الباحث القرآني

[بَيْنَ ابْنِ عَبّاسٍ والخَوارِجِ] وَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ الأشَجِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: أرْسَلَنِي عَلِيٌّ إلى الحَرُورِيَّةِ لِأُكَلِّمَهُمْ، فَلَمّا قالُوا: " لا حُكْمَ إلّا لِلَّهِ " قُلْتُ: أجَلْ، صَدَقْتُمْ، لا حُكْمَ إلّا لِلَّهِ، وإنَّ اللَّهَ حَكَّمَ في رَجُلٍ وامْرَأتِهِ، وحَكَّمَ في قَتْلِ الصَّيْدِ؛ فالحُكْمُ في رَجُلٍ وامْرَأتِهِ والصَّيْدِ أفْضَلُ أمْ الحُكْمُ في الأُمَّةِ يَرْجِعُ بِها، ويَحْقِنُ دِماءَها، ويَلُمُّ شَعَثُها؟ وَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبارَكِ: حَدَّثَنا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمّارٍ ثنا سِماكٌ الحَنَفِيُّ قالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ: قالَ عَلِيٌّ: لا تُقاتِلُوهم حَتّى يَخْرُجُوا، فَإنَّهم سَيَخْرُجُونَ، قالَ: قُلْتُ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ أبْرِدْ بِالصَّلاةِ فَإنِّي أُرِيدُ أنْ أدْخُلَ عَلَيْهِمْ فَأسْمَعَ مِن كَلامِهِمْ وأُكَلِّمَهُمْ، فَقالَ عَلِيٌّ: أخْشى عَلَيْكَ مِنهُمْ، قالَ: وكُنْتُ رَجُلًا حَسَنَ الخُلُقِ لا أُوذِيَ أحَدًا، قالَ: فَلَبِسْتُ أحْسَنَ ما يَكُونُ مِن اليَمَنِيَّةِ وتَرَجَّلْتُ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ وهم قائِلُونَ، فَقالُوا لِي: ما هَذا اللِّباسُ؟ فَتَلَوْتُ عَلَيْهِمْ القُرْآنَ: ﴿قُلْ مَن حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾ [الأعراف: ٣٢] وَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَلْبَسُ أحْسَنَ ما يَكُونُ مِن اليَمَنِيَّةِ، فَقالُوا لا بَأْسَ، فَما جاءَ بِكَ؟ فَقُلْتُ: أتَيْتُكم مِن عِنْدِ صاحِبِي، وهو ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وخَتَنُهُ، وأصْحابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالوَحْيِ مِنكُمْ، وعَلَيْهِمْ نَزَلَ القُرْآنُ، أبْلَغَكم عَنْهم وأبْلَغَهم عَنْكُمْ، فَما الَّذِي نَقَمْتُمْ؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: إنّ قُرَيْشًا قَوْمٌ خَصِمُونَ، قالَ اللَّهُ - عَزَّ وجَلَّ -: ﴿بَلْ هم قَوْمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف: ٥٨]. فَقالَ بَعْضُهُمْ: كَلِّمُوهُ، فانْتَحى لِي رَجُلانِ مِنهم أوْ ثَلاثَةٌ، فَقالُوا: إنْ شِئْتَ تَكَلَّمْتَ وإنْ شِئْتَ تَكَلَّمْنا، فَقُلْتُ: بَلْ تَكَلَّمُوا، فَقالُوا: ثَلاثٌ نَقَمْناهُنَّ عَلَيْهِ، جَعَلَ الحُكْمَ إلى الرِّجالِ وقالَ اللَّهُ: ﴿إنِ الحُكْمُ إلا لِلَّهِ﴾ [الأنعام: ٥٧]، فَقُلْتُ: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ الحُكْمَ مِن أمْرِهِ إلى الرِّجالِ في رُبْعِ دِرْهَمٍ في الأرْنَبِ وفي المَرْأةِ وزَوْجِها: ﴿فابْعَثُوا حَكَمًا مِن أهْلِهِ وحَكَمًا مِن أهْلِها﴾ [النساء: ٣٥]، أفَخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: نَعَمْ، قالُوا: وأُخْرى مَحا نَفْسَهُ أنْ يَكُونَ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ أمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَأمِيرُ الكافِرِينَ هُوَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: أرَأيْتُمْ إنْ قَرَأْتُ مِن كِتابِ اللَّهِ عَلَيْكم وجِئْتُكم بِهِ مِن سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أتَرْجِعُونَ؟ قالُوا: نَعَمْ، قُلْتُ: قَدْ سَمِعْتُمْ أوْ أراهُ قَدْ بَلَّغَكُمْ، أنَّهُ لَمّا كانَ يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ جاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ: هَذا ما صالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقالُوا: لَوْ نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ نُقاتِلْكَ، فَقالَ رَسُولُ الله ﷺ لِعَلِيٍّ: " امْحُ يا عَلِيُّ " أفَخَرَجْتُ مِن هَذِهِ؟ قالُوا: نَعَمْ، قالَ: وأمّا قَوْلُكم قَتَلَ ولَمْ يَسْبِ ولَمْ يَغْنَمْ أفَتَسْبُونَ أُمَّكم وتَسْتَحِلُّونَ مِنها ما تَسْتَحِلُّونَ مِن غَيْرِها؟ فَإنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَقَدْ كَفَرْتُمْ بِكِتابِ اللَّهِ وخَرَجْتُمْ مِن الإسْلامِ، فَأنْتُمْ بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، وكُلَّما جِئْتُهم بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ أقُولُ: أفَخَرَجْتُ مِنها: فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، قالَ: فَرَجَعَ مِنهم ألْفانِ وبَقِيَ سِتَّةُ آلافٍ، ولَهُ طُرُقٌ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وقِياسُهُ المَذْكُورُ مِن أحْسَنِ القِياسِ وأوْضَحُهُ. وَقَدْ أنْكَرَ ابْنُ عَبّاسٍ عَلى زَيْدِ بْنِ ثابِتٍ مُخالَفَتَهُ لِلْقِياسِ في مَسْألَةِ الجَدِّ والإخْوَةِ فَقالَ: ألا يَتَّقِي اللَّهَ زَيْدٌ؟ يَجْعَلُ ابْنَ الِابْنِ ابْنًا ولا جَعَلَ أبَ الأبِ أبًا؟ وهَذا مَحْضُ القِياسِ. وَلَمّا خَصَّ الصِّدِّيقُ أُمَّ الأُمِّ بِالمِيراثِ دُونَ أُمِّ الأبِ قالَ لَهُ بَعْضُ الأنْصارِ: لَقَدْ ورَّثْتَ امْرَأةً مِن مَيِّتٍ لَوْ كانَتْ هي المَيِّتَةُ لَمْ يَرِثْها، وتَرَكْتَ امْرَأةً لَوْ كانَتْ هي المَيِّتَةُ ورِثَ جَمِيعَ ما تَرَكَتْ، فَشَرَّكَ بَيْنَهُما. قالَ عَبْدُ الرَّزّاقِ: أخْبَرْنا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيى بْنَ سَعِيدٍ عَنْ القاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قالَ: جاءَتْ جَدَّتانِ إلى أبِي بَكْرٍ، فَأعْطى المِيراثَ أُمَّ الأُمِّ دُونَ أُمِّ الأبِ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِن الأنْصارِ مِن بَنِي حارِثَةَ يُقالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ: يا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، قَدْ أعْطَيْتَ المِيراثَ الَّتِي لَوْ ماتَتْ لَمْ يَرِثْها، فَجَعَلَ المِيراثَ بَيْنَهُما. وَلَمّا شَهِدَ أبُو بَكْرَةَ وأصْحابُهُ عَلى المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالحَدِّ ولَمْ يُكْمِلُوا النِّصابَ حَدَّهم عُمَرُ، قِياسًا عَلى القاذِفِ، ولَمْ يَكُونُوا قَذَفَةً بَلْ شُهُودًا؛ وقالَ عُثْمانُ لِعُمَرَ: إنْ نَتَّبِعْ رَأْيَكَ فَرَأْيُكَ أسَدُّ، وإنْ نَتَّبِعْ رَأْيَ مَن قَبْلَكَ فَلَنِعْمَ ذُو الرَّأْيِ كانَ. وَقالَ عَلِيٌّ: اجْتَمَعَ رَأْيِي ورَأْيُ عُمَرَ في بَيْعِ أُمَّهاتِ الأوْلادِ أنْ لا يُبَعْنَ، ثُمَّ رَأيْتُ بَيْعَهُنَّ، فَقالَ لَهُ قاضِيهِ عَبِيدَةُ السَّلْمانِيُّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ رَأْيُكَ مَعَ رَأْيِ عُمَرَ في الجَماعَةِ أحَبُّ إلَيْنا مِن رَأْيِكَ وحْدَكَ في الفُرْقَةِ. وَلَمّا أرْسَلَ عُمَرُ إلى المَرْأةِ فَأسْقَطَتْ جَنِينَها اسْتَشارَ الصَّحابَةَ، فَقالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وعُثْمانُ: إنّما أنْتَ مُؤَدِّبٌ ولا شَيْءَ عَلَيْكَ؛ وقالَ لَهُ عَلِيٌّ: أمّا المَأْثَمُ فَأرْجُو أنْ يَكُونَ مَحْطُوطًا عَنْكَ، وأرى عَلَيْكَ الدِّيَةَ، فَقاسَهُ عُثْمانُ وعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلى مُؤَدِّبِ امْرَأتِهِ وغُلامِهِ ووَلَدِهِ، وقاسَهُ عَلِيٌّ عَلى قاتِلِ الخَطَأِ، فاتَّبَعَ عُمَرُ قِياسَ عَلِيٍّ. وَلَمّا احْتُضِرَ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أوْصى بِالخِلافَةِ إلى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وقاسَ وِلايَتَهُ لِمَن بَعْدَهُ إذْ هو صاحِبُ الحَلِّ والعَقْدِ عَلى وِلايَةِ المُسْلِمِينَ لَهُ إذْ كانُوا هم أهْلَ الحَلِّ والعَقْدِ، وهَذا مِن أحْسَنِ القِياسِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب