بِهِ الحادِي في مُنْصَرَفِهِ مِن خَيْبَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ:
؎واللَّهِ لَوْلا اللَّهُ ما اهْتَدَيْنا ∗∗∗ ولا تَصَدَّقْنا ولا صَلَّيْنا
؎فَأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنا ∗∗∗ وثَبِّتِ الأقْدامَ إنْ لاقَيْنا
؎إنَّ الَّذِينَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنا ∗∗∗ إذا أرادُوا فِتْنَةً أبَيْنا
؎وَنَحْنُ إنْ صِيحَ بِنا أتَيْنا ∗∗∗ وبِالصِّياحِ عَوَّلُوا عَلَيْنا
وَنَحْنُ عَنْ فَضْلِكَ ما اسْتَغْنَيْنا
فَدَعا لِقائِلِهِ.
وَسَمِعَ قَصِيدَةَ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ، وأجازَهُ بِبُرْدَةٍ.
واسْتَنْشَدَ الأسْوَدَ بْنَ سَرِيعٍ قَصائِدَ حَمِدَ بِها رَبَّهُ.
واسْتَنْشَدَ مِن شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أبِي الصَّلْتِ مِائَةَ قافِيَةٍ.
وَأنْشَدَهُ الأعْشى شَيْئًا مِن شِعْرِهِ فَسَمِعَهُ.
وَصَدَّقَ لَبِيدًا في قَوْلِهِ:
ألا كُلُّ شَيْءٍ ما خَلا اللَّهَ باطِلُ.
وَدَعا لِحَسّانَ أنْ يُؤَيِّدَهُ اللَّهُ بِرُوحِ القُدُسِ ما دامَ يُنافِحُ عَنْهُ، وكانَ يُعْجِبُهُ شِعْرُهُ،
وَقالَ لَهُ «اهْجُهُمْ، ورُوحُ القُدُسِ مَعَكَ».
وَأنْشَدَتْهُ عائِشَةُ قَوْلَ أبِي بَكْرٍ الهُذَلِيِّ:
؎وَمُبَرَّإٍ مِن كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ ∗∗∗ وفَسادِ مُرْضِعَةٍ وداءٍ مُغْيِلِ
؎وَإذا نَظَرْتَ إلى أسِرَّةِ وجْهِهِ ∗∗∗ بَرَقَتْ كَبَرْقِ العارِضِ المُتَهَلِّلِ
وَقالَتْ: أنْتَ أحَقُّ بِهَذا البَيْتِ، فَسُّرَ بِقَوْلِها.
وَبِأنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما رَخَّصَ فِيهِ، وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، وأهْلَ المَدِينَةِ، وبِأنَّ كَذا وكَذا ولِيًّا لِلَّهِ حَضَرُوهُ وسَمِعُوهُ، فَمَن حَرَّمَهُ فَقَدْ قَدَحَ في هَؤُلاءِ السّادَةِ القُدْوَةِ الأعْلامِ.
وَبِأنَّ الإجْماعَ مُنْعَقِدٌ عَلى إباحَةِ أصْواتِ الطُّيُورِ المُطْرِبَةِ الشَّجِيَّةِ، فَلَذَّةُ سَماعِ صَوْتِ الآدَمِيِّ أوْلى بِالإباحَةِ، أوْ مُساوِيَةٌ.
وَبِأنَّ السَّماعَ يَحْدُو رُوحَ السّامِعِ وقَلْبَهُ إلى نَحْوِ مَحْبُوبِهِ، فَإنْ كانَ مَحْبُوبُهُ حَرامًا كانَ السَّماعُ مُعِينًا لَهُ عَلى الحَرامِ، وإنْ كانَ مُباحًا كانَ السَّماعُ في حَقِّهِ مُباحًا، وإنْ كانَتْ مَحَبَّتُهُ رَحْمانِيَّةً كانَ السَّماعُ في حَقِّهِ قُرْبَةً وطاعَةً، لِأنَّهُ يُحَرِّكُ المَحَبَّةَ الرَّحْمانِيَّةَ ويُقَوِّيها ويُهَيِّجُها.
وَبِأنَّ التِذاذَ الأُذُنِ بِالصَّوْتِ الطَّيِّبِ كالتِذاذِ العَيْنِ بِالمَنظَرِ الحَسَنِ، والشَّمِّ بِالرَّوائِحِ الطَّيِّبَةِ، والفَمِ بِالطُّعُومِ الطَّيِّبَةِ، فَإنْ كانَ هَذا حَرامًا كانَتْ جَمِيعُ هَذِهِ اللَّذّاتِ والإدْراكاتِ مُحَرَّمَةً.
فالجَوابُ أنَّ هَذِهِ حَيْدَةٌ عَنِ المَقْصُودِ، ورَوَغانٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزاعِ، وتَعَلُّقٌ بِما لا مُتَعَلَّقَ بِهِ، فَإنَّ جِهَةَ كَوْنِ الشَّيْءِ مُسْتَلَذًا لِلْحاسَّةِ مُلائِمًا لَها، لا يَدُلُّ عَلى إباحَتِهِ ولا تَحْرِيمِهِ، ولا كَراهَتِهِ ولا اسْتِحْبابِهِ، فَإنَّ هَذِهِ اللَّذَّةَ تَكُونُ فِيما فِيهِ الأحْكامُ الخَمْسَةُ تَكُونُ في الحَرامِ، والواجِبِ، والمَكْرُوهِ، والمُسْتَحَبِّ، والمُباحِ، فَكَيْفَ يَسْتَدِلُّ بِها عَلى الإباحَةِ مَن يَعْرِفُ شُرُوطَ الدَّلِيلِ، ومَواقِعَ الِاسْتِدْلالِ؟
وَهَلْ هَذا إلّا بِمَنزِلَةِ مَنِ اسْتَدَلَّ عَلى إباحَةِ الزِّنا بِما يَجِدُهُ فاعِلُهُ مِنَ اللَّذَّةِ، وأنَّ لَذَّتَهُ لا يُنْكِرُها مَن لَهُ طَبْعٌ سَلِيمٌ، وهَلْ يَسْتَدِلُّ بِوُجُودِ اللَّذَّةِ والمُلاءَمَةِ عَلى حِلِّ اللَّذِيذِ المُلائِمِ أحَدٌ؟ وهَلْ خَلَتَ غالِبُ المُحَرَّماتِ مِنَ اللَّذّاتِ؟ وهَلْ أصْواتُ المَعازِفِ الَّتِي صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ تَحْرِيمُها، وأنَّ في أُمَّتِهِ مَن سَيَسْتَحِلُّها بِأصَحِّ إسْنادٍ، وأجْمَعَ أهْلُ العِلْمِ عَلى تَحْرِيمِ بَعْضِها، وقالَ جُمْهُورُهم بِتَحْرِيمِ جُمْلَتِها إلّا لَذِيذَةً تُلِذُّ السَّمْعَ؟ وهَلْ في التِذاذِ الجَمَلِ والطِّفْلِ بِالصَّوْتِ الطَّيِّبِ دَلِيلٌ عَلى حُكْمِهِ مِن إباحَةٍ، أوْ تَحْرِيمٍ؟
وَأعْجَبُ مِن هَذا: الِاسْتِدْلالُ عَلى الإباحَةِ بِأنَّ اللَّهَ خَلَقَ الصَّوْتَ الطَّيِّبَ، وهو زِيادَةُ نِعْمَةٍ مِنهُ لِصاحِبِهِ.
فَيُقالُ: والصُّورَةُ الحَسَنَةُ الجَمِيلَةُ، ألَيْسَتْ زِيادَةً في النِّعْمَةِ، واللَّهُ خالِقُها. ومُعْطِي حُسْنِها؟ أفَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلى إباحَةِ التَّمَتُّعِ بِها، والِالتِذاذِ عَلى الإطْلاقِ بِها؟
وَهَلْ هَذا إلّا مَذْهَبُ أهْلِ الإباحَةِ الجارِينَ مَعَ رُسُومِ الطَّبِيعَةِ؟
وَهَلْ في ذَمِّ اللَّهِ لِصَوْتِ الحِمارِ ما يَدُلُّ عَلى إباحَةِ الأصْواتِ المُطْرِباتِ بِالنَّغَماتِ المَوْزُوناتِ، والألْحانِ اللَّذِيذاتِ، مِنَ الصُّوَرِ المُسْتَحْسَناتِ، بِأنْواعِ القَصائِدِ المُنَغَّماتِ بِالدُّفُوفِ والشَّبّاباتِ؟!.
وَأعْجَبُ مِن هَذا: الِاسْتِدْلالُ عَلى الإباحَةِ بِسَماعِ أهْلِ الجَنَّةِ، وما أجْدَرَ صاحِبَهُ أنْ يَسْتَدِلَّ عَلى إباحَةِ الخَمْرِ بِأنَّ في الجَنَّةِ خَمْرًا، وعَلى حِلِّ لِباسِ الحَرِيرِ بِأنَّ لِباسَ أهْلِها حَرِيرٌ، وعَلى حِلِّ أوانِي الذَّهَبِ والفِضَّةِ والتَّحَلِّي بِهِما لِلرِّجالِ بِكَوْنِ ذَلِكَ ثابِتًا بِوُجُودِ النَّعِيمِ بِهِ في الجَنَّةِ.
فَإنْ قالَ: قَدْ قامَ الدَّلِيلُ عَلى تَحْرِيمِ هَذا، ولَمْ يَقُمْ عَلى تَحْرِيمِ السَّماعِ.
قِيلَ: هَذا اسْتِدْلالٌ آخَرُ غَيْرُ الِاسْتِدْلالِ بِإباحَتِهِ لِأهْلِ الجَنَّةِ، فَعُلِمَ أنَّ اسْتِدْلالَكم بِإباحَتِهِ لِأهْلِ الجَنَّةِ اسْتِدْلالٌ باطِلٌ، لا يَرْضى بِهِ مُحَصِّلٌ.
وَأمّا قَوْلُكُمْ: لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلى تَحْرِيمِ السَّماعِ.
فَيُقالُ لَكَ: أيَّ السَّماعاتِ تَعْنِي؟ وأيَّ المَسْمُوعاتِ تُرِيدُ؟ فالسَّماعاتُ والمَسْمُوعاتُ مِنها المُحَرَّمُ، والمَكْرُوهُ، والمُباحُ، والواجِبُ، والمُسْتَحَبُّ، فَعَيِّنْ نَوْعًا يَقَعُ الكَلامُ فِيهِ نَفْيًا وإثْباتًا.
فَإنْ قُلْتَ: سَماعُ القَصائِدِ، قِيلَ لَكَ: أيَّ القَصائِدِ تَعْنِي؟ ما مُدِحَ بِهِ اللَّهُ ورَسُولُهُ ودِينُهُ وكِتابُهُ، وهُجِيَ بِهِ أعْداؤُهُ؟
فَهَذِهِ لَمْ يَزَلِ المُسْلِمُونَ يَرْوُونَها ويَسْمَعُونَها ويَتَدارَسُونَها، وهي الَّتِي سَمِعَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأصْحابُهُ وأثابَ عَلَيْها، وحَرَّضَ حَسّانَ عَلَيْها، وهي الَّتِي غَرَّتْ أصْحابَ السَّماعِ الشَّيْطانِيِّ، فَقالُوا: تِلْكَ قَصائِدُ، وسَماعُنا قَصائِدُ، فَنَعَمْ إذَنْ، والسُّنَّةُ كَلامٌ، والبِدْعَةُ كَلامٌ، والتَّسْبِيحُ كَلامٌ، والغِيبَةُ كَلامٌ، والدُّعاءُ كَلامٌ، والقَذْفُ كَلامٌ، ولَكِنْ هَلْ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأصْحابُهُ سَماعَكم هَذا الشَّيْطانِيَّ المُشْتَمِلَ عَلى أكْثَرَ مِن مَفْسَدَةٍ مَذْكُورَةٍ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، وقَدْ أشَرْنا فِيما تَقَدَّمَ إلى بَعْضِها؟
وَنَظِيرُ هَذا: ما غَرَّهم مِنَ اسْتِحْسانِهِ ﷺ الصَّوْتَ الحَسَنَ بِالقُرْآنِ، وأذَنِهِ لَهُ وإذْنِهِ فِيهِ، ومَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ.
فَنَقَلُوا هَذا الِاسْتِحْسانَ إلى صَوْتِ النِّسْوانِ والمُرْدانِ وغَيْرِهِمْ، بِالغَناءِ المَقْرُونِ بِالمَعازِفِ والشّاهِدِ، وذِكْرِ القَدِّ والنَّهْدِ والخَصْرِ، ووَصْفِ العُيُونِ وفِعْلِها، والشَّعْرِ الأسْوَدِ، ومَحاسِنِ الشَّبابِ، وتَوْرِيدِ الخُدُودِ، وذِكْرِ الوَصْلِ والصَّدِّ، والتَّجَنِّي والهِجْرانِ، والعِتابِ والِاسْتِعْطافِ، والِاشْتِياقِ، والقَلَقِ والفِراقِ، وما جَرى هَذا المَجْرى، مِمّا هو أفْسَدُ لِلْقَلْبِ مِن شُرْبِ الخَمْرِ، بِما لا نِسْبَةَ بَيْنَهُما، وأيُّ نِسْبَةٍ لِمَفْسَدَةِ سُكْرِ يَوْمٍ ونَحْوِهِ إلى سَكْرَةِ العِشْقِ الَّتِي لا يَسْتَفِيقُ الدَّهْرَ صاحِبُها إلّا في عَسْكَرِ الهالِكِينَ، سَلِيبًا حَرْبِيًّا، أسِيرًا قَتِيلًا؟
وَهَلْ تُقاسُ سَكْرَةُ الشَّرابِ بِسَكْرَةِ الأرْواحِ بِالسَّماعِ؟ وهَلْ يُظَنُّ بِحَكِيمٍ أنْ يُحَرِّمَ سُكْرًا لِمَفْسَدَةٍ فِيهِ مَعْلُومَةٍ، ويُبِيحَ سُكْرًا مَفْسَدَتُهُ أضْعافُ أضْعافِ مَفْسَدَةِ الشَّرابِ؟ حاشا أحْكَمَ الحاكِمِينَ.
فَإنْ نازَعُوا في سُكْرِ السَّماعِ، وتَأْثِيرِهِ في العُقُولِ والأرْواحِ خَرَجُوا عَنِ الذَّوْقِ والحِسِّ، وظَهَرَتْ مُكابَرَةُ القَوْمِ، فَكَيْفَ يَحْمِي الطَّبِيبُ المَرِيضَ عَمّا يُشَوِّشُ عَلَيْهِ صِحَّتَهُ، ويُبِيحُ لَهُ ما فِيهِ أعْظَمُ السُّقْمِ؟ والمُنْصِفُ يَعْلَمُ أنَّهُ لا نِسْبَةَ بَيْنَ سُقْمِ الأرْواحِ بِسُكْرِ الشَّرابِ، وسُقْمِها بِسُكْرِ السَّماعِ. وكَلامُنا مَعَ واجِدٍ لا فاقِدٍ، فَهو المَقْصُودُ بِالخِطابِ.
وَأعْجَبُ مِن هَذا: اسْتِدْلالُكم عَلى إباحَةِ السَّماعِ المُرَكَّبِ مِمّا ذَكَرْنا مِنَ الهَيْئَةِ الِاجْتِماعِيَّةِ بِغِناءِ بُنَيَّتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ دُونَ البُلُوغِ، عِنْدَ امْرَأةٍ صَبِيَّةٍ في يَوْمِ عِيدٍ وفَرَحٍ، بِأبْياتٍ مِن أبْياتِ العَرَبِ، في وصْفِ الشَّجاعَةِ والحُرُوبِ، ومَكارِمِ الأخْلاقِ والشِّيَمِ، فَأيْنَ هَذا مِن هَذا؟
والعَجَبُ أنَّ هَذا الحَدِيثَ مِن أكْبَرِ الحُجَجِ عَلَيْهِمْ، فَإنَّ الصِّدِّيقَ الأكْبَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمّى ذَلِكَ مَزْمُورًا مِن مَزامِيرِ الشَّيْطانِ وأقَرَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى هَذِهِ التَّسْمِيَةِ ورَخَّصَ فِيهِ لِجُوَيْرِيَّتَيْنِ غَيْرِ مُكَلَّفَتَيْنِ، ولا مَفْسَدَةَ في إنْشادِهِما، ولا اسْتِماعِهِما، أفَيَدُلُّ هَذا عَلى إباحَةِ ما تَعْمَلُونَهُ وتَعْلَمُونَهُ مِنَ السَّماعِ المُشْتَمِلِ عَلى ما لا يَخْفى؟ فَيا سُبْحانَ اللَّهِ! كَيْفَ ضَلَّتِ العُقُولُ والأفْهامُ؟
وَأعْجَبُ مِن هَذا كُلِّهِ: الِاسْتِدْلالُ عَلى إباحَتِهِ بِما سَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنَ الحِداءِ المُشْتَمِلِ عَلى الحَقِّ والتَّوْحِيدِ؟! وهَلْ حَرَّمَ أحَدٌ مُطْلَقَ الشِّعْرِ، وقَوْلَهُ واسْتِماعَهُ؟ فَكَمْ في هَذا التَّعَلُّقِ بِبُيُوتِ العَنْكَبُوتِ؟
وَأعْجَبُ مِن هَذا: الِاسْتِدْلالُ عَلى إباحَتِهِ بِإباحَةِ أصْواتِ الطُّيُورِ اللَّذِيذَةِ، وهَلْ هَذا إلّا مِن جِنْسِ قِياسِ الَّذِينَ قالُوا ﴿إنَّما البَيْعُ مِثْلُ الرِّبا﴾ [البقرة: ٢٧٥]
وَأيْنَ أصْواتُ الطُّيُورِ إلى نَغَماتِ الغِيدِ الحِسانِ، والأوْتارِ والعِيدانِ، وأصْواتِ أشْباهِ النِّساءِ مَنِ المُرْدانِ، والغِناءِ بِما يَحْدُو الأرْواحَ والقُلُوبَ إلى مُواصَلَةِ كُلِّ مَحْبُوبَةٍ ومَحْبُوبٍ؟ وأيْنَ الفِتْنَةُ بِهَذا إلى الفِتْنَةِ بِصَوْتِ القُمْرِيِّ والبُلْبُلِ والهَزارِ ونَحْوِها؟
بَلْ نَقُولُ: لَوْ كانا سَواءً لَكانَ اتِّخاذُ هَذا السَّماعِ قُرْبَةً وطاعَةً تُسْتَنْزَلُ بِهِ المَعارِفُ والأذْواقُ والمَواجِيدُ، وتُحَرَّكُ بِهِ الأحْوالُ بِمَنزِلَةِ التَّقَرُّبِ إلى اللَّهِ بِأصْواتِ الطُّيُورِ، ومَعاذَ اللَّهِ أنْ يَكُونا سَواءً.
والَّذِي يَفْصِلُ النِّزاعَ في حُكْمِ هَذِهِ المَسْألَةِ ثَلاثُ قَواعِدَ، مِن أهَمِّ قَواعِدِ الإيمانِ والسُّلُوكِ، فَمَن لَمْ يَبْنِ عَلَيْها فَبِناؤُهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ.
{"ayah":"فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُوا۟ وَأَطِیعُوا۟ وَأَنفِقُوا۟ خَیۡرࣰا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن یُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











